باسم حسين الزيدي
ان تحقيق “الرضا الاجتماعي” للأفراد ضمن إطار الدولة القائمة على الاستشارية هو أحد الأهداف الأساسية للدولة او القيادة الصالحة التي تسعى لتوفير بيئة اجتماعية قائمة على الحرية والمساواة والعدالة والاحترام والشورى واللاعنف، خصوصاً وان مصيرها مرتبط بمدى نجاحها او فشلها في تحقيق هذا الامر، وكما يعبر عنها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) في الحالة الثانية بانها: “إذا لم تنجح في خلق حالة الرضا الاجتماعي فإنها لن تستمر طويلا، ولكي يتوفر الرضا الاجتماعي لا بد أن يكون الإطار القانوني المطبق مقبولا من الأفراد، وكل إطار يفقد هذا القبول سوف يواجه النفور، فالرفض، وربما الثورة والتمرد عليه”.
لكن لا يمكن تحقيق النجاح المطلوب او الوصول الى حالة مثالية من “الرضا الاجتماعي” في ظل وجود مجموعة من العقد والامراض الاجتماعية المتراكمة عبر عقود من الزمن، الى جانب غض البصر عنها واعتبار هذا المجتمع نموذجيا وخاليا من الامراض الاجتماعية وبالتالي حدوث حالة من التصادم بين العادات والقيم المرضية الموروثة مع القيم والثقافات والأفكار والقوانين التي يحاول “المصلحون” غرسها وتطبيقها داخل هذه المجتمعات، والتي قد تؤدي الى حالة من النفور او ردة الفعل العكسية، لذا كان السعي للنجاح في احداث التغيير دائماً يأتي من خلال مكافحة الامراض والآفات الاجتماعية قبل السعي لغرس الصالح منها في أي بيئة اجتماعية جديدة.
سلاح التغيير
إذا كان الوصول الى تحقيق “الرضا الاجتماعي” قد يؤدي الى نتائج عكسية يمكن ان تعصف باستقرار او أمن المجتمع ككل، فما هي الوسيلة الأفضل في تحقيق الانتقال الاجتماعي السلس وصولاً الى “الرضا الاجتماعي” او “المدينة الفاضلة” (كما يعبر عنها فلاسفة الغرب)، ومن دون عواقب او زلازل اجتماعية خطيرة؟
يجيب المرجع الراحل السيد الشيرازي عن هذا السؤال باعتبار ان: “الرفق وعدم العنف أحسن وسيلة لقلع جذور المشاكل الاجتماعية أو التخفيف منها، وأيضاً، تعويق الحركات المضادة أو المعادية”، لان فلسفة الحياة التي يؤمن بها السيد الشيرازي تعتبر ان العنف لا يولّد الا العنف والكراهية والتخلف، وان اعتماد اللاعنف كاسلوب للحياة ومقاومة السلبيات وتحقيق النجاح والتطور هو أفضل وأقصر الطرق للوصول الى مبتغى الانسان والمجتمع في هذا المجال، لذلك من الملاحظ لجوء الأنظمة الاستشارية الى اسلوب اللاعنف في احداث أي عملية تغيير اجتماعية او غير اجتماعية داخل مجتمعاتهم تجنباً لأي ارتدادات تهدد السلم والنسيج الاجتماعي وبالتالي تنجح في تحقيق أهدافها المرسومة في تحقيق الرفاه والرضا الاجتماعي الى جانب الرفاه الاقتصادي.
بخلاف الأنظمة المستبدة التي يلجأ حكامهم الى العنف والدمار والقتل كاسلوب حكم من اجل تثبيت سلطانهم المادي عبر سلب الافراد حقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي خلق مجتمعات خائفة مضطربة تعاني العديد من العقد والمشاكل الاجتماعية، مع حكم هش غير ثابت وغير متزن سرعان ما يزول مع أي تمرد او هزة او اضطراب اجتماعي، وهو ما أشار اليه المرجع الشيرازي الراحل بالقول: “من طبيعة الديكتاتور دائماً أنه يلتجئ إلى الحرب لأنه بالحرب يظهر نفسيته المستعلية، كما أنه يلتجئ إلى الإرهاب، فيحول بسبب الحرب القوى البشرية من الخدمة البناءة إلى الهدم، كما أنه بسبب الحرب والإرهاب يدخل جماعة كبيرة من الناس إلى العبودية الاقتصادية، وبالنتيجة يهبط بمستوى الملايين من الناس، ويسلب منهم الحرية والرضا المادي، ويزجهم في العجز والفقر والفوضى”.
تحقيق الرضا الاجتماعي
تسعى القيادات الصالحة في خلق مجتمعات استشارية يتحقق فيها الرضا الاجتماعي من أداء الدولة ومؤسساتها، والعلاقات الاجتماعية الرحيمة، والمساواة والعدالة الاجتماعية بين الجميع، والحرية وغيرها من متطلبات نجاح واستقرار الدولة من خلال:
1. تحديد المشاكل والامراض الاجتماعية التي يعاني منها الافراد والجماعات داخل الدولة ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لإذابتها والقضاء عليها بحسب الاختصاص وبصورة تدريجية.
2. غرس العادات والقيم والأفكار والأخلاق والثقافات الإنسانية والسماوية المشتركة بطريقة تعتمد على الرفق وعدم العنف كبديل عن العادات والقيم الاجتماعية التقليدية الضارة.
ان عملية تحقيق الرضا الاجتماعي ليست بالعملية الحسابية التي يمكن تحقيقها خلال أشهر او سنوات معدودة بل هي تحتاج الى مرور جيل او أكثر من اجل جني الثمار لعملية الانتقال الناجحة، وهي تتطلب جهدا بشريا (ماديا ومعنويا) واسع النطاق لتحقيق النجاح وربما لاختزال الزمن في حال آمن المجتمع بضرورة التغيير وضرورة احداث هذا الفارق الاجتماعي المهم.
القوانين الاسلامية
وقد آمن الامام الراحل السيد الشيرازي (رحمه الله) بضرورة العودة الى “القوانين الإسلامية” التي بقيت طي صفحات الكتب، في الوقت الحاضر، بدلاً من الاستفادة منها، كونها تساهم في تحقيق عملية الرضا الاجتماعي وتسهل على القادة والمشرعين والمؤسسات عملهم في هذا المجال، خصوصاً وان القوانين الإسلامية، كما يحددها الامام الراحل، قد وضعت الأسس الصحيحة لمجالات اجتماعية حيوية منها:
1. الحريات الواسعة الفردية والاجتماعية.
2. المساواة وتساوي الجميع في نيل فرصهم من العلم والمال والقدرة.
3. قوانين مهمة تتعلق بتوفير السكن والعمل مثل (ان الأرض لله ولمن عمرها، وخيراتها لمن تمكن منها).
4. قوانين تؤدي الى الارتقاء بالناس إلى حيث يفنى الفقر والمرض والجهل والقلق.
لكن قبل ان يسعى لتشريع أي قانون او قرار او تطبيقه ينبغي الالتفات الى استيفاءه لكافة الشروط التي تؤدي الى نجاحه، فقد يولد القانون ميتاً، او قد يساهم القانون المشرع لمعالجة مشكلة او ازمة ما في تفاقمها وتوسعها بدلاً من حلها وانهائها، لذلك يؤكد السيد محمد الشيرازي بالقول: “يلزم أن يكون القانون مستوعباً، بأن يرضي حوائج الإنسان الجسدية والعقلية والعاطفية، سواء منها الحوائج الفردية أو الحوائج الاجتماعية في مختلف أبعاد الإنسان، فلو لم يكن القانون كذلك حصل الاصطدام والتبعثر والانفصام من ناحية، والنقص والفراغ من ناحية ثانية”.
التوصيات
1. لكل مجتمع حالته الخاصة من حيث طبيعته وقيمه وعاداته الموروثة، إضافة الى المشاكل التي يعاني منها، لذا لا يمكن تعميم تجربة غربية او شرقية على كل المجتمعات بل دراسة كل حالة باعتبارها حالة فريدة وخاصة، من دون ان يمنع ذلك اخذ المشتركات الإنسانية والأخلاقية للمجتمعات الاستشارية الناجحة والتي يشترك فيها الجميع كمنطلق للنجاح.
2. حل المشكلات الاجتماعية من جذورها قبل زرع القيم والأخلاق والأفكار الصحيحة البديلة عنها، فالتراكم قد يؤدي الى التصادم والنفور وبالتالي الى المزيد من المشاكل الاجتماعية.
3. جهد الوصول او تحقيق الرضا الاجتماعي لا يعتمد على فئة دون أخرى بل هو جهد جمعي يعتمد على المقدرات المادية مثلما يعتمد على الجهد البشري والمعنوي، لذلك يتم تسخير كافة الموارد السياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية والدينية والشعبية والاكاديمية وغيرها من اجل الوصول الى الهدف.
4. تحتاج الدولة الى القبول والرضا الشعبي لتنفيذ خطتها في سبيل اقتلاع عدد من العاهات الاجتماعية الخطيرة (الفساد، النفاق، الغش، التزوير…الخ) لأنها ستواجه جماعات خطرة ونافذه داخل المجتمع يحتاج القضاء على جذورها مساندة وتعاونا شعبيا واسع النطاق.
الخاتمة
يعتمد الامام الشيرازي على “الاستشارة” في تحقيق النجاحات المطلوبة، ومن ضمنها النجاح في تحقيق مجتمع استشاري يتحقق فيه الرضا الاجتماعي، لان الاعتماد عليها يحقق ما يصبو اليه الجميع وكما يقول (رحمه الله): “إذا طبقت الاستشارة في كل هذه الشؤون، من القرية إلى المدينة، ومن اتحاد الطلبة إلى أكبر إدارة للشؤون الاجتماعية، تظهر الكفاءات، وتتقدم عجلة الحياة إلى الأمام بسرعة كبيرة”، لذا ينبغي السعي الى تحقيق الرضا الاجتماعي من خلال الاستشارة لأنها أفضل الطرق واضمنها لتحقيق النجاح، خصوصاً وان الاستشارة سوف تضمن لنا الحصول على افضل الكفاءات، إضافة الى تراكم الخبرات والآراء التي ستؤدي الى سرعة انجاز العمل واختصار الطرق وتجنب الإخفاقات او الزلات الناتجة عن سوء التقدير او التهور او انعدام الخبرة.
رابط المصدر: