الرمادي .. وما ينتظرها في المستقبل
خير الدين المخزومي – هافينغتون بوست
اثمرت الجهود بعد سبعة اشهر من العمليات القتالية الحقيقية والضربات الجوية. ففي نهاية العام الماضي، أعادت القوات العراقية إحكام سيطرتهاعلى مدينة الرمادي من تنظيم داعش. وخلال مؤتمر صحفي عقد في الـ 28 من شهر كانون الاول أشاد وزير الخارجية الاميركية جون كيري بالعراقيين لإظهارهم الشجاعة والمثابرة في محاربة داعش.
تمت السيطرة على مدينة الرمادي، وهي مركز محافظة الانبار، من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في شهر آيار من عام 2015 بعدما تغلب مقاتلي داعش على القوات العراقية، وإجبروهم على الانسحاب. بعد ذلك بفترة وجيزة، أصدر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خطة استراتيجية هجومية للتحالف العالمي لمحاربة داعش، والذي يدعمونه.
ان التنفيذ الناجح لخطة العبادي سمح للعراقيين بإعادة السيطرة على المباني الحكومية في الرمادي. هذا الانتصار كان ضربة كبيرة لتنظيم الدولة، وخصوصاً بعد خسارتهم المؤخرة في مدن اخرى مثل بيجي وتكريت والحولة في سوريا.
ومع ذلك، ربما قد يكون من المبكر ان يحتفل المجتمع الدولي بهذا الانتصار، كما ان داعش يتم تمويلها جيداً وهي منظمة تنظيماً عالياً ولا زالت تعمل في العديد من الاماكن الاخرى. ومخزونها من الموارد هائل جداً بحيث يكون من الصعب إزالته بهذه السهولة، وأن خسارتها في الرمادي ليس من الضروري ان هذا يعني هزيمتها.
حتى كتابة هذه السطور، يقال ان العراقيين يسيطرون على 75% الى 80% بالمائة من مدينة الرمادي. بعض الاماكن في الضواحي واطراف المدينة لا تزال تحت سيطرة عناصر داعش، ويخشى المراقبون في الخارج من ان المقاتلين سوف يستمرون في ارهاب الاشخاص الابرياء من السكان.
ما الخطوة التالية للعراق في الحرب ضد تنظيم داعش
بعد النجاحات الاخيرة في الرمادي، أصبح المجتمع الدولي متفائلاً، وحريص على معرفة مدى مقاومة العراقيين للضغوط من قبل داعش والميليشيات الاخرى. وحذرت السلطات في المنطقة من ان الانتصار في القتال ضد داعش لم يتحقق حتى الان.
على القوات العراقية الان ان تتبنى مهمة التنظيف لتأمين مناطق الرمادي التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش. تحتاج هذه القوات الى تمشيط المدينة للبحث عن المتفجرات المخفية والقنابل الملغومة والتي من الممكن قد وضعها مسلحي الدولة الاسلامية خلال القتال. ولكن على الحكومة العراقية أيضاً ان تركز على إعادة بناء البنى التحتية للمدينة وإعادتها لطاقتها الاصلية، حتى يتسنى للأشخاص النازحين العودة والاستقرار فيها.
بعض المدن في العراق لا تزال تدار من قبل تنظيم داعش، والموصل هي واحدة من اكبر المدن. ان استعادة الموصل من تنظيم الدولة الاسلامية قد يوقف بشدة العمليات التي تقوم بها هذه الجماعات في العراق، كما وعد العبادي بتحقيق هذا الامر.
في هذه الاثناء، قد يكون من الحكمة ان تفكر الحكومة العراقية في مراجعة دستورها، مثل ذلك الفقرة التي تضمن اعضاء من الطوائف السنية والشيعة في المناصب الحكومية. ان الحكومة العراقية مهيمنة من قبل المسلمين الشيعة، والعبادي واحد منهم. سيكون من العدل لو ان العراقيين السنة، ومن ضمنهم مقاتلي العشائر الذين ساعدوا في طرد داعش، ان يضمنوا حصتهم في الحكومة. وسعياً لكسب المسلمين السنة، وعد العبادي بترك مدينة الرمادي تحت سيطرة الشرطة المحلية وقوات الامن من العشائر السنية. ومن المؤمل ان تكون هذه الخطوة ان تجلب الاستقرار ايضاً في مدينة الرمادي، حيث ان العديد من اعضاء المجتمع السني لا يثقون بالشيعة – وهذه مشكلة، لا سيما وأن الشيعة يشكلون الاغلبية في قوات الامن. وقد يفكر بعض السنة ان يكونوا في صالح داعش – ليس لأنهم يشتركون بنفس اهداف داعش، ولكن بسبب شعورهم من انهم حرموا من حقهم في تمثيل الحكومة. وبسبب هذا، فأن الشيعة المهيمنين على قوات الشرطة العراقية من الممكن ان يبدؤا بمعاملة السنة كعناصر في تنظيم الدولة الاسلامية او متعاطفين معهم، بدلاً من الاستمرار في حماية حقوقهم.
لحل مثل هذا التوتر، من المهم ان تبدأ عملية التئام الشقوق بين العراقيين السنة والشيعة. يجب على العناصر المعارضين لتنظيم داعش الموجودين في المجتمع السني ان يدخلوا في حوار مع نظرائهم الذين يدعمون ميليشيات داعش، لإيقاف أي صراع طائفي محتمل.
وبما ان بؤرة الحرب سوف تنتقل الى الموصل، فقد خصص الكونغرس بالفعل 1.6$ مليار دولار لصندوق تدريب وتجهيز العراق (ITEF). خصص منها 1.2$ مليار دولار لقوات الامن العراقية، بينما خصص 24$ مليون دولار الى قوات الامن العشائري في البلاد.
وبالرغم من الانتصار المهم الذي حققته قوات البيشمركة ضد جماعات تنظيم الدولة الاسلامية، فقد صرح مسؤول كردي رفيع المستوى في الولايات المتحدة لصحيفة الهافينغتون بوست من ان الدعم الاضافي مطلوب من الدول المتحالفة. مع ذلك، فقد تمكنوا من قطع خط الامدادات الرئيسي بين الموصل والرقة – وهي خطوة جاءت بالتنسيق مع تعزيزات من التحالف العالمي، وقد يكون هذا كافياً لإعادة استحواذ الموصل. ان طرد ميليشيات داعش من المدينة من الممكن ان يكون ضربة قاسية الى هذه المجموعة الارهابية، حيث لن يكون لديهم مورد من الضرائب وايرادات من تصدير النفط هناك.
سوف يعمل تنظيم داعش بكل ما بوسعه للأحتفاظ بسيطرته على مدينة الموصل، كما أن التنظيم لا يتحمل خسارة مثل هذا المصدر الكبير للتمويل. ومع ذلك، فان الموصل هي اكبر منطقة محتلة من قبل داعش في العراق، وتقع في منطقة حيث يتمركز فيها المسلحون من كل من العراق وسوريا. إذا قام تنظيم داعش بدمج مقاتليه من كلا البلدين في قوة مشتركة لمحاربة العراقيين، فمن الممكن ان يسببوا ضرراً كبيراً في المدينة والناس. ان استعادة الموصل من الممكن ان تستغرق عام أو اكثر.
لكن لا يزال تنظيم داعش يمتلك الكثير من الموارد الموجودة تحت تصرفه، ومستمر في العمل في كثير من البلدان في اجزاء مختلفة من العالم. من خلال تحالف التنظيم مع بوكو حرام، دخلت المجموعة نيجيريا بالفعل – اكبر منتج للنفط في افريقيا- وتتطلع للسيطرة على تجارة النفط. ولدى تنظيم داعش نجاحات كبيرة في الحصول على الموارد في الممكلة العربية السعودية وليبيا واليمن ومصر وباكستان وتحتفظ بالسلطة في المحافظات العراقية والسورية مثل الفلوجة والرقة وتدمر.
فرح العالم بالانتصار العراقي في الرمادي، ولكن داعش كمنظمة لم يخسر الكثير من سيطرته في العراق وسوريا. ولا يزال لديه مصادر كثيرة وكبيرة من التمويل لتطوير اجندته، والعالم سوف يحتاج الى الانتظار ليرى إذا ما كان بإمكان العراق ان يحتوي تنظيم داعش، حتى مع دعم الولايات المتحدة وبلدان أخرى.
ترجمة: رنين الهــندي
رابط المقالة: