لم يعد خافيًا أن الأزمة الأوكرانية التي تدخل الشهر الجاري عامها الأول قد تحولت بشكل جلي إلى ساحة للتراشق المتبادل بين ما يمكن أن نطلق عليه “الحلفاء” و”المحور الشرقي”، وهو تراشق كان قبل عام واحد فقط منحصرًا في المناورات السياسية والعسكرية، دون الاقتراب من “حافة الهاوية” الاستراتيجية والميدانية. بطبيعة الحال كانت بداية هذا التحول واضحة منذ اليوم الأول للمعارك في الجبهات الأوكرانية المختلفة، لكن جاءت سلسلة الخطوات الغربية الأخيرة، والتي توجتها زيارة الرئيس الأمريكي إلى كييف يوم 21 فبراير 2023، لتشكل بعدًا جديدًا من أبعاد هذا المشهد، عنوانه العريض هو “استمرار الضغط الميداني على موسكو”.
يبدو من الأهمية بمكان، وضع السياق والتوقيت الخاص بزيارة بايدن لأوكرانيا في الحسبان لفهم مآلات هذه الزيارة وأهدافها، فقد جاءت قبيل حلول الذكرى السنوية الأولى لانطلاق “العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا”، في الرابع والعشرين من فبراير 2022، وهي الذكرى التي تتضمن -بطبيعة الحال- احتمالات واسعة للتصعيد من جانب موسكو، ليس فقط على المستوى الميداني الذي يشهد تطورات مهمة، لكن أيضًا على المستوى السياسي، خاصة وأن الزيارة جاءت قبل يوم واحد من الخطاب المهم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي تضمن لهجة تصعيدية واضحة كانت متوقعة في ظل السياق التصعيدي المقابل من جانب معسكر “الحلفاء”، وفي ظل تداعيات زيارة بايدن لكييف، والتي مثلت في حد ذاتها نقلة كبيرة في مستوى التوتر المتصاعد بين المعسكرين.
السياق والتوقيت في زيارة بايدن لكييف
بايدن -الذي زار أوكرانيا للمرة الثامنة منذ دخوله المعترك السياسي والأولى منذ توليه منصبه الحالي كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية- اختار زيارة كييف في هذا التوقيت، وفضل عدم القيام بذلك عندما زار بولندا المجاورة في أبريل 2022، حيث كان الموقف الميداني الأوكراني في ذلك التوقيت في أسوأ مراحله، وكانت الضربات الصاروخية الروسية مستمرة على كامل المناطق الأوكرانية، بما في ذلك المنطقة الغربية.
وحينها علل بايدن عدم زيارته كييف بوجود مخاوف أمنية كبيرة تحول دون قيامه بهذه الزيارة، وفضل إرسال عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين إلى كييف، من بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي زارها في سبتمبر 2022، بجانب كل من وزير الدفاع لويد أوستن ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز الذي كان آخر الزائرين للعاصمة الأوكرانية قبل زيارة بايدن، علمًا بأن السيدة الأولى الأمريكية جيل بايدن، كانت قد التقت بنظيرتها الأوكرانية أولينا زيلينسكي في مدينة صغيرة في أقصى الجنوب الغربي الأوكراني في مايو 2022.
عدم زيارة بايدن لأوكرانيا خلال العام المنصرم -رغم الدعوات الأوكرانية المتكررة- وتفضيله استقبال الرئيس الأوكراني في واشنطن وإرسال المسؤولين الأمريكيين إلى كييف كانت تشكل في حد ذاتها ضغطًا على الرئيس الأمريكي، سواء من الأوساط السياسية الأمريكية أو حتى من الدول الأوروبية التي بادرت بإرسال عدد من كبار قادتها خلال هذه الفترة إلى كييف، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون؛ فقد أظهر هذا الوضع الولايات المتحدة في خانة “متمايزة” عن بقية الدول الغربية، فيما يتعلق بالملف الأوكراني، رغم حقيقة أن الدعم الأكبر الذي تتلقاه أوكرانيا حاليًا يأتي من واشنطن.
لذا من حيث الشكل يمكن القول إن الجانب الداخلي من زيارة بايدن لأوكرانيا كان أساسيًا، ليس فقط بسبب رغبة بايدن في إظهار صورة “مرضية” للناخب الأمريكي الذي يبدو دوره أساسيًا خلال انتخابات العام المقبل، بل أيضًا لأن الرئيس الأمريكي حاول من خلال هذه الزيارة الإيحاء بأنه خاطر بالسفر إلى أوكرانيا رغم المحاذير الأمنية الكثيرة، بشكل يضعه في مصاف الرؤساء الأمريكيين الذين قاموا سابقًا بزيارة دول تجري فيها عمليات عسكرية نشطة، مثل كل من: دونالد ترامب، وباراك أوباما، وجورج دبليو بوش، الذين قاموا خلال فترات رئاستهم للولايات المتحدة الأمريكية بزيارات مفاجئة إلى أفغانستان والعراق، خلال فترة وجود القوات الأمريكية هناك.
لكن يمكن القول أيضًا إن زيارة بايدن لكييف -من حيث الشكل- هي أقرب لزيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي إلى برلين الغربية عام 1963؛ نظرًا إلى أن زيارة بايدن لم تتم مواكبتها بحراسة أو مراقبة عسكرية جوية مباشرة من جانب القوات الأمريكية، منعًا لأي استفزاز غير مقصود لسلاح الجو الروسي، وهو نفس الحال الذي كان عليه الوضع خلال زيارة كينيدي إلى برلين الغربية، والتي كان الهدف الأساسي منها توجيه رسالة “قريبة” لموسكو، بعد عامين من تقسيم برلين إلى شرقية وغربية، وفشل جهود التقارب بين واشنطن وموسكو.
زيارة الرئيس الأمريكي التي وصفت بـ “التاريخية” تعد الزيارة الأولى لرئيس أمريكي إلى أوكرانيا منذ زيارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش إلى كييف في أبريل 2008، علمًا بأن بايدن كان دائم التردد على العاصمة الأوكرانية خلال توليه منصب نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وهي زيارات أسهمت في نسج علاقات وثيقة بينه وبين الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشنكو، وكان له دور مهم كشف عنه بايدن نفسه في كتابه المعنون “Promise Me, Dad: A Year of Hope, Hardship, and Purpose” في الأزمة السياسية التي شهدتها أوكرانيا عام 2014، وتسببت في إجبار الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش -حليف موسكو على مغادرة البلاد.
وقد ذكر بايدن في هذا الكتاب المنشور عام 2017 أنه طلب من “يانكوفيتش” بشكل واضح الاستقالة من منصبه، وأكد أن الولايات المتحدة كانت منخرطة بشدة في هذه الأزمة. لذا لم يكن مستغربًا أن تأتي زيارة بايدن إلى كييف بالتزامن مع حلول ذكرى “أبطال المئة السماوية” التي تحتفل بها أوكرانيا في العشرين من فبراير من كل عام، لتخليد ذكرى المتظاهرين الذين قتلوا في المواجهات مع قوات الأمن خلال المظاهرات التي واكبت أزمة عام 2014.
الجانب الداخلي في هذه الزيارة كان لافتًا من خلال ردود الفعل الصادرة عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فقد بدا منها أن حالة الدعم المقدمة لأوكرانيا تحظى برضا كبير في كلا الحزبين، رغم وجود مخاوف جدية من صعوبة إرسال مساعدات إضافية إلى كييف، في ظل وجود تردد واضح من جانب الكونجرس الأمريكي حيال هذا الأمر. لكن في الوقت الحالي يبدو أن هناك اتفاقًا على أهمية زيارة بايدن إلى كييف، حتى من بعض أشد منتقدي بايدن، مثل السيناتور الجمهوري البارز ليندسي جراهام الذي قال في تصريحات صحفية إن زيارة بايدن ساهمت بشكل جيد في حفظ المصالح الأمريكية في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.
لكن رغم هذا الجو العام، ظهرت انتقادات مهمة لزيارة بايدن لكييف، خاصة من بعض الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب، مثل النائب عن ولاية بنسلفانيا سكوت بيري، والنائب عن ولاية نورث كارولينا جريج مورفي، والنائبة عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور جرين، حيث رأى بعضهم أن بايدن يعطى أولوية للوضع في أوكرانيا على قضايا السياسة الداخلية، في حين يرى البعض الآخر أن لهذه الزيارة ارتباط وثيق بحادث المنطاد الصيني، في حين كانت بعض الانتقادات تركز على “تأخر” بايدن في القيام بهذه الزيارة.
على المستوى الخارجي، يمكن القول إن زيارة بايدن كانت استكمالًا لمسار طويل بدأ عمليًا في مارس 2022، حين قام بجولة أوروبية بدأها بزيارة العاصمة البلجيكية بروكسل، للمشاركة في قمة زعماء دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” وقمة الدول الصناعية السبع الكبرى، وكذا اجتماع المجلس الأوروبي، وهي الجولة التي أطلق من خلالها بايدن حملة الدعم العسكري والمالي المخصصة لدعم كييف.
منذ ذلك التوقيت، عملت الولايات المتحدة على حشد الدعم الأوروبي لأوكرانيا عبر ممارسة ضغوط متفاوتة الشدة على العواصم الأوروبية؛ لتوسيع قاعدة الدعم العسكري، وهو ما تم التأكيد عليه خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الأسبوع الجاري، على لسان نائبة بايدن كمالا هاريس، التي أطلقت مواقف قوية أكدت فيها على استمرار بلادها في تقديم الدعم لأوكرانيا “طالما هناك حاجة، ومن دون تردد”.
المواقف الأمريكية الأخيرة جاءت في سياق ملحوظ تتصاعد فيه الضغوط الدولية على موسكو من عدة اتجاهات جغرافية؛ ففي مولدوفا، شككت رئيسة الوزراء المولدوفية المعينة حديثًا دورين ريسين في وضعية بلادها الحيادية، وأعربت عن قناعتها بضرورة السيطرة الكاملة لبلادها على منطقة “ترانسنيستريا” المتاخمة للحدود مع أوكرانيا، التي توجد فيها وحدات عسكرية روسية.
كذلك خفضت ليتوانيا الحصة المخصصة لنقل البضائع الخاضعة للعقوبات عبر أراضيها إلى منطقة “كالينينجراد” الروسية المطلة على بحر البلطيق، حيث تم تخفيض هذا الحد إلى 2.89 مليون طن، وهو أقل بنسبة 7 بالمائة مما كان عليه في عام 2022. المخابرات العسكرية الهولندية من جانبها تحدثت عن رصدها تحركات بحرية روسية في بحر الشمال، واتهمت موسكو بالتخطيط لشل الشبكة الكهربائية الهولندية عبر تخريب الكابلات البحرية ومزارع الرياح وخطوط أنابيب الغاز في بحر الشمال.
يضاف إلى ذلك إعلان اليابان -في نفس يوم زيارة بايدن لأوكرانيا- عن حزمة مساعدات بقيمة 5.5 مليارات دولار، مخصصة لدعم كييف، وأعلن رئيس الوزراء الياباني أنه سيستضيف اجتماعًا افتراضيًا بين قادة مجموعة السبع والرئيس الأوكراني الجمعة القادمة، يسبقه بيوم اجتماع لوزراء مالية دول مجموعة السبع، وهي مواقف تأتي بعد حديث طوكيو المتكرر عن ملف جزر “الكوريل” المتنازع عليها بينها وبين موسكو، وكذا فرض طوكيو عقوبات اقتصادية على روسيا تم إعلان آخرها الشهر الماضي، وشملت حظر شحن مواد متنوعة إلى 49 منظمة في روسيا. وهي عقوبات يتوقع أن يتم تعزيزها من جانب الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن بحثه فرض الحزمة العاشرة من العقوبات الاقتصادية على روسيا هذا الأسبوع.
الصين .. والدعم التسليحي لأوكرانيا
المحور الأهم في زيارة “الخمس ساعات” التي قام بها الرئيس الأمريكي إلى العاصمة الأوكرانية -بجانب التأكيد على القيادة الأمريكية للمواجهة الجارية حاليًا مع موسكو في أوكرانيا والرغبة في إرسال هذه الرسالة من النقطة “الأقرب” إلى روسيا- كان الدور الصيني “المحتمل” في دعم روسيا على المستوى التسليحي فيما يتعلق بهجوم “الربيع” المرتقب.
تتحسس واشنطن بشكل كبير من أي دور صيني، خاصة أن من المباعث الأساسية لانخراط الولايات المتحدة بشكل واسع في دعم أوكرانيا ضد موسكو ينبع من الرغبة في عدم ترك المجال واسعًا أمام موسكو لتحقيق أهدافها في أوكرانيا، بشكل قد يمثل دافعًا ومحفزًا إضافيًا أمام بكين للتحرك بشكل مماثل ضد تايوان.
وعلى الرغم من عدم وجود أية دلائل واضحة -على المستوى الميداني- لدعم تسليحي صيني للقوات الروسية المقاتلة في أوكرانيا، فإن العلاقات العسكرية بين موسكو وبكين تتصاعد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بل ان كلا الجانبين قد قاما أواخر العام الماضي بتنفيذ دوريات جوية مشتركة في أجواء بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، سبقتها في شهر سبتمبر مناورات بحرية تكتيكية في المحيط الهادي، وهي مناورات شملت حينها تنفيذ مجموعة من القطع البحرية الصينية والروسية دورية مشتركة في نطاق بحر “بيرينج”، على التخوم الحدودية الأمريكية في ألاسكا، وهي إجراءات ربطتها واشنطن مؤخرًا مع حادث المنطاد الصيني.
القناعة الأمريكية في هذه المرحلة تفيد بأن موسكو تحتاج بشكل كبير إلى دعم تسليحي من جانب بكين، خاصة على مستوى الذخائر، لذا تكررت التحذيرات الأمريكية من هذا الأمر، بداية من حديث وزير الخارجية أنتوني بلينكن عدة مرات عن بدء الصين بشكل جدي بحث إمكانية تزويد موسكو بذخائر ومنظومات قتالية وهو ما أكد عليه الوزير الأمريكي خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا، وكذلك أكدت نائبة الرئيس الأمريكي على نفس المعنى خلال كلمتها في منتدى ميونيخ للأمن منذ أيام، وكان هذا التأكيد أكثر تصعيدًا حين اتهمت بشكل صريح الصين بالتورط في دعم موسكو منذ بداية الحرب في أوكرانيا. لهذا يمكن اعتبار زيارة بايدن إلى كييف بمثابة رسالة إلى بكين بنفس القدر الذي يمكن اعتبارها فيه رسالة إلى موسكو.
ورغم أن الجانب المتعلق بالدعم التسليحي الأمريكي إلى كييف يبقى من الجوانب المهمة، إلا أنه لا يعد جانبًا أساسيًا في زيارة بايدن؛ بحكم أن إعلانه لم يكن يحتاج إلى زيارة من هذا المستوى، وكان يكفي الإعلان عنه من البيت الأبيض. أعلن بايدن خلال زيارته إلى كييف عن التزام الدول الغربية بإرسال نحو 700 دبابة قتال إلى أوكرانيا، وآلاف المركبات المدرعة، ونحو 1000 مدفع ميدان متنوع، وأكثر من مليوني دانة مدفعية، وانظمة دفاع جوي.
وأعلن كذلك عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 460 مليون دولار، شملت في مجملها ذخائر خاصة بمنظومات “هيمارس” الصاروخية، وذخائر متنوعة أخرى، بجانب عربات قتال مدرعة، ورادارات للمراقبة الجوية. هذه الحزمة في حد ذاتها لم تكن محور زيارة بايدن، بل كان محور المناقشات التي تمت فيها هو ملف المنظومات بعيدة المدى والمقاتلات، حيث تلح كييف منذ فترة على التزود بمنظومات صاروخية متوسطة المدى، ومقاتلات جوية.
لكن ظلت واشنطن التي أمدت أوكرانيا حتى الآن بما قيمته 30 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وساهمت بشكل واضح في حلحلة الاعتراضات الأوروبية -الألمانية تحديدًا- فيما يتعلق بتزويد أوكرانيا بالدبابات مازالت مترددة في مسالة تزويد القوات الجوية الأوكرانية بمقاتلات غربية، وهي مسألة طرحتها كييف بشكل مباشر على واشنطن في يناير الماضي حين طلبت التزود بمقاتلات “إف-16” الأمريكية، وهو ما تم بحثه خلال زيارة بايدن إلى كييف.
بشكل عام، تضغط مجموعة من المشرعين من كلا الحزبين في الولايات المتحدة الأمريكية للتجاوب مع الطلب الأوكراني، حيث أرسل الأسبوع الماضي عدد منهم رسالة إلى الرئيس الأمريكي تفيدة بضرورة تزويد كييف بهذا النوع من المقاتلات؛ للمساعدة في حماية مجالها الجوي، ودعم الجهد الميداني المتوقع زيادته خلال المدى المنظور.
يتوقع أن تحسم واشنطن هذه المسألة قريبًا، خاصة أن بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا قد أعربت عن إمكانية تبرعها بعدد من مقاتلات “تورنيدو”، وإن كان المضي في هذه الخطوة -إن تم- سيمثل استفزازًا غير محسوب العواقب لموسكو، خاصة أن واشنطن تفادت القيام بهذه الخطوة سابقًا، وفضلت الإيعاز لبعض الدول الأوروبية التي تمتلك مقاتلات ذات منشأ شرقي كي ترسل بعضها إلى أوكرانيا.
تدور هذه المداولات في وقت بدأ فيه وصول عربات القتال المدرعة من نوع “برادلي” إلى بولندا، وبدء عمليات التدريب عليها بشكل فعلي، وهو ما تم تعزيزه عبر تطور مهم يتمثل في زيادة مدى الذخائر الخاصة براجمات “هيمارس” التي تزودت بها أوكرانيا بمقدار الضعف، حيث تم تزويد هذه الذخائر بحزمة “GLSDB” التي تجعل من المدى الأقصى لهذه الذخائر نحو 150 كيلو مترًا، مقارنة بالمدى الحالي الذي يبلغ 80 كيلو مترًا.
هذه الحزمة هي نسخة أرضية من قنابل القطر الصغير الجوية، وتمنح الصواريخ الخاصة بمنظومات “هيمارس” القدرة على الانزلاق في الجو لعشرات الكيلومترات، والمناورة وتغيير المسار للوصول إلى هدفها، وهو ما يغطى عمليًا كامل المناطق الأوكرانية التي تحتلها روسيا عدا القسم الجنوبي من شبه جزيرة القرم، وهي إضافة تأمل واشنطن وكييف في أن تسهم -بجانب المدرعات والدبابات القادمة- في تكرار سيناريو الجبهة الشمالية الشرقية الذي تمكنت فيه القوات الأوكرانية منتصف العام الماضي من تنفيذ عدة هجمات ناجحة استعادت من خلالها مساحات واسعة في محيط مدينة خاركيف.
خلاصة القول، إن زيارة بايدن إلى كييف تمثل استمرارًا لنهج “الرسائل المتبادلة” بين واشنطن وموسكو، ومن خلالها تم تدشين تحول الأزمة الأوكرانية إلى مواجهة مباشرة بين الجانبين، وعززت واشنطن من خلالها تموضعها على رأس الجهد الداعم لأوكرانيا في هذه المرحلة، وهو ما يمثل بالتالي رسالة للدول الأوروبية الأخرى كي تحذو نفس المنحى.
الرسالة الموجهة إلى بكين كانت أيضًا واضحة ولا يمكن تجاهلها، ولكن الرد المنتظر من موسكو سيكون رهنًا بالتطورات التي سيشهدها الميدان الأوكراني خلال الأسابيع المقبلة، وهي تطورات بدا من مضمون خطاب الرئيس الروسي يوم 21 فبراير أنها ستكون في الاتجاه التصعيدي، على الأقل حتى يتم الوصول إلى نقطة ميدانية مرضية للداخل الروسي، خاصة في الجبهة الشرقية التي تقترب فيها القوات الروسية حثيثًا من السيطرة على مدينة باخموت غير البعيدة عن خط الاشتباك السابق في الدونباس.
.
رابط المصدر: