ترجمة: ابراهيم قنبر
أزمة الديمقراطية التمثيليّة هي فرصةٌ لاكتشاف مجالٍ جديدٍ من الاحتمالات الديمقراطية، وهذا تمامًا ما يستدعي نقاشه هنا.
كتبت آنايس فوجيليس الباحثة في المركز الفرنسي للجغرافية السياسية حول هذا الموضوع:
إن الديمقراطية التمثيلية في أزمةٍ حقيقيةٍ بالفعل، هي في أزمة إرهاق ديمقراطي يُعبَّر عنه بعدم الثقة بكل ما يتعلق بالحكّام المتّهمين بخليطٍ من عدم الكفاءة والفُجور الأخلاقي وعدم التمثيل الحقيقي، كما أنّ انتشار “الليبرالية” يُعدّ أحد أعراض هذه الأزمة.
يبدو أنّ العديد من الأنظمة السياسية الغربية دخلت منطقةً رماديّةً في مكانٍ فاصلٍ بين النظام الاستبدادي والديمقراطية والليبرالية، هنالك يميل الزعماء _رغم كونهم قَدِموا عبر صناديق الاقتراع_ إلى التشكيك في الحقوق الأساسية للمواطنين، وبالتالي تحتفظ الأنظمة بالإجراءات الانتخابية التقليدية ولكنها في نفس الوقت تُقيّد الحريات المدنية.
للعلم فإنّ الديمقراطية غير الليبرالية لا ترفض بشكلٍ مباشرٍ المبادئ الأساسية للديمقراطية كما تفعل الدكتاتوريات، ولكنّها تعمدُ إلى تفريغها شيئًا فشيئًا من جوهرها.
والسؤال: هل يمكن لهذه الظاهرة أن تنتشر في العالم الغربي بكامله؟
إذا شعر المرء بالفعل بالإغراءات غير الليبرالية أو الاستبدادية، بما في ذلك فرنسا خاصةً منذ الأزمة الاقتصادية والمالية عام 2008، فمن الممكن أن يُلاحِظ التطور السريع للحكومات التكنوقراطية التي تبسط سلطتها بخبراتها وأساليبها بدلًا من رؤيتها السياسية.
تميزت سنوات الأزمة هذه بتشكيل العديد من الحكومات من هذا النوع والتي تسمّى الحكومات التقنية، وهي غالبًا ما تتجاهل المبادئ الديمقراطية.
نجحت هذه الحكومات بفضل عاملين: “عدم تسييس الحياة العامة” أي عدم “استعمار” المواطن، وذلك من خلال ترتيباتٍ خارجةٍ عن الانتخابات وبعيدةٍ عن النظام التمثيلي، والعامل الثاني أنهم تمكنّوا من تعزيز عزلة النُخب السياسية عن المواطنين.
لكن الاتجاه الحالي يميل إلى إظهار أن الناخبين يرفضون السياسات التي ينفذها التكنوقراطيون، في هذا السياق تَظهر المؤسسات الأوروبية كمثالٍ لنزع الصفة السياسية عن عملية صُنع القرار الأول ولتجسيد إلقاء المبادئ الديمقراطية بعيدًا.
فالمسؤولون الأوربيّون يتعاملون بالطريقة ذاتها إن كان مع مسألة مصير الصيد أو مع قضيّة مصير المهاجرين، مع أنّ القرار الأول يقدّم إطارًا اقتصاديًّا للشركات والآخر يؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على الأمم ومكوّناتها ومفاهيم التضامن والهويّة فيها.
إلى جانب كلّ ذلك تصطدم الديمقراطية الغربية بالصين وروسيا اللتان وجدتا الفرصة سانحةً أن تستخلصا رسائل مفادها أنّ الديمقراطية الغربية ليست إلا “طعمًا”.
بالإضافة إلى ذلك لم يَعُدْ غالبية الناخبين الأوربيين يتعاطفون مع إيديولوجيّةٍ معيّنة، بل كثيرًا ما يعمدون إلى تغيير الأحزاب من انتخاباتٍ إلى أخرى، وغالبًا ما يكون التصويتُ فيها في آخر لحظةٍ وذلك فيما يبدو يعتمد بشكلٍ شديدِ الانتهازيةِ على المصالح الشخصية.
لذلك ومنذ ذلك الحين أعاد السياسيّون التركيز على شكلٍ من أشكال البراغماتية الإدارية، مما يعزّز شعور الناخبين بأنّه من الممكن تغيير الزعماء السياسيّين وليس الخطوط السياسية.
تمّ تعزيز هذا الشعور بشكلٍ جليّ من خلال تناوب السلطة بين اليمين واليسار في العديد من البلدان، وأحيانًا تشكيل ائتلافٍ بين الاثنين، بالطبع مع شعورٍ راسخٍ بالفارق الضّئيل للغاية بين أحدهما والآخر.
كما عزّزت الخطابات الشعوبيّة لأحزاب الهويّة القوميّة هذا الشعور بالإحباط وبرفض الأحزاب التقليدية، ومع ذلك فمن الأفضل قياس التطوّرات والمخاطر الحاليّة بدلًا من اتّخاذ موقف المتفرج من بعيد.
عليه وإذا كانت الديمقراطية فعلًا في أزمة، فما الشيء المثالي الذي يجب أن تكون عليه هذه الديمقراطية؟ وما الدروس التي انتفعنا فيها من ماضي أو حتى أصول هذه الديمقراطية؟.
بيلي نابلي لصحيفة ليبراسيون 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2019
رابط المصدر: