خبير يحلل العوامل الكثيرة التي تسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وسط تعقّد الأوضاع على صعيد الأزمة الأوكرانية، والدبلوماسية الأمريكية السعودية والنقاش حول النمو الأخضر.
هل للحقائق الفجة أي أهمية هذه الأيام أم أن المهم هو مَن يُقدم الإجابات التي يريد الناس سماعها؟ هذا تساؤل يمكن أن ينطبق على العديد، إن لم يكن الكثير، من القضايا السياسية المطروحة اليوم، ولكنه يناسب بشكل خاص النقاش حول العوامل الكامنة وراء ارتفاع أسعار البنزين وما يجب فعله بهذا الخصوص.
بعبارات بسيطة، يميل البيت الأبيض إلى إلقاء اللوم على شركات النفط في ارتفاع الأسعار، في حين يقول قطاع النفط إن الظروف – الحرب في أوكرانيا، “أوبك”، وما إلى ذلك – خارجة عن إرادته. كما أن الاقتراح الذي طرحته إدارة بايدن على شركات النفط بضرورة القيام بنوع من التضحية بسبب الأزمة لا يحظى بالتقدير. (يمكن ملاحظة نسخة من هذا التوتر في العديد من البلدان الصناعية الأخرى أيضاً).
فيما يلي تفصيل وشرح للعوامل الرئيسية لمن ليسوا خبراء في هذا الشأن:
أسعار النفط: هناك فروق طفيفة في الأسعار بين أنواع النفط المختلفة، حسب جودته ومدى احتياجه إلى التكرير. ولكن هناك أساساً سعراً واحداً في جميع أنحاء العالم، مما يعكس حقيقة أنه يمكن نقل النفط بسهولة عبر خطوط الأنابيب أو الناقلات من مكان إنتاجه في مختلف مناطق العالم إلى حيث يتم تكريره وبيعه. وارتفع هذا السعر بسبب الاضطراب وعدم اليقين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
المصافي: تُستنفذ حالياً القدرة على تكرير النفط لتحويله إلى مجموعة منتجاته المحتملة، والتي تشمل البنزين، بسبب نقص القدرات. وفي الواقع، قبل بضعة أسابيع، أفاد المسؤولون السعوديون أن المملكة ليست بحاجة إلى إنتاج المزيد من النفط لأن ارتفاع الأسعار كان بسبب نقص المصافي وليس نقص الإنتاج. ولكن، بغض النظر عن التأويل السياسي، لم تعد الشركات متحمسة بالقدر نفسه لبناء مصافٍ تدوم كما هو متوقع أكثر من 20 عاماً إذا كان الطلب على النفط في غضون 10 أو 15 عاماً، على سبيل المثال، سيجعل هذه المنشآت زائدة عن الحاجة. كما أن جمع الأموال لمثل هذا الاستثمار يشكل تحدياً، خصوصاً عندما تتفاخر الحكومات بمؤهلاتها “الخضراء”.
أسعار الغاز الطبيعي: تتبع هذه الأسعار نوعاً ما سعر النفط. ويمكن للغاز الطبيعي، الذي يعتبر “أنظف” من النفط، أن يحل محل النفط بشكل متزايد، لكن التحول الكامل سيستغرق سنوات عديدة. ولكن هذا الانتقال يعتمد على شحن الغاز في ناقلات مخصصة للغاز الطبيعي المسال، والبنية التحتية اللازمة لهذا الغرض مكلفة للغاية، وثمنها مضمّن في السعر.
انتقال الطاقة: قد يبدو هذا المفهوم عصرياً في يومنا الحاضر، إلا أن هذه العملية مستمرة على مر التاريخ. فالكثيرون منا يحرقون الخشب في هذه الأيام خلال التجمعات في الفناء الخلفي فقط، ولكن منذ بضع مئات من السنين، كانت هذه هي الطريقة الرئيسية للطهي والتدفئة. ثم استُبدل الخشب بالفحم الذي أصبح الآن منبوذاً بشدة بسبب قذارته، على الرغم من أنه لا يزال يساهم بشكل كبير في مزيج الطاقة العالمي لتوليد الكهرباء. وفي مرحلة ما، اعتُبرت الطاقة النووية مستقبلاً رائعاً إلى أن تم تغيير حسابات نظافتها لتشمل مخلفاتها.
مستقبل الطاقة: يتم حالياً توليد كميات متزايدة من الكهرباء بواسطة طاقة الرياح والطاقة الشمسية والأنواع الأخرى من الوقود النظيف – ولكن هناك أيضاً طلب متزايد على مثل هذه الكهرباء، كبديل للبنزين في السيارات، والغاز الطبيعي في الطهي المنزلي، وما شابه. وقد كان النقاش “الأخضر” محتدماً بالفعل قبل أزمة أوكرانيا. إن محاولات تقليص عائدات روسيا من صادرات النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن الميزة الاستراتيجية التي أعطتها لها حصتها الضخمة في السوق، جعلت النقاش أكثر حدة.
في الوقت الحالي، يبدو أن البيت الأبيض متمسك بأجندته الخضراء، إذ يجد في استياء قطاع النفط شبه معارضة/انتهازية، ويستغل الأزمة الأخيرة في العالم للتمسك بما يفترض أن يكون موقفاً عفا عليه الزمن.
وعلى افتراض أن إدارة بايدن ترى أن المسار الذي تتبعه سيؤدي إلى فوزها في انتخابات التجديد النصفي المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر، سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان موقف قطاع النفط من التكرير سيتغير على الإطلاق بعد اجتماع يوم الخميس بين الشركات الكبرى ووزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر غرانهولم. ولا يريد مرشحو “الحزب الديمقراطي” في الولايات المتحدة أن يكتشفوا أنهم يتحملون مسؤولية أسعار البنزين، خاصة إذا كانت أعلى من السعر الرئيسي البالغ 5 دولارات للغالون.
وإحدى النقاط المرجعية الأخرى التي يمكن الاستعانة بها في المستقبل هي أي نقاش يجريه الرئيس بايدن مع القيادة السعودية خلال زيارته للمملكة في منتصف شهر تموز/يوليو. فهل تعتبر الزيادة المبكرة أكثر من المتوقع في حصص “أوبك بلس” كافية، أم أن الولايات المتحدة تأمل في المزيد – وربما انقسام في التعاون السعودي الروسي بشأن النفط؟
هل هذه حقائق باردة أم مواقف سياسية؟ قد تتضح الصورة بعض الشيء، لكن حري بنا عدم المراهنة على ذلك.
سايمون هندرسون هو “زميل بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.