الرسالة بعد حامل الرسالة القانون الإلهي

مصطفى العسكري

في كل الأنظمة الكونية توجد قوانين ثابتة. كل قانون يعرف وظيفته المناطة اليه ويتم من خلال هذه القوانين انسيابية عمل النظام الكوني قال تعالى ({وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (سورة يس 39 -40)
وكذلك في الأرض توجد أنظمة الهية متى ما عطل العمل بها حل الظلم والاضطهاد فيها. لذلك لا يجوز الخروج عن القانون الرباني او ابدلاه بغيره من القوانين الوضعية حتى لا تتعطل الحياة وتحل الفوضى فيها.
القانون الرباني هو الاختيار الإلهي الأمثل لبناء مجتمع نموذجي متكامل لأنه لا يكون الا عن حكمة منه تعالى في هذا الاختيار وعلمه بمصالح العباد ومنافعهم ومضارهم وعلى هذا الأساس أحل أشياء وحرم أخرى هو اعلم بمضارها ومخاطرها على الانسان كما في رسالة محمد بن سنان الى الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
يسأله فيها عن صحة ما يدعيه بعض المسلمين من عدم وجود حكمة للحلال والحرام في الإسلام وان المقصود من ذلك هو التعبد والانقياد الى الله فقط فكتب (عليه السلام) في جوابه:
(قد ضل من قال ذلك ضلالا بعيدا ………ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة للعباد اليه ووجدناه مفسدا داعيا الى الفناء والهلاك) بحار الانوار
وكذلك اختياره تبارك وتعالى للرسل والانبياء والائمة (عليهم السلام) على هذا الأساس الغيبي الذي لا يعلمه الا هو. (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (سورة الأَنعام 124)
وعند ما نطالع حياة أولئك المختارون نرى اغلبهم من الفقراء والضعفاء حتى ان بعض الوجهاء من اقوامهم قد عابوا عليهم ذلك {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} (سورة هود 91)
وفي نفس الوقت نراهم أفضل اهل زمانهم من حيث العلم والمعرفة ومكارم الاخلاق والحلم والشجاعة والصدق والعفة والشرف ومساعدة المحتاجين والوقوف بوجه الظالمين ومنقطعين الى الله تبارك وتعالى ولم تتلوث أنفسهم بالأدران التي كانت شائعة في مجتمعاتهم واقوامهم.
فالأكثرية الباطلة عند الله تعالى قلة والأقلية الحقة عند الله تعالى أكثرية. في القانون الإلهي العزيز عند قومه المعرض عن عبادة ربه ذليل مهما على شأنه ومكانته بينهم. والمؤمن الورع الفقير الذي لا يملك شيء من الوجاهة بين مجتمعه عزيز عند الله تعالى وعندما يكون عزيز عند الله يعز عند الناس رغما على انوفهم لأن الرعاية الإلهية حاليفة المؤمن في مسعاه لله تعالى لذلك خلد الأنبياء ودحر الاشقياء. وهناك قانون عقلي عند ما يهمله البشر يخل التوازن العملي في سير الحياة سواء كان على نطاق الدين او الحكم او القبيلة او الاسرة وهو تقديم المفضول مع وجود الأفضل ليس الأكبر سنا او الأكثر عددا او الأقوى. بل الأفضل هو الذي تتوفر فيه الأفضلية على الاخرين بما يملك من مؤهلات ومقومات علمية وفكرية وخبرة في إدارة الأمور والسيطرة عليها. وكل هذه المقومات توفرت في الأنبياء والاولياء الذين اصطفاهم الله تعالى لقيادة البشرية وتبليغ الرسلات السماوية ومنها الرسالة الختامية التي حمل شعلتها النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه واله) حيث بعث الى امة جاهلة تعيش على الغدر والفتك بالأمنين والسلب والنهب وقطع الطرق وتعبد الاوثان والاصنام ورفعها من الحضيض الى خير امة اخرجت للناس تؤمن بالقيم والمبادئ وتعمل الاحسان بعد معاناة ومشقة وتحمل صلى الله عليه واله الأذى النفسي والجسدي وهو يقول اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون حتى انتصر ودخل الإسلام جميع بيوتات مكة والمدينة وأزلية الاصنام من بلاد الجزيرة العربية واسلم من كان بالأمس يحمل راية الكفر وشاهر سيفه على الدين الجديد وسلمت الناس انفسها واموالها للنبي صلى الله عليه واله .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M