مروة الاسدي
يعد مصطلح الذكاء العاطفي مفهوماً عصرياً حديثاً، وتشير كل الدراسات إلى التأثيرات الواضحة والمهمة للذكاء العاطفي على حياة الإنسان وطريقة تفكيره، وعلاقاته، وانفعالاته؛ إذ إنّ التعاون بين العقل والقلب أو بين الشعور والفكر يبرز لنا أهمية العاطفة في التفكير سواء كان ذلك من خلال اتخاذ القرارات الحكيمة، أو في إتاحة الفرصة لنا لنفكر في صفاء ووضوح، إن أخذنا بعين الاعتبار أنَّ العاطفة إذا ما قُويت أفسدَت علينا القدرة على التفكير السليم والوصول إلى قرارات صائبة.
الذكاء العاطفي هو القدرات والمهارات في التعرف إلى مشاعرنا الذاتية ومشاعر الآخرين لنكون أكثر تحكماً في انفعالاتنا، وتحفيز أنفسنا، وإقامة علاقات أفضل مع الآخرين. معنى ذلك أنَّ الذكاء العاطفي يشمل جانبين: الذكاء الشخصي. الذكاء الاجتماعي.
وتكمن أهمية الذكاء العاطفي في النقاط التالية: 1. الوعي العاطفي: يعدّ الوعي العاطفي جانبا مهما من جوانب الذكاء العاطفي؛ إذ إنه يساعد الأفراد على الوعي باحتياجات نموهم وتطورهم على مختلف أصعدة الحياة، ويساعدهم أيضا على استكشاف وتمييز أنواع المشاعر التي تعتريهم سواء أكانت حزناً أم سعادة أم غضباً أم خذلان عند تعاملهم مع مختلف مواقف الحياة، ويمكّن الوعي العاطفي الأفراد من التصرف حيال تلك المشاعر بفاعلية ومنطقية لتكون تصرفاتهم الصادرة منهم هي الأمثل الأنسب في التعبير عن تلك المشاعر. 2
. إدارة المشاعر: يتيح الذكاء العاطفي للأفراد التحكم بمشاعرهم وانفعالاتهم، فلا يسرفون في التعبير عنها بطريقة مبالغ فيها قد تؤثر على سير حياتهم. فالذكاء العاطفي يكبح جماح الغضب ويمنع الانجرار خلف الحزن والاستسلام للاكتئاب، وهو يشجع الأفراد على البحث عن المواطن الإيجابية والرسائل التي تحاول المواقف إيصالها، مما يمكنهم من التعامل مع المشكلات بحكمة وتعقل، فيتخلصون من المشاعر السلبية وتزيد ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم.
3. التعاطف مع الآخرين: تساعد مهارات الذكاء العاطفي على تنمية مهارة التعاطف مع الآخرين، فالأشخاص الأذكياء عاطفيا لديهم قدرة على التعاطف مع الآخرين من خلال وضع أنفسهم مكان الآخرين والشعور بما يشعره الآخرون، الأمر الذي يؤدي بهم إلى أن يكونوا قادرين على إدارة العلاقات مع الناس وتوجيهها في منحى إنساني راقي، ومن أهم ما يتميز به الأشخاص أصحاب مهارات الذكاء العاطفي هو مقدرتهم على فهم طريقة تفكير الآخرين ودوافع سلوكياتهم؛ لذا تجدهم على وعي كبير في أثناء التواصل والتعامل مع الآخرين، لأنهم يدركون حقيقة مدى سيطرة المشاعر على الآخرين، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تمتين العلاقات، سواء كانت على المستوى المهني أم على المستوى الشخصي مع الآخرين.
4. تنمية المهارات الاجتماعية: يساعد الذكاء العاطفي على تمتين أواصر العلاقات الاجتماعية؛ ولذا فإن الأشخاص الأذكياء عاطفياً لديهم قدرة كبيرة على إنشاء العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، إذ إن تصرفاتهم وأفعالهم تكون واضحة لا لبس فيها، الأمر الذي يكسبهم ثقة الآخرين واحترامهم، لتأكدهم من عدم وجود نوايا خبيثة خلف تصرفاتهم. والأذكياء عاطفياً بارعون في التحكم بمشاعرهم وتصرفاتهم، بالتالي فإن هذه البراعة تؤثر إيجاباً على تواصلهم مع الآخرين عن طريق فهم مشاعرهم، وإيصال حبهم واهتمامهم.
5. تنمية المهارات القيادية وتوجيه العمل الجماعي: لقد أصبحت مهارة العمل ضمن الفريق واحدةً من أهم معايير القبول الوظيفي، ولذا فقد تعاظمت الحاجة إلى امتلاك أفراد الفريق مهارات في الذكاء العاطفي وخاصة القادة منهم. إن قيادة مجموعات الأفراد وتحفيزها للقيام بنشاط معين أو إنجاز ما، يتطلب الكثير من الوعي العاطفي للاختلافات الفردية بين أعضاء الفريق كلّ على حدى، ومهارة في اتباع أسلوب تواصل إيجابي مع كل فرد منهم، واختيار الطريقة المناسبة لتحفيز كل فرد، كما يمنح الذكاء العاطفي القائد مقدرة لكي يكون القدوة في أعين الفريق وملهماً لهم نحو المزيد من الاجتهاد وتحقيق المزيد من النجاح.
6. الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية: تشير كل الدراسات إلى العلاقة الطردية والارتباط الوثيق بين الصحة النفسية والجسدية، وتكم أهمية مهارات الذكاء العاطفي في مساعد الفرد على التخلص من المشاعر السلبية التي تسبب الضرر لصحة الإنسان، فالاضطرابات النفسية من اكتئاب وقلق وتوتر تؤثر على صحة الجسد، لذا فإنّ حسن إدارة المشاعر والتحكم بها تحمي الفرد من الإصابة بهذه الاضطرابات، وتسمح له بالابتعاد عن كل ما يسبب خلالاً في التوازن النفسي، وبذلك يحافظ الذكاء العاطفي على صحة الإنسان الجسدية والنفسية معاً.
7. التكيف مع الظروف الطارئة: تساعد مهارات الذكاء العاطفي الإنسان على أن يكون مرناً مع ما يتعرض له خلال مجريات حياته اليومية؛ إذ إنّ الأشخاص الأذكياء عاطفياً بارعون في تهدئة أنفسهم والتأقلم مع الظروف الطارئة أو المتغيرة، فلا يشكل البدء بعمل جديد أو الانتقال إلى مكان جديد غير مألوف أو الخروج من دائرة الراحة مصدر قلق بالنسبة إليهم، وذلك بسبب امتلاكهم المرونة التي تمكنهم من إدارة مشاعره والسيطرة على انفعالاتهم، ووقف تدفق الأفكار السلبية إلى عقولهم، والبحث عن الإيجابية التي يمكن أن يحصلوا عليه من كل مأزق يمرون به خلال مسيرة حياتهم.
وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة للذكاء العاطفي على جميع الأصعدة، إلا أنه ينطوي على كثير من السلبيات فيما لو تم توظيف مهاراته بطريقة غير أخلاقية ومن أهم تلك السلبيات: قدرة الأشخاص المتمتعين بالذكاء العاطفي على إدارة عواطفهم ومشاعرهم الحقيقية وإخفائها عن الآخرين، فيتعاملون مع الناس من خلف أقنعة زائفة لا تظهر شخصيتهم الحقيقية. يتمتع الأشخاص الأذكياء عاطفيا بالقدرة على توجيه الرأي العام من خلال تسليط الضوء على جانب محدد من أفكارهم، فلا يرى الآخرون منهم إلا ما يريدون أن يروهم إياه من شخصيتهم. يتمتع الأشخاص الأذكياء عاطفيا بمهارات مميزة في التواصل مع الآخرين واستقطاب اهتمامهم؛ ولذا فإنهم قد يستخدمون هذه الميزة من أجل تجييش آراء الناس بأساليبهم اللطيفة وتطويعهم من أجل خدمة مصالحهم الشخصية أو تحقيق أهداف غير نبيلة. إن استخدام القادة والسياسيين وأصحاب المناصب لتقنيات الذكاء العاطفي يضيف لهم الخبرة في إنشاء خطابات عاطفية توجه الجماهير، من خلال باللعب بالكلمات والعبارات التي تؤثر في عواطفهم، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض القدرات التحليلية والنقدية عن الجمهور المستمع إليهم.
كيف تقيم الذكاء العاطفي لشخص ما؟ إليك هذه المقاييس
يؤكد الخبير في الذكاء العاطفي دانيال غولمان أنه من السهل أن نتعرف على الشخص ذي الذكاء العاطفي المنخفض مقارنة بغيره، حيث تتسم هذه الفئة من الناس بالسلوك الصاخب وسرعة الانفعال والانجراف وراء المحفزات وصعوبة تكوين علاقات اجتماعية ناجحة.
يقال في علم النفس إنه يمكن في فترة لا تتجاوز 7 دقائق معرفة ما إذا كان الشخص الذي نتعامل معه ذكيا عاطفيا أم لا. لكن ما السمات التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار لتحديد مدى الذكاء العاطفي للمحيطين بنا؟
في تقرير نشرته مجلة “لامنتي إس مارافيوسا” (lamenteesmaravillosa) الإسبانية، تقول الكاتبة فاليريا سباتير إن الذكاء العاطفي يختلف عن الذكاء المعرفي، ويتمحور أساسا حول القدرة على التعبير عن المشاعر والسيطرة على الانفعالات والتكيف مع المواقف المختلفة.
ويؤكد الخبير في الذكاء العاطفي دانيال غولمان أنه من السهل أن نتعرف على الشخص ذي الذكاء العاطفي المنخفض مقارنة بغيره، حيث تتسم هذه الفئة من الناس بالسلوك الصاخب وسرعة الانفعال والانجراف وراء المحفزات وصعوبة تكوين علاقات اجتماعية ناجحة. لكن ما السمات التي تكشف لنا عن الشخص الذي يتمتع بقدر كبير من الذكاء العاطفي؟
ركزت الأبحاث العلمية منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي على تحديد مقاييس نفسية معينة لتقييم الذكاء العاطفي، ومنها الأبحاث التي أجريت في جامعة كوينزلاند، وقد استمر تطوير هذه المقاييس إلى اليوم.
هناك أشخاص يتمتعون بقدرة استثنائية على التواصل مع الآخرين وإبهارهم، ويعبرون عن أنفسهم بشكل مميز، ويقدمون الحجج ببراعة، وأحيانا من دون ترك مجال للآخرين للتعليق والتعبير عن آرائهم. وتساعدنا هذه الأدوات في تقييم مستوى الذكاء العاطفي للأشخاص المحيطين بنا.
بشكل عام، يمكن لهذا النوع من الأشخاص أن ينال إعجابنا، ولكن يجب مراعاة بعض النقاط لتقييم مدى الذكاء العاطفي، وفيما يلي أبرز تلك السمات:
الإنصات الجيد للآخرين.
المحاججة بطريقة واثقة مع احترام أفكار الآخرين.
الأخذ بالاعتبار ردود الأفعال الآخرين، وعدم فقدان التواصل البصري.
التعاطف.
فهم ما يدور حول المرء وإظهار ردود فعل إيجابية تثري النقاش.
قد يغضب أو يحزن أو يشعر بخيبة أمل، لكنه يعرف كيف يتحكم بمشاعره.
من السهل التعرف على الشخص الذي يتمتع بالذكاء العاطفي، عندما نرى تعامله مع المشاكل والمواقف المعقدة والخلافات والأخطاء. فقد يشعر الشخص الذكي عاطفيا بالضيق، لكنه لا يندفع إلى رد الفعل بشكل سريع، بل يفكر بعقلانية قبل أن يفعل أي شيء.
تتجاوز المهارات الاجتماعية التواصل الجيد مع الآخرين، وتشمل سمات أخرى من بينها:
تقبل النقد ورد الفعل من دون إيذاء مشاعر الآخرين.
التعامل بعقلانية مع مشاعر العداء والكراهية.
القدرة على التفكير بشكل منطقي لحل المشاكل.
التعامل الجيد في البيئة السلبية.
نقل جرعات من الطاقة الإيجابية للآخرين بغض النظر عما يشعرون به.
التفاوض بشكل مميز.
معرفة كيفية الاعتذار عند ارتكاب أي خطأ.
الحزم في الدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين.
هناك مفتاح يسير للتعرف على الشخص الذي يتمتع بذكاء عاطفي، فقط حاول أن تقيم شعورك تجاهه، فإذا كنت تشعر بالراحة في التعبير عن نفسك من دون خوف من الحكم عليك بشكل سلبي، فأنت تتعامل مع شخص ذكي عاطفيا.
في الواقع، يوفر الذكاء العاطفي بيئة خصبة لتعزيز احترام الذات والإحساس بالاحترام والأمان النفسي، لذلك من المهم أن تتعرف على هذه النوعية من الأشخاص الذين يمكن أن تثق بهم تماما.
5 علامات تدل على أنك تتمتع بنسبة عالية من الذكاء العاطفي
يتمتع بعض الأشخاص بذكاء عاطفي بطبعهم مقارنة بغيرهم، ومع ذلك بإمكاننا جميعا اكتساب هذه السمة الشخصية أو تحسينها، كما أن الاهتمام بأفكارنا ومشاعرنا والحرص على الاصغاء للآخرين والبحث عن الأشياء التي نشعر بالامتنان لها في حياتنا يمكن أن يساعدنا في تطوير هذه السمة.
وتشير الدراسات إلى أن الذكاء العاطفي مهم للغاية في تسهيل النجاح، حيث أثبتت أن الأشخاص الذين يملكون سمات شخصية محددة عادة ما يتمتعون بحياة اجتماعية أفضل ويعيشون بسعادة.
وتطرق تقرير لموقع “لورنينغ مايند” الأميركي إلى العلامات التي تدل على تمتع المرء بقدر عالٍ من الذكاء العاطفي، تعرف عليها وتعلمها:
1. القدرة على فهم وتحديد العواطف
يتمتع الأشخاص الذين يملكون قدرا عاليا من الذكاء العاطفي بإدراك ذاتي، حيث يُعرفون بقدرتهم العالية على فهم مشاعرهم، مما يجعل من السهل عليهم التعامل مع عواطفهم بطريقة صحيحة.
ويستخدم هؤلاء لغة عاطفية ثرية تجعلهم قادرين على تحديد عواطفهم، فعلى سبيل المثال، بدلا من استعمال كلمة “سعيد” يميل هؤلاء الأشخاص إلى استخدام مجموعة غنية من المفردات التي تعبر عن سعادتهم، مثل “مبتهج” و”مسرور”، كما تساعد لغتهم هذه على التعامل مع المشاعر السلبية بشكل أكثر فاعلية.
2. القدرة على فهم مشاعر الآخرين
يستخدم الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي الإدراك الذاتي لتحديد مشاعر الآخرين، وتسهّل القدرة على فهم ما يشعر به الآخرون مهمة تقديم المساعدة والدعم لهم، ويبادر هؤلاء بطرح أسئلة تتيح للآخرين الفرصة للتعبير عن مشاعرهم ورغباتهم بطلاقة.
ويساعدهم هذا الأسلوب لاحقا على التوصل إلى الطريقة المناسبة لإدخال البهجة إلى قلب ذلك الشخص أو التهدئة من روعه، ويمكن لهذه الفئة من الأشخاص إنشاء علاقات مفيدة وهادفة.
3. جعل المحيطين بهم يشعرون بالسعادة
التمتع بالقدرة على التواصل مع الآخرين يجعل هؤلاء الأشخاص قادرين على مراعاة مشاعر غيرهم، حيث يميلون إلى تذكر تفاصيل حياتهم، مثل عملهم واهتماماتهم.
ويملك الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي القدرة على جعل المحيطين بهم يشعرون بالسعادة من خلال الاهتمام بهذه التفاصيل، فعلى سبيل المثال تذكر الزهور المفضلة لدى شخص ما وإحضارها لبعث البهجة في نفسه من علامات الذكاء العاطفي.
4. إدارة الأفكار
يدرك الأشخاص الأذكياء عاطفيا أن الأفكار هي مجرد أفكار وليست حقائق، ما يساعدهم على تجنب الحديث عن بعض المواضيع أكثر من اللازم.
وفضلا عن ذلك، يملك هؤلاء القدرة على فهم حقيقة أن الأفكار التي تجول في أذهاننا هي السبب وراء الحالة النفسية التي نعيشها، لذلك يعملون على التخلص من الأفكار غير المفيدة.
ولا يميل هؤلاء الأشخاص إلى حمل ضغائن أو الحديث عن الماضي فهم يدركون أنه لا يمكن تغييره، وأن التركيز على التجارب السلبية التي حدثت سابقا من شأنه أن يمنعهم من التمتع باللحظة الراهنة.
5. تقدير كل ما هو جيد
يساعد التوازن العاطفي الأشخاص على تقدير كل ما يملكونه وما استطاعوا تحقيقه ومنع الأفكار والمشاعر السلبية من السيطرة على تفكيرهم.
ويستطيع الأذكياء عاطفيا التركيز على الجانب الإيجابي في حياتهم وتحقيق توازن صحي، حيث إن التفكير في الجانب المشرق من حياتنا وما نشعر بالامتنان من أجله يساعدان على الخروج من أنماط التفكير السلبي والحالات المزاجية العاطفية السيئة.
فهم آلية الذكاء العاطفي للبشر وآثاره على حياتنا
قد تعتقد أنك ذكي إلى حد ما.. لكن هل أنت ذكي عاطفياً؟ إنه الذكاء العاطفي الذي يمنحنا القدرة على قراءة مشاعرنا الغريزية، ومشاعر الآخرين. كما يسمح لنا بفهم وتمييز العواطف وكذلك التعبير عنها وتنظيمها، وفقاً لما ذكره مارك براكيت من جامعة ييل الأمريكية، وقد يرغب غالبيتنا في الاعتقاد بأنه يمكننا القيام بكل ما سبق. نحن نكتشف، ونفهم عواطفنا وعواطف الآخرين، ونصنفها بدقة من أجل توجيه أفكارنا وأفعالنا.
لكن العديد منا يميلون إلى المبالغة في تقدير ذكائنا العاطفي، وفقاً لبراكيت، الأستاذ في مركز دراسات الطفل في جامعة ييل، والمدير المؤسس لمركز ييل للذكاء العاطفي، هذا أمر مهم لأن الخبراء يقولون إن القدرة على قراءة عواطفنا وعواطف الأشخاص الآخرين، وفهمها والاستجابة لها، هي عامل حاسم للتنبؤ بصحتنا وسعادتنا ونجاحنا الشخصي والمهني.
لذا، ربما نحتاج جميعاً إلى التقاط أنفاسنا، واستثمار المزيد من الوقت في تعليم أنفسنا على معنى أن نكون أذكياء.
ما هو الذكاء العاطفي؟ نشأت نظرية الذكاء العاطفي – والمصطلح نفسه – في جامعة ييل وجامعة نيو هامبشاير. وقال براكيت إن بيتر سالوفي، الرئيس الثالث والعشرين لجامعة ييل، وجون “جاك” ماير، أستاذ علم النفس بجامعة نيو هامبشاير، كتبا النظرية في عام 1990.
وقالت روبن ستيرن، المديرة المساعدة لمركز ييل للذكاء العاطفي، إن عملهم أظهر كيف كان للعواطف تأثيراً ملحوظاً على تفكير الفرد وسلوكه.
وواصل الخبراء العمل على صقل تعريفات ما هو بالضبط الذكاء العاطفي. وتقول ستيرن: “الذكاء العاطفي هو أن تتسم بالذكاء تجاه مشاعرك. وهو عبارة عن كيفية استخدام عواطفك لتوجيه تفكيرك، واستخدام تفكيرك لتوجيه عواطفك.”
وتضيف: “يفكر بعض الناس في الذكاء العاطفي كمهارة ناعمة حتى يتحلوا باللطف. الأمر يتعلق بفهم ما يجري لك في الوقت الحالي حتى تتمكن من اتخاذ خيارات واعية بشأن الطريقة التي تريد استخدام عواطفك بها”، وقال براكيت: “الأشخاص الذين لديهم المزيد من الذكاء العاطفي، أكثر صحة، وأكثر سعادة، وأكثر فاعلية.”
لماذا الذكاء العاطفي أمر مهم؟ يعتبر البعض بأن الذكاء العاطفي مؤشّر أفضل للنجاح الوظيفي من السيرة الذاتية المثيرة للإعجاب، أو درجة الذكاء العالية.
وتقول سارة كاناداي، وهي متحدثة حول مهارات القيادة ومؤلفة: “قد يتم توظيفنا بسبب مواهب تقنية، لكننا غالباً ما يتم طردنا لأننا نفتقر إلى الذكاء العاطفي.” وتضيف بأن “الأفراد الذين لديهم مستوى منخفض من الذكاء العاطفي يمكن أن يكونوا ناجحين، لكنها تؤكد بأن هؤلاء الأفراد قد يكونوا أكثر نجاحاً إذا كان لديهم مستوى أعلى من الذكاء العاطفي.”
اختبارات الذكاء العاطفي، ابتكر العلماء السلوكيون عدداً من التقييمات الذاتية للذكاء العاطفي، ولكن براكيت يحذر من أن “القياس موضوع صعب، ففي بحثه المبكر، وجد أن الناس يميلون إلى المبالغة في تقدير ذكائهم العاطفي، ولهذا السبب يعتقد أنه يجب عليهم قياسه من خلال تقييمات الأداء، بحيث يتعين عليهم حل المشكلات، وفك رموز تعبيرات الوجه، أو وضع استراتيجيات في موقف متوتر عاطفياً. وبهذه الطريقة، يمكنهم اختبار المعرفة والمهارات لديهم، و”تقييم 360″، هو شكل آخر من أشكال اختبار الذكاء العاطفي، إذ في بيئة العمل، يعد “تقييم 360” عملية تتضمن تعليقات من الزملاء والمشرفين، الذين يقومون بتقييم ذكاء الشخص العاطفي، وتعتقد كاناداي أننا غالباً ما “نرى أنفسنا بشكل مختلف عن الآخرين.”
هل يمكنني تحسين ذكائي العاطفي؟ وتقول ستيرن إنه يجب تعليم الأطفال منذ الصغر كيفية التعرف على عواطفهم، وفهم ما تعنيه تلك العواطف، وتمييزها بدقة للتعبير عن أنفسهم، وبالنسبة للبالغين الذين لم يتلقوا تعليماً جيداً بشأن الذكاء العاطفي، سيتطلب التحسين بعض العمل الشاق.
وعلى سبيل المثال، إذا كنت تحاول السيطرة بشكل أفضل على غضبك، فقد تجد متنفساً صحياً لذلك، سواء باليوغا، أو التأمل، أو الملاكمة.
وتقترح كاناداي أيضاً البحث عن وجهات نظر من أولئك الذين قد لا يتفقوا معك. وتضيف: “إذا كنت تحيط نفسك دائما بأشخاص يؤمنون مثلك تماماً، فأنت تسمع المحادثات ذاتها، ولا تنمو، ولا تتعلم أن تكون منفتحاً على وجهات النظر.”
وينصح براكيت بالبحث عن استراتيجيات فعالة لإدارة العواطف. مارسها، ثم قم بتقييم هذه الاستراتيجيات بالنسبة لك. ومن المهم أن “تقضي بعض الوقت في التفكير في نفوذك، وكيفية استجابة الناس لعواطفك.”
وتقترح ستيرن إطالة الفترة الزمنية بين الوقت الذي تُثار فيه بسبب شيء ما، والرد عليه. توقف، خذ نفساً عميقاً، وتخيل ما هو الأفضل بالنسبة لك. فهذا الأمر قد يساعدك على تجنب تحكم عواطفك بك.
وتقول ستيرن إن “الطريقة التي نتحدث بها مع أنفسنا قد تؤثر بشكل كبير على عواطفنا وصحتنا، إذا كان هذا الحديث عن النفس غير إيجابي”. وتضيف أننا لن نتحدث مع فرد آخر بالطريقة التي غالباً ما نتحدث بها مع أنفسنا.
هل تعلم ما هو الذكاء العاطفي؟ هذه طرق بسيطة لتنميته
يعد الذكاء العاطفي من الأمور التي يجب الاهتمام بها لما له من عظيم التأثير الإيجابي على جودة حياة الفرد، وهو عبارة عن القدرة على معرفة نفسك جيداً، مع القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم بشكل جيد.
ويتكون الذكاء العاطفي من 5 عناصر، هي الوعي الذاتي، والتنظيم، والتحفيز، والتعاطف، والمهارات الاجتماعية.
وأثبتت كثير من الدراسات أن 90% من أصحاب الأداء المتميز في بيئة العمل يتمتعون بذكاء عاطفي عالي المستوى، لذا يتعين تطوير الذكاء العاطفي والاهتمام به، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الشخصية مع زيادة رغبة الفرد في التعلم للتمتع بحياة أفضل خالية من العثرات والمشاكل، حسب ما جاء في موقع “بولد سكاي” المعني بالصحة.
ومن منطلق أن الذكاء العاطفي يعتبر مهارة متزايدة الأهمية على الصعيد المهني والشخصي، إليكم فيما يلي 13 طريقة سهلة وبسيطة لتنمية وتطوير الذكاء العاطفي:
1- الوعي الذاتي بمعنى ملاحظة سلوكك الشخصي.
2- تحمل مسؤولية مشاعرك وأفعالك.
3- الاستمتاع بنجاحاتك وتنظيم إيجابيات حياتك مع عدم تجاهل السلبيات لتصحيحها.
4- اعتماد طريقة حازمة (غير عدوانية أو سلبية للغاية) في معالجة الأمور.
5- التعاطي مع الخلافات في وجهات النظر بحكمة.
6- تدريب الذات على الإيجابية.
7- تقبل النقد.
8- التعاطف مع الآخرين والانشغال إلى حد ما بمشاكلهم.
9- المحافظة على العلاقات الاجتماعية.
10- الاستفادة من مهارات القيادة الخاصة بك.
11- الاستفادة من مهارات الاستماع لديك.
12- الالتزام بالجدول الزمني.
13- وضع أهداف شخصية.
أكثر ما يميز قادة العالم هو «الذكاء العاطفي»… فكيف تكتسبه؟
ما الذي يجعل شخصاً رائعاً في وظيفته؟ امتلاك المعرفة والذكاء والرؤية بالتأكيد. لكن ما يميز أكثر قادة العالم نجاحاً هو الذكاء العاطفي، أو القدرة على تحديد ومراقبة العواطف الخاصة بهم وبالآخرين.
وتبحث الشركات اليوم بشكل متزايد من خلال منظور الذكاء العاطفي عند توظيف وترقية موظفيها. وتُظهر سنوات من الدراسات أنه كلما زاد الذكاء العاطفي لدى شخص ما، كان أداؤه أفضل، حسب ما نقلته شبكة «سي إن بي سي» الأميركية.
ولكن ما يفشل معظم الناس في إدراكه هو أن إتقان الذكاء العاطفي لا يأتي بشكل طبيعي، وبعد قضاء 25 عاماً في تأليف الكتب والبحث حول هذا الموضوع، اكتشف دانيال غولمان المتخصص الحاصل على درجة الدكتوراه في علم النفس وتنمية الشخصية من جامعة هارفارد، أن الذكاء العاطفي يتألف من أربعة مجالات، داخلها 12 كفاءة أساسية.
أولاً: الوعي الذاتي
وهو القدرة على ضبط مشاعرك. ويتيح لك معرفة ما تشعر به ولماذا، وكذلك كيف تؤثر هذه المشاعر على ما تحاول القيام به.
ويحتوي على:
– الوعي الذاتي العاطفي: حيث تفهم نقاط القوة والضعف الخاصة بك، وتؤدي من مواطن الكفاءة والمهارة لديك وتعرف متى تعتمد على شخص آخر في الفريق، ويكون لديك وضوح بشأن قيمك وإحساسك بالهدف، مما يسمح لك بأن تكون أكثر حسماً عند تحديد مسار العمل.
ولتنمية مهارات الوعي الذاتي العاطفي يجب اعتبار كل لحظة هي فرصة لممارسته، وأحد أكبر المفاتيح هو الاعتراف بضعفك، فإذا كنت تعاني من قصور ما، كن صريحاً بشأن المهارات التي تحتاج لتطويرها لتحقيق النجاح.
ثانيا: الإدارة الذاتية
وهي القدرة على إبقاء العواطف والاندفاعات تحت السيطرة. وهذه مهارة قوية للقيادة، خصوصاً في أثناء الأزمة. فالناس سوف ينظرون لقائدهم للحصول على الاطمئنان، وإذا كان هادئاً، فيمكنهم أن يكونوا كذلك أيضاً.
وتحتوي على:
– ضبط النفس العاطفي: بأن تحافظ على هدوئك تحت الضغط وتتعافى بسرعة من الاضطرابات، وتعرف كيف توازن بين مشاعرك من أجل مصلحتك ومصلحة الآخرين.
– القدرة على التكيف: سرعة التعامل في مواجهة لحظات التغيير وعدم اليقين، والعثور على طرق جديدة للتعامل مع تحديات التحول السريع، وتحقيق التوازن بين طلبات متعددة في وقت واحد.
– توجيه الإنجاز: بأن تسعى جاهداً لتلبية معايير التميز أو تجاوزها، وتقدر حقاً تعليقات من حولك على أدائك، وتسعى باستمرار للقيام بالأشياء بشكل أفضل.
– النظرة الإيجابية: ترى الخير في الناس والمواقف والأحداث. وهذه الكفاءة تخلق المرونة في الفريق وتمهد الطريق للابتكار.
ولتنمية مهارات الإدارة الذاتية تعلّم ألا تصاب بالذعر خلال لحظات الكرب، وخذ نفساً عميقاً وافحص مشاعرك بدلاً من الانفجار في وجه الفريق، وأخبرهم بالخطأ وقدم بعض الحلول، واقبل أنه ستكون هناك دائماً تغييرات وتحديات مفاجئة في الحياة.
ثالثا: الوعي الاجتماعي
يشير إلى الدقة في قراءة وتفسير عواطف الآخرين، غالباً من خلال الإشارات غير اللفظية.
ويحتوي على:
– التعاطف: حيث تولي الاهتمام الكامل للشخص الآخر وتستغرق بعض الوقت لفهم ما يقوله وكيف يشعر، وتحاول دائماً أن تضع نفسك في مكان الآخرين بطريقة هادفة.
– الوعي التنظيمي: التمكن بسهولة من قراءة التيارات العاطفية داخل مجموعة أو منظمة، والتمكن في بعض الأحيان من التنبؤ بكيفية رد فعل شخص ما في فريقك أو قادة شركة تتعامل معها مع مواقف معينة.
ولتنمية مهارات الوعي الاجتماعي يجب أولاً وقبل كل شيء أن تكون مستمعاً جيداً، وتجنب إطلاق الأحكام المسبقة، واكتشاف القواسم المشتركة، والتدرب على وضع نفسك مكان الآخرين.
رابعا: إدارة العلاقات
وهي مجموعة مهارات شخصية تسمح للقائد بالتصرف بطرق تحفز الآخرين وتلهمهم.
وتحتوي على:
– التأثير: فالقائد الطبيعي يمكنه جمع الدعم من الآخرين بسهولة، وإنشاء مجموعة مستعدة لتنفيذ المهام.
– التدريب والإرشاد: بتعزيز التعلم على المدى الطويل من خلال تقديم الملاحظات والدعم. وتشرح الأمور بطريقة مقنعة وواضحة، بحيث يكون الناس متحمسين وكذلك واضحين بشأن التوقعات.
– إدارة النزاع: بحيث تستطيع التعامل مع الخلافات بين جهات متعددة، وتجد حلولاً مربحة للجانبين.
– العمل الجماعي: التفاعل بشكل جيد كعضو في مجموعة يمكنه العمل مع الآخرين، والمشاركة بنشاط، وتقاسم المسؤوليات والمكافآت.
– القيادة الملهمة: بأن تلهم وتوجه الآخرين نحو الرؤية الشاملة، وتنجز المهمة وتبرز أفضل صفات فريقك.
ولتنمية مهارات إدارة العلاقات يجب ألا تكون شخصاً سلبياً باستمرار يركز على «أسوأ ما يمكن حدوثه»، لكن يجب أن تنظر إلى نفسك كعامل إيجابي للتغيير. ولا تستسلم للخوف من مخالفة المعايير التقليدية أو تحمل المخاطر.
الذكاء العاطفي سلاح ذو حدين
إن القدرة على الشعور بأحد الأصدقاء أو الزملاء عندما يكون في حالة من الحزن أو الغضب أو الدهشة تُعَد عاملًا أساسيًّا في التعامل والانسجام مع الآخرين. ولكن ثمة دراسة حديثة تشير إلى أن مهارة رصد مشاعر الآخرين ربما تجلب معها أحيانًا جرعة زائدة من التوتر. وهذه الدراسة، إلى جانب أبحاث أخرى، تمثل تحديًا للرأي السائد بأن الذكاء العاطفي صحي ومفيد لصاحبه دائمًا.
في دراسة نُشرت في عدد سبتمبر عام 2016 من دورية “إيموشن” Emotion، طرحت عالِمتا النفس ميريام بيتشولدت وفانيسا شنايدر، من كلية فرانكفورت للدراسات المالية والإدارة بألمانيا، سلسلة من الأسئلة على 166 طالبًا جامعيًّا، من الذكور فقط، لقياس درجة الذكاء العاطفي لديهم. فعلى سبيل المثال، عرضتا على الطلاب صورًا لوجوه أشخاص، وسألتاهم إلى أي مدى تعبر وجوه هؤلاء الأشخاص عن مشاعر مثل الفرحة أو الاشمئزاز. ثم طُلب من الطلاب بعد ذلك إقامة عرض تقديمي متعلق بالحصول على وظيفة أمام مجموعة من المُحكِّمين ترتسم على وجوههم تعبيرات صارمة، وقاس العلماء تركيزات هرمون التوتر “الكورتيزول” في لعاب الطلبة قبل العرض وبعده.
في أثناء التجربة، جاءت قياسات هرمون التوتر مرتفعة لدى الطلاب الذين صُنِّفوا على أنهم يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء العاطفي، واستغرقت وقتًا أطول لتعود إلى مستوياتها الطبيعية. ووفقًا لهيلاري أنجر إلفنباين -أستاذ السلوك التنظيمي بجامعة واشنطن في سانت لويس، والتي لم تشارك بالدراسة- فإن النتائج تشير إلى أن بعض الأشخاص قد يكونون شديدي الذكاء العاطفي لدرجة قد تضر بهم. وتقول إلفنباين: “أحيانًا يجد المرء نفسه بارعًا للغاية في شيء ما لدرجة قد تسبب له المشاكل”.
في الواقع، فإن هذه الدراسة تضيف إلى أبحاث سابقة تشير إلى وجود جانب مظلم للذكاء العاطفي. إذ تشير دراسة نُشرت في عام 2002 في دورية “برسوناليتي آند إنديفيدوال ديفرانسز”Personality and Individual Differences إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بإدراك عاطفي شديد قد يكونون أكثر عرضة من غيرهم للشعور بالاكتئاب والإحباط. وعلاوة على ذلك، أشارت عدة دراسات أخرى، إحداها نُشرت في دورية “بلوس وان” PLOS ONE في عام 2013، إلى أن الذكاء العاطفي يمكن أن يُستخدم في التلاعب بالآخرين للحصول على مكاسب شخصية.
ثمة حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد كيف تظهر العلاقة بين الذكاء العاطفي والتوتر لدى النساء والأشخاص من مختلف الأعمار ومختلف المستويات التعليمية. غير أن بيتشولدت -أستاذة السلوك التنظيمي- ترى أن الذكاء العاطفي يُعَد مهارة مفيدة طالما أن المرء يتعلم أيضًاكيف يتعاملبصورة صحيحة مع المشاعر؛ مشاعره الشخصية ومشاعر الآخرين على حد سواء. على سبيل المثال، قد يشعر بعض الأفراد شديدي الحساسية أنهم مسؤولون عن حزن الآخرين أو غضبهم، مما يسبب لهم ضغطًا عصبيًّا في نهاية المطاف. وتقول بيتشولدت: “تذكر دائمًا أنك لست مسؤولًا عما يشعر به الآخرون”.
.
رابط المصدر: