تعيش القارة الإفريقية أزمة استيراد منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل حوالي سنة و5 أشهر وانعكاساتها السلبية على القارة السمراء في مختلف المجالات وتأثيرات هذه الحرب بالتحديد على الأمن الغذائي في القارة الإفريقية وتداعياتها السلبية الكبيرة على المنطقة التي تسببت بشح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها بأعلى نسبة منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008. بالرغم من أن القارة السمراء من المفترض ألا تتأثر نظرًا للإمكانيات الهائلة والوفيرة التي تمتلكها والتي تمكنها من أن توفر فائضًا غذائيًّا بإمكانه أن يغذي أجزاء أخرى من العالم وليس إفريقيا فحسب.
سنتطرق في هذه الورقة إلى أبرز تأثيرات هذه الحرب وتداعياتها والنظر في الحلول والبدائل المستدامة التي يمكن أن تنتشل القارة الإفريقية سواء من هذه الأزمة أو أي أزمة عالمية أخرى مستقبلًا قد يكون لها انعكسات سلبية على المنطقة.
تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على الأمن الغذائي في إفريقيا
لقد مرَّ عام ونصف تقريبًا منذ أن بدأت روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، في فبراير/شباط من العام الماضي. وقد جاءت هذه الحرب بالنسبة للقارة الإفريقية في وقت سيء للغاية حيث كانت قد بدأت للتوِّ في التعافي من جروح اقتصادية واجتماعية ناجمة عن جائحة كورونا، وقد تسببت الحرب الروسية-الأوكرانية في مضاعفة الحالة الهشة للاقتصاد الإفريقي الذي يعتمد إلى حدٍّ كبير على استيراد الحبوب، ناهيك عن مساهمتها في ارتفاع أسعار الغاز والنفط مما يشير إلى أن كابوس تدهور الاقتصاد سيظل يطارد إفريقيا لفترة طويلة.
تحتل روسيا وأوكرانيا مكانة مركزية في الزراعة العالمية باعتبارهما الدولتين المصدِّرتين الرئيسيتين للمنتجات الزراعية والمواد الغذائية إلى الأسواق العالمية. حيث تعتبر “روسيا أكبر مصدِّر للقمح في العالم بنسبة 18% من الصادرات العالمية في حسب توقعات 2023/24، في حين تحتل أوكرانيا المرتبة السادسة بين الدول المصدرة للقمح في نفس العام، بنسبة 10% من الصادرات العالمية”(1). ويمثل البلدان معًا ما يقرب من 80% من صادرات الذرة والشعير وبذور اللفت وزيت عباد الشمس إلى الأسواق العالمية منذ عام 2018. بالإضافة إلى ذلك، تعد روسيا واحدة من أكبر مصدري الأسمدة النيتروجينية والبوتاسيوم والفوسفور.
“تستورد الدول الإفريقية حوالي 90% أو أكثر من استهلاكها من القمح”(2). أكبر المستوردين هم دول شمال إفريقيا، ولاسيما مصر التي تستورد أكثر من 60% من استهلاكها من القمح، والجزائر 75%، وتونس 62%، والمغرب 38%. دول مثل الكاميرون وجيبوتي وبوروندي وتوغو والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا ورواندا وتوغو وليبيا وموريتانيا وناميبيا، كلها تستورد من 50 إلى 70% من القمح. بينما تستخدم مدغشقر ومصر 70 إلى 80% من القمح الذي يأتي من الخارج، تستورد الصومال أكثر من 90%، وإريتريا من أكثر الدول تضررًا لأنها تستورد 100% من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، والغريب في الأمر أن إريتريا هي إحدى الدول الخمس التي صوَّتت ضد قرار الأمم المتحدة بإدانة قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإخضاع أربع مقاطعات أوكرانية له. ووفقًا لتقرير iPES Food 2022 وتقرير منظمة الأغذية والزراعة، 2022، في شرق إفريقيا، يتم استيراد حوالي 84% من القمح إلى حد كبير من أوكرانيا وروسيا.
تُظهر نسبة الاعتماد الكبيرة على استيراد الحبوب مدى الأزمة الغذائية التي تعاني منها القارة الإفريقية؛ حيث إن الوضع مثير للقلق بالفعل، فقبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كان حوالي 283 مليون شخص يعانون بالفعل من الجوع في القارة الإفريقية، وجاءت الحرب الروسية-الأوكرانية لتفاقم هذه الأزمة. ومن الواضح أن الأزمة الأوكرانية تعطل بشكل خطير أسواق الأغذية الزراعية العالمية وتهدد بتفاقم المجاعة في إفريقيا بسبب أن العديد من البلدان الإفريقية تعتمد على الواردات الغذائية، مما يضر بتنمية القطاع الزراعي وبناء سياسات غذائية فعالة ومرنة على المستوى الوطني.
تعتمد القارة الإفريقية، مثل العديد من دول العالم، إلى حدٍّ كبير على القمح من روسيا وأوكرانيا، وقد أدت الأزمة في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا إلى تعطيل سلسلة التوريد مما تسبب في مشاكل في العديد من البلدان، كما أن الأمن الغذائي مهم للأفارقة والنقص الذي تسببه الحرب يمثل تحديًا كبيرًا للبلدان التي لا تزال تواجه الجفاف نتيجة لتغير المناخ والصراعات وآثار وباء كورونا. ويعتمد العديد من البلدان الإفريقية على الزراعة، كما أثرت الحرب في أوكرانيا على توافر الأسمدة من روسيا، وغانا باعتبارها واحدة من هذه الدول تستورد 50% من الأسمدة من روسيا.
أدت الحرب أيضًا إلى تعطيل أسواق الغذاء العالمية مما أدى إلى ارتفاع الأسعار ونقص هذه السلع. بالإضافة إلى تعطيل إمدادات الأسمدة والتي تعد مدخلًا رئيسيًّا آخر للإنتاج الزراعي، ارتفعت أسعارها بشكل حاد، وذلك سيجعل الأمر أكثر صعوبة وتكلفة بالنسبة للمزارعين في إفريقيا لإنتاج الغذاء مما قد يؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن الغذائي. وبطبيعة الحال، فإن للحرب في أوكرانيا آثارًا بعيدة المدى على الأمن الغذائي والنظم في إفريقيا من عدم القدرة على استيراد المحاصيل الأساسية إلى الآثار الخطيرة طويلة الأجل للقيود على الأسمدة والمواد الأساسية للزراعة. وفي هذا الصدد فقد ذكرت مؤسسة التحالف من أجل ثورة خضراء لإفريقيا (AGRA)، أن 20 دولة إفريقية تستورد 90% من قمحها من روسيا وأوكرانيا وأن الاحتياطيات الغذائية الإستراتيجية تنضب بسرعة في العديد من البلدان الإفريقية وذلك يعد أمرًا مقلقًا للغاية من أن الأزمة ستضرب بشدة في الموسم الزراعي المقبل 2023/24 لاسيما أن المزارعين لا يستطيعون تحمل تكلفة الأسمدة لأن الأسعار تضاعفت، وإذا لم يكن لدى المزارعين حافز لاستخدام الأسمدة، فمن المحتمل أن نشهد عوائد منخفضة للغاية في الموسم المقبل.
لابد أن ندرك أن إفريقيا تعاني بالفعل من أزمة خطيرة عندما نستدرك “أن هناك 281 مليون شخص في إفريقيا ليس لديهم ما يكفي من الطعام”(3) وما يقرب من ثلاثة أرباع السكان لا يستطيعون تحمل تكاليف الطعام المغذي ناهيك عن التحديات الأخرى مثل تغيرات المناخ، والجفاف الحاد في شرق إفريقيا، وأسوأ طاعون للجراد منذ 70 عامًا المدمر للحصاد. بدون أن ننسى أزمة فيروس كورونا المستجد وتبعاته التي أدت إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية بنسبة 18%.
تتحمل البلدان الإفريقية التي تعتمد على واردات المواد الغذائية والمنتجات الزراعية العبء الكامل لارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، ومع ذلك ستميل البلدان المصدرة إلى الحد من صادراتها الغذائية لضمان توافرها على أراضيها في أوقات الأزمات مما يؤدي إلى تفاقم النقص وبالتالي يؤدي إلى زيادة الأسعار في الأسواق الدولية على حساب البلدان الفقيرة والأقل نموًّا. وبما أن صدمات الأسعار هذه تتفاقم بشكل واضح بسبب مضاربات المستثمرين الماليين فإن مكافحة المضاربة على المواد الغذائية هي قضية مركزية في مكافحة الجوع في القارة الإفريقية.
وعلى الرغم من انخفاض معدلات الفقر في إفريقيا منذ عام 2000، لا يزال جزء كبير من سكان إفريقيا يعيشون تحت خط الفقر؛ حيث يعتبر الفقر أحد الأسباب الرئيسية للجوع. وبما أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي يعزز كل منهما الآخر، فإن مكافحة الفقر هي إحدى الركائز الأولى في مكافحة الجوع، وينطبق الشيء نفسه على عدم الاستقرار السياسي والصراعات التي لها تأثير كبير على الأمن الغذائي في إفريقيا. وبالرغم من ذلك يشير العديد من الخبراء والاقتصاديين الزراعيين إلى أن أصل أزمة الغذاء في إفريقيا ليس الحرب في أوكرانيا ولكن هشاشة النظم الغذائية في القارة.
ويمكن أن نلخص الآثار المحددة للحرب الروسية-الأوكرانية على الأمن الغذائي في إفريقيا:
- ارتفاع أسعار المواد الغذائية: أدت الحرب إلى ارتفاع حاد في أسعار القمح والذرة وزيت عباد الشمس؛ مما جعل الأمر أكثر صعوبة على الناس في إفريقيا لشراء الطعام، ودفع بملايين الناس إلى براثن الفقر.
- نقص الغذاء: عطلت الحرب أيضًا الإمدادات الغذائية، مما أدى إلى نقص القمح والذرة وزيت عباد الشمس في بعض البلدان، وقد كان لهذا تأثير شديد بشكل خاص على البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الواردات من روسيا وأوكرانيا.
- زيادة الجوع: أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص الغذاء إلى زيادة الجوع وسوء التغذية في إفريقيا. تقدر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع في إفريقيا يمكن أن يزداد بمقدار 11 مليونًا نتيجة للحرب.
لا يزال التأثير الكامل للحرب الروسية-الأوكرانية على الأمن الغذائي في إفريقيا يتكشف. ومن الواضح أن الحرب لها تأثير سلبي كبير على الأمن الغذائي في المنطقة.
أي دور لإفريقيا للتغلب على تأثيرات الحرب السلبية على الأمن الغذائي؟
حاولت إفريقيا لعب دور الوسيط في انهاء الحرب في أوكرانيا ولكن محاولتها يبدو أنها لم تكلل بالنجاح، فقد قام مؤخرًا وفد إفريقي ضم رؤساء جنوب إفريقيا وجزر القمر والسنغال وزامبيا، بالإضافة إلى رئيس وزراء مصر ومبعوثين من جمهورية الكونغو وأوغندا، كانوا مهتمين بشكل خاص بالقضايا المتعلقة بانعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك حصول إفريقيا على الحبوب والأسمدة التي تأثرت بالحرب وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع معدلات الفقر. ومن أهم أسباب فشل الوساطة الإفريقية، أن لم يسبق المهمة الاستعدادات الدبلوماسية والتقنية اللازمة لمنح القادة مزيدًا من النفوذ لدعم جهود الوساطة الخاصة بهم، وأظهر ذلك مدى ضآلة نفوذهم في مثل هذه المناقشات حيث تبخر أي أمل في إيجاد الحلول للوصول إلى الحبوب والأسمدة، والتي أدت إلى تضخم أسعار الغذاء في معظم أنحاء القارة.
ومن المثير للاهتمام أن موقف العديد من الدول الإفريقية غير المنحازة جعل هذا الوفد مناسبًا لمهمة محادثات السلام المحايدة. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تشق محادثات الوفد الإفريقي طريقه للتوصل إلى حل سلمي للصراع. ولا يبدو أن روسيا وأوكرانيا، بأهداف مختلفة إلى حد كبير، على استعداد للتوصل إلى أي مفاوضات سلام، حيث لم يمتلك الوفد الإفريقي نفوذًا كبيرًا عليهما لدفع مفاوضات السلام إلى الأمام، وكان التركيز ينصب بشكل رئيسي على تحسين الوصول إلى الحبوب والأسمدة الروسية والأوكرانية.
في حقيقة الأمر يمكن لإفريقيا أن تلعب أدوارًا مهمة في إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية من خلال عدد من الجوانب مثل الوساطة حيث يمكن لإفريقيا أن تلعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا ولديها تاريخ طويل من الوساطة في النزاعات، وعلاقات جيدة مع كل من روسيا وبشكل أقل مع أوكرانيا وأن تلعب دورًا باستخدام نفوذها الدبلوماسي، ودعم المفاوضات السلمية، والدعوة إلى التعاون الدولي، بشرط أن يسبق عملية الوساطة تنسيق واتحاد في الموقف والرأي ينبثق من خلال الاتحاد الإفريقي وليس من خلال كتلة واحدة من القارة الإفريقية. كما يمكن استخدام النفوذ الدبلوماسي عبر قنواتها الدبلوماسية للانخراط مع روسيا وأوكرانيا، وتشجيع الحوار والمفاوضات، وتقديم مشورة التحكيم المحايدة أو العمل كوسطاء بين الأطراف المتنازعة من أجل تسهيل المناقشات السلمية وإيجاد حل سلمي، وهناك حل آخر للدول الإفريقية وهو أن تنضم إلى الجهود الدولية بفاعلية أكبر لتأييد ودعم المفاوضات السلمية بين روسيا وأوكرانيا. والمشاركة بنشاط في المبادرات الدبلوماسية مثل صيغة نورماندي أو اتفاقيات مينسك والتي تهدف إلى تخفيف التوترات والسعي إلى حل سلمي للنزاع والتي قد تسهم في خفض التصعيد وتعزيز التعايش السلمي بين الطرفين.
من جانب آخر، على الدول الإفريقية استخدام منصاتها في المنتديات والمنظمات الدولية للدعوة إلى التعاون العالمي في حل النزاع الروسي-الأوكراني من خلال دعم الجهود الدبلوماسية وتسليط الضوء على أهمية الحوار وتشجيع الدول الأخرى على العمل معًا من أجل حل سلمي. يمكن أن يشمل ذلك الدعوة إلى الالتزام بالقانون الدولي، واحترام السيادة، والحل السلمي للنزاعات من خلال التفاوض والحوار.
ما يعوق احتمالية نجاح لعب إفريقيا دورًا استراتيجيًّا في إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية هو الانقسام الإفريقي بين مؤيد لروسيا من جهة ومؤيد للدول الغربية من جهة أخرى وإن كان القسم الأكبر من القارة الإفريقية ينحاز لروسيا. نحن نشهد الآن وبعد مرور أكثر من عام على الحرب الروسية المدمرة في أوكرانيا تقسيم السياسة الإفريقية تجاه الصراع تقريبًا إلى نهجين: الدول التي تقف ضد الحرب الروسية في أوكرانيا، والدول التي تتبع سياسة عدم الانحياز الإستراتيجي. وكانت الدول القليلة التي أيدت صراحة الحرب الروسية هي مالي وإريتريا.
تم تمرير قرارين متتاليين يدينان الغزو الروسي لأوكرانيا على الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث صوَّت ما يقرب من 50% من الدول الإفريقية لصالحه، بينما اختار النصف المتبقي الامتناع عن التصويت أو التغيب عن التصويت. وفي عام 2023، صوَّتت إريتريا ومالي فقط ضد القرار. وفي عام 2022، كانت الأولى هو الوحيدة التي صوَّتت ضد القرار. ومن هنا يمكن أن نستدرك أن سياسة عدم الانحياز التي تتخذها معظم الدول الإفريقية هي نهج دبلوماسي تمت تجربته، وعند تنفيذه بنجاح يجنب تلك الدول تداعيات الانتقاء العلني عند منافسة دول القوى العظمى.
بشكل عام، أثار العدد الكبير من الامتناع عن التصويت والغياب عن الكتلة الإفريقية خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة مخاوف داخل مجالات السياسة الخارجية الغربية من أن عدم الانحياز يعكس بشكل أو بآخر نفوذ روسيا المتزايد في القارة. وقد أدى هذا بدوره إلى بدء إعادة التوازن الغربي تجاه إفريقيا بزيارات ومبادرات رفيعة المستوى من قبل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لمغازلة الدول الإفريقية. ومن هنا يمكن للدول الإفريقية استغلال هذا الموقف وممارسة ضغوطها للحصول على تنازلات من الدول الغربية من أجل ضمان حصولها على الحبوب والأسمدة، قبل استجابتها لتلك المغازلات.
أظهرت هذه الحرب أهمية تعزيز الأنظمة الاقتصادية في إفريقيا بدلًا من التركيز بشكل أكبر على تعزيز قطاعي الدفاع والأمن اللذان يتربعان على أولوية النظم الإفريقية لحماية سلطاتها، ولكن يجب أن يعي القادة الأفارقة أنه قد حان الوقت للتركيز على التعاون القاري والمجتمعي مثل الاتحاد الإفريقي وجماعة شرق إفريقيا (EAC) والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) وغيرها لتعزيز التنمية المستدامة والاقتصاد المتكامل، وتعزيز الانتاجية الزراعية.
لا تزال الحرب في أوكرانيا مستعرة وتكلفة المعيشة في البلدان الإفريقية لا تزال في ارتفاع، والمؤشرات تشير إلى استمرار هذا الوضع في التأثير على تنمية العديد من البلدان في القارة.
ما الحلول التي قد تنتشل إفريقيا من هذه الأزمة الغذائية؟
يتطلب الحد من الاعتماد على الواردات أن تتحرك الدول الإفريقية نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء، لذلك من الضروري إعادة التفكير في السياسات الزراعية في القارة “تنفق إفريقيا 55 مليار دولار سنويًّا وقد يزيد هذا الرقم إلى الضعف بحلول عام 2030”(4) على استيراد المواد الغذائية التي يمكن إنتاجها في القارة، ومن هذا المنظور يجب أن تعزز السياسات الغذائية تأمين القاعدة الإنتاجية وتطوير البنية التحتية الريفية. والقيام بذلك يتطلب سياسات عامة وفعالة لتنفيذها لتسهيل وتحديد أولويات الحصول على التمويل للمشاريع الزراعية، ودعم وتدريب المزارعين على تقنيات الإنتاج الجديدة التي تحسِّن الغلات وتطوير البنية التحتية الريفية.
كما أن زيادة الإنتاج الزراعي هي إحدى حلول مكافحة الجوع، وذلك عبر تشجيع زيادة استخدام الأسمدة مع الترويج للاستخدام الموجه نحو الزراعة البيئية. في عام 2020، كان متوسط استخدام الأسمدة لكل هكتار من الأراضي المزروعة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على سبيل المثال حوالي 17 كجم، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 135 كجم، علاوة على ذلك لا تزال إفريقيا تعتمد إلى حد كبير على واردات الأسمدة. هناك حاجة ملحَّة إلى دعم سلسلة قيمة الأسمدة من خلال تعزيز وصول المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة إلى الأسمدة، والبحث في الأسمدة العضوية وإنتاجها على المستوى المحلي على نطاق واسع وتداولها أيضًا في جميع أنحاء القارة.
إن البرنامج الشامل لتنمية الزراعة في إفريقيا (CAADP) الذي يدعمه الاتحاد الإفريقي منذ عام 2003 في إطار الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) والذي يهدف بشكل خاص إلى زيادة الإمدادات الغذائية والحد من الجوع في القارة الإفريقية، يوفر إطار عمل سياسيًّا وتدخلًا إستراتيجيًّا يمكن استغلاله بشكل أكبر على المستوى الإقليمي. وبالمثل، فإن تطوير منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) مع التركيز على المنتجات الغذائية والزراعية، لن يؤدي فقط إلى تعزيز استهلاك السلع المنتجة في القارة، ولكن يؤثر أيضًا على سلسلة توريد الأسمدة. وأخيرًا، ينبغي أيضًا تشجيع تعزيز المخزونات العامة الوطنية والإقليمية كما تفعل جماعة دول غرب إفريقيا بالفعل.
كما أن هناك بعض الإستراتيجيات التي يمكن أن تخفف العبء عن الاقتصادات الإفريقية المتعثرة، وبالتالي الحصول على السيولة التي ستسهم في توفير الغذاء؛ فعلى سبيل المثال إن إعادة تخصيص 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي لدعم البلدان الإفريقية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الدَّين العام الإفريقي، من شأنه أن يمنح هذه البلدان الحيز المالي لمواجهة الأزمة، والأكثر إستراتيجية هو الإرادة السياسية للحكومات الإفريقية لإعادة التركيز على الزراعة، عبر تعزيز الإنفاق العام لبناء نظام غذائي إفريقي مكتفٍ ذاتيًّا وقادر على الصمود لترسيخ سيادة غذائية كاملة وزيادة الأراضي المزروعة والوصول إلى الأسواق لتعزيز التجارة عبر الحدود جنبًا إلى جنب تسريع وتيرة تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية.
إن إصلاح هذه الأزمة يدور حول إصلاح نقاط الضعف الأساسية للأنظمة وتوجد حلول مقترحة على المدى القصير لكيفية الحصول على تدفق الحبوب وتخفيف المزيد من صدمات الأمن الغذائي من خلال زيادة الإنتاج في المناطق الحالية العالية ومنخفضة الإنتاجية من خلال تطبيق حوافز السوق على جانب العرض والطلب، والنظر أيضًا في عمليات الاستبدال تلك على المدى المتوسط، بالإضافة إلى العمل على زيادة المرونة على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي لإمدادات القمح والحبوب، ودعم مسارات الاكتفاء الذاتي جنبًا إلى جنب التجارة المفتوحة في القارة.
علينا أن ندرك أننا بحاجة إلى التفكير في أنظمة غذائية وزراعية مرنة، فهذه الصدمات والأزمات الغذائية لن تنتهي إذا لم نتطور في هذا الجانب. نحتاج أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة تلك الصدمات، وهذا هو الجانب الذي يمكن أن يدعمه شركاء التنمية، حيث يحتاج القطاع الخاص إلى لعب دور إستراتيجي وتحتاج الحكومات الإفريقية إلى إظهار القيادة والمسؤولية لنتجنب هذه الأزمات. والحلول تشمل أيضًا البحث عن بدائل للقمح على سبيل المثال يوجد الذرة والدخن كبديل للقمح، بالإضافة إلى منح حوافز قصيرة الأجل للقطاع الخاص لتعزيز الأسواق التجارية الزراعية، وتقديم الحكومات إعانات للحصول على الأسمدة والمواد الأساسية الأخرى.
من جانب آخر، ضرورة تعزيز طرق توافر البيانات حيث أصبحت الحاجة ملحَّة إلى وجود أنظمة بيانات قوية وهذه نقطة محورية يجب التركيز عليها، فبالنسبة لإفريقيا ارتفعت نسبة توافر البيانات وقدرة التنبؤ أكثر من أي وقت مضى من خلال الكوادر الإفريقية في المؤسسات المعنية، والحاجة تتطلب إنشاء هيئة خاصة تجمع بين البيانات والمنظمات ذات التوجه البحثي وتلك الموجودة على أرض الواقع لكبح جماح الفجوة بينهما من أجل فهم ما يجب عمله بشكل جيد واتخاذ نهج إقليمي أكثر كفاءة وبالتالي الحصول على نموذج قاري متكامل. ومن هنا يجب التأكيد على الأهمية الأساسية للشراكات والتعاون في هذا الجانب. ومن ناحية أخرى، فإن تطوير برامج إقليمية من شأنها تعزيز أنظمة التحليل والبيانات ورفعها إلى القيادات السياسية ببيانات موثوقة لاتخاذ قرارات مستنيرة، بحيث يتم تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع المنظمات الإفريقية مثل السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا) التي تضم 21 دولة عضوًا، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تضم 15 عضوًا. وبالتالي ممكن أن تساعد تلك البيانات التي تم جمعها في ضمان انتقال الغذاء من المناطق الفائضة إلى المناطق الناقصة، وهنا تكمن أهمية أنظمة البيانات القوية التي تعزز النمو وتوجه سياسات توفير غذائية أفضل. بالإضافة إلى أنه من الضروري لشركاء التنمية نشر الابتكارات الزراعية المتوافرة وإيجاد اتصالات نشطة بين مؤسسات البحث والمؤسسات المعنية بالمعونة الإنسانية والإنمائية، والاطلاع أولًا بأول على التقارير من نظم معلومات السوق الزراعية (AMIS) والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، من أجل تعزيز القدرة على الصمود في مثل هذه الأزمات.
ومن الممكن أيضًا العمل على بعض الإستراتيجيات للتخفيف من تأثير الحرب على الأمن الغذائي في إفريقيا من خلال:
- عقد اجتماعات دورية لوزراء الزراعة في إفريقيا للنظر في مدى تأثير الحرب على الأمن الغذائي في القارة، وابتكار الحلول، وفتح المجال للمعنيين بالبحوث الزارعية لتقديم التوصيات والمقترحات، للوصول إلى أفضل الممارسات الممكن تنفيذها.
- المعونة الغذائية: ستكون هناك حاجة للمعونة الغذائية لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون الجوع نتيجة الحرب. يحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لتقديم المعونة الغذائية لإفريقيا، وإن كنت لا أحبذ أن يكون الحل عبر تدخل المجتمع الدولي والاقتصار على الحلول الإفريقية البحتة ولكن الحاجة حاليًّا تلح على اللجوء للمجتمع الدولي.
1)- Russian invasion in Ukraine could threaten global food security and starve hundreds of millions globally, 6 September 2022 (access 30 Aug 2023),
2)- How the Ukraine Invasion Impacts Food Security in Africa, 26 May 2022, (access 30 Aug. 2023),
https://devworks.org/how-the-ukraine-invasion-impacts-food-security-in-africa/
3)- [1] Hunger in Africa: statistics and facts, 12 May 2022, (access 30 Aug. 2023),
https://www.developmentaid.org/news-stream/post/142904/hunger-in-africa-statistics-and-facts
4)- Hunger in Africa: statistics and facts, 12 May 2022, (access 30 Aug. 2023),
https://www.developmentaid.org/news-stream/post/142904/hunger-in-africa…