في الأول من آب/أغسطس، أسفرت ضربة نفذها الحوثيون واستهدفت حفل تخريج عسكريين في عدن عن مقتل أحد أبرز القادة العسكريين في جنوب اليمن، هو العميد منير محمود أحمد المشالي، المعروف أكثر باسم أبو اليمامة اليافعي، الذي كان قائداً رئيسياً لـ “قوات الحزام الأمني” التي تدعمها الإمارات. وقد أيّد أيضاً انفصال جنوب اليمن واستقلاله في خضم فوضى الحرب الدائرة مع قوات الحوثيين، والتي عزلت الحكومة المعترف بها دولياً في العاصمة صنعاء في عام 2014. وقد أرسل موته موجات صدمة عبر الجنوب.
لقد أصبحت الحرب بحدّ ذاتها عالقة بين القوات الحكومية التي تدعمها السعودية والإمارات من جهة، والقوات المتحالفة مع الحوثيين التي تدعمها إيران سياسياً وعسكرياً من جهة أخرى. وربما نُفذ الهجوم في الأول من آب/أغسطس بواسطة صاروخ إيراني أو طائرة بدون طيار إيرانية الصنع. وبالإضافة إلى أبو اليمامة، قُتل أكثر من ثلاثين جندياً وجُرح عشرات آخرين خلال الاستعراض الذي جرى في معسكر الجلاء في منطقة البريقة في عدن. وعلى الرغم من دعم الإمارات العلني لحكومة رئيس الوزراء اليمني عبد ربه منصور هادي، إلّا أنها مكنت بشكل أساسي أولئك الذين يفضلون انفصال جنوب اليمن مع عاصمته عدن – الأمر الذي غالباً ما أثار استياء السعودية، الحليفة الوثيقة للإمارات وشريكتها في اليمن.
ويُعيد هذا الهجوم إلى الذاكرة هجوماً آخر نفذه الحوثيون في حفل تخريج عسكريين في “قاعدة العند الجوية” في محافظة لحج في كانون الثاني/يناير 2019. ولقي ستة أشخاص على الأقل مصرعهم في تلك الحادثة، بمن فيهم رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش اليمني. وقد استهدف الحوثيون بانتظام التجمعات العسكرية الجنوبية.
مقاتل حكومي وانفصالي
بدأ أبو اليمامة، الذي كان في الخامسة والأربعين من عمره وقت وفاته، مسيرته كضابط في الجيش الجنوبي، وقاتل في الحرب الأهلية ضد الشمال عام 1994، ومن ثم ساعد في تشكيل نواة حركة المقاومة الجنوبية التي قادت الاحتجاجات في عام 2007. وبعد أن حُكِم عليه بالموت من قبل حكومة علي عبد الله صالح حوالي عام 2010، اختبأ في مديرية يافع، في جنوب اليمن. وفي عام 2011 شارك في الاحتجاجات ضد حكم صالح، وعندما اندلعت الحرب ضد الحوثيين في عام 2015، قاد قوات قامت بمحاربتهم في الجنوب. وبفضل كفاءته العسكرية اكتسب ألقاباً عديدة بما فيها “أسد الجنوب” و”الرجل المخيف”. وإذ عُيّن في نهاية المطاف قائداً لـ “قوات الحزام الأمني” في عدن، سرعان ما أصبح قائداً عسكرياً بارزاً مسؤولاً عن عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة. وكان عضواً معروفاً من قبيلة “اليافع”، إحدى أكبر الاتحادات القبلية في اليمن، المعروفة بصرامتها القاسية ودعمها لاستقلال الجنوب. وتحت قيادته، جنّدت “قوات الحزام الأمني” عدداً كبيراً من شباب يافع والمناطق المحيطة بها. وقد جعلته مكانته كأحد القادة العسكريين البارزين في جنوب اليمن هدفاً لأعدائه، بمن فيهم الحوثيون وتنظيم «القاعدة».
وبصفته قائد “قوات الحزام الأمني”، كان أبو اليمامة يخضع فنياً لأوامر الحكومة المركزية بقيادة هادي. لكنه حضر أيضاً اجتماعات كممثل عن “المجلس الانتقالي الجنوبي” (“المجلس”)، الذي يسعى إلى الانفصال عن حكومة هادي. وعلى غرار أبو اليمامة، حكمت حكومة صالح على رئيس “المجلس” عيدروس الزبيدي بالإعدام، وكان القائدان يختبئان معاً في يافع. وخلال اجتماع مع “المجلس الانتقالي الجنوبي” في عدن عُقد في حزيران/يونيو 2019، وحضرَتْه كاتبة هذه السطور كعضوة في وفد أمريكي، جلس أبو اليمامة، الذي يشتهر بكلامه الهادئ، على بعد مقعدين فقط من الزبيدي، مما يُظهر مكانته الرفيعة ضمن الجماعة الموالية للانفصاليين. وفي الوقت نفسه، ارتدى زيه العسكري الحكومي واعتمر القبعة الحمراء العائدة لـ”قوات الحزام الأمني”. وعكس هذا الترتيب على نحو ملائم الحالة الأمنية الراهنة في جنوب اليمن، حيث تعمل الشخصيات الرئيسية – التي يفضلها الكثيرون من الإمارات لمهاراتها القتالية – لصالح حكومة هادي في الظاهر، ولكنها تفضل عملياً دولة يقودها “المجلس الانتقالي الجنوبي”. وما يزيد من تعقيد هذا المشهد هو معارضة السعودية للأهداف الانفصالية لـ “المجلس” والاحتكاك المتأصل الذي قد يُحدثه ذلك مع الإمارات.
ردود فعل وعواقب
رداً على مقتل أبو اليمامة، أصدرت الحكومة اليمنية بياناً أثنت فيه على تضحياته، ووضحت أن الحل للنزاع الوطني هو تحرير الأراضي اليمنية من الحوثيين. كما أعرب مسؤولون يمنيون معيّنون عن تعازيهم، بمن فيهم رئيس الوزراء معين عبدالملك سعيد، الذي وصف الهجوم بأنه “شنيع”.
وحتى الآن، كان “المجلس الانتقالي الجنوبي” حذراً في بياناته العامة، فقد أصدر شريط فيديو وصف فيه الهجوم كـ “غادر” وأبّن فيه أبو اليمامة وآخرين كـ “مفتديين بأرواحهم من أجل … استقلال الجنوب”. وخارج هذه الإصدارات، طلب من الجنوبيين “التحلي بالصبر” أثناء تخطيطهم لرد مناسب. وكان رد فعل بعض السكان المحليين أسرع وقتاً. على سبيل المثال، يبدو أن الجالية القريبة من مسقط رأس أبو اليمامة قد أغلقت طريقاً إلى الشمال على الأقل بصورة مؤقتة، وهو رد من المرجح أن يتم تخفيفه عن طريق المفاوضات القبلية. علاوة على ذلك، وكما هو شائع في اليمن، قد تتطوع عائلة أبو اليمامة للانتقام من موته، رغم أنه من غير الواضح الشكل الذي سيتخذه مثل هذا الثأر.
وقد يترك مقتل أبو اليمامة تأثيرات متتالية على الصراع اليمني الأوسع نطاقاً، وربما قد يزيد حتى وتيرة الأعمال العدائية. وفي هذا الإطار، نقلت سمر أحمد وهي ناشطة تؤيد استقلال الجنوب، الرأي العام السائد في أوساط الكثيرين قائلةً إن مقتل أبو اليمامة، “كان بمثابة زلزال مميت هزّ الجنوب”. وتتوقع مصادر جنوبية أن يتبع ذلك قيام احتجاجات في الشوارع ضد الحوثيين، ولاسيما ضد حكومة هادي أيضاً. وغالباً ما تنتشر نظريات المؤامرة لإلقاء اللوم على طرف معين بعد وقوع مثل هذه الهجمات، نظراً إلى الواقع اليمني المتمثل في أن الخصوم غالباً ما يشكّلون تحالفات تكون وليدة الساعة ضد عدو مشترك. وفي هذه الحالة، عزت العديد من النظريات المماثلة مقتل أبو اليمامة إلى تواطؤ أو غض نظر من قبل حكومة هادي أو “حزب الإصلاح”، وهو تكتل إسلامي – وهي تُهم قد تتسبب بخروج تظاهرات محمومة تنادي بالاستقلال. وقد ركّزت وسائل الإعلام الجنوبية بشكل خاص على حالة تأهب أمني يُزعم أنها صدرت عن الحكومة في 29 تموز/يوليو، والتي يدعي مسؤولو “المجلس الانتقالي الجنوبي” أنهم لم يكونوا على علم بها، محذرين من وقوع هجمات إرهابية محتملة ضد شخصيات عسكرية بارزة ونقاط تفتيش أمنية. واتّهم مسؤولو “المجلس” الحكومة بشكل عام بعدم حمايتهم بشكل مناسب – وهو ادعاء سبق للحكومة أن ردته معربةً عن امتعاضها من عدم مشاركة القوات المتحالفة مع “المجلس” في خططها وإصرارها على ترتيب أمنها الخاص.
وإلى جانب الاحتجاجات المحتملة، من المرجح أن ترفع القوات المتحالفة مع “المجلس الانتقالي الجنوبي” وتيرة قتالها ضد الحوثيين على طول الجبهة الشمالية-الجنوبية في محافظات على غرار الضالع. وتعرب شخصيات بارزة ضمن “المجلس” عن أملها بأن تقدّم لها القوات الإماراتية، التي لا تزال تنفّذ عمليات ضد تهديدات إرهابية في الجنوب، الدعم في هذا الجهد، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كان ذلك خارج نطاق عملها الجديد بعيداً عن القتال مع الحوثيين وتجاه مهمة مكافحة الإرهاب.
الخاتمة
يأتي هذا الهجوم بالفعل بعد أسابيع فقط من إعلان الإمارات تقليص تواجدها العسكري فيما يتعلق بالقتال ضد الحوثيين، وعوضاً عن ذلك منحها الدعم الكامل للجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة لاحتواء الجماعة. وعلى الرغم من أن الحوثيين يستهدفون بانتظام التجمعات العسكرية في الجنوب، مما يشير إلى أن الرحيل العسكري للإمارات لم يكن الحافز [وراء قيامهم بهذه العملية]، إلّا أن مقتل أحد القادة العسكريين المفضلين لدى الإمارات على يد الحوثيين الذين تسلحهم إيران، لن يمر مرور الكرام في أبوظبي. وفي الواقع، يشير الهجوم إلى أن إيران تمدّ الحوثيين تحديداً بأنواع القدرات التي لطالما خشيتها الإمارات. وكان رد فعل «الاتحاد الخليجي» للأحداث الأخيرة التي شملت إيران في المنطقة قلقاً وحذراً؛ وعلى الأرجح سيوصي بتوخي درجة الحذر نفسها إزاء “المجلس الانتقالي الجنوبي”.
ويمكن للحذر أن يشكّل أساساً لاستراتيجية عسكرية ودبلوماسية ذكية إذا كان مدعوماً بخطة سياسية – غير أنه لم يتمّ وضع مثل هذه الخطة السياسية الفعالة في اليمن منذ وقت طويل. ولا بدّ لمقتل أبو اليمامة، بالإضافة إلى إثارة الغضب حتماً في الجنوب، من أن يعيد إحياء جدل حول ما يمكن وكيف ينبغي أن يكون عليه المستقبل السياسي في اليمن وكيف يمكن للجهات الفاعلة الخارجية المنخرطة عن كثب في أحداث البلاد المساعدة في تحقيق ذلك.