أعلن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري في العراق، في 29 أبريل 2023، عن وثيقة طالب فيها أتباعه بمطالبات عدّة، كان أهمّها رفض «التقليد الابتدائي» لأي مرجع يخرج عن خط «الشهيدين الصدرين»، وهما السيّدان محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، وابن عمّه محمد باقر الصدر. وعلى رغم إعلان الصدر إغلاقه منصّاته الإعلاميّة ومكتبه الخاص وعدّة مراكز صدريّة أخرى، فإنّه قرّر نشر هذه الوثيقة بعد 15 يوماً فقط من ابتعاده عن الحياة العامّة.
تُسلِّط الورقة الضوء على دوافع إصدار الوثيقة، والإشكالية التي يواجهها التيار الصدري في بحثه عن مرجع بديل، والسيناريوهات المحتملة.
فتوى الفياض والتكبيل الفقهي للتيار الصدري
الملاحظ أنّ وثيقة الصدر جاءت بعد صدور فتوى من المرجع الشيخ إسحاق الفيّاض، يَمنعُ فيها ضمناً التقليد الابتدائي للمرجع الميّت، أي أنه عمليّاً يُحرِّم تقليد أيٍّ من مراجع آل الصدر. ومع أنّ مضمون هذه الفتوى ليس جديداً في الفقه الشيعي، باعتبار أن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أفتى سابقاً بتحريم تقليد المرجع الميت ابتداءً، إلّا أنّ أهميتها تكمُن في أنّ الصدريين كانوا ينظرون إلى الفياض بوصفه خياراً مرجعياً بديلاً بعد أن أعلن كاظم الحائري، المرجع الذي كانوا يعودون إليه سابقاً، اعتزاله وأوصى بتقليد المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي. كما أن الحائري لم يكن يُحرِّم استمرار تقليد الصدريين للمرجع محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، وهو ما جعل معظم الصدريين يستخدمون فتواه بهذا الخصوص لمواصلة الرجوع للصدر في التقليد على رغم وفاته. وسبّبت هذه الفتاوى مشكلة فقهيّة داخل أروقة التيّار الصدري دفعت الصدر لإصدار وثيقته الجديدة.
ابتداءً يجب فهم مصطلح “التقليد الابتدائي” المستخدم في الفقه الشيعي، الذي يُقصد به عمليّة اتّباع الفرد لمرجعٍ ميّت فورَ بلوغه سن التكليف. وهو محرَّم لدى معظم المرجعيّات الشيعية إلّا ما ندر. ويُعَد أي عمل لأي فرد مؤمن شيعي غير مقبول إن لم يتبع في تقليده مرجعاً ما، وفق القاعدة الفقهية: “عمل العامل بلا تقليد باطل” التي تُجمع عليها جميع المرجعيّات الشيعية.
يكمُن التفسير العملي لهاتين القاعدتين في الفقه الشيعي بأنّهما تُجبران الفرد المؤمن الشيعي على تقليد مرجع، دون أن يكون له الخيار في عدم التقليد الذي سيؤدي به -وفق القواعد الفقهية- إلى بطلان جميع أعماله. ومن ثمّ يُجبَر الفرد على تقليد مرجع حي غير ميّت إلّا إذا كان في الأصل يُقلد مرجعاً توفي أثناء تقليده وقرر البقاء على تقليده، ولكن حتى في هذا المقام هنالك شروط عديدة. وتسمح هاتان القاعدتان باستمرار تأثير المؤسسة الدينية الشيعية مع تعاقُب المراجع فيها، وديمومة القدرة على جمع الموارد الماليّة، وتتيح نظاماً شبيهاً بالإرث بين المراجع المتعاقبين.
في السياق الصدري للأحداث، تهدّد فتوى الفيّاض الأخيرة هويّة التيار الصدري الاجتماعيّة والدينية. إذ تمنع قسماً من الصدريين، خصوصاً الشباب فيهم، من العودة بالتقليد الفقهي إلى السيّد محمد الصدر أو السيّد محمد باقر الصدر، مما يعني إنهاء الأثر العملي لآل الصدر ومنع استمرار إرثهم الفقهي للأجيال المقبلة. وسيؤثّر هذا -إن لم يتم إيجاد حل له- على قدرة التيّار الصدري التحشيديّة، ومدى تقبّل أتباعه لأوامر مقتدى الصدر السياسيّة، التي يستند جزءٌ منها على تمثيله لإرث والده.
الصدريون بعد الحائري
أوصى الأب الروحي للحركة الصدريّة، محمد الصدر، بتقليد واحد من ثلاثة مراجع بعد وفاته، وهم كلٌّ من: كاظم الحائري، وإسحاق الفيّاض، ومحمد اليعقوبي. ومن المعروف أنّ محمد الصدر نفسه لم يُجز تقليد الميت. ومع أن محمد الصدر مثَّل القيادة الفقهية والسياسيّة معاً، إلّا أن المراجع والشخصيّات بعده لم تستطع احتواء الدورَين. وفي حين مثَّل مقتدى الصدر القيادة السياسية للتيار، تُشكّل القيادة الفقهية موضع الاختلاف الآن.
عمد الصدريون لتقليد الحائري بعد وفاة الصدر مباشرةً، إلّا أن العلاقة بينه وبين مقتدى الصدر لم تكن جيّدة، لاعتبارات سياسية بشكل خاص، ولرغبة الحائري ضبط سلوك الصدر بما ينسجم مع اتجاهات السياسة الإيرانية في العراق. وفي هذا السياق، سحب الحائري وكالة تخص الحقوق الشرعية لمقلّديه في العراق كان قد منحها لمقتدى الصدر بسبب عدم استجابته لإرشادات الحائري أثناء فترة قيادته لميليشيا جيش المهدي، وكانت القيادات الإسلامية الشيعية ترى أنّ سلوك الصدر يهدد الوحدة الشيعية والمكاسب التي حققتها القوى الشيعية الإسلامية بعد سقوط نظام صدام حسين . كذلك سعى مقتدى الصدر إلى الحد من النفوذ الديني للحائري وإعطاء مرجعيته طابعاً شكلياً من خلال تأسيس “مكتب السيد الشهيد محمد الصدر”، الذي تولّى مهمة فلترة فتاوى الحائري ونشرها للمقلّدين الصدريين نظراً لرفض الحائري العودة إلى العراق.
واستمر الحائري في تمثيل الغطاء الفقهي للتيّار حتى لحظة اعتزاله في أغسطس 2022. شكّلت تلك اللحظة نقطة فارقة في تاريخ التيار الصدري، إذ أوصى الحائري أتباعه -الذين يشكل الصدريون الجزء الأكبر منهم- بتقليد المرشد الإيراني علي خامنئي في وقتٍ خاض الصدريّون صراعاً استمرَّ لأكثر من عام مع الأحزاب والفصائل المدعومة من إيران حول قضيّة تشكيل الحكومة إثر فوز الصدريين بالعدد الأكبر من المقاعد في انتخابات أكتوبر 2021، ولم ينتهِ التوتر بين الطرفين إلّا بصدام مسلّح داخل المنطقة الخضراء ببغداد في أغسطس 2022. كذلك هاجم الحائري ضمناً مقتدى الصدر، واتّهمه باستغلال اسم الصدرَين لشق وحدة الشيعة، مؤكداً عدم أحقيّة مقتدى الصدر بقيادة التيار الصدري نظراً لافتقاره لدرجة الاجتهاد الديني.
لم تحظَ دعوة الحائري للصدريين بتقليد خامنئي وترك الصدر بالقبول في أوساط التيار، بشكلٍ أساسي نتيجةً للعلاقة المضطربة بين جموع الصدريين ومقتدى الصدر من جهة، وبين الفصائل المقربة من إيران من جهةٍ أخرى، إذ ينظر الصدريّون لأنفسهم على أنّهم حركة “وطنيّة” لا تتبع أجندات القيادة الإيرانية، ويحرصون على تمييز أنفسهم عن الجماعات “الولائية” في العراق، وقد أخذ مقتدى الصدر في السنوات الأخيرة يُشدِّد على مركزية النجف في العالم الشيعي، في محاولة لتأكيد التمايز عن الإيرانيين. إلّا أن دعوة الحائري وضعت التيار الصدري أمام تهديد سحب المظلّة الفقهيّة عنه، وبالتالي ضرب جذره الأساسي بوصفه حركة دينية شيعية.
بدأ الصدريّون البحثَ عن قيادة فقهيّة جديدة بعد اعتزال الحائري، واُستُثني اليعقوبي من الخيارات لأنه صاحب مشروع سياسي (حزب الفضيلة) مُنافِس للمشروع السياسي للتيار الصدري. عمد الصدريّون بشكلٍ غير مُعلَن، وغير منظَّم، إلى الرجوع بالتقليد إلى إسحاق الفياض، أحد المراجع الثلاثة الكبار في النجف وذو الأصل الأفغاني. وعزّز ذلك امتلاك الفيّاض فتوى سابقة مبهمة وقابلة للتأويل تخص التقليد الابتدائي للميّت.
إلّا أن إصدار الفيّاض فتواه الجديدة في نهاية أبريل 2023 وضع الصدريين في موقف محرج مجدداً. نصّت فتوى الفياض على أنّ “تقليد الميّت ابتداءً مشروط بشروط لا يتمكن العامّي من إحرازها، بل ولا بإمكان الطلبة من إحرازها. نعم، بإمكان المجتهد إحراز هذا الشرط، ولهذا لا يجوز للعامّي تقليد المجتهد الميّت ابتداءً.. ولا يجوز ترتيب جميع آثار التقليد على ذلك”.
ويمكن ترجمة هذه الفتوى بشكلٍ عملي، بأنّها أتت مانعة لتقليد الميّت إلّا بشروط صعبة لا يمكن للفرد الشيعي الاعتيادي تحقيقها. في المنظور الصدري، وضع الفيّاض الصدريين أمام خيارَين صعبين: إمّا أن يصبح الصدريّون مُجتهدين في الدين كي يتمكّنوا من تقليد محمد الصدر، أو ترك تقليد الصدر.
تأثيرات فتوى الفيّاض
يمكن تفسير الفتوى الأخيرة للفيّاض بأنّها محاولة لسحب الغطاء الفقهي مجدداً عن التيار الصدري بعد أن عمد الحائري لخطوةٍ مشابهة. في الإطار السياسي، تُعد فتوى الفياض ضربةً لـ”الجماعة الصدرية” وأيديولوجيّتها، إذ يُعَد الأساس الفقهي لأي جماعة إسلاميّة شيعية أمراً لا يمكن تجاوزه، وبتقويضه سيحصل هناك تقويض متسلسل للوضع الاجتماعي والسياسي لهذه الجماعة، وحرمان للتيار الصدري من جزء من شرعيّته التي يستند عليها.
كذلك، تجدر الإشارة إلى علاقة الفيّاض الممتازة مع القيادي في “الإطار التنسيقي” الشيعي نوري المالكي، والذي لا يُستبعَد أن يكون قد أدى دوراً ما في تحريض الفياض على إصدار فتواه الأخيرة، خصوصاً بعد ترشُّح معلومات عن فشل محاولات إيرانية ونجفية لإصلاح العلاقة بين الصدر والمالكي وبقية قوى “الإطار التنسيقي”.
وبقدر تعلُّق الأمر بـ “الإطار التنسيقي”، تسعى دولة القانون بقيادة المالكي وحركة “عصائب أهل الحق” بقيادة قيس الخزعلي إلى تقنين النفوذ الصدري سياسيّاً واقتصاديّاً. إذ تم شراء ولاءات عدّة مسؤولين صدريين، بشكل خاص في وزارة الصحة وبعض المؤسسات الحكومية المركزية والمحلية التي كان للصدريين نفوذ فيها. بل أنّ بعض المصادر داخل “الإطار التنسيقي” تتحدث عن مشروع لـ”عراق خالٍ من مقتدى الصدر”. قد تكون خطوة الفيّاض الأخيرة جزءاً من هذا المشروع المفترض لـ “لإطار التنسيقي”، أو أنّها انصبت في خدمة هذا المشروع عن غير قصد.
التفاعل الصدري مع وثيقة الصدر
طلب الصدر من أنصاره التوقيع بالدم على وثيقةٍ حملت بنوداً عدّة، كان أهمّها التعهُّد بعدم الحيد عن حبِّ “الشهيدين الصدرين” (ويُقصَد هنا محمد الصدر ومحمد باقر الصدر)، والالتزام بوصاياهما، وعدم التقليد الابتدائي لأي مرجع غير ملتزم بخط آل الصدر. وتضمنت الوثيقة بنوداً أخرى مثل: التبرؤ من جماعة “أصحاب القضيّة” الذين يروّجون أن مقتدى هو الإمام المهدي، وحب الوطن وعدم إثارة النعرات الطائفية، واستنكار التطبيع مع إسرائيل والمثلية الجنسية، والالتزام بحب “عائلة التيار الصدري” وعدم الانجرار وراء محاولات التشكيك بالمرجعيّة الصدريّة.
يُدرك القادة الصدريّون خطر محاولات “الإطار التنسيقي” سحب المظلة الفقهيّة عن التيار، فهم إن نجحوا في ذلك فإن التيار سيفقد هويّته الخاصّة، وبالتالي ستُعرَّض مصالحه الاقتصادية والسياسية للخطر. لقد أسهم امتلاك التيّار الصدري هويته السياسية الخاصة بتنمية حجم حصصه السياسية والاقتصادية، وتوضيح حدود تأثيره بشكلٍ أكبر مقارنةً ببقية الأحزاب والفرق السياسية. لذلك تفاعل قادة التيّار بشكلٍ سريع مع الوثيقة التي عرضها مقتدى الصدر، ووقّعها حسن العذاري، رئيس الكتلة الصدرية سابقاً وأحد أهم المقرّبين من الصدر، وحيدر الجابري، مدير المكتب الخاص لمقتدى الصدر، وأسماء صدريّة أخرى مثل حميد الغزّي، وحاكم الزاملي. بالإضافة للقيادات العليا في “سرايا السلام”، الميليشيا التابعة للتيار الصدري.
يُمكن تفسير سرعة استجابة الشخصيات الصدريّة البارزة لوثيقة الصدر بأنّه محاولة للدفاع عن المصالح الخاصّة لتلك الشخصيات، وما بنته من شبكات زبائنيّة وتخادمات داخل النظام. إذ سيكون هؤلاء المتضرّرين الأبرز من أي ضرب للهوية الصدريّة، كما أنّ محاولتهم النأي بأنفسهم عن الصدر وبناء تحالفاتهم الخاصة قد تتسبب بإسقاطهم سياسياً واجتماعياً وسط القاعدة الصدرية.
على الصعيد الشعبي، من المُلاحَظ أن الاستجابة الشعبية الصدريّة رغم قوّتها لاتبدو بذات المستوى من التعبئة قياساً بمبادرات سابقة للصدر، إذ إن الأفراد الصدريين العاديين لا يشعرون بنفس الحاجة التي تشعر بها القيادات، فضلاً عن المشكلات الاجتماعيّة التي تواجه المتدينين منهم فيما يتعلق بقضيّة التقليد التي يجري عليها الخلاف الآن، مما يجعلهم أكثر تردداً. في المنظار الاجتماعي، يمكن للصدري العادي المتدين أن يتعرّض للاتهام والتشكيك بعدم صحّة صلاته وصيامه وبقية عباداته من متدينين آخرين شيعة، وهذا أمرٌ مهمٌ الانتباه له.
إنَّ الفارق بين سرعة استجابة المسؤولين الصدريين من جهة، وخفوت استجابة الصدريين العاديين، يمكن عزوه لإدراك الطرف الأول ضرورة أن يُحافظ التيّار على هويّته الخاصة وإن كلّف هذا الأمر تقويضاً للغطاء الفقهي الذي يمتلكونه. بينما لا يشعر الصدريّون العاديون بذلك، وبعضهم غير مستعد للخروج عن القواعد الفقهية الشيعية التقليدية من أجل الهويّة الصدريّة. كذلك، فإنّ كثيراً من الصدريين شعروا بالإحباط من تقلُّبات مقتدى الصدر، وتفريطه الأخير بالنصر الانتخابي، ومغامرته غير المحسوبة باجتياح المنطقة الخضراء، ومن ثمّ لومَهُ جمهورهُ على أخطاء يتحمَّل (الصدر) مسؤولية جزءٍ كبيرٍ منها، وهؤلاء باتوا أقل حماساً للاستجابة لمبادرات الصدر، خصوصاً مع سعي قوى “الاطار التنسيقي” إلى كسب جزء من الشارع الشيعي عبر السياسات الاقتصادية الشعبوية، والاستفادة من العوائد المالية الضخمة المتراكمة نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
سيناريوهات إدارة أزمة المرجعية الفقهية للصدريين
أمام الحركة الصدريّة في العراق عدّة سيناريوهات أو بدائل من أجل إدارة الأزمة الفقهيّة التي تواجهها:
أولاً، إيجاد مرجع حي يُجيز العودة بالتقليد لأحد الصدرَين: أكّدت الوثيقة التي نشرها مقتدى الصدر على تقليد مرجع ملتزم بنهج آل الصدر، وضمنياً لا يُحرَّم تقليد الميت ويُسمَح بالتقليد الابتدائي. فيما يمكن ترجمة هذا عمليّاً بالحاجة للبحث عن مرجع جديد. وقد يكون أمام الحركة الصدريّة عدة أسماء أو خيارات، من قبيل:
- كمال الحيدري، الذي يُجيز تقليد الميت ابتداءً، إلّا أنّه من المستبعد أن يذهب الصدريّون إلى تقليده نتيجة خلافات حادّة بينه وبين مقتدى الصدر، ووجود عدّة بيانات للصدر تهاجم الحيدري.
- خالد الكاظمي، الذي برز مؤخراً بعد أزمة الفيّاض، إذ أصدر فتوى خاصّة تجيز تقليد أحد الصدرَين وذكرهما بالاسم. يُعد الكاظمي نظريّاً خياراً جيداً للصدريين، إلّا أنّ تقليده سيُبقي مسألة الحرج الاجتماعي التي ستُصيب الصدريين في أوساط المتدينين، نظراً لأن الكاظمي ليس معروفاً ولم تُوصي باتبّاعه أو تزكي اجتهاده مرجعيات معتد بها.
- إيجاد مرجع آخر غير معروف، من طلبة محمد الصدر، شرط ألا يمتلك مشروعاً أو طموحاً سياسيّاً حتى لا يتعارض مع مقتدى الصدر. والأسماء الأقرب، هم: الشيخ قاسم الطائي، والشيخ فاضل البديري، والشيخ فاضل المالكي. ويمكن أن يبرز اسم آخر غير معروف حاليّاً.
ثانياً، الأخذ بتفسير سابق لكلام محمد الصدر: في أحد خطبه، يذكر محمد الصدر أنّه “أعلمُ الأحياء والأموات”. في إطار رد مقتدى الصدر على بعض الاستفسارات التي وردت إليه في عام 2007 أجاز تقليد والده استناداً لقول محمد الصدر أعلاه، رغم عدم أهلية مقتدى الصدر للتصدي للرد على الفتاوى الشرعية. إن العودة للأخذ بتفسير مقتدى الصدر لكلام والده لن يحل المشكلة جذرياً بسبب عدم صحّة هذا الخيار فقهيّاً، وبالتالي استمرار غياب الشرعيّة الفقهيّة للتيار الصدري. إلّا أن هذا الخيار بالإمكان اتخاذه إن قرّر التيّار الصدري عزل نفسه سريعاً عن الرؤية التقليدية الشيعيّة التي يقف ممثلوها الدينيون والسياسيّون بالضد من التيّار.
ثالثاً، إعلان مقتدى الصدر نفسه مَرجعاً: على رغم أنّه من غير الممكن حاليّاً لمقتدى الصدر إعلان تصدّيه للاجتهاد الفقهي، إلّا أن سيناريو كهذا ممكنٌ مستقبلاً، ربما خلال 3-5 سنوات، إن جعله الصدر خياره الأمثل. وسيكون هذا السيناريو مثاليّاً للتيار الصدري عبر جمعه القيادتين السياسية والفقهيّة تحت مظلّة رجلٍ واحد. وسيُكرِّس هذا الخيار فكرة ابتعاد الصدريين عن الإجماع الشيعي التقليدي، وسيبتعدون أكثر عن الأرثوذكسية السائدة في الوسط الديني الشيعي، لكنهم قد يستفيدون من مثل هذا الاحتمال في حال تَشظي المؤسسة الدينية الشيعية بعد وفاة السيستاني، وعدم تبلور اجماع خلف شخصية بديلة.
استنتاجات
يواجه التيّار الصدري مشكلة فقهيّة ستؤثّر في تماسكه الحالي في حال عدم حلّها، ومن المرجح أن التيار وقيادته سيحاولون توظيف مرور ذكرى وفاة محمد الصدر في الرابع من ذي القعدة المقبل، لإعادة تنظيم صفوف التيار وإيجاد مخرج للفراغ المرجعي الذي يعاني منه. يحاول الصدريّون إعادة تحشيد جماهيرهم، وسط توجيهات صارمة من مقتدى الصدر باقتصار مناسبة ذكرى وفاة والده على أبناء الخط الصدري الموالين له فقط، ومنع أولئك الذين لم يوقّعوا على الوثيقة من المشاركة في المناسبة.
في حال لقيت المناسبة تفاعلاً كافياً من الجماهير الصدرية، وأعادت شيئاً من الثقة للتيار الصدري، فليس من المستبعد أن يُلقي مقتدى الصدر أو مَن يَنوب عنه خطبة ذات طابع سياسي يؤكد فيها موقفه المعارض لحكومة “الإطار التنسيقي”، وقد تشهد المناسبة ترويجاً لحلٍّ معين للمشكلة الفقهيّة للتيّار الصدري.
كذلك، مِن المستبعد أن يشارك التيّار الصدري بشكل صريح في انتخابات مجالس المحافظات القادمة المخطط انعقادها هذا العام (رغم الشكوك حول إمكانية عقدها لاعتبارات سياسية ولوجستية). إذ ينصب تركيز الصدريين الآن على إعادة تشكيل “الهوية الصدرية”، والحرص على تكاتف الجماعة الصدرية، وتنظيم أوراق البيت الداخلي الصدري.
إن محاولات “الإطار التنسيقي” تفتيت أو اضعاف التيار الصدري قد تنعكس سلباً على الإطار، إذ يستطيع التيار الصدري نظريّاً حل المشكلة الفقهية القائمة الآن، خصوصاً في ظل تخوّف صدري من أن إطالة الانعزال الحالي عن الشأن العام سيُعزز كفَّة قوى الإطار ويُهمش التيار، وهذا ما يجعل الصدريين مضطرين للتفكير بالعودة للعملي السياسيّ ، بشكل مباشر أو غير مباشر. كذلك فإن القوى الصدريّة لا تستطيع الابتعاد عن الحكومة لفترةٍ تتجاوز انتخابات مجلس النواب المقبلة، نظراً لوجود مخاوف أساسية من عدم قدرة الصدريين على الحفاظ على ماكناتهم الاقتصادية وهم خارج مواضع القرار طوال هذه الفترة.
وهناك اليوم مؤشرات على أن الصدريين يحاولون استثمار المظاهرات القائمة الآن بخصوص سلّم رواتب الموظفين الحكوميين من أجل التحريض على حكومة “الإطار التنسيقي” وقياداته المختلفة. وهذا الأمر ينوّه إلى أن إمكانية استثمار الصدريين لأي مظاهرات مقبلة هو خيار ممكن من أجل إعادة الصدريين إلى واجهة العمل السياسي.
.
رابط المصدر: