مايكل بوسكين
ستانفورد ــ يحتوي قانون خفض التضخم الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن على مجموعة متنوعة من البنود التي تركز على دعم الطاقة المتجددة والتأمين الصحي، وفرض الضرائب على الشركات والأثرياء. هذا القانون نتاج صراع شرس دار طوال عام كامل داخل الحزب، بعد رفض السناتور جو مانشين والسناتور كيرستن سينيما الموافقة على مشروع قانون اقترحه بايدن بتكلفة تبلغ تريليونات الدولارات تحت مسمى “إعادة البناء بشكل أفضل”.
على الرغم من عدم إقرار قائمة التمنيات “التقدمية” الممتدة هذه، فإن قانون خفض التضخم أثار حالة من الابتهاج على اليسار. يطرح العنوان الرئيسي لعمود حديث في صحيفة نيويورك تايمز التساؤل التالي: “هل أنقذ الديمقراطيون الحضارة؟”، حتى أن بايدن وصف التشريع بأنه “واحد من أكثر القوانين أهمية في تاريخنا”.
برغم أن المبالغة ليست شيئا جديدا على رئيس أميركي (انهمك دونالد ترمب في هذه الممارسة بشكل يومي على تويتر)، فإن التسويق لقانون خفض التضخم تجاوز خطا أحمر. فمن خلال الادعاء بأن القانون سيخفض التضخم، ويعود بالفائدة على المناخ، ويفرض الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى فقط، انخرط الديمقراطيون في ذلك النمط من الدعاية الذي قد يُـعَـد مخالفا للقانون إذا مارسته شركة خاصة.
في مجمل الأمر، يخصص القانون 490 مليار دولار للإنفاق الجديد والإعفاءات الضريبية على مدى ميزانية السنوات العشر المقبلة. ويتناول أكبر بنوده امتدادات قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وإعانات دعم الأدوية في إطار برنامج المساعدة الطبية لكبار السن (Medicare)، والإعفاءات الضريبية لمشاريع الكهرباء النظيفة، وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتصنيع الأخضر، والطاقة النووية. وسوف تتولى الهيئات الحكومية توزيع هذه المبالغ الضخمة على المتلقين الذين يلتزمون بإملاءات عديدة (كاشتراط تصنيع نسبة بعينها من بطاريات المركبات الكهربائية في أميركيا). وتشير التجارب السابقة مع مخططات مماثلة إلى ترجيح حدوث انتهاكات متعددة.
من المفترض أن يوفر القانون أيضا 764 مليار دولار في هيئة “مدخرات” وإيرادات جديدة. إذا تحقق هذا (وهو أمر بعيد الاحتمال إلى حد كبير)، فسوف يعوض ويزيد عن الإنفاق والإعفاءات الضريبية؛ لكنه لن يؤدي إلا إلى انخفاض طفيف في عجز الموازنة (0.5%) في السنوات الأربع المقبلة، وبعد ذلك من المحتمل أن تتخذ مجموعة مختلفة تماما من الشخصيات القرارات المتعلقة بالموازنة. يعادل أكبر بنود الإيرادات 222 مليار دولار كحد أدنى للضريبة بنسبة 15% على دخل الشركات المسجل. ولكن لأن هذا سيحد من استقطاعات الاستهلاك التي تقلل من تكلفة الاستثمار في رأس المال الجديد، فإنه سيقوض في النهاية الاستثمار والنمو.
يزعم أنصار قانون خفض التضخم أيضا أنه سيجمع 124 مليار دولار من خلال إنفاق 80 مليار دولار إضافية على هيئة الإيرادات الداخلية، والتي ستضيف 87 ألف وكيل ــ وهذا سيضاعف عدد موظفي التنفيذ لديها، لكنه من غير المرجح أن ينتج مثل هذا القدر المتوقع من الإيرادات. عندما استهدفت هيئة الإيرادات الداخلية سابقا الحسابات الأجنبية المملوكة لأثرياء أميركيين، لم تجمع سوى 14 مليون دولار من أصل 9 مليارات دولار كانت متوقعة، وأنفقت 40 دولارا مقابل كل دولار نجحت في جمعه (وأعطت معنى جديدا للتعبير “جيد بالقدر الكافي للعمل الحكومي”). إذا أسفر توسع قانون خفض التضخم الهائل في أنشطة الإنفاذ عن نتائج مماثلة، فيمكننا أن نتوقع تحصيل 2 مليار دولار فقط.
علاوة على ذلك، يفتقر الادعاء بأن الوكلاء الإضافيين سيلاحقون الأسر الثرية والشركات الكبرى فقط التي “لا تدفع نصيبها العادل” إلى أي قدر من المصداقية، خاصة وأن كل شركة كبرى تخضع بالفعل للتدقيق الشديد كل عام.
من المؤكد أن بعض أحكام هيئة الإيرادات الداخلية تستحق الدعم، شريطة أن يجري توسيع نطاقها بشكل معقول وتوجيهها بعناية. على سبيل المثال، تحتاج هيئة الإيرادات الداخلية إلى موارد كافية لإزالة التراكم الهائل الذي يتجاوز 21 مليون إقرار ضريبي، ومن الممكن أن تعمل على تحسين معدل الاستجابة للاستدعاءات الذي يبلغ 10% فقط بشكل كبير فضلا عن تحديث أنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة لديها. لكن تخصيص 80 مليار دولار لصالح هيئة الإيرادات الداخلية لا يخلو من مبالغة تامة، وقد بدأ بالفعل يولد ردود أفعال عنيفة.
من المثير للريبة بذات القدر تعهد بايدن بعدم زيادة الضرائب على أي شخص يربح أقل من 400 ألف دولار. وفقا لمسؤولي التسجيل الرسميين لقانون خفض التضخم في لجنة الضرائب المشتركة التابعة للكونجرس، سترتفع الضرائب المفروضة على كل مجموعة من مجموعات الدخل ــ الفقراء، وأبناء الطبقة المتوسطة، والأثرياء ــ حتى لو زادت بدرجة أكبر بعض الشيء كلما ارتفع مقياس الدخل.
في مجمل الأمر، لن يجمع قانون خفض التضخم قدرا أقل كثيرا من الإيرادات ويحقق مدخرات وخفض للعجز أقل كثيرا من الدعاية التي تروج له فحسب؛ بل وسوف يكون أقل كفاءة بأشواط من مزاعم أنصاره في الإنفاق والدعم والتنظيم. لكن أسوأ ما في الأمر برمته الادعاء بأن هذا القانون سيخفض التضخم. في الأرجح، سيُـفضي هذا القانون إلى تفاقم التضخم في الأمد القريب، في حين لن يقلله إلا بشكل ضئيل بمرور الوقت (عندما يكون من المتوقع أن ينخفض بالفعل على أية حال). من الواضح أن العنوان الذي يحمله القانون المقصود منه الخداع: فقد أدرك واضعوه أن التضخم هو شغل الناخبين الشاغل، في حين يحتل تغير المناخ مرتبة أدنى كثيرا.
وحتى على جبهة العمل المناخي، بالَـغَ أنصار القانون إلى حد كبير في تصوير أثره. فمن المرجح أن تخلف أحكام قانون خفض التضخم تأثيرا غير محسوس على الانحباس الحراري الكوكبي (حيث تشير تقديرات بعض المعلقين إلى انخفاض الحرارة بنحو 0.0009 إلى 0.028 فقط من الدرجة الفهرنهايت في عام 2100). وفقا لمجموعة روديوم (Rhodium Group)، “تدفع الحزمة ككل صافي الانبعاثات (من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي) في الولايات المتحدة إلى الانخفاض بنسبة 32% إلى 42% دون مستويات عام 2005 بحلول عام 2030، مقارنة بنحو 24% إلى 35% في غيابها”. لكي يتسنى لهذا القانون أن يخلف تأثيرا أكبر، يجب أن يؤدي إلى اختراقات تكنولوجية (مثل توفير قدرة تخزين البطاريات الأرخص والأكثر قابلية للتوسع) أو دفع دول أخرى إلى تقليل انبعاثاتها بدرجة أكبر كثيرا مما كانت لتفعل بخلاف ذلك. كل من الأمرين ممكن، لكنه ليس مرجحا بشكل خاص.
الواقع أن المصداقية أحد الأصول العظيمة القيمة ــ سواء كنت رئيسا أو رئيس وزراء تتواصل مع الناخبين، والهيئات التشريعية، والحلفاء، والخصوم، أو كنت رئيسا تنفيذيا لشركة يحرص على إشراك الموظفين، والعملاء، والموردين، والأسواق المالية. بمجرد خسارة المصداقية، يصبح من الصعب للغاية استردادها. وَصَـفَ بايدن انسحابه الكارثي الواضح من أفغانستان بأنه نجاح غير عادي، وكان يناضل لاستعادة ثقة الناخبين منذ ذلك الحين. من خلال الإصرار على أن التضخم كان مؤقتا وأن فواتير الإنفاق الضخمة لن تكلف شيئا، حفر بايدن لنفسه حفرة أشد عمقا.
سوف تؤدي الدعاية الكاذبة إلى حد الوقاحة بشأن قانون خفض التضخم في الأرجح إلى تعميق حالة انعدام الثقة في الحكومة التي ابتليت بها أميركا والعديد من الديمقراطيات. الواقع أن الولايات المتحدة في احتياج شديد إلى قادة يتحدثون بوضوح وبساطة ويقدمون للناس روايات صادقة، ويتحملون المسؤولية عندما يفشل أحد مقترحاتهم، ويتعلمون من أخطائهم وأخطاء أسلافهم. هذه خطوات أولى صغيرة لكنها ضرورية نحو إعادة بناء المصداقية والثقة في الحكومة، الأمر الذي يشكل ضرورة أساسية في مواجهة تحديات أشد خطورة في المستقبل.
* مايكل جيه. بوسكين، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء معهد هوفر، وكان رئيساً لمجلس مستشاري الرئيس جورج بوش الأب الاقتصاديين في الفترة 1989- 1993، وترأس ما يسمى لجنة بوسكين، وهي هيئة استشارية تابعة للكونجرس سلطت الضوء على أخطاء في تقديرات التضخم الرسمية للولايات المتحدة.
https://www.project-syndicate.org
.
رابط المصدر: