زاولت في عام 2022 مهنة معقب المعاملات بخلاف رغبتي، اجبرتني الحاجة الى انجاز معاملة في دائرة المرور، فوجدت نفسي دون ان اشعر قد تحولت الى معقب معاملات امارس ما يمارسه الغير من طرق غير قانونية في المنطق، لكنها وفق المنهج السائد تعد رشوة قانونية.
اختفت احدى الأوراق الحيوية من المعاملة بصورة مفاجئة ودون معرفة الظرف الذي اختفت فيه، اضطررت الى مراجعة الدائرة أيام معدودة ومتتالية لمعرفة مصير الورقة المفقودة، ومن ثم إكمال المعاملة التي تأخرت عن مثيلاتها شهور طوال.
أتوجه بالسؤال للموظف المعني يحولني مباشرة الى الغرفة المجاورة، وحين السؤال في الغرفة المجاورة يُطلب مني الذهاب الى الأخرى وكهذا حتى وصلت الى غرفة الضابط المعني بمثل هذه الحالات.
حين الدخول لغرفة الضابط المختص، شعرت بالطمأنينة بان قضيتي شارفت على الانتهاء وان مشكلتي في طريقها الى الحل، سألني الضابط.
ـــ تفضل عزيزي شنو عندك؟
ـــ اجبته: والله أستاذ عندي ورقة ضاعت من المعاملة وصار شهرين ادور ما لكيتها.
خرجت منه ضحكة صفراء، واخرج قلمه الانيق المستند على كتفه، وكتب على قصاصة صغيرة كتابة غير مفهومة تقريبا، تبين فيما بعد انها شفرة بينه وبين المفوض الذي ارسلني اليه لتعقب الورقة ومعرفة أي المجرات احتضنها واخفاها عن الجميع.
دخلت الى مفوض وعلى وجهي بانت علامات التعب والضجر من الوضعية المعقدة ومما واجهته من معاناة خلال هذه الرحلة.
ـــ تفضل اخي شنو مشكلتك؟
بهدوء اجبته
ــــ عندي ورقة ضايعة من معاملتي
وسلمته القصاصة التي خُطت بخط غير مفهوم من قبل الضابط، استلم الإشارة وحاول تحليل ما مكتوب فيها، وفي النهاية علمت انني سأخضع لعملية مساومة لإنهاء هذا الملف الشائك.
طُلب مني بصورة صريحة مبلغ من المال مقابل بحثه بصورة شخصية عن الورقة الضائعة.
استغربت من الامر للوهلة الأولى وفكرت بطريقة أخرى اتخلص من هذا المأزق الذي أصبحت فيه، ذهبت الى منتسب آخر بنفس الدائرة اشرح له القضية واخبرته بكل التفاصيل.
اجابني ان لا أحد يتمكن من مساعدتي سوى مفوض فلان، المفوض المعني هو نفسه الذي طلب مني المبلغ بصورة صريحة ومباشرة، أدركت حينها ان لا مفر من تقديم المبلغ لإنجاز المعاملة المشؤومة.
بين غير مصدّق لما جرى وبين مستغرب لما آلت اليه الأمور في المؤسسات الحكومية، اردت النزول والعودة المنزل لجلب المبلغ المطلوب، سمعت بصوت يناديني، توقفت ووجهت نظري تجاهه، لم أكن متأكد من كوني المقصود، وبانت على ملامحي علامات الاستفهام.
أكد ذلك المنادي بأنه انت المقصود، توقف بجانبي وقال لي ماذا ستفعل؟
هل ستجلب المبلغ ام لك رأي آخر؟
وأردف قائلا، “ليش مستغرب ترا الموضوع طبيعي، لا تعتبر نفسك منطي رشوة، بالعكس هي الأمور ماشية بهاي الصورة وصارت هاي الفلوس شي قانوني حتى تخلص معاملتك”.
هذه حالة من ملايين الحالات التي تحصل في نفس الدائرة او الدوائر الأخرى، ولك ان تتخيل أيها القارئ حجم المبالغ المأخوذة من المراجعين عنوة، لكنها اُلبست اللباس القانوني، ولك ان تتخيل أيضا حجم الدمار الذي سيلحق بالمؤسسات الحكومية في السنوات القادمة ما لم تُتخذ إجراءات صارمة تجفف منابع الفساد والرشى المخالفة للضوابط القانونية والتعاليم السماوية.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/37750