الخليج وأوروبا… تكامل اقتصادي واستثماري

تمثل القمة الأوروبية الخليجية التي عقدت في بروكسيل خلال الشهر المنصرم استمراراً للجهود التي بدأت منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي بعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي. استمرت الجهود للوصول إلى اتفاقية التجارة الحرة بين المجموعتيـن، ويأمل المسؤولون والخبراء في دول الخليج أن تعمل القمة على تحفيز الطرفين لإنجاز تلك الاتفاقية المهمة.

وفقا للبيانات والإحصاءات المتاحة، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج تريليوني دولار في حين يصل الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي إلى 17 تريليون دولار. هذه البيانات تؤكد أهمية تطوير العلاقات بين المجموعتين. وكما سبق ذكره، فقد وضعت الأسس لذلك منذ عام 1989 عندما وقعت اتفاقية لتنظيم الحوار حول التعاون وتشكيل مجلس للقيام بذلك الحوار على مستوى الوزراء المختصين، وكذلك تم تعيين مفوض من الاتحاد الأوروبي لدى منظومة مجلس التعاون الخليجي لمتابعة كل شؤون العلاقات المتنوعة بين الطرفين.

التبادل التجاري الخليجي الأوروبي

في طبيعة الحال، هناك مواضيع عديدة يهتم بها الخليجيون والأوروبيون، مثل تنقل الأفراد في الدول الخليجية أو الأوروبية والتسهيلات الممكن توفيرها لهم، وكذلك المسائل السياسية وحقوق الإنسان والقضايا التعليمية والثقافية، لكن الأمور الاقتصادية تبقى ذات أهمية كبرى.

 

تجاوز إجمالي التبادل التجاري بين المجموعتين، كما صرح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاســم البديوي، 204 مليارات دولار في عام 2022

 

 

كما هو معلوم، تستورد الدول الأوروبية النفط والغاز ومنتجات مكررة وبتروكيماويات من دول الخليج، وشكلت واردات الوقود المعدني من دول الخليج 75 في المئة من إجمالي هذه الواردات في عام 2023. وتجاوز إجمالي التبادل التجاري الخليجي الأوروبي، كما صرح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاســم البديوي، 204 مليارات دولار في عام 2022 حيث بلغت الصادرات الخليجية 106 مليارات دولار إلى دول الاتحاد الأوروبي، في حين بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج 98 مليار دولار في ذلك العام.

 

.أ.ف.ب .أ.ف.ب

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال يرحبان بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي لدى وصوله الى مقر الاتحاد في بروكسيل، 16 أكتوبر 2024. 

تتشكل الواردات الأوروبية من أسلحة ومعدات عسكرية وسلع معمرة وطائرات وسيارات ومنسوجات وعطور وغيرها من السلع التي يتميز الاتحاد الأوروبي بصناعتها. وحدثت تحولات في ترتيب الدول المصدرة إلى دول الخليج على مدى نصف القرن المنصرم، وربما تمكنت الدول الآسيوية مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية من تعزيز مكانتها في علاقاتها التجارية مع هذه الدول.

تنويع مصادر الاقتصاد والطاقة

لم تتوقف دول الخليج منذ أمد عن الحديث عن أهمية تنويع القاعدة الاقتصادية في دول المنطقة والتحرر من الاعتماد الكبير على إيرادات النفط والغاز. عندما يتمعن المرء في الأوضاع الاقتصادية العالمية والتحولات نحو اقتصادات تعتمد على تنويع مصادر الطاقة، تصبح توجهات دول المنطقة لتنويع اقتصاداتها أساسية للتنمية المستدامة. كذلك، لا شك أن تطوير بيئة الأعمال وتحريرها من المعوقات والعراقيل البيروقراطية وتعزيزها بتشريعات أو قوانين، ذات أهمية واسعة. ويمكن لدول الخليج أن تراهن على تدفق الاستثمارات المباشرة من دول الاتحاد الأوروبي في صناعات تحويلية ومشاريع خدمية متعددة والاستفادة من التقنيات الجديدة التي تتمتع بها الصناعات الأوروبية والمؤسسات المالية وغيرها من مؤسسات ذات صلة بالأنظمة التعليمية الحديثة.

 

قدرت الاستثمارات الأوروبية المباشرة في دول الخليج بحسب الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي بنحو 216 مليار يورو في عام 2022

 

 

لا بد للاقتصاد الخليجي أن ينسجم مع كل التحولات المعاصرة في الدول المتقدمة صناعياً وتقنياً ومنها دول الاتحاد الأوروبي. هناك مؤسسات خليجية متطورة وتحقق عائدات جيدة يمكــن أن تحفز المستثمرين الأوروبيين، شركات أو أفــرادا، لتوظيف الأموال فيها بما يعزز الشراكة الاستراتيجية.

إمكانات استثمارية متاحة

قدرت الاستثمارات الأوروبية المباشرة في دول الخليج بحسب الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي بنحو 216 مليار يورو في عام 2022. لكن المستثمرين في دول الخليج ينظرون إلى دول الاتحاد الأوروبي نظرة إيجابية في مسائل تثمير الأموال. وبالتالي، تتوجه الصناديق السيادية الخليجية والعديد من الشركات والمستثمرين الكبار إلى الدول الأوروبية للاستثمار في القطاعات الحيوية، استثمارات مباشرة أو إقتناء أدوات الاستثمار المسعرة من أسهم حقوق ملكية أو سندات.

 

.أ.ف.ب .أ.ف.ب

من اليسار، رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، والأمين العام لمجس التعاون الخليجي جاسم البديوي، خلال مؤتمر صحافي في بروكسيل، 16 أكتوبر 2024. 

لا شك أن الاستقرار السياسي وتماسك أسعار الصرف، اليورو أو الفرنك السويسري، يؤكدان جاذبية الاستثمار في هذه الدول. من جانب آخر، أدى انفتاح الأسواق المالية في دول الخليج إلى تدفق الأموال من المؤسسات الأوروبية واندفاعها لإقتناء الأسهم وأحيانا سندات الدين الحكومية والخاصة. هذه المؤسسات اهتمت بإقتناء أسهم الشركات الخليجية المتميزة خصوصاً المصارف، أو الشركات الخدمية الأساسية ومنها شركات الاتصالات. حققت المؤسسات الأوروبية أرباحاً رأسمالية مـــــــن عمليات الاقتناء، وهي مستمرة في نشاطها في العديد من الأسواق المالية الخليجية.

 

أدى انفتاح الأسواق المالية في دول الخليج إلى تدفق الأموال من المؤسسات الأوروبية واندفاعها لإقتناء الأسهم وأحيانا سندات الدين الحكومية والخاصة

 

 

لا بد أن يستمر التعاون الاقتصادي بين الخليج والاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة، وقد يكون الاستثمار المتبادل أكثر أهمية من التبادل التجاري، حيث تسعى دول الخليج إلى التكامل الاقتصادي مع المجموعات الإقليمية المتميزة لتعزيز قدراتها على إصلاح أنظمتها الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل. هناك تطورات في هذه العلاقات في السعودية والإمارات وقطر على مستوى الصناعات التحويلية والفنادق والخدمات الأخرى.

وتشير بيانات الاتحاد الأوروبي، الى أن الشركات الأوروبية تمكنت من بناء أسس متينة لأعمالها في السعودية، وهناك 1300 شركة أوروبية وظفت أموالاً استثمارية في البلاد.

وكان عقد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي منتدى استثمار أوروبي سعودي في الرياض في حضور 1500 شركة من الطرفين. وتطرق المؤتمرون إلى مسائل عديدة ذات صلة بالاستثمار مثل تحديد القطاعات وتطوير التشريعات وتوفير العمالة المؤهلة. هذه التطورات في السعودية تدفع دول الخليج الأخرى إلى تحفيز الأوروبيين لتحقيق أفضل تعاون في مجالات الاستثمار والتجارة والمنتجات المتميزة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M