مصطفى ملا هذال
شائع لدى العامة من الناس بان كل شيء مستورد جيد، فعندما يذهبون للتبضع، يسألون البائع، من اي منشأ؟، وتحمل اي ماركة تجارية؟، ينطبق هذا الكلام فقط على السلع المتنوعة التي تدخل البلد بصورة مستمرة، ولا ينطبق بالتأكيد على نوع محدد من الأشياء المستوردة، وتحديدا نتحدث عما تم ادخاله للعراق في التاسع من نيسان من عام 2003 النظام او التحول الديمقراطي، الذي جلبه الأمريكان بمعية قوات التحالف، والذي كلفها خسائر مادية وبشرية كبيرة.
الانتقال الديمقراطي من الموضوعات الوافدة الى العالم العربي، وأخذت بالظهور بنسبة اكبر في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، فهو يأتي ضمن تدرج تاريخي يمتد لآلاف السنين، ومنذ بداية النشئة ولغاية الآن هنالك جملة من الأسئلة، يكون ابرزها، متى ظهرت فكرة الديمقراطية؟، وهل من البساطة التحول من نظام غير ديمقراطي الى ديمقراطي؟
الديمقراطية نظام تعمل به الشعوب بصورة مباشرة منذ الحضارة الإغريقية، الذين وضعوا لها تعبيرا تم اشتقاقه من كلمتين، “ديموس Demos” ومعناها الشعب، و”كراتوس Kratos” من العمل او الحكم، ومن هنا فان الديمقراطية ولدت في الحضارة اليونانية.
هذا المولد الجديد لا يزال وحتى هذه اللحظة غير قادر على النمو في المنطقة العربية، فهو بحاجة الى الخدج ليستعيد عافيته، وليشتد عوده، ذلك كونه جاء في غير موعده ولا يمكن ان يستمر العيش في ظل الوضع الراهن او القائم في البلدان العربية.
واغلب الدول العربية التي اُجبرت على القبول بتطبيق هذا النظام فيها رغم عدم تماشيه وفكرة الحُكام وما يحملون من مهارات سياسية، فالديمقراطية تلقفها المواطن العربي بلهفة ونظر اليها على انها المخلص من الظلم والاضطهاد الذي لحق به جراء تخبطات أنظمة الحكم.
وبالرغم من حداثة التجربة في بعض بلدان الوطن العربي، لكن سرعان ما اصابها الضعف وتعرضت للوهن، ومع ذلك بقيت محتفظه بأهم مبادئها التي تتركز على جلب حكومة ممثلة للشعب عبر الانتخابات، والانتقال السلمي للسلطة، وسيادة القانون والفصل بين السلطات.
وفي هذا الصدد تحضرنا فكرة عالم السياسة روبير دال الموجودة في كتابه عن الديمقراطية الذي يقول فيها “قد يكون من الخطأ افتراض أن الديمقراطية قد تم اختراعها بصورة كاملة كما اخترعت الآلة البخارية مثلًا… إنني أفترض أن الديمقراطية يمكن أن تخترع بصورة مستقلة، ويعاد اختراعها حيثما وجدت الظروف الملائمة… فإن وجود ظروف ملائمة معينة قد ساعد دائمًا على الاتجاه نحو ظهور حكومة ديمقراطية».
ما يمكن أن نتوصل اليه من هذه المقولة، هو أن الديمقراطية لا يمكن اعتبارها وصفة جاهزة لكل الشعوب أو المجتمعات أو الدول، فكل مجتمع له خصوصيته الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية، وهي من تحدد نوع الديمقراطية التي ستتبع ببلد ما.
عندما أرادت بعض شعوب الدول العربية ان تتنفس الصعداء، وتعيش حياة كريمة حاولت الاستنجاد بالدول الغربية صاحبة النفوذ والتأثير في المنقطة بصورة عامة، وبالفعل حصل ذلك لكنه لم يكن المغزى منه هو مصلحة تلك الشعوب، بل الهدف الأساس منه هو لضمان بقاء مصالح هذه الدول في مأمن من المخاطر والأطماع التي تحيط بها.
ومن اجل ذلك قطعت وعودا امام الجماهير العربية لتخليصهم من الطواغيت التي جثمث على صدورهم، وحصل ذلك على ارض الواقع تحت مسمى الربيع العربي، الذي شمل تغير عدد ليس قليل من أنظمة الحكم العربية، وتم الشروع بالعمل وفق النظام الديمقراطي الذي تجسد في العملية الانتخابية بصورة كاملة.
الديمقراطية في الدول العربية بقيت ديمقراطية عرجاء، تم استخدامها لصالح الدول المُدخلة لها بعيدا عن طموحات الشعوب وتطلعاتها، والشواهد كثيرة، فالمعسكر الغربي حاول إيهام المواطن العربي بانه محور اهتمامه ويسعى لتخليصه من القيود المفروضة عليه، لكنه في الخفاء غير ذلك والدليل هو التجربة الفلسطينية.
نعلم ان حركة حماس استطاعت ان تحصد اكثر من نصف مقاعد البرلمان الفلسطيني في انتخابات عام 2006، وذلك تم وفق ممارسة ديمقراطية دعت اليها جهات دولية تزعم بانها تريد الاستقرار للداخل الفلسطيني، لكن وبعد ان تمكنت هذه الحركة وجهت نشاطها لتصفية الحسابات.
بعد هذا النهج الذي اعتمدته الحركة حشد المجتمع الدولي أصواته وتمكن من سحب البساط من تحت اقدامها بحجة الخوف على مصلحة البلاد من الانجرار وراء حرب داخلية نتيجة خلافات الحركة مع الشركاء السياسيين.
التجربة الفلسطينية هي واحدة من عشرات التجارب التي حصلت في العالم، فالديمقراطية تم توظيفها من قبل الدول العظمى بغير وظيفتها، وارادتها ان تكون سبيل لتحقيق مآربها، ونجحت بذلك بصورة واضحة، من خلال إعطاءها الضوء الأخضر لأغلب الرؤساء في المنطقة العربية، من اجل ضمان بسط نفوذها وعدم خلق رأي مناهض لوجودها وهيمنتها.
العملية الديمقراطية لا يمكن لها ان تنجح مالم تتوفر لها الظروف المناخية الملائمة لتحقيق النجاح، فهي كالنبتة تحتاج الى ارض خصبة وسقي منتظم وأسمدة عضوية لتنمو بالشكل الصحيح، فلا يمكن ان تعيش شجرة استوائية في القطب الشمالي والعكس صحيح.
وكذا الديمقراطية فهي ادخلت للبلدان العربية لأغراض اخرى غير المعلنة، وقد يكون ذلك سببا رئيسا لعدم الاعتراف بها وفشلها، فما حصل في العراق من ممارسات وعلى مدار السنوات الماضية لا يمكن ان نطلق عليه مصطلح الديمقراطية، كونها ضلت ممارسة منقوصة، تفتقر للكثير من المقومات.
ومن اهم هذه المقومات هو تثقيف الجمهور لمعرفة حقوقه في ظل النظام الديمقراطي، بالدرجة التي تجعله قادر على صنع القرار السياسي بالشكل الصحيح، وهذا لا يتحقق الا عبر الاختيار السليم لمن يعتقده الجمهور قادر على خدمة شعبه وتقديم الخدمات الضرورية.
منذ سنوات والشارع المنتفض يسعى لتحقيق عدد من المطالب المشروعة، لكن في المقابل نرى الحكومة التي جاءت عبر البوابة الديمقراطية استخدمت أساليب وطرق بشعة لفض الاعتصامات وإبعاد المحتجين عن الأنظار خشية ان يتسرب التأثير وتتسع فيما بعد قاعدة الرأي العام المعارض.
جميع المشاهد التي حصلت في العراق وعلى المستويين، الأول يتعلق بطريقة التعامل مع المستجدات السياسية والمناكفات بين الفرقاء، اما الآخر هو أسلوب التعامل مع الاحتجاجات الشعبية، فكلاهما يدلان على ان الديمقراطية لا تزال في أطوارها الأولى، وهي بحاجة الى مزيد من الوقت ليتم تشربها من قبل الطبقتين الحاكمة والشعب، وبعد ذلك نتوصل الى تحول ديمقراطي مقبول الى حد ما وليس ناجح بشكل قطعي.
رابط المصدر: