الخليج العربي و معضلة الأمن للإستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة
المقاربات و التنافر في المثلث الإستراتيجي الجديد
عادل سعد
ما يحسب للباحث الاستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة ان رؤيته التحليلية قائمة على الرصد المعلوماتي المصحوب باستنتاجات لابد ان تجد واقعيتها في الاحداث الجارية و اللاحقة، و يذلك يمكن الاعتماد على هذه الرؤية في التعاطي مع الاحداث و القضايا لأن ما يطرحه لا يقوم على التكهن او التخمين و انما يأتي في سياق استقراء فكري و قراءة للأحداث الميدانية ميدانية ضمن مزاوجة ذهنية على درجة من التفاعل، و تلك هي ادوات الباحث الذي يمكن الافادة من تحليلاته لدى صاحب القرار السياسي العام، خاصةً ان الدكتور كاظم هاشم نعمة حريص على ملاحقة الأحداث بالكثير من التبصر المتمرس، و امام ذلك فإن التوقف عند كتابه (الخليج العربي و معضلة الامن و المثلث الاستراتيجي الجديد) الصادر قبل عدة أشهر لابد ان يضعك امام صور واضحة متداخلة تحكمها عدة احتمالات يمكن ان تتغير لصالح بعضها البعض في اطار منهج التنافس، او التخادم المتبادل الذي يحصل في بعض الأحيان بين المتخاصمين في مجال الصراع على النفوذ و كأنه يجد بذلك عينة لما قاله بسمارك (السياسة ان تدعو خصمك في حالة ما لتناول العشاء معك).
الحال ان الدكتور كاظم هاشم نعمة وفر للمتلقي معلومة تحليلية على درجة من الاهمية تفيد بأن منطقة الخليج العربي هي منطقة حافة سياسية و امنية الى حد ما ضمن قوس الأزمة وفق استدلالات جغرافية لمستشار الامن القومي الامريكي الاسبق بريجينسكي. لقد تضمن الكتاب تسعة فصول اولها الفصل النظري ثم تتابعت العناوين، نظرية المثلث الاستراتيجي، مثلثات ما بعد الحرب الباردة، معضلة امن الخليج، المثلث الاستراتيجي و النظام الدولي، الصين و الازمة النووية الايرانية، روسيا و الازمة النووية الايرانية، الموقف الروسي من العقوبات، اما الفصل التاسع فجاء بعنوان التعاون الأمريكي الروسي.
نظرية المثلث
يرى الباحث ان ديناميكية نظرية المثلث الاستراتيجي الامريكي-السوفييتي-الصيني قد ضعفت في فترة الحرب الباردة كمقاربة لتحليل السياسة الدولية و معضلة الامن، و لم يكن الأمن في الخليج العربي من بين قضايا العلاقات المثلثية، و في بيئة ما بعد الحرب الباردة بزغت علاقات مثلثية استراتيجية جديدة لها ديناميكية و خصائص، و اصبح الخليج العربي معضلة امن اقليمي و دولي تتأثر و تؤثر في العلاقات المثلثية من جهة، و في العلاقات بين القوى الخليجية فيما بينها، و ما بينها و بين العلاقات المثلثية من جهة اخرى.
علاقات مثلث لا تكون فيه الاضلع متساوية، و لا تكون فيه قوة ضلع محورية بصورة دائمة، بل تتناوب على الدور الاضلع الثلاثة حسب القضية، ولا تحافظ فيه الاضلع على مسافاتها فيما بينها في جميع القضايا.الخليج العربي شبه الإقليم معضلة امن لا نظير لها في اي إقليم آخر.معضلة أمن مركب، أمن فرد و مجتمع، أمن دولة، أمن نظام سياسي، أمن إقليمي، أمن دولي، أمن متداخل، أمن ديناميكي، و قد ترتب على المثلث الاستراتيجي الجديد شبكة علاقات مثلثات متحركة ذات صلة بالقضية و الضلع.ان معضلة الامن حسب رؤية الدكتور نعمة ليست ظاهرة جديدة في السياسة الدولية بل انها ملازمة للتفاعلات و المكونات و الدول، و في تطور لافت أن الدارسين و المنظرين رصدوا مظلة الامن و اعتبروها من صلب السياسة الدولية و جوهرها ومحورها و قضيتها المركزية، ولذلك جاءوا على نظريات عديدة تعميقا للفهم و اتقانا لتحليلها وكشفا لبواطنها و تشخيصا لعواقبها و اقتراحا لمعالجاتها، ورأوا انها قضية حتمية ويترتب على اغفالها كوارث من بينها مساعي تحاشي النزاعات وما قد تقضي اليه بحروب بسببها، و ان فهمها يعين على بلوغ الاستقرار و الامن في العلاقات و التفاعلات بين المكونات في السياسة الدولية.و يرى الباحث انه ليس في وسع القادة و صناع القرار و الدول في البيئة الراهنة للنظام الدولي القائم الانفلات او التخلص من معضلة الامن.
و يتوقف الباحث الدكتور عند حقيقة ان مفهوم الامن في معانيه الاكاديمية و الجدل السياسي و الاجتماعي يلازم مفهوم التهديد، و التهديد في قاموس ويستر يعني تصريحا او تعبيرا عن نوايا الحاق الاذى و الدمار و العقاب و غيرها في الرد او التخويف.و يذهب البروفيسور كاظم هاشم نعمة الى تقديم عرض تاريخي عن المفهوم الاستراتيجي في التطور بالعلاقة بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي و الصين بعد زيارة الرئيس الامريكي نيكسون الى بكين عام 1978وتزامن مع العلاقة الامريكية السوفيتية و لكن لم يكن لهذا المفهوم نصيب من الاهمية في الدراسات النظرية.
و يعتقد الباحث ايضا ان هناك دوافع مصلحة امريكية و معطيات اقليمية و دولية من جهة اخرى كلها مهدت البيئة و السبيل الى ممارسة العلاقات و الدبلوماسية الثلاثية في تدبير العلاقات و التفاعلات بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي و الصين انذاك.
توازن قوى
وهكذا يصل الباحث الى نتائج تقوم على توازن قوى في اطار الحذر الشديد من الانجراف الى احتمال حصول مواجهة تفضي بشكل او بآخر الى كارثة غير مسبوقة على الكرة الارضية خاصةً مع الامتدادات الجغرافية الواسعة التي تضم الاطراف الثلاثة.وتضمن الفصل الثالث من الكتاب عرضاً للمثلثات الامنية التي تشكلت ما بعد الحرب الباردة مشيراً الى سبعة انواع من المثلثات التي تشكلت و ضمت عدداً من الدول في تقسيم هندسي سياسي يقوم على المثالثة و النأي من احتمالات حصول مواجهات على الرغم من ان التهديد يبقى قائماً، وارى هنا ان الدكتور كاظم هاشم نعمة و ان لم يصف ما جرى من تطورات في مفهوم الامن على اساس سياسات تضع الجميع عند الحافة فإن حقيقة ما ذهب إليه يقع عند هذه الحافة اصلا و بذلك تواترت محاور على وفق ما اشرت اليه بلسان مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق بريجينسكي ضمن تسميته قوس الازمة الذي يمتد من وسط آسيا الى غربها و الشرق الاوسط عموما و شمال أفريقيا.و بالنسبة الى منطقة الخليج العربي فإن الباحث الدكتور يرى ان خمسة مستويات للأمن تتفاعل فيه وهي متداخلة و مركبة في تأثيرها و تأثرها بما يجري على صعيد مستوى واحد او اكثر، وتعطينا ظاهرة معضلة الأمن في الخليج العربي النسق المتكامل لمعضلة الأمن بما لا يمكن ان يعثر عليه في غيرها من الأقاليـــــــم و شبه الأقاليم التي حظيت بعناية الأمن.ان معضلة الامن في منطقة الخليج العربي ظلت تتبادل في ابعادها العسكرية و السياسية والاقتصادية والفردية_الاجتماعية منذ نهاية الحرب الباردة و حرب الخليج الثانية و احـــداث 11 ايلول (سبتمبر) و غزو العراق في 2003 و الربيع العربي و قد برزت ابعاد جديدة لمعضلة الامن و تقدمت اهمــــــــية مســــــــتوى على آخر، فقد كان قبل الربيع العربي ظهور أهمية أكبر لأمن النظام.
و ينتقل الباحث الى موضوع المثلث الاستراتيــــــــجي و النظام الدولي مشــــيراً الى ان مدخل المصلحة الوطنية الأمريكية في الخليج العــــــربي لا تفـــــسر وحدها الحربين على العراق 1991و 2003او العدائية للدولة الايرانية، بل لا مفر من ان يقترن معها الوجه الايدلوجي الفكري أيضاً في اطار ان المصلحة الاساسية المتمثلة في نفط الخليج و التي هددها الرئيس السابق صدام حسين في اكثر من حالة واحدة.و حصيلةً لذلك ان الجدل في معضلة التوازن بين الايدلوجية الامريكية القيم و الاخلاق والثقافة و المصالح الاستراتيجية الامنية للولايات المتحدة في العالم بصورة عامة و الشرق الاوسط والخليج العربي على وجه الخصوص، اقول يذهب الجدل باتجاهين احدهما ان الولايات المتحدة الأمريكية قد اسست لها امبراطورية في المنطقية و الاتجاه الثاني لا يرى ادلة و شواهد على هذه الامبراطورية الامبريالية كافية و مقنعة و الحال ان ذلك يكشف بصورة او بأخرى التخبط الذي تقع فيه السياسة الامريكية عموماً و سرعة المتغيرات فيها بل ان بعض هذه السرعة تمس ثوابتها.
ويمر الدكتور كاظم هاشم نعمة في مؤلفه على الصين و الازمة النووية الايرانية مشيرا الى ان العامل الرئيسي المحرك للموقف الصيني في اطار علاقة المثلث الاستراتيجي بشأن القضية النووية هو العلاقات الصينية الامريكية اما العلاقات الصينية الروسية فكان دورها ثانوياً بالمنهج السياسي الصيني و هذا ما جعل السياسة الصينية متأرجحة و غامضة و سلبية و تتناوب المواقف بين الشدة و اللين و تتربص الفرص لتقرير موقفها من القضية بحسابات انعكاس الموقف على العلاقات الصينية الامريكية و ليس على العلاقات الصينية الروسية.
الموقف الروسي
وبالإنتقال الى الموقف الروسي من الازمة النووية الايرانية يرى الدكتور كاظم هاشم نعمة ان روسيا تظل قلقة دائماً من احتمال انخراط ايران في علاقات ايجابية مع الولايات المتحدة الأمريكية على حساب حصة روسيا في ايران و لذلك تسعى لزيادة استثماراتها في ايران بهدف ان لا تصبح ايران منافسا لروسيا في الغاز الطبيعي السائل على وفق العلاقة التجارية التي يمكن ان تكون متمــــــيزة بين ايران والولايات المتحدة و دول الاتحاد الأوروبي.وبشأن التعاون بين موسكو وواشنطن ازاء طهران استخدم الرئيس الروسي بوتين الورقة الايرانية لتقيــــــــيد الولايات المتحدة من تنفيذ استراتيجتها في الهيمنة و هـــــــذا بحد ذاته احد الاسباب التي تدفع موسكو الى عدم الغاء التعاون النووي مع ايران لكن ذلك لم يمنع الرئيس الروســـــــــي من المناورة في مواقفه من القضية حسب ما تقتضيه مراحل العلاقات مع الولايات المتحدة و التنازلات التي يمكن ان يحصل عليها مقابل الخسائر التي يمكن ان تترتب على الاستجابة لمطـــــــالب واشنطن.الخلاصة من ذلك ان الدكتور كاظم هاشم نعـــــــمة رسم بدقة احتمالات الامن في هذه المنطقة الساخنة والواعدة بطاقتها الاحفورية وكونها مستهلك نشط لبضائع التقنيات الحديثة، و ارى ان كتابه هو بمثابة ورقة عمل و فحص سياسي سريري للسياسات التي ينبغي ان تعتمدها الدول المشغولة بأمن هذه المنطقة.
رابط المصدر: