فى تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (سيبري)، بلغ إجمالى الإنفاق العسكرى العالمى، العام الماضى، ما يزيد على ٢٫٤ تريليون دولار، بنسبة زيادة وصلت إلى ٦٫٨٪، مقارنة بالعام قبل الماضى، مسجلا بذلك أعلى مستوى له فى التاريخ. وبلغت نسبة الإنفاق العسكرى العالمى للفرد ٣٠٦ دولارات.
الإنفاق العسكرى وفق معهد ستوكهولم يشمل جميع أوجه الإنفاق الحكومى على القوات والأنشطة العسكرية الحالية، بما فى ذلك الرواتب والمزايا، النفقات التشغيلية، مشتريات الأسلحة والمعدات، البناء العسكرى، البحث والتطوير، الإدارة المركزية، والقيادة والدعم.
بهذا المفهوم، تأتى أمريكا فى المركز الأول على قائمة أكبر المنفقين العسكريين بمبلغ ٩١٦ مليار دولار، ونسبة زيادة ٢٫٣٪ فى ٢٠٢٢. بعدها تأتى الصين بمبلغ ٢٩٦ مليار دولار، ونسبة زيادة ٦٪ فى ٢٠٢٢. ثم روسيا فى المركز الثالث بمبلغ ١٠٩ مليارات دولار، بزيادة ٢٤٪ مقارنة بالعام ٢٠٢٢. وبعدها تأتى الهند، السعودية، إسرائيل، بريطانيا، ألمانيا، أوكرانيا، وفرنسا.
بسبب تدهور الأمن العالمى وتفاقم الأزمات، سواء الحرب فى غزة أو استمرار الحرب الأوكرانية والتوترات فى تايوان والقطب الشمالى وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى الانقلابات بمنطقة الساحل الإفريقى، كلها عوامل أدت الى زيادة نسب الإنفاق العسكرى العالمي. بالنسبة لأمريكا، زيادة هذا الإنفاق مرتبط، من ناحية، بالسعى للحفاظ على الهيمنة الأمريكية على العالم والحفاظ على صورتها كقوة عسكرية عظمى، والترويج لقدرات الجيش الأمريكى، وتعزيز مستويات الردع لديها.
من المعروف ان أمريكا لديها معاهدات تلزمها بالدفاع عن ٥١ دولة فى العالم، ٢٨ منها تابعة لحلف الناتو، و١٨ لمعاهدة ريو، واثنتان لمعاهدة أنزوس وهما أستراليا ونيوزيلندا، بالإضافة إلى معاهدات ثنائية مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، فضلا عن علاقاتها الوثيقة ومصالحها الأمنية الواضحة مع دول أخرى. وفى بعض الأحيان تضطر واشنطن لنشر قواتها فى دول لا معاهدات رسمية لها معها. هذا الدور يجعلها يدفعها الى الزيادة سنويا فى الإنفاق العسكري.
بالإضافة الى ذلك، الرغبة فى مواجهة الصعود الصينى المتنامى، والتصدى للتهديدات العالمية المتصاعدة، بما فى ذلك التهديدات الناجمة عن كوريا الشمالية التى تستمر فى تطوير واختبار ترسانتها النووية، مهددة حلفاء الولايات المتحدة داخل آسيا، ومهددة واشنطن نفسها، هى عوامل تزيد من رغبة الإدارات الامريكية المتتالية على الانفاق العسكرى المتزايد.
بالنسبة للصين، تتماشى ميزانية الدفاع المتزايدة مع جهود بكين نحو التحديث العسكرى منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين، بعد أزمة مضيق تايوان ١٩٩٥ـ ١٩٩٦، والتى كشفت عن نقاط ضعف أساسية فى قدرة الصين على ردع التدخل الأجنبى فى النزاعات السيادية. يتمثل هدف الصين من الزيادات المستمرة فى الميزانيات العسكرية فى بناء جيش قوى يتناسب مع مكانتها الدولية المتنامية وأمنها القومى ومصالحها الإنمائية. كما انه لدى بكين تصور راسخ بأنها تعيش فى بيئة أمنية دولية صعبة بشكل متزايد، مما يكثف المطالب بتعزيز قدرات الدفاع الوطنى ومواصلة زيادة ميزانيتها من أجل تحقيق اهدافها. بالنسبة للدول الأوروبية، خاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ارتفاع معدل إنفاقها على الدفاع يعكس وجهة نظر مفادها أن روسيا تشكل الآن تهديدا أمنيا أكبر بكثير من السابق. ويعكس، أيضا، وجهة نظر متنامية بين الحكومات الأوروبية مفادها أنها سوف تضطر إلى تحمل المزيد من المسئولية عن أمنها فى السنوات المقبلة.
على العموم، ما يشهده العالم اليوم من سباق نحو التسلح، قد يدفع الأمن والسلم الدوليين لحالة من عدم الاستقرار. ربما ينتابنا دائما السؤال: ماذا لو اهتم العالم بالتنمية الاقتصادية بدل إنفاقه المتزايد على السلاح؟ يبدو الجواب عن هذا السؤال مرهقا خاصة بالنسبة للشعوب التى تعانى أزمات اقتصادية خانقة فى ظل زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، ومع ذلك تنفق حكوماتها مليارات الدولارات للتسلح.
ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو ان أى سباق نحو التسلح على حساب التنمية الاقتصادية سيؤدى الى الهاوية. التاريخ الحديث شاهد على تداعيات سباق التسلح على الاستقرار، وكيف انه كان من بين الأسباب التى أسهمت فى انهيار أنظمة سياسية لدولة عظمى مثل الاتحاد السوفيتى، وكذلك سقوط نظام الشاه فى إيران بسبب تراجع الاقتصاد مقابل الإنفاق المتزايد على السلاح وانتشار الفساد. ومع زيادة بعض الدول، حاليا، فى إنفاقها العسكرى سيؤدى ذلك الى زيادة الدين العام، وارتفاع أسعار الفائدة، واستمرار معدلات التضخم العالية، فضلا عن الارتفاع الكبير فى أسعار الطاقة وفرض ضرائب جديدة على المواطنين، ما يجعل النظام السياسى لهذه الدول على المحك
المصدر : https://ecss.com.eg/45357/