تراجع الهيمنة الغربية على العالم:
أسست الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لنظام عالمي جديد قائم على قيم وافتراضات النظرية الليبيرالية، ظل هذا النموذج في تنافس مع النموذج الاشتراكي المتمثل في الاتحاد السوفيتي على الهيمنة العالمية، وظلت هذه التنافسية بين النموذجين المتعارضين حتى نهاية الحرب الباردة وانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991؛ الأمر الذي اعتبرته وروجت له الولايات المتحدة على أنه انتصار لقيم الليبرالية القائمة على الديمقراطية واحترام الحرية وحقوق الإنسان والامتثال للقوانين الدولية، بل خرج المفكرين كالمنظر والفيلسوف الأمريكي “فرانسيس فوكوياما” في كتابه بعنوان “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، عام 1992، للحديث عن أن الليبرالية تشكل ذروة ونهاية التطور الأيديولوجي وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغة نهائية للحكومة البشرية، فلا توجد أي بديل لها.
أسس النظام الليبرالي وازدواجية المعايير الغربية:
نظرياً، يقوم النموذج الليبرالي بصفة عامة على قيم الديمقراطية والتعاون الدولي، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، بالإضافة إلى مبادئ الحرية الاقتصادية. كما وضعت الليبرالية مجموعة من الأسس لتنظيم العلاقات الدولية، كالتأكيد على دور القوانين والاتفاقيات الدولية والمنظمات الدولية في نشر قيم التعاون والسلام ونبذ العنف من خلال تقييد السلطة العنيفة للدول عبر القواعد والقوانين الملزمة لكافة الدول.
استطاعت الدول الغربية من خلال هذه الأسس من الهيمنة على العالم لعشرات الأعوام؛ أثبتت خلالها مدى التناقضات وازدواجية المعايير عند تطبيق هذه القيم على أرض الواقع؛ فأصبحت هذه الدول أكثر من انتهكت هذه القواعد والمعايير الأخلاقية عند تعارضها مع المصالح القومية لها، فشاركت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة في العديد من الحروب والجرائم حول العالم -فيتنام، أفغانستان، العراق، وغيرها- تحت مبررات محاربة الإرهاب وتخليص الدول من الحكم الاستبدادي أو لامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل كما الحال في العراق؛ وهي الادعاءات التي أثبتت عدم صحتها بمرور الوقت.
والآن ومع الحرب الإسرائيلية على غزة انهارت كافة القيم والمبادئ الليبرالية؛ انتهكت إسرائيل كافة القوانين الدولية وارتكبت جرائم حرب وانتهكت كافة حقوق الإنسان؛ ولم تمتثل لأي من قرارات المؤسسات الدولية الخاصة بحفظ الأمن والسلم الدولي؛ كل هذه الانتهاكات مرت بحماية ودعم الولايات المتحدة التي قدمت كافة أوجه الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل في حرب أقل ما يقال عنها بأنها حرب “إبادة جماعية”.
الاستثنائية الإسرائيلية في السرديات الغربية
تُعد إسرائيل في السرديات الغربية؛ الحليف الديمقراطي والقوة الإقليمية التي تعتمد عليها أوروبا والولايات المتحدة الامريكية في الحفاظ على مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط؛ الأمر الذي دفع هذه الدول لتقديم كافة أوجه الدعم لها وضمان تفوقها المادي والعسكري على باقي دول المنطقة؛ خلق هذا الدعم وضعاً استثنائياً لإسرائيل جعلها في حالة يمكن وصفها بأنها دولة فوق القانون، لا تخضع لأي قواعد أو قوانين دولية، تمارس الانتهاكات دون أدنى مسائلة قانونية عليها، تجلت هذه الاستثنائية التي منحها الدعم الغربي لإسرائيل في حربها الحالية على غزة والتي حطمت فيها كافة أسس النظام الليبرالي العالمي، ومنها:
انتهاك إسرائيل لقواعد ومعايير النظام الدولي:
انتهاك القوانين الدولية
خرقت إسرائيل كافة القوانين والمواثيق الدولية سواء تلك التي وقعت عليها، أم تلك التي يفرضها عليها العرف الدولي، وبالأخص القانون الدولي الإنساني الذي يتعلق بحماية المدنيين في الحروب، ومن أبرز الانتهاكات القانونية لإسرائيل في حربها الأخيرة على غزة:
- انتهاك المادتين 55 و 59 من اتفاقية جنيف الرابعة، المتعلقتان بإدارة الأقاليم المحتلة، وضرورة تحمل السلطة المحتلة المسؤولية الأساسية لضمان توفير الغذاء والإمدادات الطبية للسكان في الإقليم المحتل، وإذا كانت المواد الغذائية أو الإمدادات الطبية غير كافية لتلبية احتياجات السكان المدنيين، فيجب أن يُسمح بمرور جميع عمليات الإغاثية والإنسانية؛ وهو ما لم تلتزم به إسرائيل بل عمدت على استخدام التجويع كسلاح في حربها الانتقامية على قطاع غزة، من خلال حصار القطاع وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.
- انتهاك المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تتعلق بحظر العقوبات الجماعية والنهب والمعاملة غير الإنسانية في النزاعات المسلحة.
- بالإضافة إلى تنفيذ جملة من جرائم الحرب كاستهداف المدارس والمستشفيات، وجريمة التهجير القسري التي وردت في نظام روما الإنساني لـ المحكمة الجنائية الدولية، بأنها جريمة ضد الإنسانية، كما وردت في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والتي حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى.
- كما أنها صوتت داخل الكنيست على منع إقامة دولة فلسطينية؛ وهو ما يتعارض مع حق تقرير المصير والموجود في المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي ينص على أن “لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها”.
تقويض دور المؤسسات الدولية:
يؤكد النظام الليبرالي الغربي على دور المؤسسات الدولية في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين؛ وهو ما لم تلتزم به إسرائيل، بل قامت بتقويض دور هذه المؤسسات بشكل متعمد، من خلال:
- عدم الاستجابة لأي مناشدات أو مطالبات من الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة لوقف الحرب أو على الأقل حماية المدنيين.
- القيام بحملة ابتزاز وتشويه للأمين العام “أنطونيو جوتيريش” عندما قام بانتقاد الممارسات الإسرائيلية في غزة.
- استهداف موظفين الهيئات الإغاثية الدولية.
- رفض منح موظفي الأمم المتحدة تأشيرات دخول كما الحال مع وكيل الأمين العـام للشـؤون الإنسانية “مارتـن جريفيـث”، والمقررة الخاصـة المعنية بقـوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية “فرانشيسكا ألبـانيزي” .
- إعاقة عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عبر حملة ممنهجة استهدفت تدمير مقراتها وتفكيك قدراتها ومحاولات تصنيفها منظمة إرهابية.
ازدواجية المعايير الغربية:
الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل
بالرغم من جملة الانتهاكات لقيم النظام الليبرالي من انتهاك لحقوق الإنسان وخرق لكافة القوانين والمواثيق الدولية وعرقلة عمل المؤسسات الدولية إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت كافة سبل الدعم لإسرائيل مادياً وعسكرياً وسياسياً؛ فتدفقت شحنات الأسلحة والذخائر على إسرائيل والتي استخدمتها في استهداف المستشفيات والمدارس ومراكز إيواء المدنيين، وتخطت قيمة المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة للجيش الإسرائيلي بحسب صحيفة “واشنطن بوست” 6.5 مليار دولار منذ بدء الحرب على قطاع غزة، كما تمت الموافقة على أكثر من 100 صفقة مبيعات سلاح لإسرائيل، كما أكدت الصحيفة أن المبيعات تضمنت آلاف الذخائر الموجهة، والقذائف الخارقة للتحصينات، وغيرها من المساعدات الفتاكة، بالإضافة إلى إرسال سفينة القيادة التابعة للأسطول السادس الأمريكي “ماونت ويتني”، لكي تنضم إلى حاملتي الطائرات التي تم إرسالها في وقت سابق إلى المنطقة، “يو إس إس إيزنهاور” ، و”جيرالد فورد”، وغيرها من السفن ووحدات الاستطلاع لتأمين إسرائيل ضد أي مخاطر إقليمية.
من جانب آخر، عملت الولايات المتحدة على حماية إسرائيل من أي مسألة قانونية من خلال استخدام حق الفيتو لمنع استصدار مجلس الأمن أي قرار لوقف الحرب، بالإضافة إلى تهديد قضاة المحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوبات عليهم بعد محاولة استصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيل.
وإعلامياً، ظهرت ازدواجية وانحياز وسائل الإعلام الغربية للجانب الإسرائيلي في محاولات للتعتيم على الممارسات الإسرائيلية الإجرامية في غزة ولكن سرعان ما تم الكشف عن هذا التضليل الإعلامي الذي أدى إلى خروج تظاهرات في كافة المدن الغربية للمطالبة بوقف الحرب، وعلى الرغم من أن التظاهرات السلمية هي حق من حقوق الإنسان -التي تنادي بها الدول الغربية- إلا أن هذه الدول عملت على منع ومحاصرة أي تظاهرات باستخدام العنف لفض هذا الدعم الشعبي المتصاعد للحقوق الفلسطينية.
انهيار القوة المعيارية للاتحاد الأوروبي
ارتبطت سياسة الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه بمفهوم “القوة المعيارية” والتي تستند إلى اتباع سياسة خارجية غير تقليدية تمكنه من تحقيق أهدافه من خلال التأثير الإيجابي والقوة الناعمة بعيداً عن استخدام القوة العسكرية والعنف؛ لذا عمد الاتحاد على تفعيل استراتيجية تصدير معايير (الديمقراطية وسيادة القانون، والحريات وحقوق الإنسان والسلام) إلى خارج حدوده.
وضعت الحرب الإسرائيلية على غزة الاتحاد الأوروبي والمعايير الأخلاقية التي يؤطر بها سياسته الخارجية أمام اختبار حقيقي للمصداقية؛ والتي سقطت فيه سريعاً؛ فبالرغم من محاولة الاتحاد اتباع سياسة متوازنة فيما يخص الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والتأكيد على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 كأساس لإنهاء الصراع؛ إلا أن موقف الاتحاد في بداية الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة شهدت موقف منحاز للطرف الإسرائيلي من خلال تأييد الحرب كحق لإسرائيل في الدفاع عن النفس كما جاء في تصريحات دول الاتحاد كألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى زيارات من رؤساء المؤسسات الأوروبية لإسرائيل.
من جانب آخر، كشفت الحرب عن حجم الانقسامات في المواقف بين دول الاتحاد والخروج عن قاعدة التوافق السائدة من خلال اتخاذ الدول قرارات فردية بعيداً عن الاتحاد الأوروبي؛ وهو ما ظهر في التصويت في الجمعية العامة لتوصيات الوقف الفوري لإطلاق النار، ومع وحشية الحرب الإسرائيلية على غزة وتعنت إسرائيل في حماية المدنيين والامتثال للقوانين الدولية؛ بدأت بعض دول الاتحاد في انتقاد الممارسات الإسرائيلية ولكن دون أي تحرك فعلي من هذه الدول للضغط على إسرائيل لإيقاف الحرب، بل تعمق الانقسام مع استمرار الدعم الألماني اللامحدود لإسرائيل (بسبب عقدة الذنب التاريخية المرتبطة بالهولوكوست) في المقابل اعتراف كلاً من إسبانيا وأيرلندا بالدولة الفلسطينية.
زادت هذه الانقسامات من صعوبة بلورة قرار أوروبي موحد بشأن الحرب في غزة، كما كشف عن ازدواجية المعايير الأوروبية بمقارنة غزة مع الاستجابة السريعة لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا؛ الأمر الذي كشف عن الفشل الأخلاقي للاتحاد الأوروبي كقوة معيارية عالمية تحمل مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وهو ما أكده منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” بأن أوروبا تفقد أرضية أخلاقية مع بقية العالم وليس الدول العربية فقط بسبب موقفها من الحرب في غزة.
تعميق الفجوة مع دول الجنوب العالمي وتصاعد قوة الصين وروسيا
أعادت الحرب الإسرائيلية على غزة -وما تشهده من ازدواجية المعايير الغربية في دعم وحماية حليفتها الاستراتيجية “إسرائيل” على الرغم من انتهاكها لقواعد ومعايير النظام العالمي- مفهوم “الجنوب العالمي” إلى الواجهة مرة أخرى؛ وهو المفهوم الذي يستخدم لوصـف الـدول التي تقـع خـارج منظومـة الدول الغـربية ولا تـشترك مـع الغـرب في مسـارات التقـدم والنمـاذج الحضاريـة السـائدة، بـل تـسعى إلى تطويـر نهج خـاص يـلبي تطلعاتهـا وظروفهـا الفريـدة ويحقـق لهـا الاستقلال الاستراتيجي من خلال تـبنى سياسـات خارجيـة مسـتقلة والتصدي للضغوط التي يمارسها الغرب عليها ليدفعها للاصطفاف في معاركـه ضـد الـصين وروسـيا، ومن أبرز هذه الدول؛ جنوب افريقيا والبرازيل ومصر والسعودية والهند والمكسيك واندونيسـيا وإيران وتركــيا ونيجيريا.
ارتبط هذا المفهوم بمشاعر رفض الهيمنـة الغربية، والقلـق المستمر بشـأن الأمن والسـلم الدولـيين بسبـب عـدم التـوازن في توزيـع القوة بين دول الغـرب المتقدم وبقية دول العالم التي عانت من عقود الاستعمار والاستغلال الغربي، وهو ما تعمق مع الحرب في غزة، حيث اتخذت هذه الدول مواقف قوية ضد هذه الانتهاكات كدعوة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية للنظر في ارتكابها جرائم إبادة جماعية، أو قطع للعلاقات الدبلوماسية وسحب للسفراء كما في حالة بوليفيا وتشيلي وكولومبيا أو تبنى خطاب انتقادي حاد كما هو الحال مع البرازيل، أو من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما هو الحال مع دول الكاريبي (ترينيداد وتوباجو وجزر البهاما وجامايكا وبربادوس)، أو التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة والتصدي لكافة مخططات التهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية كما هو الحال مع مصر والأردن.
وبالتزامن مع اتساع الفجوة بين مواقف الولايات المتحدة والدول الغربية وبين دول الجنوب العالمي بشأن الحرب، عملت الصين على استغلال هذا التباعد؛ لتعزيز نفوذها وطموحاتها الخارجية؛ من خلال التخلي عن الموقف الحذر الذي اعتادت اتباعه في هذه الصراعات خوفاً من تعريض علاقاتها الإقليمية ومصالحها الاقتصادية للخطر، ولكن مع زيادة حدة الانتقادات التي تواجه الولايات المتحدة على خلفية دعمها لإسرائيل؛ سرعان ما تغير هذا الموقف لتبدأ الصين في الانحياز لموقف الجنوب العالمي لتبدأ بالمطالبة بوقف الحرب وإدانة الانتهاكات الإسرائيلية في غزة لكن دون دور حقيقي في تسوية الأزمة.
وبالمثل جاء الموقف الروسي مشابهاً للموقف الصيني في مخالفة الموقف الأمريكي دون دور حقيقي للتوسط في حل هذه الأزمة؛ ويمكن تلخيص الموقف الصيني والروسي بأنه يرتكز على تأمين مصالح البلدين واستغلال تعاطف دول الجنوب مع القضية الفلسطينية لتعميق مشاعر العداء للولايات المتحدة الأمريكية، وكسب ود هذه الدول الطامحة في تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية بعيداً عن هيمنة الدول الكبرى عليها.
مستقبل النظام الدولي
في إطار المتغيرات السابق ذكرها، يمكن القول أن النظام الدولي القائم على القواعد والمعايير الليبرالية والذي يهيمن على العالم بقيادة الولايات المتحدة؛ بدأ في التآكل لما يمر به من انتكاسات وأزمات مدمرة واحدة تلو الأخرى؛ حيث فقد هذا النظام أي شرعية أخلاقية أو مصداقية سياسية بعد الازدواجية التي تعاملت بها الدول الغربية مع أزمة غزة حيث أكدت الولايات المتحدة وحلفائها مرة أخرى أن هذه القواعد والمعايير الأخلاقية والقانونية التي اعتبر الغرب نفسه حارساً لها هي مجرد أدوات تسمح للغرب في تحقيق مصالحهم القومية، وذرائع للهيمنة على دول العالم.
كما كشفت الحرب على غزة عن الكثير من المعطيات الجديدة التي قد تُسهم في تغيير معالم النظام الحالي، وتفتح الطريق لمسارات جديدة وتحولات كبرى على المستوى الدولي، وأبرزها:
- فشل الولايات المتحدة والعالم الغربي في فرض النموذج الليبرالي (المثالي لإدارة العالم من وجهة نظرها) على دول العالم وفشل هذا النظام في احتواء وتسوية الصراعات التي تنشأ عالمياً، بالإضافة إلى ما أظهرته هذه الدول من تناقض فج بين المعايير والقواعد التي وضعتها وبين تطبيقها على أرض الواقع خاصة عندما تتعارض هذه القيم والمعايير مع المصالح القومية لها.
- من جانب آخر؛ استمرار احتدام التنافس على النفوذ بين الولايات المتحدة من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر، واستغلال الأزمات الحالية لزيادة الفجوة بين الولايات المتحدة ودول الجنوب العالمي؛ لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والاستراتيجية، دون تقديم مساهمات حقيقية في تسوية الأزمات الراهنة.
- كشف الموقف الغربي من الحرب الإسرائيلية على غزة عن هشاشة النظام الدولي القائم على المؤسسات مثل مجلس الأمن الدولي؛ فامتلاك حق النقض (الفيتو) أصبح أداة تفرض به الدول الكبرى هيمنتها على العالم، -كالولايات المتحدة التي تحدت الأغلبية الدولية من خلال عرقلة كافة القرارات التي طالبت بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة- كما يغيب عن هذه المؤسسة الهامة أي تمثيل لأفريقيا وأمريكا الجنوبية بين الأعضاء الدائمين.
تؤكد هذه المتغيرات والانتكاسات التي تواجه النظام الدولي الحالي، أننا أمام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب في طور التشكل لا تسيطر عليه القوى الكبرى فحسب، وإنما تكون فيه الفرصة سانحة لدول “الجنوب العالمي” بما فيها دول الشرق الأوسط-إذا ما استطاعت توحيد صفوفها واستثمار ما كشفته الحرب من ازدواجية وانهيار للمعايير الغربية -؛ لصياغة رؤيتها لنظام دولي جديد قائم على تعددية القوى الدولية والمراكز الثقافية المنشئة للمعايير التي يجب أن تحكم النظام الدولي بعيداً عن الازدواجية والتوظيف السياسي للمعايير والقواعد التي وضعتها الولايات المتحدة للهيمنة على العالم.
المصدر : https://ecss.com.eg/47490/