د. أحمد عدنان الميالي
عند البحث دستوريا في طبيعة العلاقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان، لا نعثر على مادة دستورية تعطي للسلطة الاتحادية صلاحية في الاقليم، الا بالشراكة مع ادارة ذلك الاقليم، وحينما نحدد صلاحيات الاقليم نجدها في ثلاثة مواد هي (113 و114 و115) وهي عبارة عن صلاحيات مشتركة مع السلطة الاتحادية، واي صلاحية لم تذكر وهي ليست جزء من صلاحية السلطة الاتحادية تكون من صلاحية الاقليم حسب المادة (115)، ويثار تساؤل هنا ماهي الصلاحية الممنوحة للسلطة الاتحادية لكي ينص هذا النص؟، فالصلاحيات كاملة للاقليم، ففي الباب الخامس الفصل الاول من الدستور خمسة مواد تبين اختصاص وصلاحية الاقليم منفردا عن السلطة الاتحادية.
كما بين الدستور في نصوصه الخاصة بالموارد الطبيعية، نمط العلاقة بين الاقليم والمركز، وتبين ان المركز هو الخاسر الاكبر، فصلاحياته تتحدد فقط بالإدارة والتطوير للنفط والغاز الموجود حاليا وليس له صلاحية استكشاف او ادارة النفط والغاز المستكشف مستقبلا وهنا نختلف مع اي تفسير او تصور لهذه المادة غير ذلك والا ما غاية المشرع من التأكيد على مفردة (الحالية) ولو كان غير ذلك لما ادرجت هذه العبارة اساسا، وهذا اذا تم استكشاف بئر نفط او غاز فان ادارته من صلاحية الاقليم دون السلطة الاتحادية وذلك طبقا للمادة (112) اولا، كما انه لم يرد ذكر لأي مورد طبيعي اخر واسند امره الى سلطة الاقليم، وهذا ماحصل بعد عدة سنوات من نفاذ الدستور وتم الاختلاف حول تفسير هذه المادة وشرعت سلطات الاقليم بذلك مفسرة الصلاحيات بهذا الجانب وطبقته عمليا وشرعت قانون النفط والغاز رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٧ الذي نقضته المحكمة الاتحادية العليا مؤخرا، لان الاقليم ذهب باتجاه السيطرة على كامل الموارد الطبيعية في الاقليم الموجود والمستكشف حديثا ومستقبلا وهذا التنازع يرسخ القناعة بهشاشة فكرة اقامة الفدرالية في عموم العراق فلا بيئة خصبة تشجع بناءً على تجربة اقليم كردستان.
يضاف الى ذلك نصت المادة (121) ثانيا من الدستور العراقي لسنة 2005 كذلك: يحق لسلطة الاقليم تعديل القانون الاتحادي في الاقليم في حال وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية”، كما اشارت نفس المادة اعلاه خامسا: “تختص حكومة الاقليم بكل ما تتطلبه ادارة الاقليم، وبوجه خاص انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للاقليم كالشرطة والامن وحرس الاقليم”، هذه المادة تعطي الضوء الاخضر لاقليم كردستان لتجاوز الحكومة الاتحادية في اي خلاف سياسي او امني، والمطالبة بامتيازات اكبر في ترسيخ الحق الكردي في كردستان عبر تحقيق اكبر قدر ممكن من الصلاحيات للاقليم، كما ان المادة (140) من الدستور اعطته للاقليم حق المطالبة بالاراضي الاخرى المتنازع عليها والتي يعتقد الاقليم بان له الحق التاريخي الذي يجعله يلح في تطبيقها رغم انتهاء السقف الزمني الدستوري لانجاز فقرتي تلك المادة بموعد اقصاه 31/12/2007، حيث اعلن من جانب الاقليم عند دخول تنظيم داعش الى العراق عام ٢٠١٤، انه تم انجاز هذه المادة بفعل الاضطرابات الامنية التي حصلت في محافظة نينوى وصلاح الدين، بدون تنفيذ دستوري للتطبيع وتغيير الخارطة السكانية الى ما كانت عليه قبل التغيير الديموغرافي قبل 2003 والتهديد بتقرير المصير واجراء الاستفتاء، رغم انهم قرروا مصيرهم في الدستور ضمن تجربة اتحادية فدرالية.
حل هذه الاشكاليات المستدامة بين الحكومات الاتحادية المتعاقبة مع الاقليم تتجلى عبر تعزيز مظاهر المشاركة في الدستور كما في المادة ( 48) منه “تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد”، ومن المفترض انشاء مجلس تشريعي في العراق (مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب، غير انه لم يتخذ لحد الان تحديد آلية العمل في هذا المجلس ولم يتم تشريعه نتيجة الخلافات السياسية ونية القوى السياسية عدم تطبيق النموذج الفدرالي بشكل كامل لمن يرغب من المحافظات للتحول الى اقاليم فدرالية، اذ نص الدستور: “يؤجل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد اينما وردت في هذا الدستور، الى حين صدور قرار من مجلس النواب، بأغلبية الثلثين، بعد دورته الانتخابية الاولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور”.
لكن الى الان لم يشرع هذا المجلس وعطل مما عرقل ترسيم الصلاحيات التشاركية بين الحكومة الاتحادية والاقليم، اذ لثنائية المجالس التشريعية في الدولة الاتحادية الفدرالية فلسفة تتجلى في تحقيق المساواة بين الاقاليم بشكل لا تطغى به سلطة على اخرى، سواء اكانت السلطة المركزية او سلطة اقليم على اخرى، وفي الحقيقة ان ازدواج السلطة التشريعية في الدولة الفدرالية مرده الى اعتبارات تتصل بالشكل الفدرالي من حيث ضرورة اشراك الاقاليم في سلطات الحكم، وفي سن القوانين والقرارات التي تتخذ على صعيد الدولة الاتحادية، اذ ان فردية ووحدانية السلطة التشريعية العراقية المؤلفة من مجلس النواب يهدم احد ركائز او مبادى الدولة الاتحادية الفدرالية الا وهو مبدأ المشاركة، لكن اطار التوافقات والمحاصصة وتعطيل الدستور وتجاوزه احيانا مكن الاقليم من تجاوز مبدأ المشاركة واصبح منطق (التوافق والاتفاق)، كبديل عن مجلس الاتحاد.
علينا الاعتراف بأن وضع اقليم كردستان الفدرالي هو وضع استثنائي اتاح الدستور له الكثير من الصلاحيات، ولا يمكن أن ينطبق هذا الوضع في المناطق الأخرى او في المحافظات عبر السماح لها بأنشاء اقاليم منفصلة فإذا تحولت المحافظات جميعها الى أقاليم، أصبح المركز خاليا من الصلاحيات ولا جدوى لبقاءه، ولا يوجد مثل هذا النظام في كل بقاع العالم، في النهاية علينا ان نعترف بأن الدستور العراقي قائم على اساس وجود نظام اتحادي غير متجانس وغير متناسق.
.
رابط المصدر: