وهناك بعض الجدل الدائر حول معدل البطالة الحقيقي في الولايات المتحدة – أي عدد العمال الذين يحصلون على رواتبهم بانتظام غير أنهم لا يحضرون إلى أماكن العمل. وكان معدل البطالة قد بلغ 19.7 % في أبريل، ثم حقق انخفاضا بنسبة 16.3 % في مايو. ويعد السواد الأعظم من هؤلاء العمال في شبه إجازة مدفوعة الأجر بسبب «كورونا». وكان هذا تحديداً هو المقصد من إنشاء «برنامج حماية الرواتب» في أميركا.
وكان التحول السريع من أوضاع التدهور إلى الانتعاش الاقتصادي أسفر عن ارتفاع المعنويات بصورة عامة في البلاد. وفي حالة الركود الأخيرة، استمر معدل التوظيف في التدهور لمدة زادت على العام إثر انهيار مصرف «ليمان براذرز» في الأزمة المالية لعام 2008. أما الآن، يبدو أن الأمور آخذة في التصاعد مجدداً بعد مرور شهور فقط من انتشار الوباء. وهناك بصيص من الأمل في أن يتحول الركود الاقتصادي إلى ما يشبه التعافي الذي أعقب وباء الإنفلونزا الإسبانية قبل ما يقرب من قرن. غير أنه يجدر بالخبراء المتفائلين أن يتحلوا بقدر من الحذر. إذ ربما يكون ارتفاع معدلات التوظيف في مايو مجرد انتعاش غير مستديم. ولقد أدى إعادة الافتتاح لدى بعض الولايات الأميركية إلى استعادة بعض الوظائف المفقودة.
ربما تشهد سوق العمل تباطؤاً في استعادة الوظائف سيما مع عودة العمال المؤقتين إلى وظائفهم. ولن يتمكن أولئك الذين كانوا يعملون لدى الشركات التي أعلنت إفلاسها من العودة إلى وظائفهم. وفي واقع الأمر، يقدر جيد كولكو الخبير الاقتصادي أن معدلات البطالة الدائمة ما تزال في ارتفاع مطرد، وهذا مما يثير القلق لا سيما أن الأشخاص العاطلين لفترة طويلة يمكن أن يفقدوا مهاراتهم المهنية مع مرور الوقت، الأمر الذي يجعل من العسير عليهم فيما بعد العثور على وظائف بعد انقشاع الأزمة.
ولذلك، ربما تشهد الأوضاع الاقتصادية قدراً من التعافي السريع، ولكنه سيكون انتعاشاً غير مكتمل. وربما تنخفض معدلات البطالة فعلاً بأكثر مما لاحظنا، ولكنها ما تزال مرتفعة بصورة غير مقبولة، ثم نبدأ في ملاحظة التراجع البطيء وهو أكثر ما يميز الركود الاقتصادي.
والسؤال المطروح في هذا السياق يتعلق بكم من الوقت سوف يستغرقه هذا الانتعاش؟ يبدو أن الجانب المعتاد في حالات التعافي البطيئة غائب في الآونة الراهنة، وذلك بفضل الإجراءات الحاسمة التي صدرت عن بنك الاحتياطي الفيدرالي. ولكن، هناك عوامل أخرى ربما تطيل من أمد الأوجاع الاقتصادية المنتظرة على مدى عدة سنوات مقبلة.
ويمكن للتراجع الطويل الأمد أن ينشأ عن التعديلات الهيكلية. فلقد أسفر الوباء إلى دفع الأميركيين من أعمال التشييد والبناء في واقع الحياة إلى التسوق المستمر عبر الإنترنت، ومن الوجود في المكاتب والشركات إلى العمل عن بُعد. وإن كان الأمر كذلك على كافة المستويات، فهذا يعني أن الكثير من منافذ التجزئة، والمطاعم، سوف يتقلص وجودها مع مرور الوقت.
ومن شأن التعديلات الهيكلية أن تحدث على نطاق دولي واسع أيضاً. وربما تتفاقم آلام التغيرات الهيكلية المنتظرة بسبب ما يُطلق عليه خبراء الاقتصاد «العوامل الخارجية ذات الأثر المحلي». فإذا جرى إغلاق 50 في المائة من واجهات المتاجر في أغلب الشوارع، فمن شأن ذلك أن يجعل هذا الشارع أقل جاذبية في ارتياده وتناول الطعام فيه وربما التسوق بالكلية.
أخيراً، من شأن فترة الركود الاقتصادي أن تطول بسبب الأخطاء السياسية. وهناك بالفعل تقارير إخبارية تفيد بأن المعسكر الجمهوري في الكونغرس يخطط للتقدم ببطء على مسار تدابير الإغاثة الإضافية في البلاد، أو حتى وقفها تماماً. ومن شأن تلك الخطوة أن تجبر الولايات إلى إجراء تخفيضات صارمة في الميزانية المحلية، أو ترك العديد من العمال العاطلين عن العمل غير قادرين عن سداد إيجارات منازلهم، الأمر الذي سيكون من قبيل الأخطاء السياسية ذات الآثار الفادحة.
لذلك، حتى في ظل التعافي الجزئي في الاقتصاد، إلا أن هناك أسباباً تجعل هذا التراجع الاقتصادي يمتد حتى منتصف العقد الحالي.