حيدر الحيدر الاجودي
ارواء الاراضي الزراعية نشاط لا يمكن الاستغناء عنه في المناطق الجافة وشبه الجافة اذا ما اريد ممارسة الزراعة بطريقة ناجحة، والعراق يقع ضمن هذه المناطق، لذا فمياه الري في مثل هذه المناطق عامل جوهري من عوامل الانتاج.
الا ان العراق يعيش حالة حرب مياه غير معلنة قد شنت عليه من قبل جيرانه تركيا وسوريا وايران، جاءت هذه الحرب نتيجة عدم وجود اتفاق لتوزيع المياه بين الدول المتشاطئة ولإمتناع تركيا من عقد هذا الاتفاق مع الجارتين المتشاطئتين معها، الذي يحدد قسمة هذه الموارد وحقوق كل من العراق وسوريا وتركيا في استغلالها المياه، فقد بدأت -في وقت سابق- الدولتان تركيا وسوريا ببناء مشاريعهما العملاقة كل بمعزل عن الاخر وكليهما بمعزل تام عن العراق.
فقامت تركيا ببناء سدودها العملاقة على روافد نهري دجلة والفرات عند منبعيهما، ابتداء بسد اتاتورك وانتهاء بمشروع كاب العملاق الذي يهدف الى انتاج الطاقة الكهربائية والتوسع الافقي في الزراعة، وهذه السدود والخزانات ستقلص كميات الموارد المائية القادمة الى العراق بحوالي (43 مليار م3) في السنة مما يعني (45% من الموارد المائية) في السنوات المائية الجيدة، اما في السنوات الجافة فستنخفض الموارد المائية الى اقل من (25% مليار م3) في السنة.
كما قامت الجارة ايران بتحويلات مياه عدة انهار مهمة منها: نهر الكارون التي كانت مياهه من خلال المد والجزر تروي بساتين البصرة وتغذي سكان ثغر العراق بمياه الشرب والاستخدامات الانسانية الاخرى للماء، وحلت مياه الخليج المالحة محل مياه الكارون الحلوة، واصبح العراق يدفع بحوالي 50م3/ثا من الماء لصد مياه الخليج المالحة، واصبحت الاشجار في هذه البساتين مهددة بالفناء اذا لم يجد فنيوا وزارة الموارد المائية مياها بديلة دائمية عن مياه نهر الكارون.
وتحويل مياه نهري سيروان والوند عن مسارهما واصبح نهر ديالى الان نهرا جافا مما دفع بالأهالي الى حفر الابار للمحافظة على بساتينهم وزراعة مساحات محددة فقط، وهذا الحل لا يساعد على زراعة مستديمة ويحمل ميزانية العائلات الفلاحية مبالغ طائلة في اكمال هذه الابار وصيانتها، اضافة الى ان الخزين المتجدد للمياه الجوفية قد لا يغطي حاجة الزراعة الانية ولا يساعد على تطوير الانتاج الزراعي في هذه المساحات.
وتحويل مياه نهر الكرخة وكلالة بدرة، وشيدت سدا في هور الحويزة لاستثمار مياه هذا الهور، وقد بلغ عدد الانهر المهمة القادمة الى العراق من الزاب الاعلى في شمال العراق الى شط العرب جنوب البصرة التي تم تحويلها واغلاقها من قبل الجارة ايران 22 رافدا رئيسيا، وهناك روافد اخرى تأتي بالدرجة الثانية ايضا تم تحويل مياهها والتي تجاوز عددها 20 رافد فرعي.
كما لسوريا دور هام في هذه الحرب، فقد اقامت مشاريعها المستقبلية على نهر الفرات، وتقوم بالمناورة بكميات مياه الفرات الداخلة اليها من تركيا لمصلحتها دون اعطاء اي اعتبار لجارها الشقيق العراق، وقررت سحب ما مقداره 1.5 مليار م3 من المياه من نهر دجلة عند مرور دجلة على جزء صغير من الحدود التركية- السورية قبل دخوله الى الاراضي العراقية.
يضاف الى ذلك، التردي المستمر لنوعية المياه القادمة الى العراق، ويزداد تردي نوعية المياه داخل العراق حيث ان ملوحة المياه ترتفع تدريجيا كلما اتجهنا جنوبا على مسار الرافدين بسبب صب مياه المبازل في نهري دجلة والفرات، كما ان مياه النهرين تتلوث بمياه المجاري ومياه المعامل المختلفة.
نظرا لتناقص الموارد المائية وسوء ادارتها وادارة المنشآت المائية كالسدود والخزانات وقيام المحافظات الاعلى بالتجاوز شمالا على الحصص المائية للمحافظات الواقعة جنوبها، ولمواجهة الاختزال الكبير في الموارد المائية بسبب حرب المياه هذه لا بد من مواجهة مشاريع دول الجوار المائية الحالية والمستقبلية من خلال الاتي:
– التفاوض مع حكوماتها وتقديم المغريات الاقتصادية بما يتوافق والمصالح المشتركة.
– استثمار الموارد المائية المخصصة للقطاع الزراعي من خلال تقليص الهدر عن طريق تبطين قنوات الري واستخدام طرق الري الحديثة كالري بالرش الثابت والمحوري والتنقيط.
– البحث عن مصادر مياه جديدة واستثمارها كالمياه الجوفية المتجددة ومياه المبازل وحصاد مياه الامطار وتحلية المياه المالحة.
– رفع كفاءة انظمة الري الحقلي وصولا الى الانتاجية المثلى لوحدة المياه لاستثمار اكبر مساحة ممكنة للانتاج النباتي من محاصيل حقلية ضمن دورات زراعية مثالية لمختلف مناطق العراق.
– التشجيع على استخدام منظومات الري بالرش الثابت والمحوري والتنقيط والري تحت السطحي بدلا عن الري السيحي من خلال الدعم الحكومي المستمر.
– اعطاء الاولوية للمحاصيل الاقل استهلاكا للمياه لانتاج نفس السعرات الحرارية او البروتين او الاثنين معا (على سبيل المثال دعم انتاج البطاطا على حساب الشلب حيث يحتاج الشلب 22 ضعف من المياه لانتاج نفس السعرات الحرارية التي يمكن انتاجها من البطاطا).
– استصلاح الاراضي الملحية استصلاحا كاملا.
– استخدام المواد الرافعة للخصوبة (الاسمدة العضوية والكيميائية والسماد الاخضر والمخصبات الحيوية).
– زيادة المساحات المزروعة المروية (التوسع الافقي) عن طريق رفع الكثافة الزراعية من خلال التوسع في الزراعة البينية والزراعة المتداخلة لمقاومة الحشرات والامراض.
ان عامل المياه هو احد عوامل الانتاج المحددة للتوسع الافقي وان هذا المورد الجوهري للانتاج الزراعي في تناقص ونوعيته في تردي بسبب السياسات المائية للدول المجاورة (تركيا، سوريا، ايران)، فأن سياسات استغلال المياه تستهدف الارشاد في استهلاك المياه المتاحة وتقليص الضائعات اثناء النقل وخزن الفائض منها تحسبا لمفاجئات المستقبل وتحقيق الاستثمار الافضل والامثل للموارد المائية المتاحة بهدف زيادة الرقعة الزراعية المروية واستقرار وتطوير الانتاجية والانتاج.
.
رابط المصدر: