- جاء فوز أوزغور أوزال، نائب زعيم الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري -أكبر حزب معارض في تركيا- في انتخابات الحزب في نوفمبر الماضي، رداً على إخفاق الحزب بزعامة كمال كيلجدار أوغلو في الانتخابات النيابية والرئاسية الأخيرة.
- تواجه أوزال العديد من التحديات في قيادة حزب الشعب الجمهوري، أبرزها تثبيت زعامته للحزب، والحفاظ عليه موحداً من خطط التيار العلوي لشق الصف، والخروج من عباءة أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، والتحدي الأهم هو تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات البلدية المقبلة.
- في ظل المعطيات الحالية يُرجح سيناريو خسارة حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية المقبلة، ودخوله في سجالات وانقسامات داخلية، وبالتالي فإن مصير أوزغور أوزال ومصير حزبه سيتحددان بعد الانتخابات البلدية في مارس المقبل.
فاز أوزغور أوزال بزعامة حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، في الانتخابات الحزبية التي جرت في 6 نوفمبر 2023، بعد أن تنافس على المنصب مع زعيم الحزب السابق كمال كيلجدار أوغلو، الذي رفض ترك منصبه بعد خسارته الانتخابات الرئاسية الأخيرة (في مايو 2023)، وعمل كل جهده على الفوز في انتخابات زعامة الحزب من جديد لتعزيز موقعه. وعلى رغم كل الضغوط و”الحِيل الانتخابية” التي قام بها كليجدار أوغلو وفريقه في هذه الانتخابات، فإنّ قاعدة الحزب أصرّت على التغيير، وانتخبت أوزغور أوزال بفضل دعم جناح “التغيير” الذي قاده زعيم بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، والذي آثر عدم الترشح بشكل شخصي للمنصب بسبب معارضة الجناح العلَوي له في الحزب، وفضّل دعم أوزغور أوزال الذي كان يشغل منصب نائب زعيم الحزب في الكتلة البرلمانية، وعُدَّ خياراً وسطاً بين كليجدار أوغلو وأكرم إمام أوغلو.
وأمام أوزغور أوزال أربعة أشهر قبل الانتخابات البلدية في مارس 2024 من أجل إثبات جدارته بزعامة هذا الحزب الذي عجز طوال عقود عن رفع شعبيته إلى أكثر من 25% والوصول إلى السلطة. كما أن أمام أوزال تحديات أخرى عديدة أهمها إعادة بناء الحزب من جديد من أجل تحقيق “التغيير” الذي وعد به في سياسات الحزب وشعاراته، وكذلك الحفاظ على الحزب متماسكاً بعد الاستقطاب الذي حدث خلال انتخابات زعامة الحزب، وكذلك استعادة ثقة الناخبين في المعارضة بشكل عام بعد نتائج الانتخابات الأخيرة المخيبة للآمال، بالإضافة إلى الظهور بصورة زعيم سياسي قوي وليس مجرد زعيم توافقي أو مرشح بديل عن أكرم إمام أوغلو.
من هو أوزغور أوزال؟
يُعدّ أوزغور أوزال أصغر زعيم حزب سياسي في البرلمان حالياً، وهو من مواليد عام 1974 في محافظة مانيصا غرب تركيا، لعائلة متواضعة تعمل بالزراعة، هاجرت من البلقان خلال الحرب العالمية الأولى. وأوزال سني المذهب، ويُعرَف عنه وفاءه للنظام العلماني ومبادئ أتاتورك السياسية. ومن المعروف أن نحو 23% من الشعب التركي الحالي جاء مهاجراً من البلقان خلال الحرب العالمية الأولى، ويتميز هؤلاء بالحرص على التعليم الجيد والجدية في حياتهم العملية وابتعادهم عن الاستقطاب الديني أو المذهبي أو العرقي.
وتلقى أوزغور أوزال تعليمه الأساسي في أفضل مدارس إزمير، حيث تعلم الألمانية والإنجليزية، وأكمل تعليمه الجامعي في جامعة إيجه، وتخرج من كلية الصيدلة، وعمل في صيدليته الخاصة التي افتتحها. وكان ناشطاً سياسياً منذ سنوات الجامعة، ودخل رابطة الصيادلة الأتراك، وكان أصغر سكرتير عام للرابطة بعمر 33 عاماً قبل أن يصبح زعيماً لها بعد ذلك. وقد عمل من موقعه هذا على معارضة سياسات الحكومة منذ عام 2008، حيث كان أول نشاط سياسي قوي له تنظيم مظاهرات كبيرة في إزمير ضد مشروع قانون كانت تسعى حكومة العدالة والتنمية لإقراره يسمح ببيع الأدوية في المحلات التجارية الكبرى، وقد نجح في جمع 32 ألف متظاهر خلفه في تلك المظاهرة.
انضم إلى حزب الشعب الجمهوري عام 2009، ورشّحه الحزب على الفور لمنصب رئيس بلدية مانيصا مسقط رأسه، لكنه خسر في تلك الانتخابات بسبب حداثة عهده بالسياسة. ودخل البرلمان نائباً على قوائم حزب الشعب الجمهوري عام 2011، وترشح مجدداً لمنصب رئيس بلدية مانيصا عام 2014، لكنه خسر مرة أخرى، وبقي حتى الآن نائباً في البرلمان عن حزبه.
لمع نجم أوزغور أوزال عام 2014 خلال حادثة وفاة 301 عامل في أحد المناجم في مانيصا مسقط رأسه، حيث قاد مظاهرات كبيرة هناك ضد الحكومة، وتابع مسار محاكمة صاحب المنجم، وتقرب أكثر إلى عائلات الضحايا. لذا عيّنه كمال كيليجدار أوغلو نائباً لزعيم الكتلة البرلمانية في الحزب عام 2015.
يُعرف عنه أنه عصبي المزاج، وذو قدرة كبيرة على الإقناع والنقاش بحدة، وحاضر البديهة دائماً، بالإضافة إلى نشاطه الكبير حيث يحرص على الوجود في جميع نشاطات وفعاليات الحزب، ويتحدث فيها بطلاقة وقوة. وعلى رغم كل هذه الصفات القوية، فإنّ دخوله في سجالات كلامية كثيرة، رَسَمَ له في أذهان الكثيرين صورة السياسي المندفع والمتسرّع، كما أن خبرة أوزغور أوزال السياسية لم تمنع كثيراً من زملائه والمقربين منه، من تأكيد حاجته إلى جهد أكبر لرسم صورة الزعيم الوقور المتأني وصاحب الكاريزما. ومن أهم ما عُرف عنه في توجهاته السياسية قُربه من الأكراد، وتحفُّظه تجاه التعامل مع الإسلاميين.
ما المقصود “بالتغيير” المنشود في الحزب؟
كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة عن فضائح كبيرة داخل التحالف المعارض السداسي الذي خاض الانتخابات ضمن جبهة موحدة، ومن بين تلك الفضائح: عدم القدرة على مراقبة صناديق الانتخابات، والتقصير في مخاطبة جمهور وناخبي منطقة الأناضول، بالإضافة إلى وجود خلافات شخصية كبيرة داخل كوادر حزب الشعب الجمهوري وقياداته. وقد أدى تشبث زعماء المعارضة بمناصبهم رغم الهزيمة، وتبادلهم اللوم علناً، إلى إحباط كبير في صفوف الناخبين المعارضين. وعليه سادت فكرة أنه من دون تغيير سياسات المعارضة وكوادرها، فإنه من غير الممكن تغيير الحكومة.
وقد التحق أوزغور أوزال سريعاً بتيار “التغيير” الذي أطلقه رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، على أمل دفع الزعيم السابق كمال كليجدار أوغلو إلى الاستقالة من زعامة الحزب، ومع تمنّع إمام أوغلو عن الترشح لزعامة الحزب، كان أوزال الخيار الأفضل للطرفين: المؤيدون للتغيير، والذين مازالوا يحتفظون بتعاطف تجاه كليجدار أوغلو. وعلى الرغم من ولاء أوزال لكيلجدار أوغلو -حتى إنه بكى خلال استماعه لخطبة وداع كليجدار أوغلو في البرلمان- ومع أنه كان من القياديين الأساسيين في الحزب، إلا أن قاعدة الحزب ترى أنه صادق في سعيه للتغيير في الحزب، والأهم أن أكرم إمام أوغلو وتياره القوي يرون في أوزال فرصةً للتخلص من قوة الجناح العلوي في الحزب الذي كان يتمسك بكليجدار أوغلو لأسباب مذهبية بحت.
خلال حملته الانتخابية لزعامة الحزب كان أوزغور أوزال يتحدث عن التغيير المتوقع في الحزب بالقول إن “التغيير لا يمكن أن يتحقق بتغيير الأشخاص فقط، وإنما ببناء سياسة ثابتة تستند إلى مبادئ مؤسِّس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك مدعومة بسياسات اليسار الاشتراكي الديمقراطي”. كما أصدر بياناً يوضح فيه سياساته المقبلة في زعامة الحزب، أهم ما جاء فيه، أنَّه “ليس المهم مع من نتحالف في السياسة والانتخابات، بل أين نقف نحن كحزب سياسي له قواعده وسياساته الراسخة”، وكان في ذلك إشارة واضحة إلى اعتراضه على سلوك سلفه كليجدار أوغلو، القائم على تقديم التنازلات وتغيير السياسات من أجل جمع أكبر عدد من المعارضين تحت سقف واحد. ويُضيف أوزال إنَّه “ليس المهم أن أكسب صوت فلان، أو أن أقف بعيداً عن فلان، المهم هو الثبات على سياسات الحزب وتوضيحها للرأي العام. علينا أولاً توضيح الخطوط العريضة لسياسات حزبنا وبعدها نرحب بمن ينضم إلينا أو يتحالف معنا وفق هذه المبادئ؛ فحزب الشعب الجمهوري ليس حزباً للجميع، إنه حزب ذو سياسات وتوجهات واضحة، ولا يمكن التنازل أو التخلي عن هذه السياسات من أجل كسب تحالف مع حزب آخر أو كسب أصوات شريحة من الناخبين لا تؤمن بثوابت حزبنا وسياساته”.
ومن هنا يمكننا فهم الخطوط العريضة لسياسات أوزال المقبلة، وهي أنه في حال كان هناك ضرورة للتحالف مع أي حزب في الانتخابات القادمة، فإن هذا التحالف لن يكون من خلال الاشتراك بقوائم موحدة في الانتخابات كما حصل سابقاً، وإنما بالتعاون بين الأحزاب المتحالفة مع ثبات كل حزب على سياساته، دون التودد لشرائح انتخابية لا تؤمن بسياسات الحزب، وهو عكس ما فعله كليجدار أوغلو في الانتخابات الأخيرة، حيث تعهَّد -مثلاً- بإصدار قانون لحماية حق المرأة بارتداء الحجاب في الوظائف الحكومية، وهو توجه يخالف سياسات الحزب وأزعج قواعده، لكن كليجدار أوغلو كان يأمل باستمالة الناخبين المحافظين الذين صوتوا سابقاً للحزب الحاكم.
وضمن أولى الخطوات التي اتخذها أوزال فور فوزه بزعامة الحزب، اختيار مكتب تنفيذي جديد للحزب يطغى عليه الشباب والنساء، مع إفساح المجال لعدد محدود من المعارضين له والمؤيدين لكمال كليجدار أوغلو. وأكد في أول اجتماع بهم أن حزب الشعب الجمهوري لن يكون حزب الرجل الواحد أو الزعيم، وإنما سيكون حزب العمل الجماعي. وقبل أن يُغيِّر العديد من قيادات الحزب، على أوزال إثبات جدارته في الانتخابات البلدية المقبلة (في مارس 2024) أولاً، من أجل الحصول على القوة اللازمة للإطاحة بالقيادات التقليدية التي لا يزال لها ثقل في قواعدها في المحافظات، وخصوصاً التيار العلوي. كما أنشأ أوزال ما يسمى “بحكومة الظل” على شاكلة المعارضة في بريطانيا، حيث عيّن عدداً من قيادات الحزب وزراء ظل لمتابعة عمل جميع الوزارات في الدولة ونشاطها عن قرب.
التحديات أمام أوزال
أولاً، الحفاظ على وحدة الحزب
حزب الشعب الجمهوري هو أقدم حزب سياسي في الجمهورية التركية، إذ أسسه مصطفى كمال أتاتورك عام 1923. وقد تأرجحت سياساته بين العلمانية المتطرفة واليسار الاشتراكي، وخلال الربع قرن الماضي تحول الحزب إلى ما يشبه الدائرة الحكومية، من خلال إهمال تجديد كوادره ودمائه، وسيطرة زمرة بعينها على مفاصل الحزب لسنوات طويلة أغلبها من العلويين، إذ إن بعض نوابه في البرلمان ترشحوا وفازوا على قوائمه في 6 دورات متتالية، حتى بات العمل السياسي في الحزب عملاً روتينياً يفتقر إلى التجديد والتحفيز، بل يفتقر حتى إلى الأساليب الحديثة في إدارة شؤون الأحزاب السياسية وإجراء الحملات الانتخابية واستطلاعات الرأي، لذا يطغى على الحزب آلية عمل بيروقراطية ثقيلة.
ويعد الجناح العلوي في حزب الشعب الجمهوري أحد أهم التيارات القوية فيه، وقد عزز هذا التيار كوادره ووضعها في مناصب مهمة في صمت. فعلى الرغم من أن حزب الشعب الجمهوري لا يُنظر إليه على أنه حزب علوي، إلا أن القيادات العلوية فيه تَعتبره كذلك، وتحرص على أن يكون لها كلمة الفصل في العديد من السياسات والأمور، وهذا التيار هو الذي أوصل كمال كليجدار أوغلو إلى الزعامة عام 2010. والتيار العلوي مُصِر على استعادة زعامة الحزب من أوزغور أوزال، وهو التيار الذي دفع كيليجدار أوغلو إلى عدم الاستقالة من الزعامة بعد خسارته الانتخابات. لذا فإن هذا التيار يعمل الآن بكل قوته على خسارة الحزب للانتخابات البلدية القادمة من أجل دفع الحزب إلى انتخابات مبكرة لزعامة الحزب والإطاحة بأوزغور أوزال، ولهذا الهدف فقد أسس هذا التيار مكتباً لكليجدار أوغلو في إسطنبول لمتابعة أخبار الحزب عن بعد، وأهم أهداف هذا التيار هو خسارة أكرم إمام أوغلو بلدية إسطنبول من أجل الإطاحة به وبتياره وكذلك بزعيم الحزب الجديد المحسوب عليه أوزغور أوزال.
وستكون مهمة العمل ضد التيار العلوي في الحزب صعبة للغاية خلال الأشهر المقبلة، خصوصاً أن هذا التيار يحصل على دعم غير مباشر من الحكومة التي تلاقت مصالحها معه في الانتخابات القادمة. (تدخلت الحكومة غير مرة من خلال القضاء واللجنة العليا للانتخابات لإلغاء نتائج انتخابات حزب الشعب الجمهوري على مستوى المحافظات، حين فاز بها أتباع “تيار التغيير” في الشهرين الأخيرين).
وهنا سيحدد ناخبو الحزب وقواعده ما إذا كانوا يريدون فعلاً التغيير ويدفعون به، أم أن التيار العلوي والنعرات المذهبية هي التي ستغلب. ومن المتوقع هنا أن يزيد الرئيس أردوغان وحزبه من الشعارات الإسلامية والمذهبية خلال الانتخابات القادمة من أجل استفزاز التيار العلوي في حزب الشعب الجمهوري، ودفعه إلى العمل ضد أوزغور أوزال من أجل استعادة زعامة الحزب منه.
ثانياً، الخروج من عباءة أكرم إمام أوغلو
لم يتقدم أكرم إمام أوغلو للترشح لزعامة الحزب بسبب معارضة التيار العلوي الشديدة له، وآثر أن يدعم أوزغور أوزال كحل وسط للتخلص من زعامة كمال كليجدار أوغلو للحزب، ولم يُخْف أوزال وإمام أوغلو تعاونهما الوثيق أثناء حملة انتخابات زعامة الحزب. وبعد فوز أوزال أراد أن يضم إمام أوغلو إلى مجلس شورى الحزب، لكن التيار العلوي عارض ذلك بشدة، ففضَّل أوزال عدم الدخول في سجال مبكر مع هذا التيار وتراجع عن موقفه، لكنه في المقابل قلَّص عدد القيادات العلوية بشكل كبير في مجلس الشورى والمكتب التنفيذي للحزب، وعين العديد من المقربين لأكرم إمام أوغلو. لكنْ في المقابل، فإن أكرم إمام أوغلو ضَمِن ترشحه من جديد لانتخابات بلدية إسطنبول في مارس المقبل، بعد أن كان كيليجدار أوغلو قد قرر الاستغناء عنه.
وبسبب عدم سيطرة أوزال الكاملة على الحزب حتى الآن، فإن التيار العلوي في الحزب يشيع أنه مجرد “دمية” بيد إمام أوغلو. لذا يصر أوزغور أوزال على ترديد مقولة أن الحزب لن يحكمه رجل واحد وإنما عمل جماعي لفريق كامل، من أجل التغطية على دور إمام أوغلو. وعلى الرغم من أن فوز إمام أوغلو بولاية جديدة لبلدية إسطنبول سيُعد نصراً مهماً لأوزغور أوزال في أول اختبار عملي له بصفته زعيماً للحزب في الانتخابات القادمة، إلا أن العلاقة بين الرجلين تبقى على المحك، ومن الصعب تخيل بقاء الحزب بقيادة زعيمَين سياسيين، ويتعين على أوزال أن يظهر مستقبلاً بصورة أقوى إنْ هو أراد السيطرة على كامل الحزب.
ثالثاً، الانتخابات البلدية في مارس المقبل
الانتخابات البلدية هي أول وأهم اختبار حقيقي لقيادة أوزغور أوزال لحزب الشعب الجمهوري، ومن أجل تأكيد أحقيته بهذا المنصب فإن عليه تحقيق نتائج أفضل لحزبه من نتائج انتخابات عام 2019، أو على الأقل الحفاظ على 11 بلدية رئيسية كسبها الحزب في تلك الانتخابات، وبينها بلديات أنقرة وإسطنبول وإزمير. وهنا فإن على أوزال إقناع الناخبين بأهمية التصويت وعدم مقاطعة الانتخابات، بعد النتائج المخيبة للآمال في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة. كما أن على أوزال أن يقاوم التيار العلوي الذي بدأ يسعى من الآن لدفع مرشحيه لهذه الانتخابات والضغط لترشيحهم، وكذلك العمل على ضرب تأييد أكرم إمام أوغلو في انتخابات إسطنبول.
ومن التحديات التي ظهرت أمام أوزال حالياً رفض السيدة ميرال أكشنار، زعيمة حزب الجيد والحليف سابقاً في الانتخابات الرئاسية، التحالف مع حزبه في انتخابات البلديات الكبرى، وخصوصاً إسطنبول وأنقرة وإزمير، لسبب غير مفهوم (نحو ربع قيادات حزب الجيد استقالوا من الحزب مؤخراً بسبب موقف زعيمتهم أكشنار، لتأكدهم من أن خوض حزبهم الانتخابات البلدية منفرداً سيجعله يخسر كل بلدياته لأن شعبيته متراجعة كثيراً). هذا الموقف لحزب الجيد سيؤدي إلى تشتت الأصوات بين مرشحي المعارضة الأساسيين، إذ إن الفوز بالانتخابات البلدية لا يشترط حصول المرشح على 50%+1، وإنما يفوز من يحصل على أكبر عدد من الأصوات بغض النظر عن النسبة. كما أن عليه إقناع الناخبين الأكراد في إسطنبول وعدد من المحافظات بدعم مرشحيه من أجل الفوز، وهو ما قد يضعه في نفس الخانة التي وجد كيليجدار أوغلو نفسه فيها في الانتخابات الأخيرة بعد اتهام الحكومة له بدعم “الإرهاب” بسبب طلبه أصوات الأكراد.
وعليه فإن على أوزغور أوزال العمل سريعاً من أجل وضع خطة استراتيجية وشعارات جديدة للحزب، تؤكد جدية “التغيير” الذي رفعه شعاراً لحملته الانتخابية، وتحديد علاقات حزبه ببقية أحزاب المعارضة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
موقف أوزغور أوزال من القضية الكردية
معروفٌ عن أوزغور أوزال تعاطفه القوي مع القضية الكردية ورغبته في حل القضية سياسياً، وله علاقات قوية بالسياسيين الأكراد، وفي خطابه الانتخابي لزعامة الحزب في دياربكر في 7 أكتوبر قال أوزال إنه “يتعهد بإيجاد حل سلمي للقضية الكردية، بحيث يتمكن المواطنون الأكراد من التعبير عن هويتهم الكردية بحرية في تركيا”. كما تعهد أوزال بالعمل على الإفراج عن صلاح الدين دميرطاش، الزعيم الكردي السابق لحزب الشعوب الديمقراطية، المسجون منذ خمس سنوات بتهمة دعم الإرهاب.
لكن أوزال يفرق هنا وبقوة بين حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، وحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا، حيث ينتقد بشدة حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان، ويعلن عن دعمه لسياسات دميرطاش الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطية الأكثر اعتدالاً، وهو أمر يستفز بعض قواعد حزب الشعوب الديمقراطية والأكراد الذين وإنْ أبدوا تعاطفهم ودعمهم لدميرطاش إلا أنهم لا يقبلون المساس بزعيم “الثورة الكردية أوجلان”. وفي هذا الإطار ردت المتحدثة باسم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي عائشة غول دوغان على تصريحات أوزال بهذا الشأن نهاية نوفمبر الماضي، قائلة إن “أوزغور أوزال يحاول استغلال الأكراد في حملته السياسية ضد الحكومة ولن نسمح له بذلك”.
السيناريوهات المتوقعة
يسعى أوزغور أوزال إلى شراء الوقت وحماية نفسه من سيناريو الانقلاب عليه من داخل التيار العلوي في الحزب في حال خسر الانتخابات البلدية، لذا فإنه يؤكد أن الامتحان الحقيقي له سيكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وأنه يتعهد بترك منصبه في حال فشل في تغيير الرئيس والحكومة. ومع أن هناك فرصة جيدة لأن يحافظ أوزال وحزبه، وتحالفه -إن نجح- مع بعض أحزاب المعارضة على عدد كبير من البلديات التي كسبها الحزب في انتخابات 2019، إلا أن بلدية إسطنبول في خطر وغير مضمون نتائج الانتخابات فيها. وعليه فإن السيناريوهات المتوقعة هي الآتية:
1. فوز حزب الشعب الجمهوري بجميع البلديات التي فاز بها سابقاً، بما فيها بلدية إسطنبول، وحينها سيعزز أوزغور أوزال قوته داخل الحزب ويتعاون أكثر مع أكرم إمام أوغلو على تصفية المعارضين، وهذا قد يمنح فرصة حقيقية للتغيير داخل الحزب وإعادة الأمل للمعارضة من أجل الإعداد للانتخابات الرئاسية القادمة.
2. خسارة حزب الشعب الجمهوري بلدية إسطنبول، أو بلدية إسطنبول وعدد من البلديات الأخرى، وهو ما سيؤجج الصراع والانقسام داخل الحزب، وقد ينجح أوزال في تلافي الانقلاب عليه وشراء الوقت إلى حين موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، لكن ذلك سيجعل حزب الشعب الجمهوري ضعيفاً وغير متماسك. وبالنظر إلى المؤشرات الحالية، فإن هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً حتى الآن.
المصدر :https://epc.ae/ar/details/scenario/alzaama-aljadida-lihizb-alshaeb-aljumhuri-alturki-almuearid
