شادي محسن
شهد خليج إيلات الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، التدريب العسكري المشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة “الدرع الرقمي” خلال الفترة من 18 إلى 22 سبتمبر 2022. ويعد التدريب هو الأول من نوعه الذي يجمع قطع بحرية إسرائيلية وقطع بحرية مُسيرة غير مأهولة تتبع القوة 59 من الأسطول الخامس الأمريكي. ويمثل التدريب متغيرًا جديدًا في العلاقات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية التي تنعكس في تفاعلات الإقليم خاصة في البحر الأحمر.
ما هي القوة 59 الأمريكية؟
في الأول من سبتمبر 2021، أعلنت البحرية الأمريكية إنشاء قوة جديدة (القوة 59)، وهي فرقة ابتكار عسكرية مسؤولة عن تطوير قدرات ذكاء اصطناعي، مثل صناعة السفن المسيرة (روبوتات بحرية عسكرية). وتم إلحاق القوة الجديدة بالأسطول الخامس الأمريكي؛ أي أنها ملحقة بالقيادة الأمريكية المركزية “سنتكوم”، التي إسرائيل أصبحت جزءا منها مؤخرًا.
قائد القوة الامريكية الجديدة (59) هو “مايكل دي براسور”، وكان مؤسسًا لمبادرة الناتو للأنظمة البحرية المسيرة. وحسب التقارير الرسمية التابعة للأسطول الخامس الأمريكي، فإن طاقم عمل “براسور” هم خبراء في مجالات الذكاء الاصطناعي، والإنترنت، والفضاء، وخبراء عسكريون، مهمتهم ربط هذه المجالات العلمية بالتطبيقات ذات الاستخدام العسكري.
وتعد المهمة الأساسية للقوة الجديدة هي عقد تدريبات عسكرية مشتركة في الشرق الأوسط، للترويج لمفهوم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال البحري العسكري، من خلال سلسلة تدريبات آي إم إكس 22، التي نفذّت حتى الآن سبعة تدريبات عسكرية. في حين عُدَّ تدريب “الدرع الرقمي” هو أول تمكين للقوة الامريكية الجديدة في تدريب عسكري مشترك مع إسرائيل في البحر الأحمر. وروجت القوة الامريكية في التدريب الأخير قطعتين عسكريتين بحريتين مُسيرتين، هما:
- ديفيل راي تي-38 T-38 Devil Ray
تستطيع الإبحار بأقصى سرعة تصل إلى 80 عقدة في الساعة (148كم/ساعة)، وتستطيع حمل 2050 كيلو جرام أي ما يساوي وزنها تقريبا. بالنظر إلى سرعتها وقدرتها الاستيعابية فإنها تتمتع بقدرتها على تنفيذ وظائف لوجيستية في العمليات البرمائية.
- سيل درون اكسبلورر
وفق الموقع الرسمي للمركبة الأمريكية المسيرة، فلها قدرة عالية على جمع البيانات والمعلومات في المحيط البحري المتواجدة فيه. وتجمع سفن Saildrone USV بين تقنية الدفع التي تعمل بالرياح، وأجهزة استشعار الأرصاد الجوية والمحيطات التي تعمل بالطاقة الشمسية، لأداء مهام مستقلة بعيدة المدى لجمع البيانات في أقسى بيئات المحيطات.
تتضمن متغيرات الأمان البحري للمركبات أيضًا، نظامًا صوتيًا ومرئيًا متقدمًا، جنبًا إلى جنب مع خوارزمية التعلم الآلي على متن المركبة، ويدمج بيانات المستشعر لتقديم معلومات موسعة بشكل كبير وميزة اتخاذ القرار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
البوصلة تجاه إيران
قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس (يوليو 2022)، إن إيران رفعت وجودها العسكري في البحر الأحمر خلال الأشهر الماضية، إلى مستويات غير مسبوقة في العقد الأخير، واصفًا التحركات أنها “تهديد للاستقرار الإقليمي”. وقدمت إسرائيل صورًا رصدتها الأقمار الصناعية على وجود سفن غير اعتيادية، وهي سفينة إنزال، وسفينتين مساعدتين، وفرقاطة “موج”.
لم تنف إيران التقارير الإسرائيلية، بل عقّبت بالقول على لسان قائد البحرية الإيرانية الأدميرال شهرام إيراني، أن وجود المدمرات التابعة للقوة البحرية الاستراتيجية للجيش على بعد 2200 كم من حدود البلاد بالبحر الأحمر، يعد ضامنًا لأمن الحدود الاقتصادية للبلاد.
وفي 1 سبتمبر 2022، أعلنت القوات البحرية الأمريكية، أنها اعترضت السفينة الحربية الإيرانية “جمران” التي احتجزت زورقين مُسيرين يديرهما الأسطول الخامس الأمريكي في البحر الأحمر، بعد يومين من فشل إيران في الاستيلاء على سفينة مماثلة في الخليج العربي.
وعلى إثر هذه التطورات، أعلنت البحرية الأمريكية أن تدريب “الدرع الرقمي” بالمشاركة مع إسرائيل موجه ضد النشاط الإيراني في البحر الأحمر؛ ولضمان سلامة وأمن الممر الملاحي المهم في الاقتصاد العالمي.
في حين نشر الجيش الإسرائيلي على موقعه الرسمي، البيان الخاص بالتدريب البحري العسكري، إذ أشار على لسان قائد سلاح المشاة البحرية “دانيال هجري” إلى أن الهدف الإسرائيلي من التدريب هو توسيع قدرات إسرائيل في المحيط البحري من خلال تكامل التكنولوجيا المتقدمة، وتطوير التعاون بين المنصات المأهولة وغير المأهولة؛ كما أن الهدف “دمج أطراف وقوى أخرى”.
مؤشرات التعاون الإقليمي
طالما طمحت إسرائيل أن تتحول إلى مركز إقليمي في المجال العسكري سواء في مجال التصنيع، أو مجال التدريبات العسكرية المشتركة. إذ تكرر تصريح قائد سلاح المشاة البحرية الإسرائيلي مرة أخرى على لسان أحد قادة أسراب طائرات إف-35 (أكتوبر 2020) إذ قال إن إسرائيل تستهدف أن تكون مركزًا إقليميًا في التطوير العملياتي والعسكري، وأن تكون ملتقى إقليميًا للتدريبات المشتركة. وهو ما يتضح من خلال التالي:
1- في نوفمبر 2021، وقعت مجموعة “إيدج” الإماراتية اتفاقية استراتيجية مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، المتخصصة في الفضاء والطيران، لتطوير سفن متقدمة غير مأهولة. والاتفاقية تدور حول التصميم المشترك لسلسلة من السفن غير المأهولة القابلة للتعديل من فئة 170-m وتعد الأفضل في فئتها ويمكن استخدامها للنطاق الكامل من التطبيقات العسكرية والتجارية.
وبينما تتولى شركة أبو ظبي لبناء السفن إنشاء المنصة، والعمل على دمج أنظمة التحكم والحمولة وتطوير المفهوم العملياتي، ستطور الشركة الإسرائيلية نظام التحكم المستقل وتدمج حمولات المهام المختلفة في وحدات نظام التحكم وفقاً لمتطلبات تلك المهمات
وتشمل التطبيقات العسكرية للسفينة غير المأهولة، الاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، ودوريات الحدود والسواحل، وعمليات الأمن البحري، وكشف الألغام وكسحها، واكتشاف الغواصات، والعمليات الحربية المضادة للغواصات والمضادة للسفن، والحرب الإلكترونية، إضافة إلى استخدامها كمنصة لمركبات الإقلاع والهبوط العمودي.
2-تصريح سابق لقائد الفرقة 59 الأمريكية (سبتمبر 2021) أن البحرية الأمريكية تعمل على نشر الأنظمة المُسيرة الجديدة مع الشركاء الإقليميين في الشرق الأوسط. وأنه تم إنشاء مراكز تشغيل لأنظمة مُسيرة في البحرين والأردن.
ختامًا، يمكن القول إن التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي التي تقدمها الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل في شكل تدريبات عسكرية، ومناطق تشغيل في عدد من الدول العربية، يمكن أن يخدم عدد من المستهدفات يأتي أولها، في تطوير قدرات جيوش المنطقة بشكل مبتكر تحسبًا لسيناريو إعادة التموضع الأمريكي في الشرق الأوسط. وثانيها، دمج إسرائيل في منظومة عسكرية دفاعية على المستوى الإقليمي يبدأ من البحر الأحمر.
.
رابط المصدر: