- كانت جبهة الحرب في قطاع غزة، في خضم اشتعال المواجهة العسكرية الإسرائيلية مع إيران، تتسم بجمود عسكري وسياسي، ومن شأن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران أن يُعيدَ التركيز الإسرائيلي والدولي على الأزمة في القطاع.
- خرج نتنياهو من حرب إيران أكثر شعبية وقوة، وهو يستطيع إبرام صفقة في قطاع غزة لأن وضعه سيكون أقوى مقابل اليمين المتطرف، ولا يعني هذا أن نتنياهو سوف يذهب إلى انتخابات مبكرة بل يعني أن تهديد اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة في حال ذهب إلى صفقة مع حماس لن يكون مؤثراً.
- تميل إسرائيل إلى القبول بصفقة جزئية أو هدنة في غزة، وتُعول على قبول حماس بهذه الصفقة بعد انتهاء الحرب في إيران، وزيادة الضغط عليها من الأطراف المختلفة، لاسيّما الوسطاء من أجل القبول بمقترح ويتكوف مع تعديلات عليه حتى لو لم تستجب جميعها لشروط حركة حماس.
تراجَع الاهتمامُ الدولي بالحرب في قطاع غزة مع بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو 2025، فلم تتقدم الجهود السياسية من أجل التوصل إلى صفقة أو اتفاق لوقف القتال في قطاع غزة، وذلك من حيث توقفت المحادثات السابقة حول مقترح ويتكوف. وفي المقابل استمر الجيش الإسرائيلي بعمليات القصف الجوي في القطاع وتوزيع المساعدات عبر نقاط التوزيع التي تشرف عليها مؤسسة غزة الإنسانية، دون أن يتقدم الجيش في السيطرة على مناطق جديدة في القطاع، بما يُشبه حالة الجمود العسكري المرافقة لحالة الجمود السياسي. ومع توقُّف الحرب بين إسرائيل وإيران في 24 يونيو ستعود إسرائيل، وبقية الأطراف المعنية، إلى التركيز على الأزمة في قطاع غزة.
غزة في ظل الحرب بين إسرائيل وإيران: الوضع العسكري
في خلال الحرب بين إسرائيل وإيران، التي استمرت 12 يوماً، لم تُوسع إسرائيل العملية العسكرية في قطاع غزة، واستمرت بتنفيذ عمليات قصف جوي كانت تسفر عن مقتل عشرات الفلسطينيين يومياً، إما نتيجة القصف أو في أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات من مراكز التوزيع التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية في جنوب القطاع تحديداً. ولم تتقدم العملية العسكرية في القطاع بسبب قرار الجيش نقل قوات عسكرية من قطاع غزة إلى منطقة الشمال والحدود الشرقية مع الأردن، لمنع إمكانية دخول خلايا مُسلحة لإسرائيل في خضم الحرب على إيران، أو التحسب لإمكانية انضمام حزب الله إلى المعركة لصالح إيران، وقد أعلن الجيش أن جبهة إيران تحولت إلى الجبهة المركزية في حين أن غزة جبهة ثانوية.
وفي بيان للجيش الإسرائيلي حول الجبهات المختلفة، أشار إلى أن هناك أربع فرق عسكرية تعمل في القطاع، ولا تهدف هذه الفرق إلى احتلال أراض جديدة في غزة، حيث يُسيطر الجيش على مناطق واسعة منها، فضلاً عن تأمينه لمراكز توزيع المساعدات في القطاع، والتي وصفها فيليب لازاريني، رئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، بأنها “فخ الموت” للفلسطينيين في غزة. ويستمر الجيش الإسرائيلي في الضغط على السكان للعيش في مساحة تصل إلى 20% من قطاع غزة، ولا ينجح بتحقيق ذلك حتى الآن. ومع أن الجيش لا يتقدم في العملية العسكرية فقد قُتل في خلال العملية، وفي خضم الحرب على إيران، عددٌ من الجنود الإسرائيليين بواسطة عمليات نفذتها الأذرع العسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
يمكن القول إن هناك حالة من الجمود العسكري فيما يتعلق بالتقدم بعملية “عربات جدعون” في قطاع غزة، ويعود ذلك إلى انشغال الجيش في الحرب على إيران من جهة، وانتظار تقدم سياسي في مباحثات الهدنة أو اتفاق لوقف الحرب من جهة ثانية. وقد تتغير هذه الحالة مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران في صباح 24 يونيو، وعودة غزة لتكون جبهة مركزية من جديد.
غزة في ظل الحرب بين إسرائيل وإيران: الوضع السياسي
تراجعَ الاهتمامُ الجماهيري في إسرائيل بقضية المحتجزين في قطاع غزة، ووجدت العائلات نفسها وحيدة في النضال لبقاء قضيتهم حاضرة في الاهتمام العام الإسرائيلي، فالوضع الأمني الناتج عن الحرب مع إيران حظر التجمهر العام، مما شلّ العمل الاحتجاجي الذي كان متمحوراً ول قضية المحتجزين، كما أن الإعلام الإسرائيلي وحتى الأجهزة الأمنية ما عادت تتحدث عن هذه القضية بشكل لافت، وتحولت القضية وكأنها منسيّة في إسرائيل.
نجح الجيش الإسرائيلي في استعادة ثلاث جثث لإسرائيليين من قطاع غزة، وذلك في نفس اليوم الذي ضربت فيه الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية (22 يونيو)، وبذلك تراجع عدد المحتجزين الإسرائيليين إلى 50 (20 من الأحياء، و30 من الأموات، وفق التقديرات الإسرائيلية الأمنية). ومع إعلان وقف الحرب مع إيران في 24 يونيو رأت عائلات المحتجزين الإسرائيليين أن الوقت قد حان لإبرام اتفاق في غزة، وعلى حد قولهم مَن يستطيع التوصل إلى اتفاق مع إيران يستطيع فعل ذلك في قطاع غزة، وطالبت أن يشمل اتفاق وقف إطلاق مع إيران حركة حماس أيضاً.
أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن هناك تقدماً يحدث في المباحثات بخصوص تحرير المحتجزين الإسرائيليين، ومع ذلك لم يرسل وفداً إسرائيلياً إلى القاهرة أو الدوحة للتباحث في هذا الشأن. ويبدو أن إسرائيل تعمل على تقديم مقترح جديد لحركة حماس، فقد كشف تساحي هنغبي، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، عن أن إسرائيل ستُقدِّم مقترحاً يستند إلى مقترح ويتكوف الأخير، وفيه بعض التنازلات الإسرائيلية على حد تعبيره، ووفق مصادر إسرائيلية فإن المقترح الإسرائيلي سيشمل هدنة لمدة 60 يوماً، يتم في خلالها إطلاق سراح 8 محتجزين أحياء في اليوم الأول، واثنين بعد أسابيع من الهدنة، لكن دون التنازل عن باقي البنود المهمة لإسرائيل.
وبناءً على هذه التقارير، فإن “الليونة” الإسرائيلية تتمثل فقط في مسألة توزيع إطلاق سراح المحتجزين الأحياء، ومن الصعوبة توقُّع قبول حماس بهذا المقترح. ومع ذلك تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن انتهاء الحرب مع إيران لصالح إسرائيل سيدفع حركة حماس إلى تعديل موقفها، لأنها ستبقى وحيدة ومعزولة دون ظهر إيراني.
التوجهات الإسرائيلية نحو غزة في ظل نتائج الحرب على إيران
يمكن الإشارة إلى ثلاثة توجهات إسرائيلية محتملة لتداعيات نتائج الحرب مع إيران على مستقبل الحرب/التهدئة والاتفاق في قطاع غزة.
التوجه الأول، الذي يطالب بالتشدّد في المطالب الإسرائيلية من حماس، بحيث يكون المطلب الإسرائيلي هو استعادة جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والأموات، ونزع سلاح حماس والقطاع مقابل وقف الحرب في قطاع غزة. وفي حال رفضت حماس ذلك فإن على إسرائيل استغلال حالة الانتصار والإنجازات العسكرية في إيران للقيام بعمل عسكري شامل وقوي في قطاع غزة، لحسم المعركة والقضاء على حركة حماس، لاسيّما أن إسرائيل قد استعادت جزءاً من الدعم الدولي في أعقاب حربها على إيران، كما أن الاهتمام الدولي تراجع بشأن غزة، فضلاً عن أن حماس أصبحت وحيدة بعد إضعاف إيران، مما يُمكّن الجيش من حسم المعركة واحتلال القطاع طبقاً لخطة “عربات جدعون”.
التوجه الثاني، الذي يعتقد أن على إسرائيل إغلاق ملف قطاع غزة من طريق الذهاب إلى اتفاق في القطاع وتحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين وتبني الخطة العربية مع تعديلات عليها، وذلك بسبب ضعف إيران وحماس معاً، فضلاً عن أن الحرب الحقيقية على الوجود الإسرائيلي كانت مع إيران، وهي معركة تاريخية لإسرائيل والتي انتهت بتحقيق أهدافها. ومن الناحية السياسية الداخلية يستطيع نتنياهو التحرر من جبهة غزة بسهولة عبر ما أنجزه في جبهة إيران، على اعتبار أن التحرر من جبهة غزة لن يؤثر فيه سياسياً بسبب الإنجازات التي حققها في إيران، بل إن شعبيته قد تزداد في حال استغل إنجازات الحرب في إيران وأطلق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين.
التوجه الثالث، ينادي بأهمية التوقيع فوراً على صفقة جزئية مع حركة حماس وفق مقترح ويتكوف، وقبول التنازل عن بعض الشروط الإسرائيلية مثل عدم الانسحاب وإدخال المساعدات الإنسانية، وبدء التباحث حول وقف الحرب في قطاع غزة. وينطلق هذا التوجه من اعتبار أن هذا الأمر يصب حالياً في مصلحة إسرائيل للحفاظ على الدعم الدولي الذي جددته إسرائيل في أعقاب المواجهة مع إيران، كما أن حماس سوف تغير موقفها من مقترح ويتكوف كما فعل حزب الله مع اتفاق وقف إطلاق النار، عندما شعر أنه ضعيف وتخلت عنه إيران. ويرى هذا التوجه أنه مع قبول إيران وقف إطلاق النار مع إسرائيل فقد تميل حماس إلى القبول بمقترح ويتكوف في هذه المرحلة.
التوقعات
حققت إسرائيل هدفها المركزي من الحرب على إيران، وهو تدمير المشروع النووي الإيراني، بعد أن شاركت الولايات المتحدة في قصف المنشآت النووية الإيرانية الثلاث المتعلقة بدورة تخصيب اليورانيوم (فوردو ونطنز وأصفهان). وفي هذا الصدد، قد يطلب الرئيس ترمب من نتنياهو وقف الحرب على قطاع غزة، ولن يستطيع نتنياهو معارضة ذلك، وحتى لو تفكّكت حكومته فإنه يستطيع الذهاب إلى انتخابات مبكرة، معتمداً على ما أنجزه من الانتصار في جبهة إيران وتحقيق ما وعد به لعقود طويلة.
تشير استطلاعات الرأي المختلفة في إسرائيل إلى أن شعبية نتنياهو ازدادت بشكل ملحوظ بسبب الحرب في إيران، فضلاً عن زيادة تمثيل حزب الليكود في الكنيست ومركبات الائتلاف المختلفة لو جرت الانتخابات الآن. ولا يعني ذلك أن نتنياهو سوف يحسم الذهاب إلى انتخابات مبكرة حتى يُبقى مفعول الحرب على إيران حاضراً في الوعي الإسرائيلي، ولكن موقفه سيكون أقوى أمام اليمين المتطرف الذي يرفض الذهاب إلى صفقة في غزة ويُهدد بإسقاط الحكومة في حال اتخذت قراراً بهذا الشأن.
ومن المتوقع أن تأخذ إسرائيل خطوات نحو إنجاح مقترح ويتكوف من طريق الموافقة على بدء مباحثات لوقف الحرب على قطاع غزة في خضم الهدنة، على الأقل من أجل تحرير بعض المحتجزين، وتقليل الضغط الدولي عليها بسبب الحرب على غزة، واستئناف الحرب بشرعية أكبر في حال لم توافق حماس على شروط المجتمع الدولي فيما يخص اليوم التالي في قطاع غزة.
استنتاجات
يُسهِم اتفاق إنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران في التوصل إلى اتفاق في قطاع غزة. فقد تحسَّنت مكانة نتنياهو سياسياً في الداخل الإسرائيلي، وستزداد شعبيته إذا توصل إلى اتفاق لاستعادة المحتجزين الإسرائيليين، كما أنه سيكون في حالة أفضل في المناورة مع شركائه من اليمين المتطرف الذي يرفضون التوصل إلى هدنة أو اتفاق في القطاع.
وتميل إسرائيل إلى القبول بصفقة جزئية أو هدنة في غزة، وتُعول على قبول حماس بهذه الصفقة بعد انتهاء الحرب في إيران، وزيادة الضغط عليها من الأطراف المختلفة، لاسيّما الوسطاء من أجل القبول بمقترح ويتكوف مع تعديلات عليه حتى لو لم تستجب جميعها لشروط حركة حماس. وفي المقابل، ستوافق إسرائيل على بدء مباحثات لوقف الحرب في قطاع غزة في خضم فترة الهدنة، وذلك لدفع حماس إلى القبول بالمقترح، فضلاً عن أن الضغط الأمريكي سيكون كبيراً على إسرائيل بهذا الشأن في محاولة لإغلاق جبهات التوتر، وسيكون مجال المناورة الإسرائيلية أقل أمام إدارة ترمب، لاسيّما أن الضربة الأمريكية على منشآت نووية إيرانية هي التي دفعت إسرائيل إلى الإعلان عن انتصارها في المواجهة مع إيران وتحقيق أهداف الحرب، ما جعلها تقبل بوقف إطلاق النار مع إيران.