فصل جديد من فصول المواجهة بين السلطات الكويتية و”حزب الله” اللبناني تم فتحه اليوم، عبر إحالة النيابة العامة الكويتية ثمانية عشر شخصًا إلى محكمة الجنايات؛ بتهمة تمويل أنشطة الحزب والمساهمة في عمليات تجنيد الشباب الكويتي للقتال في سوريا واليمن. هذه المجموعة، التي تضم أحد عشر مواطنًا كويتيًا، وسبعة من جنسيات أخرى، يعمل أغلب أفرادها في مكاتب للصرافة، كانت وسيطًا في العمليات المالية التي تمت بهدف تمويل أنشطة حزب الله على الأراضي الكويتية. هذا الفصل ينضم إلى فصول عديدة سابقة، واجهت فيها الأجهزة الأمنية الكويتية أنشطة هذا الحزب، وجرت أحداثها على مدار العقود السابقة.
بدأ ملف هذه المجموعة بشكل فعلي قبل إلقاء القبض على أعضائها، فقد أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، في سبتمبر الماضي، عن أسماء بعض الأشخاص الذين تتضمنهم شبكة مالية دولية من شركات الصرافة والممولين وشركات غسيل الأموال التي تدعم أنشطة حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني، ومن بينهم شخصان يحملان الجنسية الكويتية، الأول يدعى “طالب حسين علي اسماعيل”، والآخر يدعى جمال حسين الشطي.
قام الأول بتحويل ملايين الدولارات إلى حزب الله من الكويت عبر الشخص الثاني، علمًا بأن هذا الأخير –وهو شقيق أحد النواب السابقين بمجلس الأمة الكويتي- هو من بين الأشخاص الأربعة الذين ألقى جهاز أمن الدولة الكويتي منتصف نوفمبر الماضي القبض عليهم، بناء على معلومات وردت من جهاز أمني تابع لدولة عربية، في بداية عمليات الاعتقال المتعلقة بقضية تمويل حزب الله، والتي تضمنت اعتقال شقيق نائب سابق آخر في مجلس الأمة الكويتي، وشخص من قدامي العاملين في الأنشطة الخيرية، وآخر ورد اسمه سابقًا في حوادث تورط فيها حزب الله وارتبطت بالكويت، على رأسها عملية خطف طائرة “الجابرية” في ثمانينات القرن الماضي.
بمجرد القبض على هؤلاء، شرعت النيابة العامة الكويتية في التحقيق معهم بشأن عدة تهم تتعلق بالتعامل مع حزب محظور في الكويت؛ التهمة الرئيسة في هذه التهم هي تمويل حزب الله عبر تحويل أموال طائلة له، والعمل على تدوير وغسيل الأموال الخاصة به. يضاف إلى هذه التهم تهم أخرى، مثل تهريب المخدرات، والعمل على تسهيل سفر الشباب الكويتي للقتال في سوريا واليمن. وقد ألقت السلطات الكويتية القبض خلال الأسابيع التالية لاعتقال هؤلاء الأربعة على أعداد أخرى من المتهمين، ووصل إجمالي المتهمين في هذه القضية نحو 23 متهم، تم لاحقًا الإفراج بكفالة عن خمسة منهم، وإحالة البقية اليوم إلى محكمة الجنايات.
قضية “العبدلي” … العفو عن خلية والقبض على أخرى
لم تكن قضية “تمويل حزب الله”، الأولى من نوعها في الكويت فيما يتعلق بأنشطة هذا الحزب، فقد فككت السلطات الكويتية على مدار السنوات الماضية عدة شبكات تابعة له، منها “خلية العبدلي”، والتي تفجرت قضيتها في أغسطس 2015، حين داهمت السلطات الكويتية عدة مزارع في منطقة “العبدلي” شمال العاصمة الكويتية، وصادرت داخل هذه المزارع كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، تم تهريبها من العراق وتخزينها في هذه المزارع القريبة من الحدود، وتضمنت 144 كيلو جرام من مادة “نترات الأمونيوم”، وتسعة عشر طنًا من الذخائر المتنوعة، بجانب قذائف صاروخية وأسلحة خفيفة وقنابل يدوية.
خلال هذه المداهمة تم اعتقال ثلاثة أشخاص، ولاحقًا تم اعتقال آخرين، بحيث بلغ إجمالي عدد المتهمين في هذه القضية ستة وعشرين شخصًا، جميعهم كويتيون عدا شخص واحد يحمل الجنسية الإيرانية. بدأت محاكمة هؤلاء أمام محكمة الجنايات الكويتية في سبتمبر من نفس العام، بتهمة التخابر مع إيران وحزب الله بقصد القيام بأعمال عدائية ضد دولة الكويت، من خلال جلب وتجميع وحيازة أسلحة نارية وذخائر وأجهزة تنصت. وقد صدرت الأحكام في هذه القضية في يناير 2016، بإعدام متهمين اثنين، ومعاقبة آخرين بفترات سجن مختلفة تتراوح بين خمس سنوات و20 سنة.
ملفات هذه القضية تضمنت تفاصيل مهمة عن الأهداف الأساسية للمجموعة التي تورطت فيها، فحسب المعلومات المنشورة عن هذه القضية، قام الحرس الثوري الإيراني منذ تسعينيات القرن الماضي بتدريب بعض الكويتيين، واستغلال السفارة الإيرانية في الكويت لتشكيل خلية نائمة كانت مهمتها الأساسية تخزين متفجرات وأسلحة بكميات كبيرة داخل الكويت، بجانب مهام أخرى تتراوح بين رصد تحركات الجيش الكويتي، أو تجنيد أفراد آخرين للانضمام لهذه المجموعة، على أن ينتظر الجميع لحظة مناسبة لاستخدام الذخائر والأسلحة المخزنة في عمليات بالداخل الكويتي.
أثارت هذه القضية في حينها موجة غضب واسعة في الداخل الكويتي، وصاحبتها على مدار السنوات اللاحقة إجراءات حكومية متتالية ضد حزب الله وإيران، منها ترحيل الكويت في مارس 2016، 71 لبنانيًا وثلاثة عراقيين، مشتبه في علاقتهم بحزب الله، أعقب ذلك تقديم الكويت مذكرة احتجاج رسمية إلى لبنان في يوليو 2017، تندد فيها بممارسات الحزب اللبناني على الأراضي الكويتية، وقد ترافقت هذه المذكرة مع طرد الكويت خمسة عشر دبلوماسيًا إيرانيًا من البلاد، وإغلاق مكتبي الملحقين العسكري والثقافي الإيرانيين في الكويت، وتجميد النشاطات المشتركة بين البلدين بشكل كامل.
وعلى الرغم من النفي القاطع من جانب أمين عام حزب الله حسن نصر الله، في أغسطس 2017، للاتهامات الموجهة للحزب بتدريب أفراد وإرسال أسلحة إلى الكويت، إلا أن الإجراءات الكويتية ضد الحزب استمرت خلال الفترات اللاحقة؛ ففي مايو 2018، أدرجت الحكومة الكويتية قادة الحزب وأربعة كيانات تابعة له على لوائح الإرهاب، حيث أدرجت ضمن هذه اللائحة نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، ورئيس المجلس السياسي إبراهيم أمين السيد، وعضوي مجلس شورى الحزب محمد يزبك، وحسين خليل، وتم إدراج أشخاص آخرين وأربعة شركات على نفس اللائحة لارتباطهم بأنشطة الحزب.
تدخلات سابقة لحزب الله في الشأن الكويتي
بداية التدخلات الإيرانية -عبر حزب الله- في الشأن الكويتي، كانت في بداية ثمانينيات القرن العشرين، عبر تأسيس “حزب الله الكويتي” علي يد مجموعة من الشيعة الكويتيين المرتبطين بالحوزة العلمية الإيرانية في مدينة “قم”. وقد اقتصر نشاط هذه المجموعة، التي كانت محدودة العدد في البداية، على توتير الوضع الداخلي في الكويت، خاصة مع وقوف الحكومة الكويتية في صف العراق خلال الحرب مع إيران.
فقد شكلت هذه المجموعة عدة فصائل أصغر حجمًا تحت أسماء رنانة مثل “الشعب الكويتي الحر”، و”المنظمة الثورية”، وبدأت في التجهيز لقلب نظام الحكم في الكويت عبر افتعال سلسلة من التفجيرات والعمليات التخريبية. بداية هذه الأنشطة كانت في ديسمبر 1983، عبر سلسلة من الهجمات بالسيارات المفخخة استهدفت عدة مبان في العاصمة الكويتية، من بينها مصنع للبتروكيمياويات في منطقة “الشعيبة”، ومصفاة للنفط، والسفارة الأمريكية والسفارة الفرنسية، بجانب المطار الدولي، ومجمع سكني يقطنه أجانب في منطقة “سلوى”، ومقار حكومية كويتية.
هذه التفجيرات التي بدا من ملامحها أنها تستهدف الدول التي تقف مع العراق ضد إيران مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والكويت كانت ثمرة تعاون بين حزب “الدعوة” العراقي المرتبط بإيران والمجموعة التي أسست تنظيم “حزب الله الكويتي” والمجموعة التي كانت في طور تأسيس حزب الله اللبناني، ومن بين أفرادها مصطفى بدر الدين، القيادي في حزب الله، والقائد العسكري الرئيسي فيه لاحقًا، والذي كان من المخططين الأساسيين لهذه التفجيرات، وتم اعتقاله عقبها بمعية ستة عشر متهم في هذه القضية، وتم الحكم عليه بالإعدام، إلا أنه هرب من الكويت لاحقًا بعد بدء الغزو العراقي للكويت عام 1990.
شهد شهر ديسمبر عام 1984، العملية الثانية لحزب الله وإيران فيما يخص الكويت؛ بهدف الضغط على الحكومة الكويتية للإفراج عن مصطفى بدر الدين، حيث اختطف أربعة لبنانيين، من بينهم القيادي في حزب الله عماد مغنية، طائرة تابعة للخطوط الجوية الكويتية، كانت في رحلة بين الكويت والعاصمة الباكستانية، وأجبروا قائدها على الهبوط في إيران.
طالب الخاطفون حينها بالإفراج عن المتهمين السبعة عشر في تفجيرات الكويت، وهو ما لم تقبله السلطات الكويتية، وفي نهاية المطاف اقتحمت الشرطة الإيرانية الطائرة وأجلت الخاطفين منها، وتم الإفراج عن الرهائن، الذين قتل منهم اثنان يحملان الجنسية الأمريكية على يد الخاطفين خلال العملية التي لم يحاكم على ضوئها أي من الخاطفين حتى الآن.
عام 1985 شهد بدوره عمليات أخرى تورط فيها حزب الله ضد الكويت؛ ففي شهر مايو هوجم موكب أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح بسيارة مفخخة، أسفرت عن مقتل اثنين من مرافقيه، ونجا الأمير من هذه المحاولة التي أوضحت التحقيقات التي تلتها أن حزب الدعوة العراقي كان متورطًا فيها بالتعاون مع عناصر تابعة لحزب الله على الأراضي الكويتية، علمًا بأنه بعد هذه الحادثة بشهرين فقط تعرضت مقاهٍ كويتية لتفجير عبوات ناسفة، أسفرت عن قتلى وجرحى، وتلت هذه العملية أخرى عام 1987، تم فيها استهداف أحد الفنادق في العاصمة الكويتية، خلال انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية.
استمرت محاولات حزب الله الضغط على الحكومة الكويتية للإفراج عن مصطفى بدر الدين، فلجأ إلى تكرار عملية خطف الطائرة الكويتية باختطاف طائرة أخرى تابعة للخطوط الكويتية أثناء عودتها من العاصمة التايلندية في أبريل 1988، فيما عرف لاحقًا باسم “عملية طائرة الجابرية”. قاد هذه العملية أيضًا القيادي في حزب الله عماد مغنية، برفقة سبعة أشخاص آخرين، وأجبروا طاقمها على التوجه إلى مطار مدينة “مشهد” الإيرانية، ومن ثم غادرت المطار بعد عدة أيام في اتجاه العاصمة اللبنانية، إلا أنها اضطرت للهبوط في قبرص نتيجة عدم منحها إذن للهبوط في لبنان، ثم انتقلت إلى الجزائر بعد تزودها بالوقود، وظلت هناك لمدة تسعة أيام أخرى، إلى أن غادر الخاطفون الطائرة، وتم الإفراج عن الرهائن، الذين قتل منهم اثنان في قبرص، ولم يتم أيضًا في هذه الحادثة اعتقال أي من الخاطفين.
مما سبق نستخلص أن تدخلات حزب الله في الشأن الكويتي كانت متعددة الأوجه والأشكال، وهي تعد واجهة للتدخل الإيراني في الداخل الكويتي، والذي يمكن حصره في شكلين أساسيين: الأول هو تدخل ذو طبيعة سياسية يعتمد على دعم المجموعات الموالية لطهران في الكويت خاصة الأحزاب السياسية مثل “الحركة الدستورية الإسلامية”، والثاني يعتمد على العمليات الاستخباراتية والتخريبية بمختلف أنواعها، بما في ذلك تأليب الداخل الكويتي، استنادًا للطبيعة الداخلية والسياسية التي يتسم بها.
الكشف الأخير عن الخلية التي كانت تتولى تمويل حزب الله وتعمل على تجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى سوريا واليمن كشف عن مشاكل جدية في آليات إدارة ومراقبة الأنشطة الخيرية في الكويت، بالنظر إلى أن عمليات التمويل سالفة الذكر كانت تتم تحت غطاء تمويل العمل الإغاثي والخيري في لبنان، وبالتالي باتت الحاجة ماسة لمراجعة أنشطة الجمعيات الخيرية الكويتية، بشكل يضمن عدم تحويلها إلى اتجاهات لا علاقة لها بالعمل الخيري، وهو ما يرتبط بشكل وثيق بالمعادلة الأمنية الداخلية في منطقة الخليج، والمنطقة العربية بشكل عام.
.
رابط المصدر: