فرزين نديمي
هذا الأسبوع، قام رجال الدين والمسؤولون العسكريون الإيرانيون بتصعيد خطابهم ضد “الأعداء” الأجانب، متهمين إياهم بشنّ “حرب عالمية في الشوارع” ضد طهران وسط احتجاجات عامة على سياسة البنزين أعقبتها حملة قمع من جانب النظام. ففي 25 تشرين الثاني/نوفمبر، هدّد قائد «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني اللواء حسين سلامي الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية بعقوبات شديدة إذا تخطت هذه الدول الخطوط الحمراء الإيرانية. كما حذّر من إمكانية نفاد صبر «الحرس الثوري» الإيراني، ومن أن أي استفزاز خارجي سيولّد رد فعل قوي في وقتٍ ومكانٍ يختارهما بنفسه. وقبل ثلاثة أيام، أوصى قائد المقر المركزي لـ “خاتم الأنبياء”، اللواء غلام علي رشيد، واشنطن بتفادي أي أعمال في منطقة الخليج الفارسي أو مضيق هرمز والتي قد تُعرّض القوّات العسكرية الأمريكية إلى “خطرٍ كبير”، معلناً أن الكلام وحده – بما فيه الرسائل الخفيّة – “لن يكون كافياً لمنع الحرب” حين تندلع الأعمال العدائية في المرة المقبلة.
مناورات عسكرية
كانت تهديدات اللواء رشيد جديرة بالملاحظة بشكلٍ خاص لأنها جاءت حين كان يراقب تدريبات الدفاع الجوي في محافظة سمنان. ومع أن تدريب “حريم الولاية” هو تدريب سنوي يجري في أعماق وسط إيران، يبدو أن نسخة هذا العام صُممت لمحاكاة منطقة العمليات المشتركة في الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عُمان. وأفادت بعض التقارير أن نماذج نشر العتاد حاكت الترتيبات القائمة في هذه المسارح، مع التشديد على زيادة القدرات الهجومية والدفاعية الخاصة بـ «الحرس الثوري» الإيراني على المضيق (ربما بدافع الاعتقاد أن كلّ مَن يسيطر على الجو يسيطر في النهاية على ساحة المعركة).
وفي غضون ذلك، أبحرت المجموعة الهجومية التابعة لحاملة الطائرات الأمريكية “يو أس أس أبراهام لينكولن” عبر المضيق للتوقف على أحد المرافئ في البحرين في 19 تشرين الثاني/نوفمبر. وكانت هذه هي الرحلة الأولى التي تقوم بها حاملة الطائرات في الخليج منذ أيار/مايو؛ فسابقاً، اختارت أن تبقى في شمال “بحر العرب”، ضمن نطاق عمليات على مسافة آمنة بل فعّالة من إيران. وتم تمديد انتشار السفينة إلى حين انتهاء تصليحات بديلتها، “يو أس أس هاري أس ترومان”، وجهوزية إبحارها. وقد أدّى قُرب القوات البحرية الأمريكية إلى دفع اللواء سلامي إلى تهديد “العدو” وحاملات طائراته بشن هجمات صاروخية دقيقة التوجيه “تسحق العظام”. ووصف لاحقاً عبور مضيق هرمز بأنه محاولةً فاشلةً لإظهار الدعم لاحتجاجات البنزين.
وقد يكون مسؤولو «الحرس الثوري» الإيراني قلقين بالقدر نفسه إزاء البعثة المعروفة باسم عملية “سانتينيل“ Operation Sentinel، وهي مبادرة أمنية بحرية جديدة متعددة الأطراف في الخليج. وبدأت هذه العملية التي أُقيمت تحت رعاية “التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية” في 7 تشرين الثاني/نوفمبر. وتقود الولايات المتحدة هذه البعثة وتشمل حاليّاً ألبانيا وأستراليا والبحرين وبريطانيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
وأبدت عدة دول أوروبية أخرى، من بينها الدنمارك وإيطاليا وإسبانيا، رغبتها في الانضمام إلى مبادرة بحرية منفصلة بقيادة فرنسا، رغم أن هولندا هي الوحيدة التي أعلنت أنها ستوقّع عليها رسميّاً. وافتُتِح مركز العمليات الخاص بالبعثة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، مع تمركُز قوات المراقبة خارج “معسكر السلام” في أبوظبي. ولم تظهر حتى الآن أي تقارير عن وقوع احتكاك كبير مع الوحدات البحرية الإيرانية، بما فيها قوات «الحرس الثوري» الإيراني التي تزعم السيطرة على مضيق هرمز. وقد يبدو هذا الهدوء النسبي مفاجئاً نظراً لأن “مبادرة هرمز للسلام” (المعروفة أيضاً بـ”تحالف الأمل”) التي أطلقتها إيران مؤخّراً لم تنجح في إقناع أي بلدان إقليمية في وجوب النظر في ترتيبات أمنية خاصة بالخليج مع طهران في ظل الظروف الراهنة. ومع ذلك، فقد يكون الهدوء قصير الأمد إذا استمر المتشددون في مواجهة ضغوط كبيرة في الداخل.
حشد الشباب المُحبطين
يواجه النظام الإيراني تحديات أكبر من شعبه، حتى عندما يحاول بناء ثقته وقدراته من أجل التصدي للخصوم الخارجيين وزيادة طموحاته الإقليمية. ومع دخول “الجمهورية الإسلامية” عقدها الخامس، تتصارع مع مفارقة شائعة حول كيفية تمرير مسؤولية الالتزامات الثورية إلى الجيل القادم. ففي فترة اندلاع الثورة عام 1979، لم يكن أكثر من نصف سكّان إيران الحاليين قد وُلدوا بَعد. وخامنئي على معرفة جيدة بأن عليه الاعتماد على هذا الجيل لما يدعوه مشروع “خطوته الثانية”، إلّا أن هناك أسئلة جدّيّة قد برزت حول ولاء هذا الجيل – لا سيما وأن الإيرانيين الشباب الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة يؤدّون الآن دوراً رائداً في الاحتجاجات.
وفي السياق نفسه، كان من المفاجئ سماع أحد الناطقين باسم «الحرس الثوري» الإيراني يتحدث بنبرة يائسة على نحوٍ غير مألوف عن الجيل القادم في مقابلةٍ أُجريت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر. ففي حديثه من على شاشة التلفزيون الحكومي، انتقد العميد رمضان شريف بقساوة الشباب الإيرانيين الساخطين الذين رددوا شعارات موالية للنظام الملكي واستخدموا لغةً عنيفةً مناهضةً للنظام في المظاهرات الأخيرة، ووصفهم كـ “خونة”.
وسيتّسع هذا الاختلاف بين الأجيال بمرور الوقت، مما قد يدفع المؤسسة المتشددة المحبطة إلى افتعال أزمة يمكن التحكم بها فقط من أجل إلهام الشباب بحماسة دينية وقومية. فمن وجهة نظرها، قد يشكّل ذلك أفضل طريقة لتغيير الوضع الأيديولوجي الراهن الذي سهّل اندلاع الاحتجاجات الحاليّة. وقد استخدم النظام هذا التكتيك في الماضي، خاصة خلال الحرب بين إيران والعراق، وربّما يعيد المرشد الأعلى علي خامنئي استخدامه اليوم. ففي خطابٍ ألقاه في 3 تشرين الثاني/نوفمبر أمام جمهورٍ من الطلّاب، أكّد مجدداً على إطار العمل الصارم الذي يتبعه السياسيون الإيرانيون في التعاطي مع واشنطن والمتمثل في “عدم التفاوض”. وعلى الرغم من أن فحوى ملاحظاته المناهِضة للولايات المتحدة قد تماشى مع خطاب النظام النموذجي الذي صدر في ذكرى أزمة الرهائن عام 1979، إلّا أن التهديدات العسكرية والمواقف المتزامنة الصادرة عن «الحرس الثوري» الإيراني تثير خطر تحوُّل أقوال طهران إلى أفعال.
الخاتمة
كما ظهر في الهجوم الصاروخي الذي شُنّ ضد شمال إسرائيل والذي نُسب إلى إيران في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، يبدو أن النظام يشدد عزمه على الرد على تلك البلدان التي يعتقد أنها تهدد طموحاته الإقليمية وتَمَسّكه بالسلطة. ومنح الهجوم الناجح للغاية على منشآت “أرامكو السعودية”، والذي لم يتم الرد عليه إلى حد كبير في أيلول/سبتمر، جرعةً مشابهةً من الثقة إلى «الحرس الثوري» الإيراني والقيادة المحافِظة. وتبعاً لذلك، يمكن أن يتوقع المرء شروع طهران في مغامرتها الإقليمية الكبيرة التالية قريباً. ونظراً للتحديات الكبيرة التي يواجهها النظام في الداخل، فقد لا يُقلقه كثيراً تفادي المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل هذه المرّة.
وتشمل الأعمال الإيرانية المحتملة على المدى القريب ما يلي:
· مواجهة السفن البحرية الأمريكية التي تعبر الخليج العربي.
· تنفيذ عمليات سرّيّة لإعاقة حركة الملاحة البحريّة الدولية على عدة مسارح، وربما حتى على مسافة بعيدة تصل إلى مضيق ملقا.
· تكرار تكتيكات الصواريخ/الطائرات بدون طيّار الواسعة النطاق المستخدَمة في هجوم “أرامكو”، لكن هذه المرة لاستهداف نوع آخر من المنشآت الحيوية (مثل محطة لتحلية المياه) فقط.
· إطلاق عملية إرهابية أو سيبرانية عالية المستوى، على سبيل المثال، ضد قطاع الخطوط الجوّية أو أحد التجمعات السكّانية.
وبدلاً من أن تكون طهران عبداً للأحداث، من المرجح أنها تريد اختيار الوقت والمكان لأي رد مشابه، لذلك لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتخلى عن حذره حتى عندما يبدو المسرح الخليجي هادئاً. وترتفع حالياً احتمالية التصعيد بشكل خاص بعد أن بدأت عمليات الأمن البحري الغربية تنطلق قدماً في حين أن خطة “تحالف الأمل” الإيرانية آخذة في التداعي.
وفي المرحلة القادمة، على الولايات المتحدة مواصلة إظهار الدعم لحلفائها الخليجيين من خلال الحفاظ على قوات عسكرية قوية في المنطقة وتحريكها في الجوار من أجل التشديد على وجودها. وإذا صدر أمرٌ بإعادة مجموعة حاملة “لينكولن” إلى الولايات المتحدة، فيجب إرسال مجموعة حاملة بديلة مع تداخل عملية الانتشار بينهما، من أجل عدم ترك مجال لسوء التفسير.
إن مشاكل إيران الداخلية لن تتبدد في أي وقت قريب، كما يتّضح من العنف المتفاقم ضد المحتجين والمنشقّين، والانقطاع الكامل لشبكة الإنترنت، ووفرة المؤشرات الاقتصادية السلبية التي لن يتم حلها من خلال مجرّد تقنين البنزين. وعلى الرغم من محاولة طهران تحميل القوى الخارجية مسؤولية هذه المشاكل، إلّا أن الشعب سيستمر في إلقاء اللوم على النظام. لذلك، يمكن توقُّع قيام «الحرس الثوري» الإيراني والفصائل المتشددة الأخرى بإصدار تهديدات أشدّ غيظاً وتبنّي تكتيكات أكثر عنفاً في الأسابيع المقبلة، سواء داخل البلاد أو خارجها.
رابط المصدر: