عدنان أبوزيد
أصبح الدولار حديث العراقيين، بعد معالجات اقتصادية أجرتها الحكومة والبنك المركزي، بينما المتنوّر بالتأريخ، يدرك الدور السياسي والاجتماعي لهذه العملة العالمية، التي حسمت في أوقات كثيرة، مستقبل الأنظمة السياسية، ومصائر الاقتصادات.
غير انّ الدول النامية بدت الأكثر تأثّرا بتذبذبات الدولار وقيمته، لأنها غير قادرة على الاقتراض بعملاتها المحلية الركيكة، وهي مضطرة الى تسديد ديونها الخارجية به، لكن الدولار يتحوّل الى جبروت حقيقي في الدول القادرة على إدارة اقتصاد يستقطب الاستثمار الأجنبي، ويعزّز وتيرة النمو الداخلي.
العراق، واحد من الدول المتأخرة في النظام الإداري والاقتصادي، حيث يلمس المراقب، الاعداد الهائلة من العاملين في الوظائف الحكومية الزائدة عن الحاجة، فضلا عن أعداد هائلة من الشركات الحكومية غير الفعالة، يتقاضى منتسبوها الرواتب، بينما سياسات التخرّج الجامعي، تفرّخ اعدادا هائلة من الشهادات الجامعية التي يطالب أصحابها بالوظائف الحكومية، في وقت يعاني فيه القطاع الخاص من التهميش عبر اللوائح الخانقة، والمنافسة الاقليمية.
أزمة العلاقة بين الدينار والدولار، في العراق، لها تجاربها في دول أخرى، عانت من انهيار عملتها الوطنية، فلجأت الى الحيل المالية مثل التيسير الكمي أو طباعة المزيد
من النقود، وما زالت عمليات تخفيض قيمة العملات مقابل الدولار تحدث في الكثير من الدول، إذ لجأت تركيا وفيتنام الى تخفيض العمالة والواردات الخارجية.
ومنحت إندونيسيا والأرجنتين إعفاءات ضريبية لإعادة الأموال الموجودة في الخارج. وأصدرت زيمبابوي السندات الدولارية لدعم حيازات النقد الأجنبي الناقص. وخفّض أعضاء “أوبك” انتاج النفط لإعادة تعزيز عائدات البترودولار، وتسعير النفط والسلع الأخرى بالدولار.
وجرّب العراق استبدال الدولار باليورو، في محاولة منه لإهانة العملة الاميركية في حقبة نظام صدام حسين. إيران تسعى الى التعامل بعملات أخرى غير الدولار، تخفيفا لوطأة العقوبات عليها، لكن المشكلة ان معظم الشركاء التجاريين، يفضّلون الدولار. وفي محاولتها للانتعاش الاقتصادي وقهر الفساد، قررت الهند، العام 2016، الشروع في وقف تداول العملات من فئة 500 و1000 روبية، وحضّ رئيس الوزراء الشعب، على الصمود. ولجأت كل من الإكوادور وزيمبابوي الى “دولرة” اقتصاداتها، عبر الاستخدام الرسمي للدولار في جميع المعاملات. وربطت هونغ كونغ عملتها بالدولار بشكل ثابت ما جعلها تدور في فلك السياسة النقدية الأميركية.
وخلال حقبة الحرب الباردة، في منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، ردّت الأنظمة الشيوعية على سياسة الخنق المالي من قبل الدول الغربية، بتعويم المزيد من القروض الحكومية على الشركات. وجرّبت مصر والأرجنتين التخفيضات المباشرة العاجلة لقيمة العملات في وقت مبكر.
كما قرّرت إندونيسيا تفعيل الاستثمار المحلي لغرض إعادة الأصول من الخارج وجذبها بالعفو الضريبي. والأمر الذي لايزال مقلِقا، انّ مواطني الدول النامية، لا سيما الأثرياء منهم، لا يثقون بالعملات المحلية، الامر الذي جعل اقتصادات هذه الدول، رهينة الدولار بحكم الأمر الواقع. كل هذه الآليات، وإنْ ساهمت في استعادة الأموال، لكنها ليست حلاً سحريا، ولن تكون بديلا للإصلاحات الهيكلية التي تفشل في الكثير من البلدان، لعدم القدرة على اقناع الشعب بالتضحيات.
رابط المصدر: