بدأت اسرائيل بخطوات تصعيدية هجومية ما بعد عملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر/ تشرين الاول من العام الماضي 2023، واخذ الصراع يشتد ما بعد اغتيال قيادات مهمة في المقاومة الفلسطينية لاسيما حادثة استشهاد اسماعيل هنية في قلب العاصمة الايرانية طهران مما شكل ذلك صدمة واستفزاز وتحدي كبير لإيران، كون هذه العملية تحمل تحدي امني (لان عملية الاغتيال تمثل اختراق امني واستخباري) وتحدي مكاني (كون الشهيد هنية منذ زمن بعيد يقيم في قطر ولم يستهدف) بمعنى ان الاستهداف لإيران اكثر منه للمقاومة الفلسطينية، وتحدي زماني (قصف اربع دول في وقت متقارب اليمن، لبنان، العراق، ايران)، مما سبق نستنتج ان اسرائيل قاصدة التصعيد ولم يكن صدفة، وليس امام ايران الا الرد، والتساؤل يكمن في طبيعة الرد من حيث الزمان والمكان؟.
وفي ظل هذا التصعيد الخطير اصبحت منطقة الشرق الاوسط على صفيح ساخن واصبح الوضع اكثر تعقيدا، بمعنى ان الحلول الدبلوماسية اصبحت صعبة للغاية في ظل استهداف نوعي يطال العمق الايراني، مما جعل طهران تؤكد ان الرد قائم لا محالة مهما كانت الظروف، وجميع المحاولات الدبلوماسية يفترض ان تفعل ما بعد انتهاء الرد الايراني على التصعيد الاسرائيلي الاخير.
ابتدأ ان الرد سوف لن يكون رداً ايرانيا خالصاً بل سوف تشترك في الرد فصائل المقاومة في لبنان وسوريا واليمن والعراق، مما يعني احتمالية توسعة الصراع والدخول في الحرب الشاملة قائمة ضمن الاحتمالات الواردة.
تقسم الدول حيال التصعيد الى ثلاثة اقسام، قسم يعمل على التصعيد (ومنهم روسيا)، وقسم يعمل على عدم التصعيد (ومنهم العراق ومصر والاردن)، ومنهم من يدرس تبعات التصعيد وهو محتار في نتائجه (ومنهم دول الخليج العربي)، ونعتقد ان العراق سوف يكون المتضرر الاكبر من التصعيد، لان فصائل المقاومة في العراق سوف تشترك بالرد عند التصعيد، بمعنى التحول من طرف غير مباشر بالصراع الى طرف مباشر، صحيح ان القضية الفلسطينية قضية اسلامية ومحورية لا تهم طرف دون اخر، ولكن دول عربية ومنها العراق يحاول ان يفعل الجهود الدبلوماسية من اجل ايقاف الحرب في غزة ووقف الانتهاكات والمجازر الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بالطرق السياسية والدبلوماسية بعيدا عن الصدام المباشر.
صانع القرار في العراق منذ اليوم الاول للتصعيد فعل الوساطات من اجل التهدئة ووقف اطلاق النار، كونه يدرك جيدا ان التصعيد حتماً قد يؤدي الى غلق الممرات التجارية المائية ومنها مضيق هرمز الذي يعتمده العراق في تصدير النفط، وايقاف الصادرات النفطية العراقية يعني ذلك انهيار الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على بيع النفط بنسبة لا تقل عن 90% هذا على الصعيد الاقتصادي، وايضا على الصعيد الامني والعسكري بعد اتساع الحرب والصراع تصبح حلول معقدة، ونهاية الحرب غير معلومة، كون ان التحكم ببداية الحرب اسهل بكثير من نهايتها.
اما فيما يتعلق بالموقف الروسي الداعم للتصعيد، فهو يعتقد ان التصعيد ضد اسرائيل والولايات المتحدة يخفف الضغط عليها في الحرب الاوكرانية، وهي مستعدة لتزويد ايران بمختلف الاسلحة والصواريخ المتقدمة نكاية بالولايات المتحدة، وهي ترغب في تضرر مصالح الولايات الامريكية في المنطقة، وتعمل على ايجاد بديل لها في مجابهة الولايات المتحدة ومخططاتها سواء في الشرق الاوسط او في شبه جزيرة القرم.
عدم حدوث الرد المباشر مقصود، كون التأخير قد يدخل في سياسة الرد والانتظار الإسرائيلي لحدوث رد قد يكون مفاجئ وغير متوقع افضل بكثير لإيران من رد معلوم ومستعد له الاطراف الاخرى سواء كانت اسرائيل او الولايات المتحدة الامريكية، ولكن مهما طال الزمن سوف لن يتجاوز الرد شهر اب الحالي، ولكن هناك ثلاث احتمالات لطبيعة الرد وكما يلي:
اولا: الرد المباشر على قواعد عسكرية او منشآت حيوية
ان ايران تحاول ان يكون الرد من جنس الفعل، بمعنى يجب ان يكون الرد ايراني في قلب اسرائيل مثلما فعلت الاخيرة عند استهداف الشهيد اسماعيل هنية في العاصمة طهران، هذا الرد المتوقع هو شبيه بالرد الايراني في ابريل/ نيسان الماضي الذي كان نتيجة قصف اسرائيل للقنصلية الايرانية في سوريا، ولكن قد يكون هذا الرد اكثر تأثيرا من حيث اختيار المواقع المهمة فضلا عن الزيادة في عدد الصواريخ المستعملة كماً ونوعاً.
ثانيا: الرد غير المباشر عبر فصائل المقاومة في المنطقة
الاحتمال اعلاه وارد ولكنه ضعيف الحدوث، كون ان الرد يرتبط بحادثة استشهاد اسماعيل هنية، وليس الرد يرتبط بموضوع ما يجري من انتهاكات اسرائيلية في غزة، مما يجعل الرد كونه يمثل رد اعتبار لإيران بشكل مباشرة.
ثالثاً: الرد المزدوج المباشر وغير المباشر
قد يكون هناك رد ايراني مباشر مع تنسيق عالي المستوى مع جميع فصائل المقاومة الحليفة لإيران سواء في لبنان او سوريا او العراق او اليمن، ولكن هذا الاحتمال اقل توقعاً كون ذلك يعني دخول المنطقة بحرب شاملة التي لا ترغب بها جميع الاطراف، لان ذلك يعطي الذريعة لحلفاء اسرائيل في مقدمتهم الولايات المتحدة وبريطانيا بالرد المضاد على الرد الايراني، فضلا عن ذلك ان جميع الاطراف لا ترغب الصدام المباشر وتفضل الردع والتهديد باستعمال القوة اكثر من استعمال القوة ذاتها في حرب شاملة قد تكون مدمرة للجميع.
مما سبق يتضح ان طبيعة الرد يجب ان تنسجم مع طبيعة الحدث والاختراق الامني والعسكري الاسرائيلي للسيادة الايرانية من خلال استهداف الضيف اسماعيل هنية، بمعنى ان ايران في اختبار صعب للغاية اختبار يتعلق بحقيقة قوتها الدفاعية والهجومية التي تلوح بها من خلال مناوراتها العسكرية، من غير الممكن ان يمر هكذا حدث على ايران مرور الكرام، او يكون الرد ضعيف او محدود التأثير، لان ذلك قد يؤدي الى ضعف ايران حتى في المفاوضات المستقبلية بخصوص برنامجها النووي، حيث ان ايران دائما ما تحاول ان تفاوض من منطلق امتلاك القوة والتأثير في المنطقة، مما يجعل حتمية الرد النوعي قائمة، ولكن الجميع يحذر ويتخوف من الردود على الرد كيف سيكون من قبل اسرائيل وداعمها الاساس الولايات المتحدة الامريكية.
المصدر : https://www.mcsr.net/news912