في مثل هذا اليوم، 29 نوفمبر/تشرين الثاني، من سنة 1947 صدر قرار تقسيم فلسطين، أو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181. قال ممثلو الدول الكبرى في حينها إنه قرار جيد سيحقق السلام في الشرق الأوسط، وعدّه العرب مصيبة كبرى بالنسبة لهم، مطالبين برفضه بكل السبل المتاحة. وحده رئيس وزراء سوريا الأسبق حسني البرازي دعا إلى القبول بالتقسيم، قائلا أمام مجلس النواب إنه أفضل ما يمكن للعرب تحصيله في الظروف الراهنة، نظرا لضعفهم وتمزّقهم.
اتُّهم الرجل بالعمالة والخيانة، وبدأ القائد العسكري فوزي القاوقجي بعملية تطوّع واسعة النطاق لأجل تشكيل جيش من “المجاهدين العرب”، سمّي بجيش “الإنقاذ”، والذي أسّسته جامعة الدول العربية ردا على قرار التقسيم. وعد القاوقجي بأن لا يمر القرار، وبالفعل لم يمر وأجهض تماما، وبدلا من حصول العرب على نصف فلسطين، ضاعت كلها، واحتلّت سنة 1948. وهنا يجب طبعا أخذ الأمور في سياقها التاريخي، والتذكير بأن مشاعر العالم العربي كانت جارفة باتجاه القضية الفلسطينية يومها، ما جعل قبول قرار التقسيم محالا ومرفوضا من قبل العالم العربي، شعوبا وحكاما.
تأتي ذكرى قرار التقسيم اليوم في وقت ترتكب فيه إسرائيل أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ودمّرت كامل قطاع غزةوضاحية بيروت الجنوبية قبل الموافقة على الهدنة التي بدأت صباح يوم 27 نوفمير/تشرين الثاني الجاري. بنيامين نتنياهو لم يقل إلا انسحاب “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني وتفكيك بنيته العسكرية جنوبه، وسيلتفت الآن للقضاء على ما تبقى من حركة “حماس” في غزة، بانتظار وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في شهر يناير/كانون الثاني المقبل، الذي وعد بإنهاء الحروب والتوصل إلى صفقة كبرى في المنطقة، تضمن “مصالح إسرائيل وأمنها”.
وقبل عام على صدور قرار التقسيم، عقد الزعماء العرب قمتهم الأولى في مدينة أنشاص المصرية في ماية/أيار 1946، بدعوة من الملك فاروق. كانت مخصصة لدعم القضية الفلسطينية، وتعهّد القادة العرب بأن تبقى فلسطين عربية، مع القول بأن الصهيونية العالمية لا تهدد مستقبل فلسطين وحدها، بل مستقبل العرب والمسلمين.
بعدها بشهر واحد عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا في مصيف بلودان القريب من دمشق، ترأسه الأمين العام عبد الرحمن عزام باشا ورئيس وزراء سوريا سعد الله الجابري. تعهدوا بمد الفلسطينيين بالمال والسلاح، وأقسموا اليمين على أن لا يتنازلوا أبدا أمام كل الضغوطات الدولية. وكرّست ساعات طويلة من البث الإذاعي في العالم العربي لتسليط الضوء على تجاوزات الصهاينة في فلسطين والهجرة اليهودية المنظمة من أوروبا. وقامت كلٌّ من مصر وسوريا بإنتاج أفلام تسجيلية عن جهوزية جيشيهما، لعرضها في صالات السينما وشد عزيمة الجماهير، دعما لقضية العرب الكبرى.
“اليونسكوب” واللوبي الصهيوني
في الوقت نفسه كانت بريطانيا قد تقدمت عن طريق وفدها الدائم في الأمم المتحدة بمقترح لحل المسألة الفلسطينية، في أعقاب انسحابها من الهند بعد تقسيمها، حيث أرادت الانسحاب من فلسطين وتقسيمها أيضا. وشُكلت “اللجنة الأممية المخصصة لفلسطين” (اليونسكوب) من 11 دولة: هولندا، السويد، أستراليا، تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا، كندا، الهند، بيرو، غواتيمالا، إيران، والأورغواي. ولضمان الحيادية، مُنعت الدول العربية من المشاركة وكذلك الدول الدائمة في مجلس الأمن، مع أن الدبلوماسي الأميركي رالف بانش عُيّن مستشارا للجنة، وكان مقربا من إدارة الرئيس هاري ترومان. وقد علّق باش على أعمال اللجنة بقوله: “كانت هذه المجموعة من أسوأ المجموعات التي عملت معها في حياتي، وإن تمكن أعضاؤها من فعل شيء جيد فسيكون ذلك حقا معجزة”.
أمضت لجنة “اليونسكوب” خمسة أسابيع في فلسطين سنة 1947، وبدلا من أخذ مقترحات فارس الخوري وكميل شمعون على محمل الجد، تعامل معها الفلسطينيون بعدائية مطلقة
وفي 14 مايو 1947 خطب ممثل الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة أندري غروميكو وتحدث مطولا عن ألمه الشديد “والذي لا توجد كلمات لوصفه… حول المآسي والاضطهاد الذي تعرض له الشعب اليهودي في الهولوكوست”. وأفرد ثلاث فقرات كاملة من خطابه لمعاناة اليهود، وقال إنهم يستحقون الآن- بعد كل ما تعرضوا له في زمن هتلر- أن ينالوا حق “تقرير المصير”. وكتب زميله السوري فارس الخوري إلى دمشق، ناصحا بالتعامل مع لجنة “اليونسكوب” بمنتهى الجدية، والتواصل بشكل خاص مع ممثل إيران فيها، لكونه الأكثر تعاطفا بين بقية الأعضاء مع القضية الفلسطينية. وحذّر الخوري من رئيس اللجنة، القاضي السويدي أميل ساندستروم، واصفا إياه بـ”الممل والصهيوني”. أما عن بقية الأعضاء، فقد قال فارس الخوري بأن غالبيتهم ليست لهم أية علاقة بالوطن العربي، ولا يعرفون عنه إلا القليل، ولكنهم يقفون أمام لوبي صهيوني نافذ ومحترف يبذل كل جهد لكسبهم، واحدا تلو الآخر. “يجب علينا أن نفعل الشيء نفسه معهم”. وأضاف الخوري: “لديهم المال ولكننا نملك العقول النيرة”.
السياسي والدبلوماسي الشيوعي السوفييتي البيلاروسي خلال الحرب الباردة أندري غروميكو (1909-1989)
كميل شمعون ممثلا عن المجموعة العربية
لم تنفع هذه العقول في كسب القضية. وفي هذه الأثناء، عينت الوكالة اليهودية مندوبين دائمين للتواصل مع أعضاء “اليونسكوب”: أبا إيبان (وزير خارجية إسرائيل سنة 1966)، والاقتصادي ديفيد هورويتز (الذي أصبح حاكم مصرف إسرائيل سنة 1954). وبالمقابل، كلّف مجلس الجامعة العربية السياسي اللبناني كميل شمعون (رئيس لبنان في مرحلة الخمسينات) بالتواصل مع أعضاء “اليونسكوب” باسم المجموعة العربية، وقد أسهم إسهاما كبيرا في هذا المجال، ونال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة لدفاعه عن حقوق الفلسطينيين، قبل سنوات طويلة من الانقلاب عليهم والعمل ضدهم في أثناء الغزو الإسرائيلي لبلاده سنة 1982، يوم وقف شمعون مع “حزب الكتائب” ضد ياسر عرفات و”منظمة التحرير الفلسطينية”.
العداء لأعضاء “اليونسكوب”
أمضت لجنة “اليونسكوب” خمسة أسابيع في فلسطين سنة 1947، وبدلا من أخذ مقترحات فارس الخوري وكميل شمعون على محمل الجد، تعامل معها الفلسطينيون بعدائية مطلقة. الكثير منهم قاطعوا اجتماعات اللجنة، وعند وصول الوفد الأممي إلى فلسطين استقبل بمظاهرات حاشدة منددة بهم وبالصهيونية وبالأمم المتحدة. وفي المقابل، كانت الوكالة اليهودية قد رتّبت لهم سلسلة من الاجتماعات المنظمة، مع شخصيات يهودية مثقفة وضليعة باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والفارسية. عندما زار أعضاء “اليونسكوب” مدرسة في بئر السبع، رفض مديرها اجتماعهم بالطلاب للاستماع إلى مطالبهم، وفي مدرسة ثانية في الجليل، قابلهم الطلاب بالشتائم والألفاظ النابية. وكتب فارس الخوري من نيويورك غاضبا: “هذا خطأ، ولا يعطي إلا صورة سلبية عنا”. جال أعضاء “اليونسكوب” على المزارع في فلسطين وشاهدوا الآليات الحديثة في يد اليهود، بينما أقلقتهم عمالة الأطفال في المعامل العربية. وحده حسين الخالدي، رئيس بلدية القدس الأسبق ورئيس وزراء الأردن المستقبلي، تكلّم معهم بشكل علمي يوم 16 يوليو/تموز 1947 وقال: “اليهود ليست لهم أحقية تاريخية في فلسطين، ولا ينبغي للعرب أن يدفعوا ثمن ما فعله بهم أدولف هتلر في أثناء الحرب العالمية الثانية. هتلر هو المذنب الحقيقي وليس نحن”. عارض الخالدي فكرة التقسيم، واقترح إنشاء دولة ديمقراطية في فلسطين، يكون لليهود حقوق وواجبات يضمنها القانون والدستور. وقد أيده المدرس الفلسطيني موسى ناصر، مدير مدرسة بير زيت وقال: “عند قيام هذه الدولة بعد انسحاب البريطانيين، يمكن للفلسطينيين مناقشة فكرة جيوب يهودية، شرط أن تبقى الغالبية السكانية للعرب”.
اجتماع القمة العربية في أنشاص عام 1946، من اليمين إلى اليسار: ملك الأردن عبد الله الأول، ملك مصر والسودان فاروق الأول، الرئيس السوري شكري القوتلي، ملك العراق الأمير عبد الإله، خادم الحرمين الشريفين الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود
الاجتماع مع السياسيين العرب
توجه وفد “اليونسكوب” بعدها إلى بيروت للقاء رئيس الوزراء رياض الصلح ووزير خارجية لبنان حميد فرنجية يوم 21 يوليو 1947. كلاهما عارض فكرة التقسيم، وقالوا إن مطامع الصهيونية لا تتوقف عند حدود فلسطين بل تشمل أيضا لبنان وسوريا. وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه، التقى أعضاء اللجنة في صوفر بوزير خارجية سوريا نعيم أنطاكي، ونظيره العراقي محمد فاضل الجمالي. كان الوزير أنطاكي متطرفا في موقفه إذ قال: “يجب طرد اليهود من فلسطين… يجب طردهم جميعا فلا مستقبل لهم في فلسطين”، بينما شبه الدكتور الجمالي الصهيونية بالنازية. وحده ملك الأردن عبد الله بن الحسين كان متقبلا للتقسيم وداعما لفكرة الدولتين، ليس بين الفلسطينيين واليهود بل بينهم وبين المملكة الأردنية الهاشمية.
كانت الهند من أكثر الدول تمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني، وقد طلبت الوكالة اليهودية إلى العالم الشهير ألبرت آينشتاين التواصل مع رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، لإقناعه بتغيير موقفه
في هذه الأثناء كانت الرسائل تنهال على مقر “اليونسكوب” في نيويورك من اليهود في كل أنحاء العالم، مشددين على حقهم بإقامة دولتهم في “أرض الميعاد”. وصل وزن الرسائل إلى طنين من الورق، وضعت كلها بين يدي “اليونسكوب”. القليل جدا من الرسائل وصلت من العالم العربي وكان أعيان الصهاينة في أميركا، من مصرفيين وفنانين ورجال أعمال، يدعون أعضاء اللجنة باستمرار إلى الولائم الفاخرة، بينما كانت الجاليات العربية تقاطعهم، على الرغم من حجمها ووزنها الاجتماعي والاقتصادي. وقد غاب الدبلوماسيون العرب عن الجلسة الأخيرة لأعضاء “اليونسكوب” في الأمم المتحدة يوم 31 أغسطس/آب 1947، بينما حضرها أبا إيبان وديفد هورويتز عن الوكالة اليهودية، وفيها تقرر “التقسيم مع وحدة اقتصادية”.
خريطة تُظهر خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في نهاية الانتداب البريطاني، وتظهر المناطق المخصصة لليهود والعرب الفلسطينيين، عام 1947
عملية التصويت والمخرجات
طالبت كندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا والنرويج والسويد والأوروغواي بإنشاء دولتين مستقلتين في فلسطين، واحدة عربية والثانية يهودية، مع وضع مدينة القدس تحت وصاية دولية. وطلبت بقية أعضاء “اليونسكوب” (الهند وإيران ويوغوسلافيا) بإنشاء دولة واحدة ذات قوميتين. اقترحوا إعطاء اليهود 26 في المئة من فلسطين، بما فيها صحراء النقب وشاطئ حيفا ومدينة يافا، وجعل سكان الدولة اليهودية مليون يهودي و416 ألف فلسطيني، إضافة لقرابة 90 ألفا من البدو الرحّل. وجاء في مقترحهم أيضا جعل الدولة العربية على 36 في المئة من مساحة فلسطين، وتكون من ضمنها الخليل ونابلس وجنين وعكا والناصرة. وفي هذه الدولة- بحسب مقترح الهند وإيران ويوغوسلافيا- يكون عدد السكان 700 ألف عربي وثمانية آلاف يهودي، مع إعطاء سكان الدولتين في السنة الأولى من عمرها حق الاختيار في أي دولة يريدون العيش والإقامة الدائمة. واقترحوا أخيرا جعل بيت لحم والقدس تحت وصاية مباشرة من الأمم المتحدة، على أن يكون عدد سكانها 200 ألف شخص، نصفهم يهودي ونصفهم الآخر عربي. ورد الرئيس السوري شكري القوتلي: “هذا هراء لا يمكن لعاقل أن يقبله”، بينما قال ديفيد بن غوريون: “إنها بداية الخلاص”.
القرار الأممي 181
بعد ثلاثة أشهر من صدور توصيات “اليونسكوب”، صدر القرار 181 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى ثلاث دول، واحدة عربية وواحدة يهودية وثالثة تحت إشراف دولي في القدس. أعطي العرب المرتفعات حيث لا يوجد مخزون كافٍ للمياه، وخصص لهم الجليل الغربي، وعكا، والشاطئ الشرقي من أسدود. كانت يافا ضمن حدود الدولة العبرية، ولكنها نقلت إلى الدول العربية قبل التصويت على القرار في الجمعية العامة. أعطيت الدولة العبرية 55 في المئة من مساحة فلسطين، بما فيها مرج بني عامر وحيفا والجليل الشرقي وميناء أم الرشراش (إيلات)، مع صحراء النقب لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المهاجرين القادمين من أوروبا.
قبل التصويت، نشطت الوكالة اليهودية في أروقة الأمم المتحدة وخارجها، وأصبح بار فندق والدورف أستوريا مكانا لاجتماع اللوبي اليهودي-الأميركي مع ممثلي الدول في الأمم المتحدة. كان فارس الخوري من القلائل الذين حضروا هذه الجلسات، حيث كان يجتمع مع بقية المندوبين الدائمين، وأعضاء الكونغرس الأميركي. لم يشارك في مجلسه الكثير من الدبلوماسيين العرب، ومن دمشق كانت تأتيه تقارير تصعّب عليه مهمته، ومنها أن فوزي القاوقجي قال أمام حشد من الصحافيين من وكالات الأنباء الأجنبية: “سنقتل كل من يقف في وجهنا، وندمر كل شيء، أميركياً كان أم بريطانياً أم يهودياً”.
الصهاينة يلجأون إلى آينشتاين
كانت الهند من أكثر الدول تمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني، وقد طلبت الوكالة اليهودية إلى العالم الشهير ألبرت آينشتاين التواصل مع رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، أملا في إقناعه بتغيير موقفه. كتب آينشتاين إليه مذكرا بأن اليهود كانوا “ضحايا التاريخ على مدى القرون” وبأن الهند عليها أن تفكر ملياً قبل اتخاذ موقف تاريخي قد يضر بمصالحهم. رد نهرو برسالة عبّر فيها عن تعاطفه الكامل مع مأساة الشعب اليهودي، ولكنه رفض تغيير موقف بلاده من التقسيم.
رئيس الوزراء الهندي بانديت جواهر لال نهرو يزور الفيزيائي ألبرت أينشتاين في جامعة برينستون في 8 نوفمبر 1949
وواجه اليهود موقفا مماثلا من الصين، التي رفضت الانصياع لمطالبهم خوفا من ردة فعل سكانها المسلمين، وكان عددهم عشرين مليونا. وقال المندوب الصيني ويلنغتون كو، سفير الصين السابق في الولايات المتحدة ورئيس وزرائها الأسبق: “بلادنا لا تستطيع التصويت معكم لاعتباراتها الخاصة. سوف نمتنع عن التصويت وكذلك ستفعل الباراغواي وكوبا ودولة الفاتيكان”.
صوتت الجمعية العامة على قرار التقسيم يوم 29 نوفمبر1947، وتبنته 33 دولة. وجاء فيه أن التقسيم سيدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد انتهاء الانتداب البريطاني، بمدة أقصاها 1 أغسطس 1948
أما فرنسا فقد وجدت نفسها في معضلة، لوجود 16 مليون مسلم في مستعمراتها، جميعهم متحمسون للقضية الفلسطينية ورافضون لمبدأ التقسيم. صوتها في الأمم المتحدة كان من شأنه التأثير في صوت بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ والدنمارك، وكانت ضمنيا تريد التصويت لصالح التقسيم. دعي رئيس وزرائها الأسبق ليون بلوم للخروج من تقاعده، وهو يهودي اشتراكي له علاقات متينة في الداخل والخارج، وشنّ حملة عالمية لصالح التقسيم.
وفي الولايات المتحدة تعرض الرئيس هاري ترومان إلى ضغوطات هائلة وقال إنه لم يتعرض لحملة مماثلة في حياته السياسية، وقد طلب إلى مساعده ديفيد نيل الاتصال بالمندوب الأميركي في الأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر ليقول له: “عليك ترتيب كل الأصوات وإلا سنذهب إلى الجحيم إن حصل خطأ ما”. وجنّد 28 سيناتورا أميركياً للعمل لأجل التقسيم. وكتب كميل شمعون معقبا بأن الولايات المتحدة تمارس “هيمنة سوداء على قرار الأمم المتحدة”.
تبني القرار
صوتت الجمعية العامة على قرار التقسيم يوم 29 نوفمبر1947، وتبنته 33 دولة. وجاء فيه أن التقسيم سيدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد انتهاء الانتداب البريطاني، بمدة أقصاها 1 أغسطس 1948. وطلبت من الدول الأعضاء التصويت بحسب أحرف الهجاء وعندما وصل الدور إلى مندوب سوريا فارس الخوري ومندوب السعودية الأمير فيصل بن عبد العزيز، كانت النتيجة قد حسمت لصالح التقسيم. جاء رفض التقسيم من اليونان وكوبا والهند والمجموعة العربية، بينما صوتت أميركا وأوروبا الغربية كلها مع القرار، وكذلك فعلت المجموعة السوفياتية كاملة ومعظم دول أميركا اللاتينية. وامتنعت بريطانيا وتشيلي والصين عن التصويت، وبثت الجلسة التاريخية عبر أثير إذاعة “BBC” حيث سهر الزعماء العرب حتى ساعات الصباح الأولى لمتابعتها. وصدموا بالنتيجة، بينما رحّبت بها الوكالة اليهودية، وعلّق بن غوريون بالقول: “لم أعرف إنجازا أعظم من هذا الإنجاز التاريخي”.
دعا الأزهر إلى جهاد مقدس ردا على القرار، وأثنى على دعوته علماء الجامع الأموي بدمشق والمسجد النبوي في السعودية. وخطب الرئيس شكري القوتلي قائلا: “أفضل الموت على قبول هذه الجريمة بحق شعب فلسطين، وفتحت أبواب الجهاد في كل من مصر وسوريا والسعودية والعراق واليمن وليبيا. وقلل موشي شاريت، ثاني رئيس وزراء إسرائيلي، من هذه التهديدات، وقال: “فيها الكثير من المغالاة وسخيفٌ هو من يعتقد أن موقف العرب سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة”.