الحوثيون في سوريا… تهديد حقيقي أم استعراض سياسي؟

جاءت التهديدات الأخيرة التي أطلقها “الحوثيون” بشن هجمات برية على إسرائيل، إلى جانب تصعيد الضربات الإسرائيلية في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية، لتثير التكهنات بوجود محتمل لهذه الجماعة في سوريا، مع إمكانية أن تشن هجماتها على إسرائيل من هناك. وفي الوقت الذي سارع فيه المعنيون إلى نفي هذه الشائعات عن دخول مقاتلين “حوثيين” إلى سوريا عن طريق الأردن، أُخذت التقارير التي تتحدث عن وصول قادة “حوثيين” عن طريق العراق على محمل الجد. ومع أن هذه الادعاءات لا تزال غير مؤكدة، فمن الضروري تقييم الأهمية المحتملة لخطوة كهذه وردود فعل اللاعبين الرئيسين عليها.

هل يمكن لـ”الحوثيين” واقعيا شن هجمات من الأراضي السورية؟ وإذا كان الجواب نعم، فماذا سيكون تأثيرها؟ وإن كان الجواب لا، فما هي الفوائد الاستراتيجية التي ستعود على إيران ووكلائها؟ وكيف يمكن لها أن تؤثر على موقف النظام السوري وعلاقته بطهران؟

في وقت سابق من هذا الشهر، تعهد عبد الملك الحوثي زعيم جماعة “أنصار الله” بتوسيع العمليات البرية ضد إسرائيل وداعميها الغربيين، زاعما أن جماعته “ستفاجئ إسرائيل والولايات المتحدة قريبا بعملياتها البرية، تماما كما فاجأتهما بعملياتها في البحر الأحمر”. وبعد فترة وجيزة من هذا التهديد، ذكرت وكالة أنباء “نوفوستي” الروسية أن قوة “حوثية” بحجم لواء انتشرت في سوريا، بعد أن دخلت عبر الأردن في مجموعات صغيرة. إلا أن وكالة أنباء روسية أخرى هي “سبوتنيك” سرعان ما نفت هذه التقارير، ونقلت عن مصدر أمني في معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، نفيه أي تحرك كهذا. ونظرا لأن الأردن ستعترض بقوة على الأرجح على مناورة عسكرية علنية كهذه، بدا تقرير “سبوتنيك” معقولا أكثر من غيره.

 

بالنسبة لإيران، يعزز نشر مقاتلين “حوثيين” في سوريا سرديتها عن “وحدة الجبهات”، بإبرازها التضامن بين حلفائها الإقليميين واستعراض قدرتها على نشرهم في هجمات على إسرائيل

 

 

ومع ذلك، أشارت تقارير لاحقة من مصادر سورية وإسرائيلية إلى أن أربعة من كبار قادة “الحوثيين” دخلوا سوريا قادمين من العراق حتى قبل التهديد العلني الذي أطلقه زعيم “الحوثيين”. وبحسب ما ورد فإن هؤلاء القادة كانوا برفقة قوات من “الحشد الشعبي العراقي” المدعومة من إيران، وعقدوا اجتماعات مع مسؤولين من “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” في قاعدة عسكرية في البوكمال القريبة من الحدود العراقية. وأشارت تقارير إضافية إلى أن حوالي 50 مقاتلا “حوثيا” دخلوا سوريا وانتشروا في المناطق الجنوبية، مما أضاف وقودا إلى نار التكهنات حول النوايا الحقيقية للجماعة. وما يعطي مصداقية لهذه التقارير أن قوات “الحشد الشعبي” عززت مؤخرا تعاونها العسكري مع “الحوثيين” وأعلنت عن هجمات مشتركة على إسرائيل طيلة الأشهر القليلة الماضية.

حقيقة أم خيال؟

بينما يصعب التحقق من صحة هذه التقارير بطريقة مستقلة، فإن فكرة دخول مقاتلين “حوثيين” إلى سوريا ليست أمرا بعيد الاحتمال تماما. فقد تدربت هذه الجماعة في سوريا من قبل، كما أن علاقاتها الوثيقة مع إيران وقوات “الحشد الشعبي” تشير إلى أنها قد تتمكن بسهولة من الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران داخل البلاد. وعلى الرغم من أن وجود مقاتلين “حوثيين” في سوريا لا يدل بالضرورة على هجوم وشيك على إسرائيل، فإنه يظل ممكنا من الناحية اللوجستية أن تشن الجماعة هجوما كهذا، إذا حصلت على موافقة من إيران. فالأسلحة المتقدمة التي تمتلكها الجماعة مصدرها التكنولوجيا الإيرانية أو تعتمد عليها، وهذا يعني أن لا حاجة لنقل الأسلحة من اليمن إلى سوريا، إذ تستطيع إيران أو حلفاؤها العراقيون توفير المعدات اللازمة بسهولة.

 

أ ف ب أ ف ب

“حوثيون” يتظاهرون في صنعاء تضامنا مع غزة في 10 نوفمبر 2023 

أما نوع الهجوم الذي قد يشنه “الحوثيون” من سوريا فهو مسألة أخرى. حيث إن شن هجوم بري يبدو أمرا غير مرجح نظرا لما حشدته إسرائيل من قوات على طول حدودها مع سوريا مؤخرا. فالأكثر ترجيحا أن يكون هجومها جويا، باستخدام المسيّرات أو الصواريخ. وتشير التقارير إلى أن الكثير من المقاتلين “الحوثيين” الذين يقال إنهم دخلوا سوريا هم من المتخصصين في المسيرات، مما يشير إلى أن استخدامها في الضربات هو الطريقة الأكثر ترجيحا للهجوم. ومع ذلك، فإن الاختيار النهائي للسلاح سوف يعتمد على الهدف الأوسع من وراء أي هجوم محتمل: أهو مجرد الإدلاء ببيان رمزي أم التسبب في أضرار جسيمة؟

الرسائل الأساسية

من المرجح أن يخدم نشر عدد صغير من المقاتلين “الحوثيين” في سوريا هدفا سياسيا أكثر منه تكتيكيا. ومن المستبعد كثيرا أن يمتلك هؤلاء المقاتلون أي مهارات فريدة لا تتوفر بالفعل بين آلاف من القوات المدعومة من إيران والمتمركزة في سوريا. والحال كذلك، فإن الدافع الحقيقي وراء وجودهم رمزي على الأرجح. فبالنسبة لإيران، يعزز نشر مقاتلين “حوثيين” في سوريا سرديتها عن “وحدة الجبهات”، بإبرازها التضامن بين حلفائها الإقليميين واستعراض قدرتها على نشرهم في هجمات على إسرائيل، حتى خارج مناطق عملياتهم التقليدية.

 

منذ اندلاع الصراع في غزة، التزم الأسد بموقف حذر من عدم التدخل، حتى مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية في ضرب أهداف داخل سوريا

 

 

 ويمكن لـ”الحوثيين” بدورهم الاستفادة من تمركزهم قريبا من حدود إسرائيل، إذ سيتيح لهم ذلك إظهار مدى امتداد نفوذهم. وقد يكون هجوم صاروخي صغير من جنوب سوريا كافيا لتحقيق هذا الهدف. ومع أن هجوما كهذا قد لا تكون له أهمية عسكرية تذكر، فإنه سيمكّن “الحوثيين” من الادعاء بأنهم نقلوا القتال مباشرة إلى باب إسرائيل، وبالتالي تعزيز نفوذهم ومكانتهم الإقليمية.

اللعبة الاستراتيجية لـ”الحشد الشعبي”

سواء كانت الأنباء عن وجود مقاتلين “حوثيين” في سوريا صحيحة أم مجرد شائعة، فإن الإعلان عنه قد يخدم مصالح قوات “الحشد الشعبي”، التي لا تبدو في وضع يسمح لها بالتصعيد تضامنا مع “حماس”. فمنذ أكتوبر/تشرين الأول، أظهرت هذه الجماعات دعمها بمهاجمة القوات الأميركية في كل من العراق وسوريا. إلا أن “الحشد”، ومع اقتراب العراق من التوصل إلى اتفاق لتسهيل انسحاب القوات الأميركية بحلول عام 2026، قد تواجه ميليشياته قريبا قيودا على عملياتها ضد أهداف أميركية.

 

رويترز رويترز

“حوثيون” يتظاهرون رافعين صورة لزعيم “حماس” يحيى السنوار في صنعاء في 21 سبتمبر 2024 

وفي هذا السياق، توفر الشائعات عن وجود مقاتلين “حوثيين” في سوريا لقوات “الحشد الشعبي” مبررا ملائما لتقليص عملياتها المباشرة. ويمكنها أن تزعم أن هذا القرار يهدف إلى تمكين “الحوثيين” من قيادة “المقاومة” من داخل سوريا ضد إسرائيل والقوات الأميركية. ولتجنب الظهور بمظهر سلبي مفرط، قد تساعد قوات “الحشد الشعبي” المتمركزة في سوريا “الحوثيين” على شن ضربات رمزية، في إشارة منها إلى أن الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية من العراق لم يقلل من التزامها بدعم “حماس”.

حسابات الأسد

مع أن النظام السوري هو الطرف الأقل انخراطا كما يبدو في هذا الوضع، فإن له أيضا حساباته الخاصة التي ينبغي عليه أخذها في الحسبان. فمنذ اندلاع الصراع في غزة، التزم الأسد بموقف حذر من عدم التدخل، حتى مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية في ضرب أهداف داخل سوريا. ويرجع سبب إحجامه عن المشاركة إلى عدة عوامل، منها: ضعف القدرة العسكرية السورية والاقتصاد المتعثر، والمخاوف من الانتقام الإسرائيلي والعلاقات المتوترة مع “حماس”، بالإضافة إلى الرغبة في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية.

 

سوريا تعاني حاليا من نقص حاد في الوقود، وقد يرى الأسد في التعاون مع طهران في هذا الأمر وسيلة لتأمين المزيد من إمدادات النفط

 

 

وإذا كان المقاتلون “الحوثيون” موجودين فعلا في سوريا ويستعدون لشن هجوم على إسرائيل، فإن رد الأسد سيعتمد على الأرجح على تقييمه للمخاطر المرتبطة بذلك. وقد يخلص الأسد- في غياب أدلة قوية على هجوم وشيك واسع النطاق- إلى أن عواقب هجوم كهذا ستكون ضئيلة، ولا سيما أن الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية باتت روتينية. ولهذا فقد يختار النظام السوري غض الطرف، كما فعل أحيانا مع الجماعات المدعومة من إيران عندما تشن ضربات محدودة على إسرائيل من أراضيه. فضلا عن ذلك، قد يكون الأسد مستعدا للسماح بضربة رمزية مدفوعا باعتبارات اقتصادية. فسوريا تعاني حاليا من نقص حاد في الوقود، وقد يرى الأسد في التعاون مع طهران في هذا الأمر وسيلة لتأمين المزيد من إمدادات النفط.

 

رويترز رويترز

“حوثيون” يتظاهرون في صنعاء في 21 سبتمبر 2024 

ومع أن الوجود المحتمل لـ”الحوثيين” في سوريا قد يكون رمزيا إلى حد كبير وأقل من أن يكون عاملا يغير قواعد اللعبة، فإن تداعياته قد تكون كبيرة. فقد تستغل إسرائيل هذا الوجود كمبرر لتصعيد عملياتها العسكرية في مختلف أنحاء المنطقة. ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه الأعمال إلى تفاقم التوترات، تاركة المنطقة وسكانها في حالة تأهب قصوى، وهم يستعدون بقلق لما هو أسوأ.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M