جيمس ستافريديس
كنت – قبل بضعة شهور – حاضراً في مختبر الفيزياء التطبيقية الملحق بجامعة «جونز هوبكنز» في ضواحي ولاية ماريلاند، حيث أعمل زميلاً بارزاً لدى مختبرات الجامعة. وكانت هناك كوكبة من كبار جنرالات الجيش الأميركي المتقاعدين من فئة النجوم الأربع البارزة، كي نتابع جميعاً معركة (جوية) بأسلوب المحاكاة الحاسوبية المتقدمة. ولكنَّها كانت معركة ذات طابع فريد للغاية، إذ كانت تدور بين العنصر البشري وبين الآلة.
اتخذت مجلسي إلى جوار الأدميرال البحري المتقاعد جون ريتشاردسون – الذي كان حتى خريف العام الماضي رئيس العمليات البحرية، وكان هو أعلى ضابط مسؤول في الأسطول البحري الأميركي. وكانت الشكوك تساورنا سوياً، أثناء متابعة المحاكاة، بأنَّ برنامج الذكاء الصناعي الذي من المفترض أن يقود إحدى الطائرات المقاتلة الافتراضية سوف يكون قادراً على التغلب على قدرات الطيار المقاتل البشري، وكان يحمل إشارة النداء «بانجر»، المستمدة من مكافئ القوات الجوية لبرنامج تعليمات التكتيكات القتالية الفائقة بقوات البحرية الأميركية.
وبحق، لقد كان مزيجاً بالغ الروعة من تطوير البرمجيات العسكرية، والذكاء الصناعي، والنمذجة الإلكترونية، والمحاكاة الحاسوبية، إلى جانب ديناميات الطائرات المقاتلة وأدوات التحكم، فضلاً عن الإنتاج المتطور للغاية لعروض الفيديو المصاحبة. لقد شعرت وكأنني أشاهد حدثاً رياضياً بالغ الإثارة والروعة. لقد لاحظنا جميعاً عدداً معتبراً من الملاحقات الجوية، وكان الطيار البشري قابضاً بيديه على مثل الجمر أثناء المحاكاة، بيد أنه خسر بعض الملاحقات في أغلب الأحيان لصالح المحاكي الحاسوبي فائق الذكاء.
كان من الواضح أمامنا بمرور الوقت، مع تقدم مجريات العرض التقديمي أنَّ كيان الذكاء الصناعي المناوئ – الذي كان متخذاً لوضعية التعلم الآلي على الدوام – لا يواصل التحسين من قدراته فحسب، وإنما أصبح سابقاً بامتلاكه عنصر الهيمنة على الملاحقات الجوية. ومع نهاية العرض التقديمي المشوق، اتفق رأيي مع الأدميرال المتقاعد ريتشاردسون، على أنَّ الذكاء الصناعي بإمكانه التغلب وهزيمة العنصر البشري في كل معركة افتراضية تنشأ بينهما. ولقد كان عزاؤنا الوحيد أنَّ الطيار المقاتل في القوات البحرية، ربما يمكنه الاستمرار لفترة أطول من أفضل طيار مقاتل في القوات الجوية الأميركية. لكن فيما بيننا وبين أنفسنا، أضمرنا شكوكاً قوية بأنَّ الأمر سوف يكون على هذا النحو في الواقع الحقيقي.
ومنذ ذلك الحين، دخلت تلك المنافسة المهمة، التي اتخذت مسمى «ألفا دوغ فايت ترايلز» – أو «محاكيات ألفا للملاحقات الجوية»، وصارت تحت إدارة وإشراف وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، في سلسلة من الفعاليات الإضافية الجديدة، تلك التي بلغت أوجها من خلال خمس منافسات أخرى بين الذكاء الصناعي في مواجهة الطيار المقاتل البشري صاحب الاسم التقني «بانجر» على محاكي الطائرة المقاتلة طراز «إف – 16»، التي جرت مؤخراً (حُجب الاسم الحقيقي للطيار البشري «بانجر» لاعتبارات أمنية، وربما لحمايته من المضايقات المزعجة من جانب زملائه في السرب الجوي التابع له).
لقد كانت تلك المنافسات وسيلة من أفضل الوسائل لتسليط الأضواء على أهمية إمكانات الذكاء الصناعي في القتال الجوي، كما أفسحت المجال أمام الشركات التجارية لدخول مجال المنافسات في عالم الذكاء الصناعي.
وتمخضت المنافسة بين الشركات التجارية الخاصة عن فوز شركة تدعى «هيرون سيستمز»، وهي شركة صغيرة من ولاية ماريلاند، اتسمت برامجها بقدر كبير للغاية من الصرامة والدقة العالية، مكنتها من التفوق والظهور على أقرانها من ثماني شركات تقنية أخرى، تلقت جميعها الدعوة للمشاركة من قبل وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية. تجدر الإشارة إلى ملاحظة عدد لا بأس به من المحاذير في منجزات الذكاء الصناعي، من شاكلة أن الحاسوب كان يملك معلومات مثالية في الوقت الفعلي، وهو الأمر الذي لا يحدث على الإطلاق في القتال الجوي الحقيقي، وكذلك أن الطيار البشري المقاتل لم يكن يقود طائرة مقاتلة حقيقية، وإنما كان يدير الملاحقات الجوية من داخل جهاز للمحاكاة.
وعلى رغم ذلك، فلقد كانت تلك اللحظة من أهم وأبرز اللحظات على الإطلاق، وهي على العكس تماماً من حاسوب «ديب بلو» الذي أنتجته شركة «آي بي إم» الأميركية، الذي تمكن من هزيمة غاري كاسباروف – الروسي البارع بطل العالم في لعبة الشطرنج في عام 1997، أو ماكينة الذكاء الصناعي التي تمكنت من هزيمة البطل الصيني كي جايي في لعبة «غو» للذكاء في عام 2017، فهل ولَّت أيام أبطال الأفلام السينمائية البديعة من شاكلة «غووز»، أو «مافريك»، أو «توب جن»؟ بيد أن التساؤل الأولى بالأهمية في هذا السياق هو: إلى أين تتجه منافسات الذكاء الصناعي فيما بين الولايات المتحدة والصين، التي يمكن للميزات القتالية المكتسبة من ورائها أن تؤثر بصفة مباشرة على العمليات العسكرية الجارية في بحر الصين الجنوبي، وفي غيرها من الأماكن الأخرى؟
أولاً، لا يزال فارق كبير في الأفق بين محاكيات الحواسيب المتطورة داخل المختبرات العلمية المغلقة، وبين انتقال الذكاء الصناعي لتولي مهام السيطرة الكاملة على طائرة نفاثة مقاتلة، تبلغ قيمتها ما يقرب من 50 مليون دولار وإرسالها منفردة من دون طيار بشري في معركة ملاحقة جوية حقيقية – والتي توصف بأنَّها أخطر المهام المحمولة جواً، وأكثرها تعقيداً من الناحية العسكرية المحضة.
وبالإضافة إلى تناول مسألة غموض «ضباب الحرب» بالكثير من الأهمية، فإنَّ المقدرة الهندسية المؤهلة لتولي نظام الذكاء الصناعي السيطرة الكاملة داخل قُمرة القيادة في الطائرات المقاتلة لا تزال بعيدة المنال. ومن شأن عمليات تطوير، واختبار، وانتشار أنظمة الذكاء الصناعي ذات المقدرة الكاملة أن تتم في الطائرات المسيرة من دون طيار في المقام الأول، ثم التوجه إلى أنظمة الإمدادات اللوجستية، وتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود في الجو، ثم الانتقال إلى منصات الهجوم البري، وذلك قبل الوصول إلى أنظمة القتال الجوي المباشر.
بيد أنَّ المنافسة العالمية في مجال الذكاء الصناعي بالغة الاحتدام والشراسة. ولقد ركز السيد إريك شميدت – وهو الرئيس الأسبق لشركة «غوغل» العملاقة – على هذه القضايا بالنيابة عن وزارة الدفاع الأميركية، في فترة من الفترات، لقد أبلغني بصفة شخصية بأنَّ التفوق الذي كانت تحظى به الولايات المتحدة على الصين في هذا المضمار، بات في تضاؤل مستمر، بل وسريع، من الفارق المقدر بالسنوات فيما سبق، إلى مجرد شهور فاصلة فيما بينهما في الآونة الراهنة. ومن بواعث القلق الكبيرة أنَّ الجانب الصيني ربما يتمكن من التفوق على نظيره الأميركي في كافة مجالات الأبحاث والتطوير السابقة، من خلال نظام التجسس الصناعي الفعال الذي تعتمد عليه الحكومة الصينية اعتماداً كبيراً. وعلى نحو مماثل، تقطع روسيا أشواطاً معتبرة في امتلاك قدرات الذكاء الصناعي، على الرغم من أنها لا تزال متأخرة في ذلك بقدر كبير عن الولايات المتحدة وعن الصين. أما بالنسبة إلى القوى العسكرية الأقل حجماً – من شاكلة المملكة المتحدة، أو فرنسا، أو المملكة العربية السعودية، أو الهند، أو إسرائيل – فإنَّها تملك اهتماماً كبيراً بامتلاك تلك القدرات ذات الأهمية، ناهيكم عن ذكر إيران بطبيعة الحال.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن تداعيات الذكاء الصناعي الراهنة، تبعث إلى الذكرى آثار السباق الفضائي المحتدم الذي ذاعت أخباره في أرجاء العالم بأسره في ستينيات القرن الماضي. غير أن وزارة الدفاع الأميركية لن تستطيع امتلاك قصب السبق في هذا المضمار، إن تحركت صوبه منفردة: إذ ينبغي عليها العثور على أفضل الطرق وأمثلها لمواصلة العمل بصورة تعاونية مع كيانات وادي السيليكون التقنية في الولايات المتحدة. مع تعزيز اعتبارات الأمن السيبراني، نظراً لأنَّ كافة هذه النظم سوف تكون معرضة – بوسيلة أو بأخرى – إلى الهجمات السيبرانية الشرسة. مع الأخذ في الاعتبار كيفية دمج إمكانات الذكاء الصناعي مع الأنشطة المُدارة بالعنصر البشري، لا سيما قوات العمليات الخاصة في القوات المسلحة. ومن شأن ذلك أن يتطلب من وزارة الدفاع الأميركية – ذات القدرات الهائلة والإمكانات الفائقة – أن تتحلَّى بقدر كبير من الابتكار، والذكاء، والمرونة في المستقبل القريب.
إنَّ لعبة «غو» والشطرنج هي مجرد ألعاب للذكاء. ويعد برنامج الذكاء الصناعي الذي يتمكن من هزيمة العنصر البشري، مجرد نسخة باعثة على التسلية في يوم تخيم عليه الأنباء المملة والمثيرة للضجر، لكن عندما ينجح في توفير ميزة حقيقية قابلة للقياس في خضم العمليات القتالية بالغة التعقيد، فلا بدَّ وأن نولي الأمر ما يستحقه من الانتباه والاهتمام، مع مواصلة إدراكنا لما يستجد من تحديات مقبلة ولازمة الحدوث. ومن شأن الطيار المقاتل «بانجر» أن يواصل الطيران القتالي لعدد من السنوات المقبلة، ولكنه لن يتمكن من الطيران إلى الأبد.
اتخذت مجلسي إلى جوار الأدميرال البحري المتقاعد جون ريتشاردسون – الذي كان حتى خريف العام الماضي رئيس العمليات البحرية، وكان هو أعلى ضابط مسؤول في الأسطول البحري الأميركي. وكانت الشكوك تساورنا سوياً، أثناء متابعة المحاكاة، بأنَّ برنامج الذكاء الصناعي الذي من المفترض أن يقود إحدى الطائرات المقاتلة الافتراضية سوف يكون قادراً على التغلب على قدرات الطيار المقاتل البشري، وكان يحمل إشارة النداء «بانجر»، المستمدة من مكافئ القوات الجوية لبرنامج تعليمات التكتيكات القتالية الفائقة بقوات البحرية الأميركية.
وبحق، لقد كان مزيجاً بالغ الروعة من تطوير البرمجيات العسكرية، والذكاء الصناعي، والنمذجة الإلكترونية، والمحاكاة الحاسوبية، إلى جانب ديناميات الطائرات المقاتلة وأدوات التحكم، فضلاً عن الإنتاج المتطور للغاية لعروض الفيديو المصاحبة. لقد شعرت وكأنني أشاهد حدثاً رياضياً بالغ الإثارة والروعة. لقد لاحظنا جميعاً عدداً معتبراً من الملاحقات الجوية، وكان الطيار البشري قابضاً بيديه على مثل الجمر أثناء المحاكاة، بيد أنه خسر بعض الملاحقات في أغلب الأحيان لصالح المحاكي الحاسوبي فائق الذكاء.
كان من الواضح أمامنا بمرور الوقت، مع تقدم مجريات العرض التقديمي أنَّ كيان الذكاء الصناعي المناوئ – الذي كان متخذاً لوضعية التعلم الآلي على الدوام – لا يواصل التحسين من قدراته فحسب، وإنما أصبح سابقاً بامتلاكه عنصر الهيمنة على الملاحقات الجوية. ومع نهاية العرض التقديمي المشوق، اتفق رأيي مع الأدميرال المتقاعد ريتشاردسون، على أنَّ الذكاء الصناعي بإمكانه التغلب وهزيمة العنصر البشري في كل معركة افتراضية تنشأ بينهما. ولقد كان عزاؤنا الوحيد أنَّ الطيار المقاتل في القوات البحرية، ربما يمكنه الاستمرار لفترة أطول من أفضل طيار مقاتل في القوات الجوية الأميركية. لكن فيما بيننا وبين أنفسنا، أضمرنا شكوكاً قوية بأنَّ الأمر سوف يكون على هذا النحو في الواقع الحقيقي.
ومنذ ذلك الحين، دخلت تلك المنافسة المهمة، التي اتخذت مسمى «ألفا دوغ فايت ترايلز» – أو «محاكيات ألفا للملاحقات الجوية»، وصارت تحت إدارة وإشراف وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، في سلسلة من الفعاليات الإضافية الجديدة، تلك التي بلغت أوجها من خلال خمس منافسات أخرى بين الذكاء الصناعي في مواجهة الطيار المقاتل البشري صاحب الاسم التقني «بانجر» على محاكي الطائرة المقاتلة طراز «إف – 16»، التي جرت مؤخراً (حُجب الاسم الحقيقي للطيار البشري «بانجر» لاعتبارات أمنية، وربما لحمايته من المضايقات المزعجة من جانب زملائه في السرب الجوي التابع له).
لقد كانت تلك المنافسات وسيلة من أفضل الوسائل لتسليط الأضواء على أهمية إمكانات الذكاء الصناعي في القتال الجوي، كما أفسحت المجال أمام الشركات التجارية لدخول مجال المنافسات في عالم الذكاء الصناعي.
وتمخضت المنافسة بين الشركات التجارية الخاصة عن فوز شركة تدعى «هيرون سيستمز»، وهي شركة صغيرة من ولاية ماريلاند، اتسمت برامجها بقدر كبير للغاية من الصرامة والدقة العالية، مكنتها من التفوق والظهور على أقرانها من ثماني شركات تقنية أخرى، تلقت جميعها الدعوة للمشاركة من قبل وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية. تجدر الإشارة إلى ملاحظة عدد لا بأس به من المحاذير في منجزات الذكاء الصناعي، من شاكلة أن الحاسوب كان يملك معلومات مثالية في الوقت الفعلي، وهو الأمر الذي لا يحدث على الإطلاق في القتال الجوي الحقيقي، وكذلك أن الطيار البشري المقاتل لم يكن يقود طائرة مقاتلة حقيقية، وإنما كان يدير الملاحقات الجوية من داخل جهاز للمحاكاة.
وعلى رغم ذلك، فلقد كانت تلك اللحظة من أهم وأبرز اللحظات على الإطلاق، وهي على العكس تماماً من حاسوب «ديب بلو» الذي أنتجته شركة «آي بي إم» الأميركية، الذي تمكن من هزيمة غاري كاسباروف – الروسي البارع بطل العالم في لعبة الشطرنج في عام 1997، أو ماكينة الذكاء الصناعي التي تمكنت من هزيمة البطل الصيني كي جايي في لعبة «غو» للذكاء في عام 2017، فهل ولَّت أيام أبطال الأفلام السينمائية البديعة من شاكلة «غووز»، أو «مافريك»، أو «توب جن»؟ بيد أن التساؤل الأولى بالأهمية في هذا السياق هو: إلى أين تتجه منافسات الذكاء الصناعي فيما بين الولايات المتحدة والصين، التي يمكن للميزات القتالية المكتسبة من ورائها أن تؤثر بصفة مباشرة على العمليات العسكرية الجارية في بحر الصين الجنوبي، وفي غيرها من الأماكن الأخرى؟
أولاً، لا يزال فارق كبير في الأفق بين محاكيات الحواسيب المتطورة داخل المختبرات العلمية المغلقة، وبين انتقال الذكاء الصناعي لتولي مهام السيطرة الكاملة على طائرة نفاثة مقاتلة، تبلغ قيمتها ما يقرب من 50 مليون دولار وإرسالها منفردة من دون طيار بشري في معركة ملاحقة جوية حقيقية – والتي توصف بأنَّها أخطر المهام المحمولة جواً، وأكثرها تعقيداً من الناحية العسكرية المحضة.
وبالإضافة إلى تناول مسألة غموض «ضباب الحرب» بالكثير من الأهمية، فإنَّ المقدرة الهندسية المؤهلة لتولي نظام الذكاء الصناعي السيطرة الكاملة داخل قُمرة القيادة في الطائرات المقاتلة لا تزال بعيدة المنال. ومن شأن عمليات تطوير، واختبار، وانتشار أنظمة الذكاء الصناعي ذات المقدرة الكاملة أن تتم في الطائرات المسيرة من دون طيار في المقام الأول، ثم التوجه إلى أنظمة الإمدادات اللوجستية، وتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود في الجو، ثم الانتقال إلى منصات الهجوم البري، وذلك قبل الوصول إلى أنظمة القتال الجوي المباشر.
بيد أنَّ المنافسة العالمية في مجال الذكاء الصناعي بالغة الاحتدام والشراسة. ولقد ركز السيد إريك شميدت – وهو الرئيس الأسبق لشركة «غوغل» العملاقة – على هذه القضايا بالنيابة عن وزارة الدفاع الأميركية، في فترة من الفترات، لقد أبلغني بصفة شخصية بأنَّ التفوق الذي كانت تحظى به الولايات المتحدة على الصين في هذا المضمار، بات في تضاؤل مستمر، بل وسريع، من الفارق المقدر بالسنوات فيما سبق، إلى مجرد شهور فاصلة فيما بينهما في الآونة الراهنة. ومن بواعث القلق الكبيرة أنَّ الجانب الصيني ربما يتمكن من التفوق على نظيره الأميركي في كافة مجالات الأبحاث والتطوير السابقة، من خلال نظام التجسس الصناعي الفعال الذي تعتمد عليه الحكومة الصينية اعتماداً كبيراً. وعلى نحو مماثل، تقطع روسيا أشواطاً معتبرة في امتلاك قدرات الذكاء الصناعي، على الرغم من أنها لا تزال متأخرة في ذلك بقدر كبير عن الولايات المتحدة وعن الصين. أما بالنسبة إلى القوى العسكرية الأقل حجماً – من شاكلة المملكة المتحدة، أو فرنسا، أو المملكة العربية السعودية، أو الهند، أو إسرائيل – فإنَّها تملك اهتماماً كبيراً بامتلاك تلك القدرات ذات الأهمية، ناهيكم عن ذكر إيران بطبيعة الحال.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن تداعيات الذكاء الصناعي الراهنة، تبعث إلى الذكرى آثار السباق الفضائي المحتدم الذي ذاعت أخباره في أرجاء العالم بأسره في ستينيات القرن الماضي. غير أن وزارة الدفاع الأميركية لن تستطيع امتلاك قصب السبق في هذا المضمار، إن تحركت صوبه منفردة: إذ ينبغي عليها العثور على أفضل الطرق وأمثلها لمواصلة العمل بصورة تعاونية مع كيانات وادي السيليكون التقنية في الولايات المتحدة. مع تعزيز اعتبارات الأمن السيبراني، نظراً لأنَّ كافة هذه النظم سوف تكون معرضة – بوسيلة أو بأخرى – إلى الهجمات السيبرانية الشرسة. مع الأخذ في الاعتبار كيفية دمج إمكانات الذكاء الصناعي مع الأنشطة المُدارة بالعنصر البشري، لا سيما قوات العمليات الخاصة في القوات المسلحة. ومن شأن ذلك أن يتطلب من وزارة الدفاع الأميركية – ذات القدرات الهائلة والإمكانات الفائقة – أن تتحلَّى بقدر كبير من الابتكار، والذكاء، والمرونة في المستقبل القريب.
إنَّ لعبة «غو» والشطرنج هي مجرد ألعاب للذكاء. ويعد برنامج الذكاء الصناعي الذي يتمكن من هزيمة العنصر البشري، مجرد نسخة باعثة على التسلية في يوم تخيم عليه الأنباء المملة والمثيرة للضجر، لكن عندما ينجح في توفير ميزة حقيقية قابلة للقياس في خضم العمليات القتالية بالغة التعقيد، فلا بدَّ وأن نولي الأمر ما يستحقه من الانتباه والاهتمام، مع مواصلة إدراكنا لما يستجد من تحديات مقبلة ولازمة الحدوث. ومن شأن الطيار المقاتل «بانجر» أن يواصل الطيران القتالي لعدد من السنوات المقبلة، ولكنه لن يتمكن من الطيران إلى الأبد.
رابط المصدر: