مقدمة: بين الدّولة الرّاعية والدّولة الدّيمقراطيّة
إنّ مفهوم “الدّيمقراطيّة” هو الموجّه المعياري لمقاربة الخلل السّياسي، وفي هذا الصّدد من الممكن الاعتماد على مفهومٍ اجرائي للدّيمقراطيّة، يرتكزُ على ما يمكن اعتباره الحدّ الأدنى من مقومات نظام الحكم الديمقراطي العامة والمشتركة عبر القارات والحضارات في مرحلة الانتقال للديمقراطية ، ويقوم على المبادئ الستة التالية[1].
- مبدأ الشّعب مصدر السلطات، نصّاً وروحاً، وعلى أرض الواقع.
- مبدأ المواطنة الكاملة، المتساوية، والفاعلة، واعتبار المواطنة – ولا شيء غيرها – مصدر الحقوق، ومناط الواجبات، ودون تمييز.
- مبدأ التّعاقد المجتمعي المتجدّد الذي يتمّ تجسيده في دستورٍ ديمقراطيّ مُلزم لكلّ مواطن، سواء أكان حاكماً أم محكوماً.
- قيام الأحزاب، ومؤسّسات المجتمع المدني، وعلى قاعدةِ المواطنة، وممارسة الدّيمقراطيّة داخلها، وفيما بينها.
- الاحتكام إلى شرعيّة دستور ديمقراطي، يُؤسَّس على أنّه لا سيادة لفردٍ أو أقلّية على الشّعب.
- إقرار مبدأ المواطنة باعتبارها مصدر الحقوق ومناط الواجبات، على أن يسود حكم القانون، وليس مجرد الحكم بالقانون، وعدم الجمع بين أيٍّ من السّلطات التّنفيذيّة أو التّشريعيّة أو القضائيّة في يد شخص أو مؤسّسة واحدة، وضمان الحقوق والحرّيّات العامة دستورياً وقانونياً وقضائياً، مع تداول السّلطتين التّنفيذيّة والتّشريعية سلميّاً، ووفق آليّة انتخابات حرّة ونزيهة وفعّالة، وتحت إشرافٍ قضائيّ كامل ومُستقل، وبوجود شفافيّةٍ تحدّ من الفساد والإفساد والتّضليل واستغلال النّفوذ العام في العمليّة الانتخابيّة.
إنّ نظرةً مقارنة بين طبيعة أنظمة الحكم المعاصرة في الخليج، من جهةٍ، ومقوّمات الحكم الدّيمقراطي المذكورة هنا، من جهةٍ أخرى؛ تكشفُ لنا أنّ أكثر هذه الأنظمة لم تنتقل – سواء من ناحية النّص الدّستوري أم من ناحية المبدأ – إلى نظم حُكمٍ ديمقراطيّة. إنّ الحاكم في هذه الأنظمة إمّا أن يكون منفرداً بالسّلطة المطلقة صراحةً، أو مُتحايلاً على المواد الدّستورية أو مواد النّظام الأساسي القائم في بعض هذه الدّول، وبخاصةٍ المواد التي تنصّ بأنّ “الشّعب مصدر السلطات“، ومُقدِّماً عليها مواد دستوريّة أخرى “تُجهض هذا المبدأ الدّيمقراطي الجوهري.
والدّول التي تتمتّع بدستور – عقدي أو مُعدَّل على أرضية دستور عقدي – نجدها عوضاً عن الالتفاف حول المواد التي تضمن تطبيق سلطةٍ فعلية للشعب؛ تتّجه نحو توفير المؤسّسات الشّكليّة للدّيمقراطيّة، من مجالس نواب، ومجالس بلديّة وغيرها، دون رفدها بمضمون ديمقراطي فعلي. فالسّلطة التّشريعية، مثلاً، تُهنْدَس بنحوٍ تبدو إمّا غير مؤثرة، أو مُنصاعة في نهاية المقام لإرادة الحكم.
ومن هذا المنطلق، فلقد أولينا اهتمامنا في هذا الاصدار الدوري الأوّل على تشخيص الدّساتير ونصوصها في كلّ دول المجلس، باعتبار أنّ ذلك هو المرتكز الأوّل في تحليل الخلل السّياسي في المنطقة.
- دساتير دول مجلس التعاون
الدّستورُ هو القانون الأعلى المُنظّم للدّولة، فهو الذي يُحدّدُ شكل نظام الحكم، ويضعُ القواعدَ الأساسيّة التي تُنظّم عملَ السّلطات الثلاث: التّنفيذيّة والتّشريّعيّة والقضائيّة، وحدود صلاحيّاتها والعلاقة بينها، كما يُحدّدُ الحرّيّات العامة وحقوق المواطن، وهو يُمثّل الأساس والمرجعيّة العليا لكلّ قوانين الدّولة.
وهناك عدّة طُرق لإصدار الدّساتير، فمنها ما يُصدره الحاكم بإرادته المنفردة، ويُطلق عليه دستور المنحة، ومنها ما يصدر بناءً على توافق إرادة الحاكم والشعب، فيشترك الشعبُ في وضع الدستور عن طريق جمعيةٍ تأسيسيّة منتخبة، ثم يُصادق عليه الحاكم، ويُطلَق عليه الدّستور العقدي. ومن هذه الدّساتير ما يصدرُ بشكلٍ ديمقراطي كامل، أي من خلال مجلس منتخب، واستفتاءٍ للشعب، ودون الحاجة إلى موافقة الحاكم.
وتمتلكُ كلّ دول مجلس التّعاون دساتير أو أنظمة حكم أساسيّة مكتوبة، وإنْ كانت تتفاوتُ في مدى تفصيلها، وأخذها بمبدأ المشاركة الشعبيّة في السّلطة، وتطبيقها لمبدأ الفصل بين السّلطات، ومدى حمايتها للحرّيّات والحقوق. وأغلبها في الوقت الحاضر – فيما عدا دستور الكويت – تمّ إصداره بأسلوب المنحة[2].
الدّساتير وشرعيّة الحاكم
وبشكلٍ عام، تسعى دساتيرُ دول مجلس التعاون، وأنظمتها الأساسيّة، إلى تعزيز شرعيّة الأسر الحاكمة بشرعيّةٍ مؤسّسيّة دستوريّة. وتؤكدُ هذه الدّساتير على هوية دول مجلس التعاون العربيّة والإسلاميّة، وتُقدّم عدّة صياغاتٍ لدور الشّريعة الإسلاميّة في عمليّة التّشريع. على سبيل المثال، تنصُّ دساتير كلّ من الكويت والبحرين والإمارات وقطر على أنّ الشّريعة الإسلاميّة هي (مصدر رئيس للتّشريع)، بينما ينصّ النّظام الأساس لسلطنة عمان على أن الشّريعة الإسلاميّة هي أساس التّشريع. أمّا في المملكة العربيّة السّعوديّة، فينفردُ النّظام الأساس فيها بالنصِّ على أن دستور المملكة هو كتاب الله وسنّة رسوله.
وتؤكّد كافة دساتير دول مجلس التعاون على مبدأ الشّورى بوصفه ركيزة للحكم، وتنصّ على تشكيل مجالس تتباين في صلاحيّاتها التّشريعيّة والرّقابيّة، ودرجة المشاركة الشّعبيّة في تشكيلها أو انتخاب أعضائها. ففي كلٍّ من الكويت وقطر؛ ينصُّ الدّستورُ على تشكيل مجلس تشريعي يضمّ أغلبيّة منتخبة، وله صلاحيّة الرّقابة على أداء الوزراء. أمّا دستور البحرين، فيأخذ بنظام المجلسين، أحدهما منتخب، والآخر معيّن، ويتساويان في الصّلاحيّة التّشريعيّة، بينما يختصّ المجلسُ المنتخبُ بالرّقابة. ويُؤسّسُ دستورُ الإمارات العربيّة المتّحدة لمجلسٍ استشاريّ نصف منتخب. وفي سلطنة عمان، ينصّ النّظامُ الأساس فيها على تشكيل مجلسين، أحدهما مُنتخب، والآخر معيّن، ويملكان صلاحيّاتٍ تشريعيّة ورقابيّة محدودة. أمّا النّظام الأساس للمملكة العربيّة السّعوديّة، فينصُّ على تشكيل مجلس معيّن، تقتصرُ صلاحيّاته على إبداء الرّأي والمشورة.
وتؤكّد دساتيرُ كلّ من الكويت والبحرين وقطر على أن نظام الحكم في هذه الدّول ديمقراطي، وأنّ الشّعب هو مصدرُ السّلطات، كما تؤكّد على الفصل بين السّلطات التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة، وعلى استقلال القضاء، وتُعطي للمجالس المنتخبة – جزئيّاً – سلطة التّشريع ومحاسبة الوزراء، إلا أنّها أيضاً تُعطي للحاكم سلطاتٍ تنفيذيّة وتشريعيّة ورقابيّة واسعة، وتُحصّنه من المساءلة، مما يُغيّب – إلى حدٍّ كبير – مبدأ الفصل بين السّلطات وسيادة الشّعب الكاملة.
وفي مجال حماية الحقوق والحرّيات؛ فإنّ كافة دساتير دول مجلس التعاون – بخلاف النّظام الأساسي السّعودي – تضمّ العديدَ من المواد التي تتعلّق بضمان الحرّيّات العامة، وحقوق المواطنين، إلا أنّ صياغة هذه المواد تُقيّد الكثير من النّصوص التي تحمي الحقوق والحريات بأحكام القانون وضوابطه، مما أفسح المجال – عمليّاً – لإصدار قوانين عدّة تُقيّد ممارسة هذه الحقوق والحرّيّات، وتُفرغ هذه المواد الدّستوريّة من مضمونها الدّيمقراطي.
كما تنصّ دساتيرُ دول مجلس التعاون، بصفةٍ عامة، على عددٍ من الحقوق الاجتماعيّة، مثل حقّ التّعليم، والعمل، والمُلكيّة، وواجب الدّولة في توفير الخدمات الاجتماعيّة بأنواعها، مثل التّعليم الأساسي المجاني، والرّعاية الصّحيّة، والعمل، والسّكن، والضّمان الاجتماعي وغيرها، وتُمثّل هذه الحقوق الدّستوريّة الرّكيزة الأساسيّة التي تمّ بناءً عليها إصدار العديد من قوانين الرّعاية الاجتماعيّة، والضّمان الاجتماعي في هذه الدّول.
وأخيراً، من المهمّ التّذكير بأنّ وجود دستور أو وثيقة دستوريّة – بحدّ ذاته – لا يعني بالضّرورة أنّ النّظام السّياسي هو نظامٌ دستوري ديمقراطي، حيث إنّ ذلك يعتمدُ على مدى التّطبيق الفعلي لمبادئ ومؤسسات وآليات وضمانات وضوابط الدّستور الديمقراطي، ومدى تقيّد مؤسّسات الدّولة بموادّه، وقدرته على حماية حقوق المواطنين والحرّيات العامة، وضبط ممارسات السّلطة، والقوى السّياسيّة في إطارٍ قانوني ومؤسّسي فاعل.
الملامح العامة في دول مجلس التّعاون
وفيما يلي، عرضٌ موجز للملامح العامّة للدّساتير والنّظم الأساسيّة في دول مجلس التّعاون، مع التّنويه إلى أنه تمّ التّركيز هنا على ما تنصّ عليه الدّساتير، بغض النظر عن مدى تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، فلهذا قصّة أخرى.
- الكويت
في يوم 11 نوفمبر 2012م، احتفلت دولةُ الكويت بمرور خمسين عاماً على إصدار دستورها، وسط احتجاجاتٍ شعبيّةٍ وأزمة سياسيّة عميقة. وبرغم الأزمة السّياسيّة القائمة؛ فإنّ التّجربة الدّستوريّة في دولة الكويت تُعدّ الأعرق في منطقة الخليج العربي، والأكثر تقدّماً من حيث إتاحة المجال للمشاركة الشّعبيّة في التّشريع والرّقابة مقارنةً بغيرها من دول مجلس التعاون. لقد صدر دستورُ دولة الكويت عام 1962م، وبدأ العمل به رسميّاً عام 1963م، حيث أُسّس لأوّل مجلسٍ نيابيّ منتخب في منطقة دول الخليج العربيّة[3].
وقد أُصدرَ دستور الكويت بأسلوب “العقد”، أي أنه كان نتاج توافقٍ بين إرادة الحاكم، وبين الإرادة الشّعبيّة المتمثّلة في الأعضاء المنتخبين في المجلس التأسّيسي.[4] ففي عام 1961م أصدر أمير الكويت آنذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح دستوراً انتقاليّاً تمّ بموجبه انتخاب مجلس تأسيسي مُكوّن من 31 عضواً، منهم عشرون عضواً منتخباً، وأحد عشر وزيراُ عيّنهم الأمير. وبدأ المجلس التّأسيسي أعماله في نفس العام، كما تمّ تشكيل لجنة للصّياغة بالاستعانة بعددٍ من أبرز الخبراء الدّستوريين العرب، ورُفعت لجنة الصّياغة مشروع الدّستور للمجلس التّأسيسي، الذي ناقش تفاصيله باستفاضةٍ، ثم أقرّه، وصادقَ عليه الأميرُ بتاريخ 11 نوفمبر 1962م.[5]
ويُبيّنُ دستورُ الكويت طبيعة نظام الحكم في الكويت، حيث يحاول أن يمزج بين نظام الإمارة الوراثي وبين النّظام الدّيمقراطي الذي تكون فيه السّيادة للشّعب. فهو ينصّ على أن الكويت إمارة وراثيّة، تُحْصرُ فيها الإمارة في ذريّة الشّيخ مبارك الصّباح، وأنّ نظام الحكم في الكويت هو ديمقراطيّ، السّيادة فيه للأمّة “مصدر السّلطات جميعاً“، كما ينصُّ على مبدأ الفصل بين السّلطات الثلاث: التنفيذيّة، والتّشريعيّة والقضائية، مع تعاونها، ووفقاً لأحكام الدّستور.[6]
وبالنظر إلى المواد اللاحقة، نجد أن الدّستور يُعطي الأمير صلاحيّات تنفيذيّة وتشريعيّة ورقابيّة، ويُحصّنه من المساءلة المباشرة، فهو رئيسُ الدّولة، والقائد الأعلى للقوّات المُسلّحة، ويمارس السّلطة التنفيذيّة بواسطة وزرائه، وله وحده سلطة تعيين رئيس الوزراء، وإعفاؤه من منصبه. كذلك، يمتلكُ الأميرُ أعلى سلطة رقابيّة، فرئيس الحكومة وأعضاؤها مساءلون، بالتّضامن، عن سياسة الحكومة أمام الأمير فقط، وكلّ وزير مساءلٌ أمام الأمير عن أعمال وزارته، وتصدرُ الأحكام القضائيّة باسم الأمير. كذلك، للأمير أن يحلّ مجلس الأمّة بمرسوم مسبّب، على أن تجري انتخابات لمجلسٍ جديدٍ خلال شهرين من الحلّ، وإلاّ استردّ المجلس المُنحلّ كامل سلطاته الدّستوريّة. ولا يجوز حلّ المجلس أكثر من مرّة لنفس السّبب[7].
وينصّ الدّستورُ على تولّي الأمير السّلطة التّشريعيّة بالمشاركة مع مجلس الأمة، فلا يصدر أيّ قانون دون موافقة المجلس، ومُصادقة الأمير. وللأمير حقّ اقتراح القوانين، أو الاعتراض عليها، أو المصادقة عليها وإصدارها بعد موافقة المجلس. كما يُعطي الدّستورُ الأميرَ سلطة إصدار مراسيم لها قوّة القانون بين أدوار الانعقاد، أو في فترة الحلّ في حالات الضّرورة، على أن تُعرض هذه المراسيم على مجلس الأمة فور انعقاده، ويتمّ إلغاؤها بأثر رجعي إنْ لم يوافق عليها المجلس. ويمكن القول بأن السلطة التشريعية النهائية هي بيد مجلس الامة، ففي حالة رفض الامير لتشريع ما، فإنه يحق للبرلمان اصدار القانون الذي تم رفضه في حال توافر أغلبية معينة في مجلس الامة. ويضمّ مجلس الأمة خمسين عضواً منتخباً، بالإضافة إلى الوزراء المعينين بحكم مناصبهم. ولكلّ عضو بالمجلس حقّ اقتراح القوانين أو الاعتراض عليها. كما للمجلس حقّ الرّقابة على الموازنة العامة، بما في ذلك الإيرادات العامة، والمصروفات، والالتزامات الماليّة للحكومة بأنواعها، ودون استثناء[8].
ووفقاً للدّستور، فإنّه على الحكومة – بعد تشكيلها – تقديم برنامج عملها لمجلسّ الأمة من أجل مناقشته، إلا أنّه لا يُشترط أيّ تصويتٍ بالثقة، بل يأخذ الدّستور بنظام الرّقابة اللاحقة، ويحصرُ ذلك على مساءلة الوزراء بصفةٍ منفردةٍ، وكلّ عن أعمال وزارته. وللمجلس صلاحيّة استجواب وطرح الثقة بالوزراء، وفقاً للضّوابط الإجرائيّة المُحدّدة في الدّستور. كما للمجلس أن يُقرّر عدم التّعاون مع رئيس الوزراء، إلا أنّه لا يحقّ له طرح الثقة به أو عزله. وفي حال قرّر المجلسُ بالأغلبيّة عدم إمكان التّعاون مع رئيس الوزراء، رُفعَ الأمرُ لتقدير الأمير، فإمّا أن يُعزل رئيس الوزراء، أو يُحلّ المجلس. وفي حال الحلّ، وانتخاب مجلس جديد يُصوّت بذات الأغلبيّة على عدم التّعاون مع رئيس الوزراء؛ اُعتبر الأخيرُ معتزلاً من منصبه، ويتمّ تشكيل وزارة جديدة[9].
ورغم أنّ الدّستور ينصّ على المساواة بين المواطنين؛ فإنّ حقّ التّصويت والتّرشّح لانتخابات مجلس الأمة كان مقتصراً على الرجال فقط، وبمقتضى قانون الانتخابات، إلى أن تمّ تعديله عام 2005م بمبادرةٍ من الأمير، ليسمح للمرأة بمباشرة حقوقها السّياسيّة[10].
كما ينصّ دستورُ دولة الكويت على استقلال القضاء، ويمنع تدخّل كلّ من السّلطة التّنفيذيّة أو التّشريعيّة في أعماله، ويترك للقوانين مهمّة وضع الضّمانات التي تكفل تحقيق هذه الاستقلاليّة، وبيان أحكام القضاة وأحوال عدم قابليتهم للعزل، وتنظيم المحاكم، وإجراءات سير العدالة. وفي عام 1973م تمّ إصدار مرسوم بتشكيل المحكمة الدّستوريّة التي تختصّ بتفسير النّصوص الدّستوريّة، والفصل في دستوريّة القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، وبالفصل في الطّعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة، أو بصحة عضويته[11].
ومن حيث حماية الحقوق والحريات العامة؛ يؤكّدُ دستورُ الكويت على المساواة بين الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، ويحظر التمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللّغة أو الدّين، ويكفلُ الحرّية الشّخصيّة. كما يحظر التّعذيب، والمعاملة الحاطة بالكرامة، أو القبض على أيّ شخصٍ أو تفتيشه أو تقييد حرّيته إلا بحكم القانون، ويُحظر توقيع العقوبة إلا بحكم قانون، وبعد محاكمةٍ عادلة. وينصّ الدّستور على حماية حرّية الاعتقاد بشكلٍ مطلق، وعلى حرية ممارسة الشّعائر، مع ضرورة تقيّدها بعادات المجتمع والنظام والآداب العامة. كما ينصّ على ضمان حرّية الرّأي والبحث العلمي والتعبير والصحافة والطباعة والنشر، وسرّية المراسلات، وتشكيل الجمعيّات والنّقابات على أسسٍ وطنيّة وسلميّة، وعلى حرّيّة الاجتماعات العامة والمواكب والتجمّعات. إلا أنّ الدّستور رهن ممارسة هذه الحرّيّات بأحكام وضوابط القانون[12].
ويُشترط لتعديل الدّستور موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة ومصادقة الأمير، كما يحظر الدّستور تنقيح الأحكام الخاصة بالنّظام الأميري للكويت، وبمبادئ الحرّيّة والمساواة، إلا في حال توفير المزيد من ضمانات الحرّية والمساواة[13].
- البحرين
صدر أوّلُ دستور في البحرين عام 1973م بعد نيْلها الاستقلال، حيث أعدّه مجلسٌ تأسيسيّ ضمّ اثنين وأربعين عضواً، من بينهم اثنان وعشرون عضواً منتخباً شكّلوا الأغلبيّة. تمّ إقرار الدّستور والمصادقة عليه من قبل أمير البحرين آنذاك الشّيخ عيسى بن سلمان آل خليفة. ولكن في عام 1974م قام الأميرُ بحلّ المجلس الوطني بعد أن تفاقمَ الخلافُ حول قانون أمن الدّولة، وتمّ تعطيل أحكام الدّستور المتعلّقة بالسّلطة التّشريعيّة والرّقابة، كما أصدر الأميرُ مرسوماً بتأجيل انتخابات المجلس الوطني، على أن يتولّى الأميرُ ومجلس الوزراء السّلطة التّشريعيّة[14]. وظلّت الحياة النيابيّة مُعطّلة في البحرين حتى عام 2001م مع طرح ميثاق العمل الوطني، وموافقة شعب البحرين عليه بنسبة وصلت 98.4% في استفتاء عام، وفي العام التّالي تمّ إصدار دستور مملكة البحرين المُعدّل. وبخلاف الدّستور العقدي لعام 1973م – والذي شارك مُمثّلون عن الشّعب في إعداده وإصداره بالتّوافق مع الأمير السّابق – فقد أعدّت مشروعَ الدّستور المُعدّل لجنةٌ مُعيّنة، قام الملكُ بتشكيلها عام 2001م بموجب مرسوم ملكي، وأقرّت هذه اللّجنة الدّستور المُعدّل في غياب الآليّات التّوافقيّة، وغياب أيّ تمثيل للمعارضة في هذه العمليّة، ثم صادق عليه الملكُ وأصدره في14 فبراير 2002م[15].
وبموجب المادة الأولى من دستور عام 2002م؛ فإنّ نظام الحكم في البحرين هو ملكي دستوري وراثي، كما تنصّ نفس المادة على كونه نظاماً ديمقراطيّاً السيادة فيه للشّعب مصدر السلطات جميعاً وفقاً لأحكام الدّستور. وأعطت المادة حقّ مباشرة الحقوق السّياسيّة لكافة المواطنين رجالا ونساءً، بعد أن كان حقّ الترشيح والانتخاب يقتصر على المواطنين من الذكور، حيث إنّ دستور 1973م لم ينصّ على حقوق المرأة السّياسيّة، واكتفى في مادّته الأولى إلى حقّ المواطنين في المشاركة في الشّؤون العامة والتّمتع بالحقوق السّياسيّة، بدءاً بحقّ الانتخاب، وفقاً لأحكام الدّستور والقانون، ممّا أتاح للحكومة إصدار قانون الانتخاب لعام 1973م، والذي حصر المشاركة السّياسيّة في المواطنين من الذّكور. وبخلاف دستور 1973؛ يأخذ دستور 2002م بنظام المجلسين، فينصُّ على أن المجلس الوطني يتكوّن من مجلسين، أحدهما منتخب (مجلس النواب)، والآخر يُعيّنه الملك بموجب مرسوم (مجلس الشورى)، ويتشاركان في الصّلاحيّة التّشريعيّة.
وينص دستور2002م على الفصل بين السّلطات التّنفيذية والتّشريعية والقضائية، ولكنه من ناحيةٍ أخرى يُعطي صلاحيات تنفيذيّة وتشريعيّة واسعة للملك، ويُحصّنه من المساءلة. وتنصّ المادة (3) على أن” السّلطة التشريعية يتولاّها الملك والمجلس الوطني وفقا للدّستور، ويتولى الملكُ السّلطة التّنفيذيّة مع مجلس الوزراء والوزراء، وباسمه تصدر الأحكامُ القضائية”. وللملك أن يُباشر سلطاته بصورةٍ مباشرة أو عن طريق وزرائه، ويُعيّن الملكُ رئيس مجلس الوزراء ويُعفيه من منصبه بأمرٍ ملكي، كما يُعيّن الوزراء ويُعفيهم من مناصبهم بمرسوم ملكي، ويُعين أعضاء مجلس الشورى ويُعفيهم بأمر ملكي، وله حقّ اقتراح القوانين والاعتراض عليها أو الموافقة عليها وإصدارها بحسب الإجراءات التي ينصّ عليها الدستور.
ويحقّ للملك بموجب المادة (38) أن يُصدر مراسيم بقوانين في فترة عدم انعقاد المجلس الوطني (مراسيم الضّرورة)، إذا حدث ما يُوجب الإسراع في اتخاذ التّدابير لا تحتمل التّاخير، على أن تُعرض هذه القوانين على المجلس بعد انعقاده، للموافقة عليها أو عدمه – دون النّص على صلاحيّة تعديلها – وتعتبر لاغية في حال عدم موافقته عليها. كما يُعطي الدّستورُ الملكَ بموجب المادة (43) صلاحيّة استفتاء الشّعب في القوانين والقضايا الهامة التي تتّصل بمصالح البلاد، ويُعتبر موضوع الاستفتاء موافقاً عليه إذا أقرّته أغلبيّة منْ صوّتوا، وتُعتبر نتائجه مُلزمة، ونافذة من تاريخ إعلانها دون النّص على الرّجوع للمجلس الوطني[16].
يتكوّن المجلس الوطني من كلّ من مجلس النوّاب المنتخب ومجلس الشّورى المُعيّن. ويضمّ كلّ مجلس أربعين عضواً، ويشتركان في صلاحيّة التّشريع، بينما ينفردُ مجلسُ النوّاب بصلاحيّة الرقابة. ولا يصدر قانون إلا إذا أقرّه كلا المجلسين وصادق عليه الملك. ويختصّ المجلسُ الوطني كذلك بإقرار الموازنة العامة، ومراجعة الحساب الختامي، مع استثناء موازنة الدّيوان الملكي التي تصدر بمرسوم ملكيّ خاص.
تعديلات دستوريّة بعد 14 فبراير
بعد الاحتجاجات التي اندلعت في البحرين بدءً من 14 فبراير 2011م، والأزمة السّياسيّة التي تلتها؛ أصدر الملكُ حزمة تعديلات دستوريّة دخلت حيّز التنفيذ في 3 مايو 2012م، بعد أنّ تمّ التوافق عليها من قبل المُشاركين في حوار التوافق الوطني الذي أجري في يوليو 2011م وأقرّها كلٌّ من مجلسي النواب والشورى.
ويُذكر أنّ المعارضة غير مُمثّلة حالياً في المجلس التّشريعي، كما أنّ كبرى الجمعيّات – جمعيّة الوفاق الوطني الإسلاميّة – كانت قد انسحبت من الجولة الثّانية من الحوار، اعتراضاً على آليّات إدارة الحوارة وتمثيل القوى السّياسيّة، كما عبّرت قوى المعارضة السّياسيّة، بشكلٍ عام، عن اعتراضها على غياب أيّة صفة تمثيلية شعبيّة شرعيّة يمكن أن يُؤسّس عليها الحقّ في تقرير طبيعة التّعديلات الدّستوريّة، كما وُصفت هذه التّعديلات بالسّطحيّة و”الشّكلية” في مجملها.[17] وتُعنى هذه التّعديلات بالدّرجة الأولى بالعلاقة بين السّلطتين التّنفيذيّة والتّشريعية، وإجراءات استجواب الوزراء، وإقرار القوانين والآليّات والفترات الزّمنيّة المُتعلّقة بذلك، مع الإبقاء على أسس عمل نظام المجلسين، وعلى صلاحيّات الملك ورئيس مجلس الوزراء[18].
ولعلّ من بين أهمّ التّعديلات؛ إضفاء صفة الغلبة لمجلس النواب في مجال التشريع، حيث تنصّ النّسخة المُعدّلة من المادة (102) على أن يتولّى رئيس مجلس النواب رئاسة اجتماع المجلس الوطني، (وعند غيابه، يتولّى ذلك رئيس مجلس الشورى، ثمّ النّائب الأوّل لرئيس مجلس النوّاب، ثم النّائب الأوّل لرئيس مجلس الشورى)، فيما تنصّ النّسخة المُعدّلة من المادة (103) على أنه – في غير الحالات التي يتطلّب فيها الدستور أغلبية خاصة – تصدر قرارات المجلس الوطني بأغلبية أصوات الحاضرين، وعند تساوي الأصوات يُرجّح الجانب الذي منه الرئيس.
بناء على التعديلات المذكورة؛ تمّ تعديل المادة رقم (46) التي تنصّ على وجوب تقديم رئيس مجلس الوزراء برنامج الحكومة لمجلس النواب خلال ثلاثين يوماً من أدائها اليمين الدّستوريّة، حيث أضاف التّعديل صلاحيّة الرّقابة المُسبقة على برنامج الحكومة، فبات يتوجّب إقرار البرنامج الحكومي من قبل المجلس، أو إقراره بعد التعديل إنْ تمّ رفضه بعد تقديمه أوّل مرّة. وفي حال رفض مجلس النوّاب البرنامج الحكومي المُعدّل بأغلبيّة ثلثي أعضائه؛ قبلَ الملكُ استقالة الوزارة. وفي حال لم يقر المجلس برنامج الوزارة الجديدة؛ كان للملك أن يحلّ المجلس أو يقبل استقالة الوزارة ويُعيّن وزارة جديدة[19].
كما أضافت التّعديلات شروطًاً لعضويّة مجلسي النواب والشورى، أهمّها أن تكون قد مرّت فترة عشر سنوات على حصول العضو على الجنسيّة البحرينيّة، وألا يحمل جنسيّة أخرى، مع استثناء منْ يحملُ جنسيّة إحدى دول مجلس التّعاون، بشرط أن تكون جنسيّته البحرينيّة بصفةٍ أصليّة. ويحتفظ الملكُ بصلاحيّته في تعيين أعضاء مجلس الشورى بموجب المادة (52)، إلا أنّ النّسخة المُعدّلة تضيفُ أنّ التّعيين يجبُ أن يتمّ وفقاً للإجراءات والضّوابط والطّريقة التي تُحدّد بأمرٍ ملكي[20].
وتحصرُ صلاحيّة مجلس النّواب الرّقابيّة على مساءلة الوزراء بصفةٍ منفردةٍ، كلٌّ عن أعمال وزارته، حيث بإمكان المجلس استجوابهم وطرح الثقة بهم وفقًا للضّوابط الإجرائيّة المُحدّدة في الدّستور. وليس لمجلس النّواب أن يُسائِل أو يطرح الثقة عن رئيس مجلس الوزراء، لكن بإمكانه التّصويت على عدم إمكانيّة التّعاون مع رئيس الوزراء، وبحسب التّعديلات الدّستوريّة لعام 2012م؛ فإنّه لمجلس النّواب وحده اتخاذ قرار عدم التّعاون مع رئيس الوزراء بأغلبيّة الثّلثين، ويرفعُ المجلس قراره للملك ليبتّ فيه؛ فإمّا أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويُعيّن وزارة جديدة أو يحلّ مجلس النّواب. كذلك، فإنّ لمجلس النّواب الحقّ في إبداء رغباتٍ مكتوبةٍ للحكومة في المسائل العامة، وعلى الحكومة بموجب التّعديلات الدّستوريّة أن تردّ كتابيّأ خلال ستة أشهر، وإنْ تعذّر الأخذ بهذه الرّغبات فعليها أن تبيّن أسباب ذلك. كما بات للمجلس طرْح المواضيع العامة للمناقشة واستيضاح سياسة الحكومة في شأنها. كما يحقّ لمجلس النّواب وحده – بموجب التّعديلات الدّستوريّة– توجيه الأسئلة الاستيضاحيّة للوزراء بشأن الأمور الدّاخلة في اختصاصهم[21].
وتمّت إضافة بعض التّعديلات الإجرائيّة للدّستور، فتمّ تعديل المادة (88) لتجيز لرئيس الوزراء إلقاء بيان أمام مجلس النواب أو مجلس الشورى أو إحدى لجانهما عن أيّ موضوع داخل في اختصاصه، أو تفويض أحد الوزراء في ذلك، بحيث يُناقش المجلس أو اللّجنة المعنيّة البيان ويُبدي ملاحظاته بشأنها، لكن دون أن يكون لها صفة إلزاميّة.
وبموجب المادة (36) من الدّستور، يحقّ للملك إعلان الأحكام العرفيّة، أو حالة السّلامة الوطنيّة، لفترةٍ لا تتجاوز الثلاثة أشهر بموجب مرسوم، ولا يشترط موافقة المجلس التشريعي إلا في حال تمديد هذه المدّة. وبحسب التّعديلات الدّستوريّة لعام 2012م؛ فإنّه على الملك أن يتشاور مع رئيسي كلّ من مجلس النّواب والشّورى قبل حلّ المجلس، إلا أنّ التّعديلات لا تُعطي رأيهم صفة الإلزام، كما تنصّ التّعديلات على أن يكون مرسوم الحلّ مسببّاً، وأنه لا يجوز حلّ المجلس لذات الأسباب مرّة أخرى. ويسمحُ الدّستورُ بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكريّة في حال إعلان الأحكام العرفيّة[22].
وينصُّ الدّستور على استقلاليّة القضاء، ويمنع التّدخّل في سيْر العدالة، ويترك للقانون مهمة تنظيم السّلطة القضائيّة. كما ينصّ على إنشاء محكمةٍ دستوريّة تختصّ بمراقبة دستوريّة القوانين واللّوائح[23].
ويؤكّد الدّستورُ على مبدأ صيانة الحقوق والحرّيّات العامة، وينصّ على المساواة بين المواطنين أمام القانون، وحظر التّمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللّغة أو الدّين أو العقيدة، وينصّ على حماية الحرّيّة الشّخصيّة، وحقّ الملكيّة، ويضمن حقّ المحاكمة العادلة، ويحظر التّعذيب المادي أو المعنوي، أو الإغراء، أو للمعاملة الحاطّة بالكرامة، ويُبطل الاعترافات الصّادرة تحت التّعذيب. كما ينصّ الدّستور على حرّية الضّمير، وعلى حماية دُور العبادة وممارسة الشّعائر الدّينيّة بما يتوافق مع العادات المرعية في البلد. ويكفل الدّستور حرّية الرّأي والتّعبير والصّحافة والنّشر، وحرّية المراسلات، وحرّية تكوين الجمعيّات والنّقابات على أسسٍ وطنيّة سلميّة ولأهداف مشروعة، وعلى إباحة الاجتماعات والمواكب العامة، ولكنه يُقيّد ممارسة هذه الحقوق بالشّروط والأوضاع التي يُحدّدها القانون، مما أفسح المجال لإصدار قوانين وضعت قيوداً إجرائيّة ورقابيّة على ممارسة هذه الحقوق، بما في ذلك قانون الصّحافة والطّباعة والنّشر، وقانون الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمّعات، وقانون الجمعيّات السّياسيّة[24].
ويُشترط لتعديل أيّ حكم من أحكام الدّستور أن تتمّ الموافقة على التّعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألّف منهم كلّ من مجلس الشّورى ومجلس النّواب، أو المجلس الوطني بأغلبيّة الثّلثين إذا لم يوافق أيٍّ من المجلسين على مبدأ أو نصّ التّعديل، وأن يُصادِق الملكُ على التّعديل. ويستثني الدّستور من إمكانية التّعديل الأحكام المتعلقة بدين الدّولة ومرجعيّة الشّريعة، والنّظام الملكي، ومبدأ الحكم الوراثي، وكذلك نظام المجلسين ومبادئ الحرّيّة والمساواة المُقرّرة في الدّستور.
- قطر
جاء قرارُ إصدار الدّستور القطري الجديد (دستور قطر الدائم لعام 2004) بمبادرةٍ من أمير قطر الشّيخ حمد بن خليفة آل ثاني عام 1999م ليحلّ محلّ النظام الاساسي المعدل المؤقت لعام1972م، وشكّل أمير قطر لجنةً لإعداد الدّستور، وعيّن أعضاءها كافةً، وبعد ثلاث سنوات رفعت اللجنةُ مشروعَ الدّستور إلى الأمير. وفي 28 أبريل2003م طُرح مشروع الدّستور للاستفتاء العام، حيث كان لجميع المواطنين رجالًا ونساءً ممّن بلغوا سنّ الثّامنة عشرة حقّ التّصويت في الاستفتاء بالبطاقة الشخصية. وقد تضمن التصويت اصوات المجنسين الذين حرمهم قانون الجنسية ذو الصفة الدستورية الصادر لاحقا من عام 2005 من حق ممارسة الحقوق السياسية. وبلغت نسبة الموافقين على مشروع الدّستور96.6 بالمائة من مجموع النّاخبين الذين بلغَ عددهم حوالي 71 ألفًا حسب ما أعلنت وزارة الداخلية التي أشرفت على الاستفتاء، وأصدرَ الأميرُ مشروع الدّستور في 8 يونيو 2004م.
ينصّ الدّستور القطري على أن الشّعب مصدر السّلطات، وعلى الفصل بين السّلطات التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة، مع تعاونها. وفي المقابل، يمنحُ الدّستورُ سلطاتٍ واسعة للأمير، فهو رئيس السّلطة التنفيذية، وقائد القوّات المسلّحة، ويمتلك صلاحيّات رسْم السّياسة العليا للدّولة، والمصادقة على القوانين وإصدارها، وإبرام المعاهدات والاتفاقيّات الخارجيّة، واستفتاء المواطنين دون الرّجوع إلى مجلس الشورى. ويعطي الدستورُ الأميرَ حقّ إيقاف العمل بأيّ قانون يقرّه مجلس الشّورى لمدّةٍ مُحدّدة يُقدّرها الأميرُ عند الضّرورة القصوى وبما يتفق مع المصلحة العليا. إضافة إلى ذلك، يحقّ للأمير أن يتولّى أيّ اختصاصاتٍ أخرى بموجب الدّستور أو القانون، ممّا يفسح المجال لإصدار قوانين تُوسِّع من سلطات الأمير. كذلك يمتلك الأميرُ أعلى سلطة رقابيّة، حيث يمتلك وحده حقّ مساءلة رئيس الوزراء – والوزراء متضامنين – عن السّياسة العامة للدّولة، إضافة إلى محاسبة كلّ وزير عن أعمال وزارته، وله أن يُعلن الأحكام العرفيّة في حدود الضّوابط التي يُحدّدها القانون لفترةٍ “محدودة” لا يجوزُ تمديدها إلا بموافقةِ مجلس الشّورى. ويجوز للأمير حلّ مجلس الشّورى بمرسوم مُسبّب، على أن يتمّ الدّعوة لانتخاباتٍ جديدةٍ خلال ستة أشهر، ولا يجوز حلّ المجلس لذات الأسباب مرّة أخرى[25] .
وينصّ دستورُ قطر على تشكيل مجلس شورى مُكوّن من خمس وأربعين عضواً، منهم ثلاثون منتخبون وخمسة عشر يُعيّنهم الأميرُ، سواء من بين الوزراء أو غيرهم، ليحلّ محلّ المجلس المُعيّن بموجب الدّستور المُؤقت. ويختصّ مجلسُ الشّورى الجديد بمسئوليّة التّشريع، وإقرار الموازنة العامة للدّولة (مع استثناء مُخصّصات الأمير والمساعدات والهبات (المادة 17))، ومراقبة عمل الوزراء ومساءلتهم، كلٌّ عن عمل وزارته. كما للمجلس المُنتخب أن يطرح الثّقة بأيّ وزير بأغلبيّة الثّلثين بعد استجوابه، إلا أنّه لا يملك صلاحيّة الرّقابة على أداء مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء. وبخلاف الكويت والبحرين، لا يعطي الدّستور القطري المجلس أيّ صلاحيّات تمكّنه من اتخاذ قرارٍ بشأن إمكانيّة التّعاون مع رئيس الوزراء من عدمها، وبالتّالي فإنّ سلطة تغيير الحكومة تتركّز بشكلٍ مُطلق في يد الأمير[26].
وينصّ الدّستور على المساواة وحظر التّمييز بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللّغة، أو الدّين. ويكفل الحرّيّة الشّخصيّة وضوابط المحاكمة العادلة ويحظر التّعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة وإبعاد المواطنين. كما ينصّ على حرّية الرّأي والتّعبير والبحث العلمي والصّحافة والطّباعة والنّشر، وحرّية العبادة، وحرّية التّجمع وتكوين الجمعيّات ومخاطبة السّلطات العامة، وحقّ التّرشيح والانتخاب، إلا أنه أيضاً يجعل ممارسة هذه الحقوق رهْن أحكام القانون وضوابطه[27].
وينصّ الدّستور على استقلال القضاء، ويُشكّل مجلساً أعلى للقضاء، يُشرفُ على حُسن سيْر العمل في المحاكم. والجدير بالذّكر، أنّ قانون المحكمة الدّستوريّة كان قد صدر عام 2008م، وأعطى المحكمة صلاحيّة الفصل في المنازعات الدّستوريّة وتفسير نصوص القوانين[28].
وينفردُ دستورُ قطر بصياغةٍ مادته الأخيرة (150) والتي تنصّ على أنّ “يلغي النّظام الأساسي المُؤقّت المُعدّل المعمول به في الدّولة والصّادر في 19/4/1972م، وتبقى سارية الأحكام الخاصة بمجلس الشّورى الحالي إلى أن يتمّ انتخاب مجلس الشّورى الجديد”[29]. وكان أثر هذه المادة أنها أتاحت إرجاء تفعيل فصل السّلطة التّشريعيّة إلى الوقت الذي تُقرّر فيه السّلطة التّنفيذيّة إجراء انتخاباتٍ لمجلس الشّورى، دون تحديد فترةٍ زمنيّةٍ قصوى يتمّ خلالها إجراء انتخابات، مع ما يترتب عن ذلك من إصدار السّلطة التّنفيذيّة – وبصورةٍ منفردة – أهم القوانين التي تُعنى بتنظيم ممارسة الحقوق والحرّيّات العامة، وتُحدّد قواعد التّقاضي وإجراءات بتنظيم الانتخابات وتوزيع الدّوائر الانتخابيّة، وخاصة أنّ الدّستور لا يُلزم السّلطة التّنفيذيّة بعرْض هذه القوانين على المجلس التّشريعي بعد انتخابه.
ويُذكر أن قطر مدّدت لمجلس الشّورى المُعيّن لثلاث سنوات إضافية بدءًا من عام 2010م، ومن ثم أعلن أمير قطر في نوفمبر2011م؛ أنه سيتمّ إجراء أوّل انتخابات تشريعية بحلول منتصف عام 2013م. مع ذلك، فإنّه لم يصدر حتى الآن قانون الانتخاب للمجلس التشريعي في قطر، رغم أنّ مجلس الشّورى المُعيّن كان قد أقرّ، بالإجماع، قانونًا للانتخابات، يقضي بمنح حقّ الانتخاب والترشيح للمواطنين القطرين “بصفة أصلية”، ممّن يبلغون سنّ الثامنة عشرة فما فوق، مع عدم النّص بشكلٍ صريح على مشاركة المرأة من عدمها.
ويُشترط لتعديل الدّستور موافقة مجلس الشّورى بأغلبية الثّلثين ومُصادقة الأمير، ولا يمكن طلب تعديل الأحكام الخاصة بحكم الدّولة ووراثته أو الأحكام المتعلقة بالحقوق والحرّيّات، إلا لغرض منح المزيد منها.[30]
- الإمارات العربيّة المتّحدة
أصدرَ المجلس الاتحادي لدولة الإمارات العربيّة المتحدة الدّستورَ الاتّحادي المُؤقت عام 1972م، وفي عام 1996م قرّر المجلس الأعلى تحويل الدّستور المُؤقت إلى دستورٍ دائم، فأصدره بإرادةٍ منفردةٍ دون أيّ تغيير جوهري يذكر. وللمجلس الأعلى وحده حقّ تعديل الدّستور بأغلبية أعضائه.
ويختلف دستورُ دولة الإمارات عن دساتير كلٍّ من الكويت والبحرين وقطر بأنه لا يفصل بين السّلطات التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة، ويكتفي بالنّصّ على استقلال القضاء. ويُركّز الدّستورُ بشكل أساسٍ على الفصل بين سلطات المستوى الاتّحادي ومستوى الإمارات المُختلفة، فيُبيّن صلاحيّات السّلطة الاتّحاديّة ويترك كلّ ما عداها في يد سلطات كلّ إمارة. ويُؤسّسُ خمس هيّئات اتحاديّةٍ أساسيّة تتشاركُ في المهام التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة بدرجاتٍ متفاوتة:
- المجلس الأعلى للاتحاد: ويضمُّ حكّام الإمارات السّبع، وهو أعلى سلطة في الإمارات ورأس السّلطة التّنفيذيّة الاتحاديّة، ويتولّى رسْم السّياسات العامة الاتّحاديّة. ويمتلكُ المجلسُ صلاحيّة التّشريع فله أن يصدر القوانين بعد استشارة المجلس الوطني، كما له صلاحيّة حلّ المجلس الوطني، وله كافة الصّلاحيّات الرّقابيّة على عمل مجلس الوزراء الاتّحادي.[31]
- رئيس الاتّحاد ونائبه: وينتخبهما المجلسُ الأعلى للاتّحاد من بين أعضائه لولايةٍ مدّتها خمس سنوات، ويجوز إعادة انتخابهما. ولرئيس الاتّحاد اختصاصات تنفيذيّة واسعة، فهو يترأّس المجلس الأعلى الاتّحادي ويُعيّن رئيس مجلس الوزراء، ويعفيه بعد موافقة المجلس الأعلى، كما يُعيّن الوزراء ويُعفيهم بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء، ويُشرف على تنفيذ القوانين والقرارات الاتّحاديّة، وله سلطة العفو وتخفيف العقوبات، كما له أن يُمارس أيّ صلاحيّاتٍ أخرى يُخوّلها له المجلس الأعلى الاتّحادي، أو تُخوّل له بمقتضى الدّستور أو القوانين الاتّحاديّة[32].
- مجلس الوزراء الاتّحادي: ويُمثّل الهيئة التّنفيذيّة للاتحاد، ويعمل تحت إشراف ورقابة رئيس الاتّحاد والمجلس الأعلى، كما له صلاحيّة اقتراح القوانين الاتّحاديّة[33].
- المجلس الوطني للاتحاد: ويضمّ أربعين عضواً مُوزّعين على الإمارات المختلفة، وينصّ الدّستور على أن تُحدّد كلّ إمارة طريقة اختيار ممثليها. وقد تمّ انتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني لأوّل مرّةٍ في تاريخ الإمارات عام 2006م من قبل هيئات ناخبة تضم عدداً من المواطنين، يُحدّد أعضاءها حكّام الإمارات المختلفة. ويذكر أن عدد أعضاء الهيئات الناخبة قد تمّ مضاعفته عام 2011 حيث يبلغ عدد النّاخبين اليوم 12 ألفًا موزّعين على النحو التالي: أبوظبي 2400 ناخب، وعدد مقاعدها في المجلس ثمانية، ومثلها دبي، والشارقة 1800 ناخب ولها ستة مقاعد، ومثلها رأس الخيمة. أما عجمان وأم القيوين والفجيرة فلكلّ منها 1200 ناخب، وأربعة أعضاء في المجلس لكلّ إمارة.
ويختصّ المجلسُ الوطني بمناقشة القوانين الاتّحاديّة التي تُعْرض عليه من قبل مجلس الوزراء، بما في ذلك مشاريع القوانين الماليّة، وله أن يُوافق عليها أو يُعدّلها أو يرفضها. إلا أنّ دوره في هذا الشأن هو استشاري فقط، وغير ملزم. وليس للمجلس صلاحيّات رقابيّة[34].
- القضاء الاتّحادي: وينصّ الدّستور على استقلاله كما يُشكّل محكّمة اتّحاديّة عُليا، ومحاكم ابتدائيّة، ويفصل بين اختصاصاتها[35].
وينص بابُ الحقوق والحرّيّات العامة على المساواة أمام القانون، وعدم التّمييز بين المواطنين بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدّينيّة أو المركز الاجتماعي، إلا أنه لا يأتي على ذكر التمييز بسبب الجنس. كما يحظر التّعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة، وينصّ على ضمان حقّ المحاكمة العادلة، وحرّية التّنقل، وحرّية الرّأي والتّعبير والمراسلات والقيام بشعائر الدّين، وحرّية الاجتماع وتكوين الجمعيّات والتّقاضي، إلاّ أنه – مثل بقيّة دساتير الخليج – يجعل ممارسة هذه الحقوق مرهوناً بالضّوابط التي يُحدّدها القانون[36].
- عمان
كانت سلطنة عُمان آخر دولةٍ في الخليج تتبنّى نظاماً أساسيّاً، حيث أصدر السلطان قابوس بن سعيد مرسوماً بالنّظام الأساسي لسلطنة عمان في 6 نوفمبر 1996م وبمبادرةٍ منفردة، ولا يمكن بموجب النّظام الأساسي إجراء أيّ تعديل عليه إلا بمرسومٍ يصدره السّلطان[37].
ولا ينصّ النّظام الأساسي على الفصل بين السّلطات، بل يكتفي بالنصّ على استقلاليّة القضاء. كما ينصّ النّظامُ الأساسي على تشكيل “مجلس عمان” والذي يضمّ مجلس شورى منتخب، ومجلس دوّلة معيّن.[38]
ويُعطي النّظام الأساسي صلاحيّاتٍ شبه مطلقة للسّلطان، فهو رئيس الدّولة وقائد القوّات المسلّحة، وذاته مصونة لا تُمس، وأمره مُطاع، وله صلاحيّة رئاسة مجلس الوزراء، أو تعيين رئيس مجلس الوزراء وإعفائه من منصبه، وتعيين نوّاب رئيس مجلس الوزراء والوزراء وإعفائهم، وإصدار القوانين والتّصديق عليها، وتوقيع المعاهدات والاتفاقيّات الدّوليّة وإصدارها، وتعيين كبار القضاة وإعفائهم، وإصدار العفو أو تخفيف العقوبة[39].
وفي 11 أكتوبر2011م؛ أصدرَ السّلطانُ مرسوماً بتعديل بعض أحكام النّظام الأساسي، وإعطاء بعض الصّلاحيّات التّشريعيّة والرّقابة لمجلس عمان، وذلك بعد الاحتجاجات التي شهدتها السّلطنة خلال عام 2011م. وكان أبرز التّعديلات هو تعديل المادة (6) من النّظام الأساسي، والتي تُحدّد طريقة اختيار سلطان جديد بعد شغور المنصب. تنصّ المادة المُعدّلة على أن يقوم مجلس العائلة الحاكمة باختيار سلطان للبلاد خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السّلطان، وإنْ لم يتم ذلك، يقوم مجلس الدّفاع بحضور رئيسي مجلس الدّولة والشّورى، وبحضور رئيس المحكمة العليا وأقْدم اثنين من نوّابه بتثبيت الشّخص الوارد اسمه في وصيّة السّلطان، وكان مجلس الدّفاع وحده في السّابق يختصّ بتثبيت منْ وردَ اسمه في الوصيّة[40].
كما تُحدّد تعديلات المادة(58) الأحكام المتعلّقة بعضويّة مجلسي الدّولة والشّورى، بما في ذلك إجراءات وضوابط تعيين أعضاء مجلس الدّولة، وترشّح وانتخاب أعضاء مجلس الشورى، وفترات انعقاد المجلسين، وآليات عقد اجتماعاتهما وتصويتهما. ولا يُحدّد النّظامُ التّأسيسي عدد أعضاء المجلسين، إلا أنّ التّعديلات تنصّ على ألا يتجاوز عدد أعضاء مجلس الدّولة المُعيّن عدد أعضاء مجلس الشّورى المُنتخب. ويضمّ مجلس الشّورى بموجب التّعديلات عضواً واحداً عن كلّ ولايةٍ لا يتجاوز سكّانها الثلاثين ألفًاً في تاريخ فتح باب التّرشيح وعضوين متى تجاوز عددُ سكّان الولاية هذا الحدّ في ذات التاريخ[41]. ويُذكر أنّ مجلس الشّورى الحالي يضمّ أربعا وثمانين عضواً، بينما يضمّ مجلس الدّولة ثلاثاً وثمانين عضواً.
شملت تعديلات المادة(58) كذلك إعطاء مجلس عمان بغرفتيه صلاحيّات تشريعيّة، بعد أن كان مؤسّسة استشاريّة لا تُقدّم سوى مرئيّات وتوصيّات غير مُلزمة. فيتعيّن الآن أن تُحال مشاريع القوانين التي تعدّها الحكومة إلى مجلس عمان (الشورى والدّولة) لإقرارها أو تعديلها ثم رفعها مباشرة إلى السّلطان لإصدارها، وفي حال إجراء تعديلات من قبل المجلس على مشروع القانون؛ فللسلطان أن يردّه إلى المجلس لإعادة النّظر في تلك التّعديلات ثم رفعه ثانية إلى السّلطان. ولا يُحدّدُ النّظامُ الأساسي مصير القانون في حال عدم التّوافق بين المجلس والسّلطان على التّعديلات. كما أن صلاحيّة إقرار القوانين تستثني مشاريع الاتفاقيّات الدّوليّة، فيكتفي النّظام الأساسي بالسّماح بإحالة مشاريع الاتفاقيّات الاقتصاديّة والاجتماعيّة إلى مجلس الشّورى لإبداء مرئيّاته بشأنها وعرضها على مجلس الوزراء. وللسلطان، بموجب التّعديلات، أن يصدر مراسيم سلطانيّة لها قوّة القانون فيما بين أدوار الانعقاد وخلال فترة حلّ مجلس الشورى وتوّقف جلسات مجلس الدّولة، دون أن يُحدّد إلزاميّة إقرارها أو التّصديق عليها من قبل المجلسين بعد انعقادهما[42].
كذلك منحت تعديلات المادة (58) مجلس عمان بغرفتيه حقّ اقتراح مشاريع القوانين، وإحالتها للحكومة لدراستها وإعادتها للمجلس لإقرارها أو تعديلها وإصدارها. كما نصّت على أن تُحال مشروعات خطط التّنمية والميزانيّة السّنويّة للدّولة لمجلس الشّورى ثم مجلس الدّولة لمناقشتها وتقديم التّوصيّات بشأنها. إلاّ أنّ هذه التّوصيّات ليست مُلزمة للحكومة، وتكتفي التّعديلات بإلزام مجلس الوزراء أن يخطر المجلسين بما لم يأخذ به من توصياتهما في هذا الشّأن مع بيان الأسباب.
كما منحت التّعديلات مجلس الشّورى صلاحيّات رقابيّة محدودة، حيث بات بإمكانه الآن أن يستجوب بعض الوزراء (وزراء الخدمات فقط) في الأمور المتعلّقة بتجاوز صلاحيّاتهم بالمخالفة للقانون، ومناقشة ذلك ورفع نتيجة ما يتوصّل إليه في هذا الشّأن إلى السّلطان. كما على وزراء الخدمات تقديم تقارير سنويّة عن مراحل تنفيذ المشاريع الخاصة بوزاراتهم، وللمجلس دعوة أيّ منهم لتقديم بيانٍ عن الأمور الدّاخلة في اختصاصه ومناقشته فيها[43].
ويضمّ النّظام الأساسي موادّ تنصّ على حماية الحقوق والحرّيّات العامة، مثل الحرّيّة الشّخصيّة وحرّيّة الرّأي والتّعبير وحرّية الصّحافة والطّباعة والنّشر والاجتماع، وحرّية تكوين الجمعيّات على أسسٍ وطنيّة وسلميّة، في حدود الضّوابط التي يبيّنها القانون[44].
- المملكة العربيّة السّعوديّةالمملكة العربيّة السّعوديّة
أصدر الملكُ فهد بن عبد العزيز آل سعود النّظام الأساسي للحكم في المملكة العربيّة السّعوديّة عام 1992م. وقد صاغت مسوّدة النّظام الأساسي لجنة تمّ تشكيلها بأمرٍ ملكي، ثم صدرَ النّظام بأمرٍ ملكي. ويتمّ تعديل النّظام الأساسي بأمر ملكي أيضاً. وبالمقارنة مع دساتير باقي دول مجلس التّعاون، فإنّ النّظام الأساسي السّعودي هو الأقل تفصيلاً، حيث يقتصرُ على عددٍ من المبادئ العامة والخطوط العريضة التي تغطي شكّل الدّولة ونظام الحكم فيها وهوّيتها، ومقوّمات المجتمع السّعودي، والحقوق والواجبات العامة، والمبادئ الاقتصاديّة والشّئون الماليّة، وأجهزة الرّقابة ومسئولياتها بشكل عام. ويحملُ النّظام الأساسي للمملكة العربيّة السّعوديّة سمات الدّستور شكليّاً، إلا أنّ مادّته الأولى تنفي عنه صفة الدّستوريّة، حيث تنصّ على أنّ دستور المملكة هو القرآن والسّنة[45].
وبحسب النّظام الأساسي، فإنّ المملكة العربيّة السّعوديّة تتخذ من القرآن والسّنة مصدراً للأحكام والتّشريع وتنظيم الدّولة، كما تستمدّ شرعيّتها وسيادتها من مرجعيّة الإسلام، بدلاً من الشّرعيّة الشّعبيّة التي تتجلّى عادة في النّصوص الدّستوريّة التي تجعل من الشّعب مصدراً للسّلطات. ويُحدّد النّظام الأساسي أنواع السّلطات في النّظام السّعودي، وهي السّلطة القضائيّة والسّلطة التنفيذيّة والسّلطة التّنظيميّة. ولا يوجد سلطة تشريعيّة، إذ أنّ النّظام ينصّ على أنّ التّشريع إلهي مصدره الكتاب والسّنة. كما ينصّ على استقلال القضاء عن أيّ سلطةٍ أخرى غير سلطة الشّريعة الإسلاميّة[46].
وبخلاف دساتير باقي دول مجلس التّعاون لم يكتف النّظام الأساسي السّعودي بذكر مرجعيّة الشّريعة الإسلاميّة في سياق التّشريع، بل نصّ في مادّته السّابعة على أن الكتب والسّنة هما الحاكمان على النّظام الأساسي وكافة الأنظمة الأخرى. كذلك تحتوى جميع المواد التي تصفّ هيكليّة مؤسّسات الدّولة ومبادئ الحكم على مصطلحات تُسبغ عليها صفة الشّرعية الإسلاميّة.[47]
وينصّ النّظام الأساسي على أن نظام الحكم في المملكة العربيّة السّعوديّة هو نظام ملكي وراثي، وأن الملك هو رئيس الحكومة، ويبايعه المواطنون على كتاب الله وسنّة رسوله وعلى السّمع والطّاعة، وأنّ الحكم يستمدّ سلّطته من كتاب الله وسنّة رسوله، ويقوم على أساس العدل والشّورى والمساواة وفق الشّريعة الإسلاميّة[48].
وللملك بموجب النّظام الأساسي صلاحيّات مطلقة، فهو رئيس مجلس الوزراء، ويُعيّن ويُعفي الوزراء بأمر ملكي، ويرسم السّياسات العامة، ويضع الأنظمة واللّوائح ويبرم المعاهدات ويصدرها، ويعيّن القضاة ويُعفيهم، وينفّذ أحكام القضاء، وهو قائد القوّات العسكريّة[49].
وينصّ النّظام الأساسي على تشكيل مجلس للشّورى[50]. ويُنظم عمل مجلس الشّورى نظام منفصل(نظام مجلس الشورى) الذي أُصدر عام 1992 ثم تمّ تعديله عام 2003م، وبموجبه يتمّ تشكيل المجلس من 150 عضواً، ويُعيّنون بأمر ملكي. وللمجلس أن يُبدي رأيه في السّياسات العامة للدّولة، ويناقشُ الخطط العامّة والأنظمة واللّوائح والاتفاقيّات والمعاهدات والتّقارير السّنويّة الحكوميّة، ويُبدي الرّأي بشأنها بصفةٍ استشاريّة. وليس للمجلس صلاحيّات رقابيّة، فالوزراء مساءلون أمام الملك وحده.
وكانت عضوية مجلس الشّورى تقتصرُ على الرّجال حتى عام 2013م، حيث أصدرَ الملكُ أمرين ملكيين في 11 يناير 2013م نصّ أوّلهما على تعديل كلّ من المادة الثّالثة من نظام الشّورى، لتُحدِّد نسبة تمثيل المرأة بما لا يقلّ عن 20% من أعضاء المجلس البالغ عددهم 150 عضواً بخلاف الرئيس، والمادة الثّانية والعشرين لتنصّ على مراعاة مشاركة المرأة في اللّجان، والتأكيد على التزام المرأة العضو بضوابط الشّريعة الإسلاميّة في عضويّتها.
أمّا الأمر الملكي الثّاني فقد نصّ على تعيين أعضاء مجلس الشّورى، وضمّ ثلاثين امرأة لعضويته[51].
ويضمن النّظام الأساسي السّعودي حقّ الأمن، وحرّية التّنقل، وحرمة المسكن، وسرّيّة المراسلات، وحقّ التّعليم والعمل، والملكية. إلا أنه – وبخلاف باقي دساتير دول مجلس التّعاون – لا يحتوي على أيّ ضماناتٍ بشأن حرّية الاعتقاد، أو ممارسة الشّعائر الدّينيّة، أو حرّية التّعبير أو المساواة بين المواطنين. كما لا يذكر حرّية العمل السّياسي أو تشكيل النّقابات أو الجمعيّات السّياسيّة أو التعبير عن الرّأي السّياسي، بأيّ شكل من الأشكال. كما أنه لا يحتوي على أيّ ضماناتٍ بشأن منع التّعذيب أو سوء المعاملة[52].
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا
[1] الكوّاري، المصدر نفسه، (2007)، ص 2-4
[2] راجع: حسن السيد، “الدستور الديمقراطي المنشود لدول مجلس التعاون“، الجماعة العربيّة للديمقراطية (2011): http://arabsfordemocracy.org/uploads/أوراق%20للنشر%20بالمكتبة%20غير/H_Eslayed_Const_GCC.pdf
[3] يُعدّ دستور 1963 رابع دستور في تاريخ الكويت، حيث صدر أوّلُ دستور في تاريخ الكويت عام 1921، تلاه دستور 1938، ثم النّظام الأساسي المؤقّت لعام 1961.
[4] راجع: “مسيرة الحياة الديمقراطية في دولة الكويت“، يونيو 2011، الفصل الثاني: “الحكم الدّستوري والمسيرة البرلمانية – دستور دولة الكويت: http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=1710
[5] راجع: “محاضر المجلس التأسيسي“، موقع مجلس الأمة الكويتي: http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=1568
[6] راجع: “دستور دولة الكويت”، لعام 1962، المواد 4، 6، 50، http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=4
[7] راجع: المصدر نفسه، المواد 51 – 58، 67، 107 http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=4
[8] راجع: المصدر نفسه، المواد 65 – 66، 135 – 151، http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=4
[9] راجع: المصدر نفسه، المادة 102، http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=4
[10] راجع: “قانون الانتخاب“، (رقم 35 لعام 1962) وتعديلاته، المادة 1، http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=39
[11] راجع: “قانون رقم 14 لسنة 1973بإنشاء المحكمة الدستورية“، http://law.kuniv.edu.kw/mashael/law%20(22).doc
[12] راجع: “دستور دولة الكويت“، لعام 1962المواد 27 – 49، http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=4
[13] راجع: المصدر نفسه، المواد 174 – 176، http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=4
[14] راجع: حسن رضي وآخرون، “الرّأي في المسألة الدّستوريّة” – دستور مملكة البحرين (31 أغسطس 2002): http://www.gulfpolicies.com/index.php?option=com_content&view=article&id=765:2012-02-06-15-44-27&catid=147:2011-04-09-07-47-31
[15] المصدر نفسه.
[16] راجع: “دستور مملكة البحرين”، لعام 2002 وتعديلاته، المواد 33-35، و41
[17] راجع: “الوفاق تنسحب نهائيًا من حوار التوافق الوطني”، 19 يوليو 2011، http://alwefaq.net/index.php?show=news&action=article&id=5748
[18] راجع: “دستور مملكة البحرين“، لعام 2002 وتعديلاته.
[19] المصدر نفسه.
[20] المصدر نفسه.
[21] المصدر نفسه.
[22] المصدر نفسه.
[23] المصدر نفسه.
[24] المصدر نفسه. راجع أيضاً: “قانون الصحافة والطباعة والنشر”، (رقم 47 لعام 2002)، و”قانون الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات“، (رقم 18 لعام 1973 وتعديلاته)، و”قانون الجمعيات السياسية“، (رقم 26 لعام 2005) المتوفرة على الصفحة الإلكترونية لهيئة التشريع والإفتاء القانوني البحرينيّة: http://www.legalaffairs.gov.bh/
[25] راجع: “دستور دولة قطر“، لعام 2004، المواد 59 – 68 http://www.diwan.gov.qa/arabic/Qatar/constitution.htm
[26] المصدر نفسه، المواد 76 – 116
[28] المصدر نفسه، المواد 129 – 140
[29] المصدر نفسه، المادة 150
[30] المصدر نفسه، المواد 144 – 146
[31] راجع: “دستور دولة الإمارات العربية المتحدة“، لعام 1996، المواد 46 – 50. http://www.uaecabinet.ae/Arabic/UAEGovernment/Pages/constitution_1_4.aspx
[32] المصدر نفسه، المواد 51-54
[33] المصدر نفسه، المواد 55-67
[34] المصدر نفسه، المواد 68-93
[35] المصدر نفسه، المواد 94-109
[36] المصدر نفسه، المواد 25 – 44
[37] راجع: “النّظام الأساسي لسلطنة عمان“، المادة 81، http://mola.gov.om/legals/alnethan_alasasi_leldawlah/leg.pdf
[38] المصدر نفسه، المواد 58 – 61
[39] المصدر نفسه، المواد 41 – 54
[40] راجع: “مرسوم 99/2011 بتعديل بعض أحكام النظام الأساسي في الدولة“، http://www.mola.gov.om/maraseem/948/99-2011.pdf
[41] راجع: المصدر السّابق.
[42] راجع: المصدر السّابق.
[43] راجع: المصدر السّابق.
[44] راجع : “النظام الأساسي لسلطنة عمان“، المواد 15 – 40
[45] راجع: “النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية“، المادة 1، http://www.shura.gov.sa/wps/wcm/connect/shuraArabic/internet/Laws+and+Regulations/The+Basic+Law+Of+Government/Chapter+One/
[46] راجع: المصدر نفسه، المواد 44 – 46
[47] راجع: المصدر نفسه: المادة 7
[48] راجع: المصدر نفسه، المادة 5-8
[49] راجع: المصدر نفسه، المادة 5 و55 – 66
[50] راجع: المصدر نفسه، المادة 68
[51] راجع الأمر الملكي رقم رقم أ / 45 بتاريخ 29/2/1434هـ، http://www.mofa.gov.sa/m/ar/info/Pages/viewarticle.aspx?pageurl=/ServicesAndInformation/news/statements/Pages/ArticleID201311118937344.aspx
[52] راجع: “النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية“، المواد 23 – 43 http://www.shura.gov.sa/wps/wcm/connect/shuraArabic/internet/Laws+and+Regulations/The+Basic+Law+Of+Government/Chapter+One/
رابط المصدر: