الخُلُق المحمدي كمنهج قرآني / الموسم الأول

الخُلُق المحمدي كمنهج قرآني *

 

سلسلة قرآنية تبيّن المنهج القرآني في استعراض الخُلُق المحمدي ( العقائدي والسياسي والاجتماعي وغيره إضافة الى الجانب الأخلاقي )

 

الحلقة الأولى
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (الأحزاب/1)

قد يكون من الغريب أن يُؤمَر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير خلق الله بالتقوى ، فإذا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتقي الله فمن يتقي الله ؟
هذا الإشكال يُحَل إذا عرفنا أن التقوى مستويات ، فلكل إنسان مستوى من التقوى تناسب إيمانه ، بحيث يمكن فهم التقوى بأنها التقدم خطوة جديدة في الإيمان وطاعة الله جل وعلا ، ومن يطلع على آيات القرآن الكريم يجد أن بعض الأنبياء يأمرون أقوامهم ( وهم غير مؤمنين ) بالتقوى ، هذا يعني أن المطلوب منهم أن يتقدموا خطوة باتجاه الإيمان الحقيقي .

 

الحلقة الثانية
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (الأحزاب/6)

لننظر الى الآية الكريمة من زاوية ديمقراطية ، فالمؤمنون (الشعب) آمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله بحكم ما يملكه من إمكانيات جعلته حلقة الوصل بين بين الخالق والمخلوق ، فشخص له هذه القابليات يستحق بالفعل أن يكون أَوْلَى بمن آمنوا به من أنفسهم ، ولو كانت إمكانياته أقل من ذلك لأعطوه صلاحيات أقل ، كما الحال في النظم الديمقراطية ، أما من لم يؤمنوا به فإنهم لم يعطوه هذه الصلاحية ، وهذا ما يمكن أن نفهمه من اعتبار الآية الكريمة النبي صلى الله عليه وآله أَوْلَى بالمؤمنين وليس بالناس من أنفسهم .
وهذا وجه من وجوه الرد على من يريد الاعتراض على هذه الصلاحيات الممنوحة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وهي الولاية على المؤمنين .

 

الحلقة الثالثة
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (الأحزاب/7)

قد يكون من الغريب أن نسمع من نبي من الأنبياء او رسول من الرسل خاصة أصحاب الشرائع من أولي العزم ( محمد صلى الله عليه وآله ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ) أنهم يستغفرون او أن لهم ذنوباً رغم عصمتهم ، ولكن هذه الغرابة تنجلي إذا علمنا أن الله أخذ منهم ميثاقاً غليظاً ، هذا الميثاق الغليظ يجعل التشديد عليهم أكبر وبالتالي فالخطأ من قبلهم يستوجب الاستغفار والتوبة حتى وإن لم يُحسَب ذنب لهم .
فليس من المقبول على نبي من الأنبياء او رسول من الرسل أن لا يعطي مثلاً فقيراً طَرَقَ بابه حتى وإن كان لا يملك ( هذا النبي او الرسول ) شيئاً يعطيه ، رغم أن ذلك ليس بواجب في حد ذاته .

 

 

الحلقة الرابعة
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (الأحزاب/13)

لكون المنافقين يخلفون المواعيد ( إذا وعد أخلف ) فيتصورون أن رسول الله صلى الله عليه وآله يخلف الميعاد ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن في قلوبهم مرضاً .
ولكونهم يكذبون في أحاديثهم ( إذا حدّث كذب ) فإنهم يكذبون حتى على النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله رغم أنه صادق معهم أمين على أداء ما وُكِّل به إليهم لا يخون الأمانة كما يخونون ( إذا أؤتمن خان ) .
ونحن نعيش ذكرى رحيل رسول الإنسانية صلى الله عليه وآله نعرف حجم ما عاناه لتأدية رسالته لينقذنا من الجهالة وحيرة الضلالة وأن نحافظ على هذه الرسالة بمقدار وسعنا .

 

الحلقة الخامسة
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (الأحزاب/18)

( الأُخُوّة ) مصطلح راقي يكشف عن عمق العلاقة الحميمية بين البشر ، بحيث يوصف بعض الأصدقاء بالإخوة لعمق علاقتهم ، وهناك شواهد تأريخية حقيقية عن تجسيد هذا المصطلح عملياً .
ورغم أن ما يطفو للسطح هو الجانب الإيجابي من الأُخُوّة – وهذه من نِعِم الله جلّت آلاؤه – حيث يكون التعاضد لفعل الخير كالأُخُوّة التي زرعها النبي محمد صلى الله عليه وآله بين المسلمين في المدينة المنورة ، ولكن للأسف هناك ( أُخُوّة ) من النوع الآخر وهي الأُخُوّة السلبية التي تبين عمق العلاقة الحميمية ولكن لفعل الشر والعياذ بالله .
فلا يكفي أن يكون الآخرون إخوتك ولكن يجب أن تكون أُخُوّتهم لفعل الخير وأن لا تكون لفعل الشر .

 

 

الحلقة السادسة
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب/21)

من صفات المؤمن التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم ليكون مؤمناً وفق المقاسات القرآنية هو أن يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله أسوة وقدوة حسنة له ويضعه نبراساً يهتدي به ، وكل قدوة وأسوة تتضارب مع سيرته وسلوكه وأخلاقه ونهجه ترمى جانباً ، فلا سياسي ولا شيخ عشيرة ولا مدرس ولا رياضي ولا مطرب ولا أي شخصية أخرى تستحق أن تكون أسوة حسنة إذا تعارض نهجها مع نهج الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله ، وهذا يتطلب دراسة سيرته العطرة ولو إجمالاً والتدرب على أسلوب عيشه وكيفية تعامله مع الآخرين وكيفية موازنتها مع علاقته بربه جل وعلا .

 

 

الحلقة السابعة
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب/21)

الأسوة الحسنة مهمة في المجتمع عموماً في كل زمان ومكان ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله موجوداً في مكان وزمان محددين فهل يُحرَم من لم يوفق للوجود في ذلك الزمان والمكان من التأسي برسول الله صلى الله عليه وآله ؟ بالتأكيد لا .
فكل إنسان جسّد جانباً من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وتخلّق بأخلاقه يمكن أن يكون قدوة وأسوة لغيره بمقدار ما جسّده ، وبالتالي لنا في الأب والمعلم ورجل الدين وشيخ العشيرة والسياسي والمسؤول ووو أسوة حسنة بمقدار تجسيدهم للسيرة المحمدية الطاهرة ، وهذا يعني أننا نتأسى بالصفات لا بالأشخاص .

 

الحلقة الثامنة
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب/21)

بحكم الفارق الكبير بين درجة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله ودرجاتنا فقد يكون من الصعب التأسي به صلوات ربي عليه وآله ، فأبسط مثال على صعوبة التأسي هو أن صلاة الليل واجبة على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهل يستطيع جميعنا الالتزام بهذا الواجب ؟ بالتأكيد لا ، أما المقامات العليا فلا يمكن أن نتصور أننا قادرون على التأسي به فيها .
لذا يمكن أن نتأسى بمن تأسى بالرسول صلى الله عليه وآله وأصبح نسخة مصغرة منه ، كأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وأصحابه المنتجبين رضوان الله عليهم ، وقد يكون مقامهم صعب أيضاً على السواد الأعظم منا ، فيكون التأسي بالأولياء والفقهاء المتأسين بهم عسى أن نوفق للتأسي بالرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله .

 

 

الحلقة التاسعة
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (الأحزاب/24)

في العادة أن يقابل الكاذبون الصادقين والمؤمنون يقابلون المنافقين ، وقد يكون تقابل الصادقين مع المنافقين أمر غير مألوف ، ولكن عندما نتذكر أن من علامات المنافق (إذا حدّث كذب) ، أي أن المنافق كذّاب ، فيكون عندها تقابل الصادقين مع المنافقين مقبولاً .
ويمكن قبول تقابل الصادقين مع المنافقين من جهة أخرى ، فلا شك أن الصدق من أبرز علامات المؤمن ، إذ بيّن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله أن الإيمان والكذب لا يلتقيان ، أي أن الكذّاب غير مؤمن ، وكما تبين في أعلاه أن المنافق كذّاب فتكون النتيجة أن المنافق غير مؤمن على الأقل من هذه الجهة .

 

 

الحلقة العاشرة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)

إن المستوى الإيماني المتقارب بين الزوجين مهم في استقرار حياتهم الأسرية ، فأحياناً يتصور بعض المؤمنين ( من الذكور والإناث ) أن زواجهم من زوج أكثر إيماناً منهم سيجعل حياتهم مستقرة أكثر وبعيدة الانفصال ، وهذا صحيح إن كان الفارق بسيطاً ، إذ لا يمكن أن نأتي بزوجين بمستوى إيماني واحد بدقة ، ولكن إن كان الفرق بينهما كبيراً فلا ضامن للاستقرار وعدم الانفصال ، لأن الزوج (رجلاً كان أم إمرأة) الأقل إيماناً لا يتحمل حياة إيمانية عالية المستوى فيجد صعوبة في الاستمرار فيضطر الى الانفصال والطلاق .
وعلينا فهم الحديث المشهور المروي عن النبي صلى الله عليه وآله : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) أن يكون مستوى دينه وأخلاقه بمستواكم او قريب منكم ، لأن الفارق الكبير في الدين والأخلاق بين الطرفين يجعل الزواج غير صالح .

 

الحلقة الحادية عشرة
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)

ما دام الإحسان مؤشراً مهماً لمعرفة مدى رغبتنا في النهج السماوي المتمثل بالله ورسوله والدار الآخرة فمن الضروري معرفة شروط هذا الإحسان ، وأهم شروطه هو الإخلاص لله تعالى وأن لا يكون سمعة او رياءً ، وأن تكون محركيته التقرب الى الله سبحانه ووفق ما رسمه رسوله صلى الله عليه وآله ليكون عوناً للمحسن يوم القيامة .
وعندما نناقش الإحسان الصادر من محسن دفعته فطرته وإنسانيته ولم يكن دافعه ونيته الله ورسوله والدار الآخرة فإن هذا الإحسان له ثواب وأجر عند الله جل وعلا ، ولكنه لا يكون عظيماً كمن كانت نيته الله ورسوله والدار الآخرة الذي يجمع بين الدافع الإنساني والدافع السماوي .

الخُلُق المحمدي كمنهج قرآني*

الحلقة الثانية عشرة
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)

مرة أخرى يجمع القرآن بين (الله ورسوله) في فعل معين ، فهل هذا شرك كما يراه البعض ؟! فإذا كان شِركاً فالقرآن يدعو الى الشرك ! وإن لم يكن شركاً فلماذا تُعلَن الحرب ضد من يسير على النهج القرآني القائم على الجمع بين (الله ورسوله) على أن لا يكونا بمستوى واحد كما يريد ذلك القرآن الكريم ، وإنما تعبير عن أن رسول الله صلى الله عليه وآله هو المطبّق الأول لشريعة الله والمجسّد الأمثل لها ، وبالتالي فإن القنوت له هو من باب أنه الطريق الى الله تعالى والدال عليه وليس لكونه شريكاً لله سبحانه ونداً له تعالى عن ما يشركون علواً كبيراً ، بل ومن يقنت لله ورسوله ليس فقط غير مشرك بل إنه يؤتى أجراً مرتين كتعبير عن عِظم ذلك القنوت .

 

 

الحلقة الثانية عشرة
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)

ربما يكون من حق المشكك والمستشكل الذي يتبنى إشكال (قبول كل مؤمن ومؤمنة بقضاء غيرِ الله ورسوله) إذا كان هذا الغير من المغضوب عليهم بمعصيتم لله ورسوله والضالين ، أما إذا كان من المهتدين الى الصراط المستقيم بعبادتهم لله واستعانتهم به تعالى السائرين على النهج النبوي والمطبقين لتعاليمه المخلصين لله جل شأنه المحبين للناس ، فمثل هؤلاء ما المبرر للمستشكل لرفض قضائه خاصة إذا كان قد أوصى الله ورسوله بهم بشكل شخصي أو بصفات عامة إذا اتصفوا بها ؟!
إن الأوصياء الذين أوصى الله ورسوله بهم بشكل شخصي وبأسمائهم هؤلاء يكون قضاؤهم قضاء الله ورسوله فلا يكون للمؤمنين خيرة أمامه ، وهناك أولياء اتصفوا بصفات وضعها الأوصياء ومن أوصى بهم ، ويكون الالتزام بقضائهم ضامن بدرجة كبيرة من الضلال .

 

 

الحلقة الثالثة عشرة
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)

إن لكل أمر يقضي به الله ورسوله بُعدَين ، أحياناً يكون هذان البُعدان (سماوي) يمثله الله تعالى و (أرضي) يمثله رسول الله صلى الله عليه وآله ، فالقواعد التشريعية موضوعة من قبل الله عز وجل باعتباره سبحانه هو الوحيد الذي يمتلك حق التشريع وتوجيه الأوامر ، والرسول صلى الله عليه وآله ينفّذها ويطبقها على الواقع ، أو (عناوين) يمثلها الله تعالى و (مصاديق) يمثلها رسول الله صلى الله عليه وآله .
وأحياناً أخرى يكون البُعدان (خطوط عامة) يمثلها الله تعالى و (تفاصيل) يمثلها رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو (القرآن الكريم) و (السُنّة النبوية المطهرة) ، إضافة الى ما ذكرناه في تأمل سابق أن البُعدَين هما (الأصيل) ويمثله الله تعالى و (الوكيل) ويمثله رسول الله صلى الله عليه وآله ، وبأي شكل من أشكال البُعدَين تكون المعصية ضلالاً مبيناً .

 

 

الحلقة الرابعة عشرة
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ …. (37)

إن الله عز وجل هو المنعم ، وفي الوقت نفسه فإن النبي محمداً صلى الله عليه وآله منعم أيضاً ، بل وكل إنسان يمكن أن يكون منعماً وهذا ما نلمسه في حياتنا اليومية ، ولكن بالتأكيد نوع النعمة يختلف ، ومن الفروقات بين إنعام الباري تعالى وإنعام المخلوقين أن إنعام الباري هو الأصل وإنعام المخلوقين هو تجلي لإنعام الباري ، فلولا الأول لما كان الثاني .
وهذا التجلي يكون أوضح عندما يكون المنعم البشري أو الأرضي قريباً من المنعم الأصيل وهو الله تعالى ، فإذا تقرّب العبد الى الله بالفرائض فيكون يد الله وعين الله وأذن الله ، عندها يكون هذا العبد قادراً على أن تتجلى كثير من صفات الخالق فيه ومنها المنعم .

 

 

الحلقة الخامسة عشرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ
لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)

عندما نجمع الآية الكريمة ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) والآيات محل التأمل نستنتج عدة استنتاجات ، منها أن النبي محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين كانوا من أبرز مصاديق الذين آمنوا وذكروا الله كثيراً وسبّحوه بكرة وأصيلاً ، ذكراً وتسبيحاً مميزاً بكافة أشكاله ، لسانياً وتجسيداً .
ووفق ذلك نفهم ذِكر الله والتسبيح اللذان يجعلاننا مرحومين متخلصين من الظلمات ومتنعمين بالنور ، وأن أي ذِكرٍ وتسبيحٍ مختلف عن طريقة محمد وآل محمد ربما يقدّم الإنسان خطوات ولكنه لن يؤدي دوره كما ينبغي .

 

 

الحلقة السادسة عشرة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)

هناك وظائف مهمة للنبي صلى الله عليه وآله يمكن أن تكون خطوطاً عامة تؤطر دعوته الإسلامية ، هذه الوظائف هي : الشهادة على الأمة ، التبشير بثواب الله ، الإنذار من عقابه ، الدعوة الى الله تعالى ، إنارة طريق الآخرين .
وكل وظيفة تحتاج الى وقفة طويلة ، ولكن بشكل مختصر ، فإن الشهادة على الأمة تجعله صلى الله عليه وآله حجة على من بلغه – من الأولين والآخرين – يوم القيامة ، فيبشّر من سار على هديه بالجنة وينذر من خالف تعاليمه بالنار ، فهذه هي دعوته الى الله تنير درب الآخرين طوال حياتهم المعنوية التي لا تنتهي بالموت ، لأن ما بعد الموت هي الحياة الحقيقية .

 

 

الحلقة السابعة عشرة
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)

كل عمل صالح يقوم به المسلم أو ذنب يرتكبه سيشهد عليه الرسول صلى الله عليه وآله ، فيسرُّه العمل الصالح (لأنه بشّر به) ويسوؤه الذنب المرتكب (لأنه أنذر منه) ، وقد أشارت الآية الكريمة ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) الى حقيقة مقاربة ، فإذا كانت رؤية الرسول صلى الله عليه وآله لأعمال المسلمين شهادة عليهم فستكون رؤية (الْمُؤْمِنُونَ) الواردة في الاية شهادة على أعمال المسلمين أيضاً ، هؤلاء (الْمُؤْمِنُونَ) هم من أعطاهم الرسول صلى الله عليه وآله صلاحية رؤية أعمال المسلمين ليكونوا عليهم شهداء وذلك بوصيته إليهم ، ولا يمتلك غيرهم هذه الصلاحية .
جعلنا الله وإياكم ممن يسرّ رسول الله صلى الله عليه وآله و(الْمُؤْمِنُينَ) بالعمل الصالح ولا يسوؤهم بارتكاب الذنوب .

 

 

الحلقة الثامنة عشرة
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا (47)

من مهام النبي المرسَل ( وكذلك كل من يريد أن يتأسى به من المؤمنين الرساليين وخصوصاً من لهم مسؤولية قيادية ) أن يبشّر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً ، وبالتالي فعندما نسمع بعض الدعاة والمبلغين والخطباء يتناولون ما ادّخر الله تعالى للمؤمنين من نعيم مقيم وجنات تجري من تحتها الأنهار فذلك تأسياً برسول الله صلى الله عليه وآله .
أما وصف ذلك بأنه تخدير للناس او خداع لهم يُعدُّ مخالفة للنهج القرآني الواضح ، نعم هناك من يشتري بهذه الوعود حطام الدنيا ولكن هذا لا يعني أن الجميع يسعى لذلك ، كما لا يعني أن نرفض أصل التبشير بهذا الفضل بسبب بعض المنحرفين سلوكياً ، بل بالعكس ، علينا انتهاج هذا النهج لتكثير سواده مقابل سواد الفاسدين .

 

 

الحلقة التاسعة عشرة
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا (47)

قد يقول قائل : لماذا يبشّر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله المؤمنين فقط ولا يبشّر غير المؤمنين كالكافرين والمنافقين ؟
والجواب : لأن الإيمان يهيّء الأرضية لتقبل البشارة المحمدية ، وإلا فالكافرون والمنافقون لا يتقبلون أي بشارة ، بل يستهزئون بأي بشارة تُوجَّه إليهم ، فهم من قطعوا طريق البشارة وليس النبي صلى الله عليه وآله الذي استخدم معهم الإنذار بسبب استهزائهم وكفرهم ونفاقهم .
بل إن بعض المسلمين لا يتقبلون كثيراً من البشائر النبوية لأن الإيمان لم يدخل الى قلوبهم ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) لذا نرى استهزاءً حتى من المسلمين تجاه بعض البشائر النبوية .

 

 

الحلقة العشرون
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)

من يؤمن بأن النبي صلى الله عليه وآله معصومٌ وأنه تجلي لصفات الله تعالى في الأرض وسفيره فيها يعلم أن مشيئته لا تكون وفق شهوة ونزوة ، فيرجي من يشاء من نسائه او يؤي من يشاء منهنّ لا يكون وفق شهوة حيوانية كما يفعل بعض الرجال ممن يقرّب زوجاته وفق هواه لا وفق العدالة بينهنّ .
وعلى نساء النبي صلى الله عليه وآله – وعلى من يريد التعرف على سيرته الطاهرة – أن يرتّب قناعته وفق تصرفه صلى الله عليه وآله لا العكس ، فليس من المعقول أن يتجاوز نبي الرحمة على حقوق المرأة او الزوجة وهو لم يتجاوز على حق من حقوق المخلوقات .

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M