- لم تدعم الولايات المتحدة جهود تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، لإدراكها أن هذا التطبيع يستهدف الوجود الأمريكي في شرق سورية مثلما يستهدف المشروع الكردي، كما أنها تُشكِّك في جدوى هذه الجهود.
- بينما ضغطت الولايات المتحدة على “قسد” لتجنُّب تنظيم الانتخابات المحلية التي أعلنت عنها في ربيع 2024، كي لا تستفز تركيا، فإن استراتيجيتها في شرق الفرات ظلت على حالها، إذ لم تتراجع عن وجودها العسكري في المنطقة أو عن دعم “قسد”.
- مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، يتحول الوجود الأمريكي في شرق الفرات ودعم “قسد” من تركيز محلي إلى إقليمي، لذا دفعت هذه التطورات الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها في شمال شرقي سورية.
- نتيجة للاعتبارات الخاصة بمستقبل الصراع الإقليمي مع إيران، قد يكون من الصعب على الرئيس الأمريكي المُقبِل، سواء أكانت هاريس أو ترمب، اتخاذ قرار سحب القوات الأمريكية من شرق سورية.
لم ترحب الولايات المتحدة بجهود التقارب السوري-التركي بوساطة روسية، إذ إنها تدرك أن هذا التقارب سيُفضي إلى إضعاف حليفتها، الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، والضغط على واشنطن لتغيير سياستها الداعمة للمشروع الكردي. وتجاه هذه الجهود، التزمت واشنطن بضبط النفس، محاولةً الحفاظ على توازن موقفها من دون التخلي عن خططها في شرق سورية.
التقارب السوري-التركي بوصفهِ تحدياً للسياسة الأمريكية في شرق سورية
في خلال زيارة له إلى تركيا، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في الأول من يونيو 2024، أن حكومته تعمل على دعم المصالحة بين أنقرة ودمشق، وهو ما أثار حراكاً على خط التطبيع بين الجانبين الذي تجمَّد قبل نحو عام. لكن سرعان ما تحركت روسيا وخطفت دور العراق، وحصرت المفاوضات تحت وساطتها. فقد انتزع المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتيف، موقفاً إيجابياً من الرئيس السوري بشار الأسد (يوم 26 يونيو) حيال العلاقة مع تركيا، حدد بموجبه مرتكزات لازمة لأي مبادرة حيالها (السيادة السورية ومحاربة الإرهاب)، من دون أن يشترط صراحةً “انسحاب” الجيش التركي من الأراضي السورية. وبعد يوم من لقاء الأسد بلافرنتيف، مدّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يده إلى نظيره السوري، من أجل العمل “معاً” على تطوير العلاقات بين الجانبين، “تماماً كما فعلنا في الماضي“.
يمثل إضعاف “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وتقليص تطلعات الأكراد نحو الحكم الذاتي، هدفاً مشتركاً لكلٍّ من تركيا وسورية، وإلى حد ما روسيا. بالنسبة لسورية، يتعلق الأمر بالدفاع عن سيادتها واستعادة موارد البلاد الاقتصادية، بينما بالنسبة لتركيا فهي مسألة أمن قومي. ويمثل الضغط على الولايات المتحدة لوقف دعمها لـ “قسد” نقطةَ توافق أخرى تجمع بين الأطراف الثلاثة. ويمكن إعادة حماسة روسيا للتوسط في اتفاق بين أنقرة ودمشق، إلى رغبتها في توجيه ضربة إلى الولايات المتحدة. أما بالنسبة لتركيا وسورية، فإن الوجود الأمريكي لا يؤدي إلّا إلى إطالة أمد وترسيخ الوضع الراهن غير المواتي لكلا الطرفين. وبالتالي، فإن التقارب السوري-التركي بوساطة روسية مُوجَّهٌ ضد الولايات المتحدة بقدر ما هو ضد الأكراد.
سياسة واشنطن تجاه التقارب السوري-التركي
في ردّها على المحاولات المتجددة لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، لم تُجرِ الولايات المتحدة تغييرات كبيرة على سياستها في شمال شرقي سورية. فقد قلّلت من أهمية المحادثات، لكنها ضغطت على “قسد” للامتناع عن المضي قُدماً في تنظيم الانتخابات المحلية التي أعلنت علنها في ربيع 2024. وفي الوقت ذاته ومن دون صخب، لم تتأثر بالضغوط الروسية والتركية وضغوط دمشق، بل عزز وجودها واستمرت في تقديم الدعم لحليفها المحلي كنوع من التحدي لتركيا وروسيا والحكومة السورية، وأيضاً في سياق التوترات الإقليمية المتصاعدة بين إيران وإسرائيل.
دبلوماسياً، شكّكت واشنطن في جدوى التطبيع بين أنقرة ودمشق وسحبت يديها منه؛ فمع تبادل التصريحات الإيجابية بين الأسد وأردوغان، أصدرت واشنطن موقفاً عاماً، إذ اشترطت وزارة الخارجية، في 3 يوليو، أن يستند أي تواصل بين الأتراك وحكومة دمشق على تحسين الأخير “للوضع الإنساني، وحقوق الإنسان والوضع الأمني لجميع السوريين”، وأن يتعاون مع العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة وفقاً للقرار (2254). لاحقاً، وعندما طالب الرئيس أردوغان، في أثناء عودته من قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في واشنطن في 11 يوليو، علانيةً الولايات المتحدة بدعم التطبيع السوري-التركي، أتى الرد الأمريكي قاطعاً؛ إذ ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في 17 يوليو أن بلاده “لا تدعم” جهود تركيا وسورية لتطبيع العلاقات، ورأى أن تلك “المحاولات بلا نتائج”، وأعاد المتحدثون باسم الإدارة الأمريكية تكرار هذه الجملة وإن ذكروا أنهم سيراقبون المفاوضات الدائرة بين الجانبين. وقد فُسِّر الموقف الأمريكي بأنه لا مبالاة أمريكية حيال تلك المفاوضات.
مع ذلك، أخذت الإدارة الديمقراطية في واشنطن بعض الخطوات مراعاةً للجانب التركي وضغطت على “الإدارة الذاتية” من أجل سحب فتيل الأزمة التي أشعلها إعلانها إجراء انتخابات داخل مناطقها في شهر يونيو. اعتبرت السفارة الأمريكية في دمشق في 1 يونيو أن “الظروف الملائمة لتنظيم هذه الانتخابات غير متوافرة في مناطق شمال شرقي سورية”، ومارس سكوت بولز، المبعوث الجديد للخارجية الأمريكية في شمال شرقي سورية، ضغوطاً كبيرة على الإدارة الكردية “لتأجيل الانتخابات”، وحذّر من جدية “التهديدات التركية”، ونبّه إلى أن بلاده لن تكون قادرة على إيقاف أي “تصعيد تركي جديد قد يشمل موجة قصف واسعة لمواقع استراتيجية، مثل محطات النفط والطاقة، أو عملية برية محدودة.” أثمرت الضغوط الأمريكية عن تأجيل الإدارة الذاتية الانتخابات من 11 يونيو إلى شهر أغسطس، قبل أن تعود وتقرر إلغاءها من دون أن تُصدر إعلاناً رسمياً. وفي سياق تهدئة التوترات مع الأتراك، سعت واشنطن إلى إحياء الحوار بين “قسد” والمجلس الوطني الكردي المقرب من حكومة كردستان العراق والشريك في الائتلاف السوري، لكن مساعيها لم تلاقِ النجاح.
والواضح أن هذه الخطوات التي اتخذتها إدارة بايدن لم تؤثر في استراتيجية الولايات المتحدة في شرق الفرات، إذ لم تتراجع واشنطن عن دعمها لـ”قسد” أو وجودها العسكري في المنطقة، بل استمرت في جهودها من أجل طمأنة “قسد” واحتواء خطر العشائر العربية التي تهدد استقرار مناطق سيطرة الأكراد في دير الزور، وكذلك لمواجهة التهديد الإيراني في المنطقة.
ومع تصاعد وتيرة التصريحات السورية والتركية حول التطبيع، وارتفاع حدة التوتر بين إسرائيل وإيران وحلفائها، أرسلت واشنطن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل إريك كوريلا، في جولة على عدد من قواعد التحالف الدولي في سورية والأردن بين 12 و14 يوليو، في تأكيد على تمسك بلاده بمواقعها بالهلال الخصيب. أمر كوريلا بإنشاء عشرات أبراج المراقبة على طول نهر الفرات، ضمن مناطق سيطرة “قسد”، في عددٍ من قرى ريف دير الزور الشرقي المطلة على نهر الفرات، لمواجهة هجمات داعش والميليشيات المحسوبة على إيران. وقبل الزيارة وصلت تعزيزات أمريكية تتكون من أربعين آلية، من العراق إلى قاعدة قسرك بمحافظة الحسكة. كما نقلت واشنطن في بداية شهر أغسطس عناصر من العراق إلى قواعدها بمحافظة الحسكة، ومقاتلين من “قسد” والمجموعات العربية التابعة لها إلى قواعد حقلي كونيكو وعمر النفطيين بالقرب من نهر الفرات، وعززتها برتل عسكري يضم 70 آلية. وكانت واشنطن قد أرسلت سابقاً شحنات من الأسلحة إلى شرق سورية بعد هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية بدمشق في 1 أبريل الماضي. وربطت تقارير بين شحنات السلاح الأمريكية الأخيرة، وبين التقارب السوري-التركي.
في الوقت نفسه، غضّت واشنطن الطرف عن تحركات عسكرية لـ”قسد” استهدفت تعطيل التقارب السوري-التركي. فقد شنَّت تنظيمات عسكرية قريبة من “قسد”، من مواقعها التي ينتشر فيها أيضاً جنود الجيش السوري ونقاط مراقبة الشرطة العسكرية الروسية، هجمات على خطوط تماسها في شمال غربي محافظة حلب. وردَّت أنقرة على الهجمات باستخدام مسيراتها الانتحارية، في تلويح بإمكانية تكرار هجمات الخريف الماضي عندما استهدفت البنية التحتية بالمناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” موقعةً فيها خسائر فادحة. وامتدت الهجمات المتبادلة إلى محافظة الرقة، ولاحقاً إلى منطقة المالكية، ومدينة القامشلي، وجبل عبد العزيز بمحافظة الحسكة أقصى شرقي سورية.
وفي الأسابيع التالية، استغلت تركيا وروسيا ودمشق والعشائر العربية المحلية الفرصة لزيادة الضغط على “قسد” والولايات المتحدة، بالرغم من أن الأخيرتين لم تُبديا أي ضعف وغالباً ما ردّتا بقوة.
واستغلت الحكومة السورية وحلفاؤها الروس تصاعد التوترات، سواء بين الأتراك والأكراد، أو بين الأمريكيين والإيرانيين على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران في 31 يوليو، واستكملوا إنشاء قاعدة بمدينة عين العرب/كوباني المتاخمة للحدود السورية-التركية، بهدف “مراقبة نظام وقف العمليات القتالية بين الأطراف المتنازعة”، وهي خطوة نالت استحسان الجانب التركي لكونها “تُضعف وجود” قسد في المنطقة، وتأتي ضمن “النتائج” التي توصلت إليها أنقرة مع الروس ودمشق، وهي خطوة من شأنها إجهاد “قسد” التي عليها التعامل مع توترات على عدة جبهات دفعة واحدة. وعلى الأرجح أن إنشاء القاعدة أتى ضمن ترتيبات تركية-روسية لإعادة فتح الطريق الدوليM4 ، الذي يربط اللاذقية بالحسكة عبر حلب وادلب، حيث يسعى الأتراك والروس إلى إعادة تسيير خطوط التجارة الدولية من تركيا إلى الخليج عبر سورية.
وبينما كانت الأنظار مسلطة على الاشتباكات بين الأتراك والأكراد في شمال سورية، أطلق “جيش العشائر” المدعوم من دمشق وحلفائه عند الساعات الأولى من يوم 7 أغسطس، “هجوماً مباغتاً” على مواقع “قسد” في القسم الشمالي من محافظة دير الزور، ولكن مقاتلي “قسد” تمكّنوا من إحباط الهجوم بدعم من الطيران الأمريكي، بحسب ما ذكرت مصادر الحكومة السورية، والمعارضة. واتهمت قيادة “قسد” مدير المخابرات السورية اللواء حسام لوقا بالوقوف خلف الهجوم، وهو المعروف بقربه من الضباط الروس في سورية. ثم تحدثت رئيسة دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، إلهام أحمد، عن “تورط” المليشيات الإيرانية في الهجوم. ومع انقشاع غبار الهجوم، أكدت المزيد من التقارير وجود أصابع إيرانية كمنت وراء أحدث هجوم عشائري، حيث استهدفت طهران إرسال رسائل إلى واشنطن على خلفية التوتر بين الجانبين بعد اغتيال إسرائيل لهنية. وعنى أحدث هجوم لـ “جيش العشائر” أن الحكومة السورية غير مهتمة بالحوار مع القوى الفاعلة في شمال شرقي سورية، الذي دعت إليه الإدارة الذاتية (4 يوليو)، وجدد الدعوة إليه قائد “قسد” مظلوم عبدي في 23 يوليو.
ردت “قسد” على هجوم العشائر بفرض حصار على مواقع النظام الأمنية والعسكرية في مدينتي القامشلي والحسكة. وتحرك الروس من أجل التهدئة، إلا أن الجهود التي بذلها قائد القوات الروسية في سورية، الفريق سيرغي كيسيل، في خلال زيارته إلى مدينة القامشلي، في 9 أغسطس، مع قادة “قسد”، لم تلاقِ النجاح، في البداية، في حمل القوات الكردية على فك الحصار. لكن، وخلال أيام، نجحت وساطة كيسيل في استعادة الحياة الطبيعية في مدينتي الحسكة والقامشلي اللتين تتقاسم الحكومة السورية و”قسد” السيطرة عليهما، وسط تقارير تحدثت عن رفض الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد لأحد بنود الاتفاق بين الروس و”قسد”. راقبت أنقرة أحدث موجة من الاشتباكات في دير الزور برضا، وأثنت على العشائر بوصفهم “أهالي المنطقة الحقيقيين”.
وفي موقف يؤكد استمرار الدعم الأمريكي لـ”قسد”، أرسل التحالف الدولي في 9 أغسطس تعزيزات عسكرية جديدة، شملت أسلحةً وجنوداً من العراق إلى شرقي سورية. وتتزايد التقارير من شمال شرقي سورية حول إعطاء الولايات المتحدة أسلحة مضادة للطائرات إلى “قسد”، وتدريب مقاتليها على كيفية الاستخدام. وعنت هذه التعزيزات أن واشنطن لن تقبل بتعديل موازين القوى في المنطقة، وأنها ستحافظ على دور القوات الكردية في المنطقة. وأمام استمرار الدعم الأمريكي القوي لـ”قسد”، بدا وزير الدفاع التركي يشار غولر غاضباً، ولم يجب عن سؤال بشأن تزويد واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية، القوة الضاربة لقوات “قسد”، بمنظومات دفاع جوي.
العوامل المحددة للموقف الأمريكي
تقف خلف سياسة واشنطن تجاه عملية التقارب السوري-التركي، واستمرار دعمها لقوات سورية الديمقراطية عدة أسباب، لكن ربما يرتبط أهم سببين ببقاء احتمالات حدوث تقارب سوري-تركي حقيقي يتجاوز مجرد إعلان نوايا محدود. أما السبب الثاني فيتعلق بالتوتر المتصاعد في المنطقة نتيجة حرب غزة، وعزم إسرائيل تغيير المعادلة الأمنية في المنطقة، وهو ما قد يستمر تأثيره لسنوات.
لم يُظهر المسؤولون الأمريكيون قلقاً من إطلاق النظام وأنقرة مسار التطبيع بينهما، نظراً لما أبدوه من شكوك قوية في قدرة الروس على تحقيق خرق على المسار السوري-التركي من جهة، ولضعف النتائج التي حصدتها الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع الحكومة السورية. وفي كل الأحوال، لا تزال الحكومة السورية أضعف من أن تشكل تهديداً جذرياً لـ”قسد” والقوات الأمريكية، حتى لو استعادت علاقتها بالأتراك. وفي مؤشر يعكس دقة التصورات الأمريكية حيال التطبيع السوري-التركي، عاد وزير الدفاع التركي، يومي 12 و15 أغسطس إلى وضع شروط على المفاوضات مع دمشق، واتهامها في المقابل بوضع شروط مسبقة، وهو ما يعيد تلك المفاوضات إلى نقطة البداية من جديد.
وجاء الدعم الأمريكي لـ “قسد” وتعزيزه مؤخراً متسقاً مع أهمية منطقة شرق الفرات بالنسبة للسياسة الأمريكية في سورية، وما تمنحه من قوة للوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتوسيع مناورة الجيش الأمريكي بين البلدين، لمواجهة الاستراتيجية الإيرانية الرامية إلى طرد القوات الأمريكية منهما. كما جاء هذا الدعم الأمريكي منسجماً مع ما أبرزته مستجدات حرب غزة من أهمية الوجود العسكري الأمريكي في شرقي سورية، والتحالف الذي نسجته واشنطن مع “قسد”، في سبيل حماية المصالح الأمريكية الأوسع في الشرق الأوسط. وأبرز مثال على ذلك هو استخدام الولايات المتحدة قواعدها في التّنف وشرق سورية من أجل التصدي للصواريخ والمسيرات التي هاجمت بها إيران إسرائيل يوم 13 أبريل، وهي تتحضر لاستخدامها مجدداً من أجل التصدي للرد الإيراني على اغتيال هنية.
لقد تَشكَّل وجود الولايات المتحدة في شمال شرقي سورية، في البداية، نتيجة فعالية القوات الكردية في محاربة “داعش”، وتوتر العلاقات بين واشنطن وتركيا بسبب سياسات الأخيرة المتساهلة تجاه الإسلاميين المتطرفين. مع ذلك، ومع انهيار “داعش”، أصبح الوجود الأمريكي مرتبطاً بشكل متزايد بعوامل أخرى، مثل مواجهة الوجود الإيراني جنوب نهر الفرات، وممارسة الضغط على تركيا التي اقتربت أكثر من روسيا، والضغط على دمشق، من بين أسباب أخرى. أما اليوم، ومع تصاعد التوترات بين إسرائيل من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى، فإن الوجود الأمريكي يتحول من تركيز محلي إلى إقليمي بشكل أكبر. وباختصار، دفعت التطورات في المنطقة الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بوجودها في شمال شرقي سورية، بل وتعزيزه.
الخلاصة
تَأثَّر التعامل الأمريكي مع عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة، واشتداد الهجمات على “قسد”، بمجريات الحرب على غزة والحقائق الجيوسياسية التي ظهرت بعدها. فلم يرتبط وجود القوات الأمريكية في شرق الفرات بالوضع في سورية فحسب، أو حتى بالمنافسة الإقليمية النطاق مع إيران أو روسيا، بل بحماية المصالح الأمريكية الأوسع، وعلى رأسها أمن إسرائيل وحياة الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط، وبخاصة في ظل الصراع الإسرائيلي-الإيراني في خلال حرب غزة، والذي من المتوقع أن يستمر بصور أكثر حدة بعد انتهاء الحرب. لذلك، قد يكون من الصعب على الإدارة الأمريكية الحالية، وحتى على الرئيس الأمريكي الذي سيستلم دفة الحكم بعد انتخابات الرئاسة في شهر نوفمبر المقبل، أياً كانت هويته، اتخاذ قرار سحب القوات الأمريكية من شرق سورية.