شهد السباق الى البيت الأبيض تحوّلين كبيرين خلال مدة زمنية قصيرة لم تتجاوز ثمانية أيام، ما أعاد الزخم الى المنافسة وتسبب بخلط الأوراق قبل الانتخابات المقررة في الخامس من تشرين الثاني. فقد تعرّض ترامب لمحاولة اغتيال في 13 تموز، وأعلن بايدن في 21 منه انسحابه، ليرضخ…
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الأحد انسحابه من السباق الرئاسي لعام 2024، في إعلان مفاجئ يأتي قبل اقل من أربعة أشهر على الانتخابات وبعد أسابيع على الشكوك التي أحاطت بوضعه الجسدي والذهني.
وقال بايدن الديموقراطي البالغ من العمر 81 عاما في بيان نشره على منصة إكس بينما يتعافى من وباء كوفيد في منزله بديلاوير، “لقد كان أعظم شرف في حياتي أن أخدمكم كرئيس”.
وأضاف “أعتقد أنه من مصلحة حزبي وبلدي أن انسحب وأن أركز فقط على مهامي كرئيس إلى حين انتهاء ولايتي”.
وأوضح بايدن أنه “سيتحدث إلى الأمة في وقت لاحق من هذا الأسبوع بمزيد من التفاصيل حول قراري”.
يغرق القرار الحزب الديموقراطي في حالة من الفوضى، إذ يتعين عليه العثور على مرشح جديد لانتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، ونائبة الرئيس كامالا هاريس هي الشخصية الأوفر حظا لنيل بطاقة الترشح.
وانسحب بايدن بعد أسابيع من الضغوط التي بدأت بأداء كارثي في المناظرة الرئاسية أثار مخاوف بشأن صحته.
هذه الخطوة تجعل بايدن أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة ينسحب في وقت متأخر جدا من السباق الانتخابي، وأول رئيس ينسحب بسبب مخاوف بشأن صحته العقلية.
وأمضى بايدن أكثر من ثلاثة أسابيع في مقاومة الدعوات للانسحاب من السباق الرئاسية في أعقاب صدمة مناظرة 27 حزيران/يونيو.
ودخل السباق الرئاسي في الولايات المتحدة مرحلة ضبابية الإثنين غداة إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه ودعم نائبته كامالا هاريس لخوضه بدلاً منه، وبدء الحزب الديموقراطي مداولات لتحديد ما اذا كانت تمثّل الخيار الأمثل لمواجهة الجمهوري دونالد ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر.
وأكدت هاريس البالغة 59 عاماً نيتها الترشح، وقالت في بيان “يشرفني أن أحصل على تأييد الرئيس ونيّتي هي كسب هذا الترشيح والفوز به…. سأبذل كل ما في وسعي لتوحيد الحزب الديموقراطي – وتوحيد أمتنا – لهزيمة دونالد ترامب”.
وبينما أعلنت شخصيات ديموقراطية دعم نيل هاريس بطاقة الترشيح عن الحزب في مؤتمره العام المقرر في شيكاغو منتصف آب/أغسطس، أحجم عدد من رموز الحزب مثل الرئيس السابق باراك أوباما ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، عن تأييد أول سيدة وسوداء تتولى منصب نيابة الرئاسة في البلاد.
وأشاد أوباما في بيان بقرار بايدن الانسحاب، لكنه حذّر من “آفاق مجهولة في الأيام المقبلة” معربا في المقابل عن ثقته بقدرة قادة الحزب على “وضع مسار يمكن أن يفضي إلى مرشح بارز”.
وشهد السباق الى البيت الأبيض تحوّلين كبيرين خلال مدة زمنية قصيرة لم تتجاوز ثمانية أيام، ما أعاد الزخم الى المنافسة وتسبب بخلط الأوراق قبل الانتخابات المقررة في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر. فقد تعرّض الرئيس السابق والمرشح الجمهوري ترامب لمحاولة اغتيال في 13 تموز/يوليو، وأعلن بايدن في 21 منه انسحابه، ليرضخ بذلك الى ضغط واسع من المعسكر الديموقراطي نفسه.
وأتى إعلان بايدن في رسالة الى الأميركيين نشرت عبر منصة “إكس”، علماً بأن الرئيس الديموقراطي لم يظهر في العلن منذ إعلان إصابته بكوفيد-19 الأسبوع الماضي، وعزل نفسه في منزله الخاص بولاية ديلاوير في جنوب البلاد.
وقال بايدن “أرى أنه من مصلحة حزبي وبلدي أن انسحب وأن أركّز فقط على مهامي كرئيس إلى حين انتهاء ولايتي”.
وأتبع رسالته بمنشور على “إكس” قال فيه “اليوم أريد أن أقدم دعمي وتأييدي الكاملين لكامالا لتكون مرشحة حزبنا هذا العام. لقد حان الوقت للديموقراطيين للتوحد وهزيمة ترامب”.
ولقيت هاريس تأييد أسماء بارزة في الحزب الديموقراطي، مثل الرئيس السابق بيل كلينتون وزوجته هيلاري، وحاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم الذي كان ينظر إليه كمنافس محتمل، إضافة الى الكثير من المشرّعين المنتخبين من التقدميين والمعتدلين.
وقالت النائبة عن نيويورك ألكسندريا أوكازيو كورتيز في منشور على إكس “اليوم أكثر من أي وقت مضى، من المهم أن يتوحد حزبنا وبلادنا سريعاً لهزيمة دونالد ترامب والخطر الذي يمثّله على الديموقراطية الأميركية”.
وأثارت خطوة بايدن، المفاجئة على رغم أنها كانت محور تكهنات على مدى الأيام الماضية، سلسلة من الأسئلة في أوساط الحزب الديموقراطي، منها ما اذا كان السناتور جو مانشين، المنتسب سابقاً الى الحزب والمستقل حالياً، يعتزم السعي لخوض السباق الرئاسي.
وكان السناتور البارز انضم الأحد إلى الدعوات الموجهة لبايدن لإنهاء ترشيحه لصالح ديموقراطي أصغر سنا.
في مقابل علامات الاستفهام، انعكس انسحاب بايدن إيجاباً على الصعيد المالي بالنسبة للديموقراطيين، اذ أعلنت مجموعة “أكت بلو” المسؤولة عن جمع التبرّعات لحملة الانتخابات الرئاسية للحزب أنّها سجّلت مساء الأحد، بعد سحب الرئيس ترشّحه ودعمه هاريس، أكبر عملية جمع تبرّعات ليوم واحد في 2024، وصلت الى 46,7 مليون دولار.
وردّاً على رسالة التنحّي، قال ترامب في منشور على شبكته الاجتماعية تروث سوشيال إنّ “جو بايدن لم يكن مؤهلا لأن يكون مرشحا للرئاسة، وبالتأكيد ليس مناسبا للخدمة” في المنصب.
بدوره، اعتبر فريق حملة المرشح الجمهوري أنّ “هاريس ستكون أسوأ بالنسبة لشعبنا من جو بايدن”.
وضِمن المعسكر الديموقراطي، سرعان ما تحوّلت إلى ثناء الضغوط التي تزايدت في الأسابيع الأخيرة على الرئيس للانسحاب. وأشاد زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ السناتور النافذ تشاك شومر ببايدن “الوطني العظيم”.
كما أشادت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، بالرئيس الديموقراطي، معتبرة أنه “أحد أهم الرؤساء في التاريخ الأميركي”.
ويبدو حصول كامالا هاريس على ترشيح الحزب الديموقراطي محتملا جدا خلال المؤتمر الوطني للحزب منتصف آب/أغسطس في شيكاغو. لكنّ هذا الترشيح لن يكون تلقائياً.
لكنّ الرئيس السابق باراك أوباما، أحد أكثر الشخصيات الديموقراطية نفوذا، اكتفى بالتعبير عن “ثقته” في حزبه “لوضع مسار يمكن أن يفضي إلى مرشح بارز”.
ورغم اعتقاده أنّ بايدن “مقتنع بأن هذا هو (القرار) الصحيح لأميركا”، حذّر أوباما الديموقراطيين الذين “سيبحرون في آفاق مجهولة في الأيام المقبلة”.
وتعود الكلمة الفصل في اختيار المرشّح الديموقراطي للرئاسة إلى مندوبي الحزب وعددهم 3900 شخص يتحدرون من خلفيات متنوعة للغاية وأغلبهم غير معروفين بتاتاً لعامة الناس.
الناخبون الديموقراطيون منقسمون
كان البعض يعتبر أن انسحاب جو بايدن أمر بديهي لكن من نيويورك إلى ولاية ميشيغن أكد الكثير من الناخبين الديموقراطيين أنهم في حالة ترقب يشوبها القلق حول المراحل المقبلة من الحملة الانتخابية ويشعرون بأنهم يقفزون في المجهول.
ويمنح انسحاب الرئيس جو بايدن من خوض الانتخابات في الولايات المتحدة، الحزب الديموقراطي فرصة جديدة وإن متأخرة لإعادة إطلاق حملة شابتها العثرات، بقدر ما يثير مخاوفه بشأن أسابيع من عدم اليقين الى حين اختيار مرشح لمواجهة الجمهوري دونالد ترامب.
ويأمل الناخبون في أن يقدم الحزب الديموقراطي صورة مغايرة لبدايات حملته لانتخابات 2024، حين لم يتمكن من طرح أي مرشح جدي غير بايدن البالغ 81 عاماً، على رغم القلق الذي كانت تثيره سنّ الرئيس وقدراته الذهنية.
ورأى المستثمر أندرو يونغ الذي خاض الانتخابات التمهيدية للحزب ضد بايدن قبل رئاسيات 2020، إن الرئيس “أظهر حساً قيادياً لافتاً. يعود الأمر الآن (الى الديموقراطيين) لإظهار حسّ قيادي مماثل من خلال عملية مفتوحة لتحديد المرشح الأمثل لمواجهة ترامب (ونائبه جاي دي) فانس في تشرين الثاني/نوفمبر”.
أضاف عبر منصة إكس “يجب أن يكون الهدف بسيطاً، وهو الفوز”.
وتتصدر هاريس (59 عاماً) قائمة المرشحين المحتملين للحزب الديموقراطي، مرتكزة بشكل أساسي الى الآن إلى دعم الرئيس الحالي، وهو موقع قد تتمكن من تعزيزه في الأيام المقبلة. وفي حال حسم ذلك، سينصرف الديموقراطيون لتركيز جهود حملتهم على محاولة هزم ترامب ومنعه من العودة الى البيت الأبيض.
لكن عدم حصول ذلك يضع الديموقراطيين في مواجهة احتمال متزايد وأكثر ترجيحاً بالانخراط في منافسة فوضوية، وربما مؤذية، على أصوات زهاء أربعة آلاف مندوب في المؤتمر العام للحزب المقرر في شيكاغو في آب/أغسطس.
ووعد رئيس اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي خايمي هاريسون بـ”عملية شفافة ومنظمة” لاختيار مرشح بديل لبايدن، وهو أول رئيس أميركي يمتنع عن الترشح لولاية ثانية منذ الديموقراطي ليندون جونسون في 1968.
وفي إطار البحث عن بديل لبايدن، يتم التداول بأسماء شخصيات صاعدة في الحزب الديموقراطي ما زالت دون الستين من العمر، مثل حكام الولايات جوش شابيرو وغريتشن ويتمر وغافن نيوسوم.
وألمحت ويتمر سريعاً الى أنها لا تعتزم الترشح، بينما أيد نيوسوم ترشح هاريس، لكن الحاكمَين لم يعلنا بشكل صريح استبعاد نفسهما من خوض السباق.
ويتوقع أن توفر حملة تقودها هاريس بمعية مرشح معتدل من وسط غرب البلاد لمنصب نائب الرئيس، أفضل الحظوظ للحزب الديموقراطي في مواجهة ترامب، عبر استقطاب الناخبات اللواتي عادة ما يشاركن في عمليات الاقتراع بأعداد أكبر من الرجال، ويمثّلن نقطة ضعف في سجل المرشح الجمهوري.
ويمكن لهاريس أن تمنح الحزب الديموقراطي فرصة إعادة رسم المواجهة الانتخابية بما يناسبه، وتحويلها الى منافسة بين ثقافتين مختلفتين، تجسّد إحداهما المدعية العامة السابقة، بينما يمثّل الثانية مجرم مدان.
ورأت أستاذة السياسة في جامعة بانوما بولاية كاليفورنيا سارة سادواني “بعدما بقيت في الظل بدرجة كبيرة على مدى الأعوام الأربعة الماضية، حان الوقت للمدعية العامة كامالا… للعودة” الى دائرة الضوء.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة “بابليك بوليسي بولينغ” الديموقراطية نشرت نتائجه الخميس، أن هاريس، في حال سمّت نائباً مناسباً لها، قادرة على إلحاق الهزيمة بترامب وفانس في بنسيلفانيا وميشغن، وهما من الولايات الثلاث التي تشكّل “الجدار الأزرق” حيث يعدّ الفوز بها محورياً لانتخاب رئيس من الحزب الديموقراطي.
من جهته، قال راين وايت، الخبير في الترويج السياسي في جامعة بريغام يونغ في أيداهو، إن المنافسة لدى الديموقراطيين لنيل الترشيح قد تصّب في صالح الحزب عبر حرمان ترامب تصدّر العناوين في وسائل الإعلام على مدى أشهر.
وأوضح لوكالة فرانس برس “سيستفيد المرشح الديموقراطي الجديد من نافذة تدقيق ضيّقة وتأثير إعلامي مهم قبيل الانتخابات… السؤال الآن هو من سيكون (هذا المرشح)، وهذا ما سيستحوذ على الاهتمام خلال مؤتمر” الحزب.
وسيشكّل أي مرشح غير هاريس انفصالاً تاماً عن الإدارة الحالية، وسيكون محصّناً حيال جزء كبير من الانتقادات الموجهة الى إدارة بايدن على خلفية ارتفاع التضخم وأزمة الحدود مع المكسيك وفوضى الانسحاب من أفغانستان.
وسيكون في مقدور هاريس على الأرجح أن ترث هاريس كل احتياط الدعم المالي لحملة بايدن، والمقدّر بنحو 94 مليون دولار حتى تموز/يوليو، وهو ما لن يكون ممكنا بهذا الشكل لمرشح غيرها.
وسيكون على أي مرشح جديد أن يبذل جهوداً لاستقطاب الدعم من تكتلات كبرى مؤثرة مؤيدة للثنائي بايدن-هاريس، مثل اتحاد عمال قطاع السيارات.
وفي حين لوّح الجمهوريون بامكانية الطعن قضائياً في أي تغيير متأخر لمرشح الحزب الديموقراطي، شدد كبير محاميه الانتخابيين مارك إلياس على أن أي اسم يختاره الحزب لخوض السباق الرئاسي، سيكون مدرجاً على قوائم الاقتراع في الولايات الخمسين.
وأكد أنه “لا يوجد أي أساس لأي طعن قانوني”.
جيل جديد من القادة
وتقول بارب كاتس المدرسة المتقاعدة لوكالة فرانس برس خلال زيارتها لمتحف جيرالد فورد الرئاسي الذي يضم نسخة عن المكتب البيضوي في غراند رابيدز في ولاية ميشيغن عندما ورد النبأ على الهواتف النقالة “أنا مذهولة وسعيدة لأن القرار اتخذ ويمكن الآن للحزب الديموقراطي التقاط أنفاسه وإيجاد حل”.
أما زوجها سيث البالغ 61 عاما فتنتابه مشاعر متضاربة تراوح بين “الحزن” و “الارتياح”، ويعرب عن أسفه لكون بايدن الذي وعد بأن يكون “جسرا” نحو جيل جديد من القادة، لم يسلّم الشعلة إلى جيل جديد.
بعيدا عن ذلك، تقول طيبة زهرة وهي محامية التقتها وكالة فرانس برس في حي هارلم في نيويورك إن أداء بايدن خلال المناظرة التلفزيونية في 27 حزيران/يونيو في مواجهة ترامب “كان كارثيا”. وتوضح “أظن أن ما حصل يومها جعل الرأي العام متوترا جدا لفكرة أن يخوض السباق منافسا لدونالد ترامب رغم أن هذا الأخير متقدم بالسن أيضا” إذ يبلغ 78 عاما.
يؤكد سيث كاتس “هذه مرحلة إضافية في سيرك يعمه الفوضى”.
وتحذر ماري بيغز المدرسة في نيويورك البالغة 58 عاما “يجب أن نصطف جميعا وراء (كامالا هاريس) وأن ندعهما. ولا يمكننا أن نغرق في خلافات داخلية. فرجاء يا شباب لا تتشاجروا”. وتضيف “وثمة مصدر توتر كبير آخر، إذ لا أعرف إن كان هذا البلد مستعدا لانتخاب امرأة سوداء. لكن ينبغي علينا أن نستعد سريعا”.
وتقول ليا فنية الفيديو البالغة 23 عاما خلال مباراة لرياضة البيسبول في العاصمة الفدرالية واشنطن، “لست متأكدة من مستوى الثقة الذي سيوليه الناخبون الديموقراطيون لهاريس. لكن هذا منطقي فهي نائبة للرئيس”.
أما كيفن بيرد المسؤول في المجال المعلوماتي والبالغ 50 عاما فلا يخفي قلقه. ويقول الرجل الأسود في أحد شوارع بروكلين في مدينة نيويورك “لا أظن أنه كان عليه أن ينسحب (جو بايدن). أرى انه الشخص الأنسب لالحاق الهزيمة بدونالد ترامب”.
ويؤكد بيرد المشكك في حظوظ كامالا هاريس بالفوز “في يوم الاقتراع، سيختار الناخبون المستقلون على الدوام بايدن إزاء التباين القائم بين ترامب وبايدن”.
ويرى أن هاريس “لم تقم بالشيء الكبير، كان دورها كنائبة للرئيس محصورا”.
لكن رغم ذلك كله، سيدعمها “بالكامل” وسيحاول إقناع كل من يعرفه “يوميا” بذلك.
ويضيف “أقيم في نيويورك وترعرعت في ظل دونالد ترامب، نعرف جيدا من هو، وهو ليس بالشخص الطيب” معربا عن خشيته من أن “يدمر هذا الرجل نظامنا الديموقراطي”.
ماذا بعد انسحاب بايدن؟
يطرح انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من الانتخابات الرئاسية تساؤلات كبيرة حول السيناريوهات المطروحة أمام الحزب الديمقراطي لاختيار مرشح جديد، بينما يسابق الزمن للانتهاء من هذه العملية. ويجد الحزب الديمقراطي نفسه تحت ضغوط كبيرة، فمن ناحية أمامه أربعة أسابيع فقط قبل انعقاد مؤتمره الوطني المقرر في الـ 19 من الشهر المقبل. وتتم خلال هذا المؤتمر عملية اختيار المرشح الرسمي للحزب للانتخابات الرئاسية.
ومن ناحية أخرى، فإن الانتخابات الرئاسية على بعد أربعة أشهر فقط، وسيحتاج المرشح الجديد لبذل جهود مضاعفة للترويج لحملته وشرح الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي.
وقد تكون هناك مخاوف من أن عملية اختيار مرشح جديد قد تضيع مزيدا من الوقت على الحزب بشكل عام، وعلى المرشح بشكل خاص، كما أنها قد تؤدي إلى بعض الانقسامات أو التصدعات المؤقتة التي تؤثر على وحدة الحزب.
ويعد توحيد الحزب مسألة في غاية الأهمية حاليا، بعد التصدعات التي شهدها خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب الجدل حول مصير ترشح بايدن.
وتعهد رئيس اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي جيمي هاريسون بأن الحزب ستنظم عملية “شفافة ومنظمة” لاختيار مرشح جديد بعد إعلان بايدن انسحابه من السباق إلى البيت الأبيض.
وقال هاريسون في بيان “خلال الأيام المقبلة، سيجري الحزب عملية شفافة ومنظمة للمضي قدما كحزب ديمقراطي موحد مع مرشح يمكنه هزيمة دونالد ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر”.
وأضاف المسؤول الحزبي “خلال وقت قصير، سوف يستمع الشعب الأمريكي إلى الحزب الديمقراطي حول الخطوات التالية والطريق إلى الأمام في عملية الترشيح”، التي تعد كامالا هاريس في موقف قوة لتكون الفائزة بثمرتها، لكن هناك أسماء أخرى حاضرة بقوة على المشهد، قد تسبب عراقيل حقيقية أمام طموحات نائبة الرئيس.
وأوضح هاريسون أن “العمل الذي يتعين علينا أن نقوم به الآن، رغم أنه غير مسبوق، فإن واضح (..) وستخضع عملية (اختيار مرشح جديد) للقواعد والإجراءات المعمول بها لدى الحزب. إن مندوبينا مستعدون لتحمل مسؤوليتهم بشكل جاد في تقديم مرشح بسرعة إلى الشعب الأمريكي”.
وإذا ظهرت هاريس كمرشحة، فإن هذه الخطوة ستمثل مقامرة غير مسبوقة من قبل الحزب الديمقراطي. فهي أول امرأة أمريكية سوداء وآسيوية تترشح للبيت الأبيض في بلد انتخب رئيسا أسود واحدا ولم ينتخب امرأة للرئاسة في تاريخه الديمقراطي الذي يتجاوز القرنين.
وبغض النظر عن المرشح الذي سيحل مكان بايدن، فإنه قد يكون عليه أن يبدأ الأمور من الصفر على مستوى تمويل الحملة، إذ يختلف خبراء قانون تمويل الحملات الانتخابية حول مدى سهولة تحويل هذه الأموال من حملة مرشح منسحب إلى حملة مرشح جديد.
وقبل أن يتخذ بايدن قراره، تحدثت رويترز إلى الزميلة في مؤسسة بروكينجز البحثية إيلين كامارك، وهي أيضا عضو في اللجنة الوطنية الديمقراطية ومؤلفة كتاب (بريماري بوليتيكس) أو “أساسيات السياسة”، عن عملية الترشح للانتخابات الرئاسية وما يمكن أن يحدث بعد ذلك.
حيث قالت: أمضى بايدن الأشهر القليلة الماضية في جمع ما يقرب من أربعة آلاف مندوب ديمقراطي من خلال الفوز في الانتخابات التمهيدية في الولايات والأقاليم الأمريكية.
وكان هؤلاء المندوبون سيصوتون له على الأرجح ليكون المرشح الرئاسي الرسمي للحزب في المؤتمر الوطني الديمقراطي المقرر عقده في الفترة من 19 إلى 22 أغسطس آب، لكن القواعد لا تلزمهم أو تجبرهم على ذلك.
ويمكن للمندوبين التصويت بما تمليه عليهم ضمائرهم، مما يعني أنهم يمكنهم التصويت لشخص آخر.
ويعني قرار الانسحاب أن بايدن “يطلق سراح” مندوبيه فعليا، مما قد يثير منافسة بين المرشحين الديمقراطيين الآخرين لنيل ترشيح الحزب.
ومن الممكن أن يدخل عدة مرشحين في هذه المعركة. وتأتي نائبة الرئيس كاملا هاريس على رأس القائمة، لكنها تواجه بعض المشكلات بعد بداية متعثرة في منصبها وتراجعها في استطلاعات الرأي.
وينص الدستور الأمريكي على أن يصبح نائب الرئيس رئيسا إذا مات الرئيس أو أصبح عاجزا عن ممارسة مهامه، لكن هذا لا يؤثر على طريقة اختيار المرشح في الحزبين.
وطُرح اسم حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم وحاكمة ميشيجان جريتشين ويتمير وحاكم كنتاكي آندي بشير وحاكم إيلينوي جيه.بي بريتزكر بوصفهم بدائل محتملين. وهم جميعا من المناصرين لبايدن وعملوا على مساعدته في الترشح لولاية جديدة.
وعن طريقة اختيار المرشح، اجابت: من الممكن أن يكون هناك نوع من التنافس بين الديمقراطيين من أبرز الكوادر لنيل ترشيح الحزب.
ووفقا لموقع (بالوت بيديا)، من المتوقع أن يكون هناك نحو 4672 مندوبا في العام الجاري، منهم 3933 سيلتزمون بنتائج ولاياتهم إلى جانب 739 يُعرفون باسم المندوبين الكبار، وهم أعضاء بارزون في الحزب.
ومن أجل الفوز بترشيح الحزب، يحتاج المرشح إلى الحصول على الأغلبية أي أصوات أكثر من جميع المرشحين الآخرين مجتمعين.
وهذا هو ما يحاول حلفاء هاريس تحقيقه الآن، أي الحصول على الدعم المعهود من 1969 مندوبا وسد الطريق أمام أي منافسة.
وإذا لم يتمكن أحد من تحقيق ذلك، فسيلجأ الحزب إلى ما يُعرف باسم “مؤتمر الوسطاء” وفيه يعمل المندوبون كوكلاء أحرار ويتفاوضون مع قيادات الحزب.
وسوف توضع القواعد بعد ذلك وسيكون هناك تصويت بنداء الأسماء للأشخاص المرشحين.
وقد يستغرق الأمر عدة جولات من التصويت حتى يحصل الشخص على الأغلبية ويصبح المرشح. وعُقد أحدث مؤتمر للوسطاء في عام 1952 عندما فشل الديمقراطيون في تسمية مرشح.
وكان لدى حملة بايدن-هاريس 91 مليون دولار في البنك في نهاية مايو أيار، لكن خبراء في قانون تمويل الحملات يختلفون على مدى سهولة نقل الأموال.
ونظرا لأن هاريس موجودة أيضا في وثائق تسجيل الحملة، يرى عدد كبير من الخبراء أنه يمكن تحويل الأموال إليها إذا حصلت على ترشيح الحزب الديمقراطي. ولكن هناك بعض الجدل عما إذا كان بايدن سيتعين عليه أولا الحصول على الترشيح الرسمي للحزب قبل نقل الأموال.
ردود الفعل الأمريكية
وفيما يلي ردود أفعال الساسة وجماعات التأييد:
– الرئيس السابق دونالد ترامب:
قال في مكالمة هاتفية مع شبكة (سي.إن.إن) بعد دقائق من إعلان بايدن عدم خوض السباق الرئاسي هذا العام “إنه أسوأ رئيس في تاريخ بلادنا. سوف يُدرج (اسمه) بوصفه أسوأ رئيس على الإطلاق في تاريخ بلادنا”.
ونقلت الشبكة عن ترامب قوله أيضا إنه يعتقد أن هزيمة نائبة الرئيس كاملا هاريس ستكون أسهل من هزيمة بايدن.
– زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر:
قال في بيان “لم يكن جو بايدن رئيسا عظيما وقائدا تشريعيا رائعا فحسب، بل كان إنسانا رائعا حقا. لم يكن قراره سهلا بالطبع، لكنه وضع مرة أخرى بلاده وحزبه ومستقبلنا في المقام الأول. جو، اليوم يظهر أنك رجل وطني حقيقي وأمريكي عظيم”.
-رئيسة المؤتمر الجمهوري بمجلس النواب إليز ستيفانيك:
قالت في بيان “إذا لم يتمكن جو بايدن من الترشح لفترة رئاسية أخرى، فهو غير قادر وغير لائق للعمل كرئيس للولايات المتحدة. يجب عليه الاستقالة على الفور”.
– حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم:
كتب على منصة إكس قائلا “لقد كان الرئيس بايدن رئيسا استثنائيا وصانعا للتاريخ – زعيم ناضل بشدة من أجل العمال وحقق نتائج مذهلة لجميع الأمريكيين. سيُدرج في التاريخ بوصفه واحدا من أكثر الرؤساء تأثيرا ونكرانا للذات”.
– رئيس منظمة (فريندز أوف ذا إيرث) إريك بيكا:
قال في بيان “نشكر الرئيس بايدن على زعامته التي دامت عقودا وندعم قرار إنهاء حملة إعادة انتخابه. ورغم أنه بعيد عن الكمال، فقد اتخذ بايدن بعض الخطوات التاريخية لمعالجة أزمة المناخ من خلال إقرار قانون خفض التضخم وبدء استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة”.
وتابع “لا يزال الخطر في هذه الانتخابات كما هو: ترامب يمثل تهديدا وجوديا لديمقراطيتنا وللكوكب وسيضمن الانزلاق الكامل إلى الفوضى المناخية”.
– حاكمة ميشيجان جريتشين ويتمير:
كتبت على منصة إكس قائلة “الرئيس بايدن موظف حكومي عظيم يعرف أكثر من أي شخص آخر ما يلزم لهزيمة دونالد ترامب. سيذكر التاريخ عمله الرائع لخفض تكاليف الأدوية الموصوفة وإصلاح الطرق المتهالكة وإعادة سلاسل التوريد إلى البلاد ومعالجة تغير المناخ وضمان قيادة أمريكا للعالم على مر عقود”.
وأضافت “ستظل وظيفتي في هذه الانتخابات كما هي: بذل كل ما بوسعي لانتخاب الديمقراطيين وإيقاف دونالد ترامب، المجرم المدان الذي تُعد أجندته، المرتكزة على رفع التكاليف التي تتكبدها الأسر وحظر الإجهاض في أنحاء البلاد وإساءة استخدام سلطة البيت الأبيض لتصفية حساباته، غير متوافقة مع ولاية ميشيجان على الإطلاق”.
حملة ترامب مستعدة
على المقلب الجمهوري، ستكون لانسحاب بايدن انعكاسات لا مفرّ منها على حملة الرئيس السابق ترامب، اذ سيضطر لإعادة رسم استراتيجيته الانتخابية التي تمحورت بشكل كبير الى الآن على وضع بايدن الصحي والذهني.
وكثّف فريق الحملة في الآونة الأخيرة من المواد الدعائية التي تركّز على بايدن وهو يرتكب الهفوات أو يتلعثم ويتعثر.
لكن يُخشى أن ينقلب السحر على الساحر، ويصبح تركيز الدعاية على السنّ والقدرة الذهنية سلاحاً للديموقراطيين بمواجهة ترامب البالغ 78 عاماً، خصوصاً في حال نالت هاريس التي تصغره بزهاء 20 عاماً، ترشيح الحزب.
وقد تعمد هاريس التي أصبحت في آذار/مارس أول نائبة للرئيس تزور عيادة للإجهاض، الى جعل هذه القضية محوراً أساسياً في مواجهة ترامب. ومنذ قرار المحكمة العليا الأميركية في 2022 الذي ألغى عملياً الحق الدستوري بالإجهاض، خسر الجمهوريون الغالبية العظمى من استطلاعات الرأي وعمليات الاقتراع التي تتطرق لهذا الشأن.
لكن حملة ترامب تؤكد أن انسحاب بايدن لم يأخذها على حين غرة، وأن المسؤولين عنها أعدوا حملات دعائية موجهة ضد هاريس ستبثّ في عدد من الولايات المفتاحية في السباق الانتخابي خلال الأيام القليلة المقبلة.
وسيستغل ترامب الوقت المستقطع الى حين حسم الحزب الديموقراطي خيار الترشيح، ويمضي في حملته الانتخابية والتجمعات في ولايات عدة، بعد المؤتمر العام للحزب الجمهوري في ميلووكي الذي اختتم الخميس الماضي باختياره مرشحاً رسميا لولاية ثانية في البيت الأبيض، بعد أولى بين 2017 و2021.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/reports/39539