مسلم عباس
حل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ضيفاً على بغداد قادماً إليها من بيروت في زيارة لم يكشف عنها (رسمياً) لأسباب أمنية، التقى فيها بالرئيس برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، كما جاء رئيس إقليم كردستان نيجرفان برزاني من شمال العراق إلى العاصمة للقاء الضيف الفرنسي الذي يعد أول رئيس دولة يزور العراق بعد انتخاب مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء.
أجندة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ركزت على جانبين أساسيين: الأول هو دعم السيادة العراقية، والثاني هو الدعم الاقتصادي للعراق والقيام ببعض المشاريع المتلكئة أو الجديدة منها مشروع مترو بغداد والفكرة الجديدة المطروحة عن مشروع الطاقة النووية السلمية، هذا بالإضافة إلى الدعم الذي تريد باريس تقديمه للعراق في إطار حربه ضد داعش الإرهابية وإعادة تأهيل المناطق المنكوبة.
وفي آخر ليلة له في العاصمة اللبنانية بيروت أعلن ماكرون أنه متوجه إلى بغداد “لتدشين مبادرة مع الأمم المتحدة لدعم سيادة العراق”، وربما تكون هذه هي النقطة المحورية التي يجب الحديث عنها ليس من قبل الجانب الفرنسي بل أن الدول الغربية متفقة على ضرورة دعم السيادة العراقية، لكن ليس بالطريقة يريدها العراقيون، إنما بالطريقة التي تخدم صراع الغرب مع الجمهورية الإسلامية في إيران، فهذه الأخيرة تعتبر اليوم من قبل الدول الغربية هي الدولة الوحيدة التي حصدت الفوائد من الغزو الأميركي للعراق.
يرى الغرب أن إيران يجب أن تتوقف عن أنشطتها، ومن بينها دعمها اللامحدود للجماعات الشيعية المسلحة التي يزداد عددها سنة بعد أخرى، وبعضها مرتبط رسميا بالدولة تحت مظلة الحشد الشعبي، الذي يعد الجهة العقائدية العسكرية الرسمية في الدولة العراقية، ووجود الحشد الشعبي من أهم انتهاكات السيادة العراقية بحسب الرؤية الفرنسية، ليس بهذه الزيارة لماكرون، إنما في زيارة سابقة لمسؤولين فرنسيين للعراق فقد تم التأكيد على ضرورة حل الحشد الشعبي لتحقيق الاستقرار في هذا البلد.
أما الولايات المتحدة الأميركية التي تتسق أهدافها العامة مع الأهداف الفرنسية فإنها تفسر السيادة العراقية على طريقتها ووفق مصالحها فقط، متمثلة بضرورة السيطرة على تحركات الجماعات الشيعية المسلحة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجمهورية الإسلامية في إيران، لكن إيران ترد على القوى الغربية بالقول إنها لا تملك سلطة فعلية في العراق على عكس الغرب الذي يملك قواعد عسكرية رسمية وجنوداً وطائرات وأسلحة وغيرها وهذا ما تفتقده طهران.
الحصاد النهائي من زيارة ماكرون والغلة الأكبر منه لا تصب في صالح العراق، بل تأتي في إطار إعادة ترتيب أوراق منطقة الشرق الأوسط بعد أن اختلت التوازنات الإقليمية في المنطقة، وهذا واضح بشكل صريح في كلام الرئيس الفرنسي ماكرون الذي تحدث عن تدخلات الدول الإقليمية، فقد أدركت الدول الغربية ضرورة إعادة توجيه دفة الصراع باتجاهات محددة خشية انزلاق بعض الدول إلى صراعات وحروب جديدة تتضرر فيها مصالح الغرب.
لكن هذا لا يعني أن العراق لا يستفيد بشكل مطلق من هذه الزيارات فهي مفيدة لضبط الصراع وعدم سيطرة دولة على مقدرات العراق ما يجعله أسيراً بيدها، فمثل هذه الزيارات توفر خيارات إضافية للحكومة العراقية وتكسبها شرعية دولة ومجالات أوسع للمناورة، ونحن هنا نتحدث عن زيارات للولايات للمتحدة الأميركية وفتح آفاق جديدة، واجتماعات قمة مع الأردن ومصر، وقبلها زيارة مهمة قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى طهران التي كانت أولى زياراته الخارجية، والحديث يدور عن زيارة للسعودية في المستقبل القريب.
كل هذه التحركات الدولية سوف تحرك المياه الراكدة والانسداد السياسي في الدول المفككة مثل العراق ولبنان، وبمقدار الفوائد التي سوف تحصل عليها الدول التي يعمها الفوضى علينا عدم التفاؤل بشكل أكبر، فهي لن تغير قواعد القوة بشكل استراتيجي، بل تضبط قواعد الصراع فقط.
رابط المصدر: