اعداد : محسن الكومي – المركز الديمقراطي العربي
ملخص:
أنزل الله تعالى الكتب السماوية على الأنبياء لتكون هداية لهم في طريقهم إلى الله تعالى يتعرفوا بها عليه ويعَرفون الناس عليه ويشرحوا لهم سبل النجاة ويعطوهم أسس التعايش ليكونوا جديرين بخلافته في الأرض فكانت الكتب السماوية أدلة إرشاد وتعليم ، ومناهج تطبيق وإسعاد، ولذلك كان الإيمان بالكتب السماوية من دلائل التفرقة بين المؤمن والكافر يقول تعالى ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِی نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدًا﴾ [النساء ١٣٦] وجعل أيضا الإيمان بالكتب السماوية من ضمن المفاضلات عند تفضيل مريم على نساء العالمين يقول تعالى ﴿وَمَرۡیَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَ انَ ٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِیهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَـٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَـٰنِتِینَ﴾ [التحريم ١٢] .
والقرآن الكريم هو أحد هذه الكتب السماوية المشرفة وهو خاتم الكتب والشرائع وعليه تكون المفاضلات فمن خلال هذا الكتاب المعجز ؛ وجد ما ينفع البشر في شؤون حياتهم جميعا ومع هذا الوجود القرآني كان السبق والتفرد أيضا ملازما لهذ القرآن العظيم وكان من ضمن السبق والتفرد سبقه في مفهوم التنمية الشاملة للمورد البشري والذي هو عماد الخلافة في الأرض فهو ليس للتسلية بالقصص يوما ولا كان للإعجاب اللغوي وفقط بل هو دستور محكم من لدن رب العالمين هدفه تيسير معايش الناس ورسم خطوات حياتهم ؛وفق مراد وعلم الصانع جل وعلا لأنه أعلم بصنعته التي خلقها “أدم” وقدرات تلك الصنعة ، ﴿۞ وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِیۤ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِیرࣲ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِیلࣰا﴾ [الإسراء ٧٠].
مقدمة :
لم تكن الآيات القرآنية يوما عند العارفين بعلوم القرآن ومقاصد الشريعة إلا نبراسا ودلائل إرشاد على جميل صنع الله تعالى وعطاياه يقول تعالى في أول سور القرآن بالمصحف بعد الفاتحة سورة البقرة ﴿ذَ لِكَ ٱلۡكِتَـٰبُ لَا رَیۡبَۛ فِیهِۛ هُدࣰى لِّلۡمُتَّقِینَ﴾ [البقرة ٢] ثم ذكر صفات المتقين أنهم ﴿وَٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ یُوقِنُونَ﴾ [البقرة ٤] فهذا الكاتب لهم هداية وهم يؤمنون بالمنزل عليك وعلى من قبلك ،هذا هو شأن المتقين ؛ ولكن هل في القرآن دلالات هدى لغير المتقين ، ربما يظن الماديون الذين ينكرون عصرية هذا القرآن ويفصلون بين آياته وبين حياتهم ،كونها حياة مادية ؛ منادين بأن العبادة شيء وعموم العلوم شيء أخر وما علموا أن هذا الكتاب معجز في آياته وفي بلاغته وفي سبقه العلمي ﴿قُل لَّىِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا یَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِیرࣰا﴾ [الإسراء ٨٨] وقد كشف العلم الحديث عن معنى بعض الآيات القرآنية، وكلما تقدمت العلوم كلما زاد اكتشاف جواهر القرآن، وأسراره وكنوزه، وسيأتي الوقت الذي يكون فيه العلماء الماديون أقرب الناس إلى الدين وإلى الإيمان بالله ([1]) ومن ضمن العلوم التي سبق القرآن، وتفرد بها علم إدارة تنمية الموارد البشرية .
فمنذ خلق أدم إلى نزول الكتب والارشادات المستمرة تتنزل حتى أخختم التنزيل بالكتاب الخاتم ﴿وَكَذَ لِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾ [الشورى ٥٢] فتنمية الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم واضحة في هذه الآية تماما فهي تنمية رفعته من جهل المادية كونه لا يدري ما الكتب ولا الإيمان فأعلت منه شأنا ومكانة ،كونه قد أقترن بهذا الكتاب المعجز لأنه نور يهدي به الله من يشاء ، فكتاب الله تعالى يحتاج من أهل الإيمان الموصوفين بالتقوى والإيمان بهذا الكتاب أن ينشروا خيره وبلاغته وعلومه كما نشره محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يتجه كل منا نحو العلوم وفق التخصص لإبراز السبق القرآني ؛ وهذا دور كل منا بمفرده حتى نكون ممن قال تعالى في حقهم ﴿وَٱلَّذِینَ یُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ﴾ [الأعراف ١٧٠] فليس يمسكون بل بالتضعيف يسمكون أي هم ماسكون وممسكين غيرهم ثم الله لن يضيع جهدهم في الإصلاح وسماه الله إصلاحا والإصلاح مرادف للتنمية فتنمية البشر تأتي من التمسك بالقرآن وتمسيك الناس به .
أهدف الدراسة :
تمحورت أهداف الدراسة حول عدة نقاط رئيسة ومنها :
- بيان عصرية القرآن الكريم وسبقه لعلوم البشر
- تبيان التنمية القرآنية الشاملة وما أعطاه الله تعالى لآدم عليه السلام وذريته
- إرشاد المعاصرين في علوم الادارة إلى روعة وجمال الفكر الإداري في الإسلام
فروض الدراسة :
ينطلق البحث من عدة فرضيات وهي :
- السبق القرآني الشامل
- الأصل الإداري في تنمية الموارد البشرية
- شمول القرآن الكريم على مختلف عناصر إدارة الموارد كما سماها أهل التخصص
منهج الدراسة :
- اتسمت الدراسة بلونين من الوان مناهج البحث ومنها المنهج الاستنباطي حيث تستنبط أصول إدارة تنمية الموارد البشرية وواقع التنمية الشاملة في القرآن الكريم في مختلف الآيات الكريمة ، ومن خلال الآيات التطبيقية العملية والواضحة بالقرآن في توجيهات الأمر والنهي والتي تؤدي إلى قواعد وأساليب وأهداف عملية التنمية الإدارية في القرآن الكريم
خطة الدراسة :
اشتملت خطة الدراسة على :
- المبحث الأول : تاريخ تنمية الموارد البشرية
- المبحث الثاني:أهدف تنمية الموارد البشرية
المبحث الأول تاريخ تنمية الموارد البشرية :
وردت كلمة تنمية على ألسنة علماء الإدارة وأصبحوا إذا أرادوا تعظيم مصطلح ألصقوه بلفظة تنمية فكانت التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية الزراعية والتنمية السياسية ومن تلك الإضافات الهامة ايضا “التنمية الإدارية” وعلى رأسها تنمية الموارد البشرية، فالتنمية من الفعل نمَّى ينمِّي، والمعنى نمَّى إنتاجَه: زادَه وكثَّره، رفع معدَّله. وعلى هذا فإن إدارة الموارد البشرية أولها التنمية وعلى ذلك يكون مفهوم التنيمة البشرية ومفهوم إدارة الموارد البشرية لهما بالتأكيد تاريخ وبالبحث في كتب الإدارة عن المفاهيم العصرية هذه وما هو تاريخ نشأتها ؛ نجد إسهامات عدة في توضيح مفاهيم مثل التنمية والتنمية البشرية وتنمية الموارد ومنها نظرية الدفعة القوية ( ليروز شین ) عام ۱۹۵۹ م ، التي نصت أن التنمية هي مجموعة من أجراء تغيرات شاملة في المجتمع المتخلف ، ونقله إلى مستوى أعلى ، علاوة على عدد من الإجراءات أهمها أحداث تغير قوي وجارف في عقلية الإنسان نفسه ، وفي تفكيره وثقافته ووضعه الحضاري » ، وبذلك تم التأكيد على تنمية العنصر البشري صراحة في ذلك ) . بينما نجد آخرين قد حددوا أن بداية تطوير مفهوم التنمية البشرية بدأ منذ آواخر أربعينيات القرن المنصرم وعلى وجه التحديد منذ العام 1949 م ، حيث ظهرت التلميحات الرسمية الأولية لضرورة تحقيق التنمية في البلدان الفقيرة ، كما جاء في برنامج ترومان الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثين 1945 م – ۱۹۵۳ م ، ذي النقاط الأربعة ، الذي نص حرفيا : الاستفادة من تقدمنا الخاص والتقدم الصناعي المتاح لتحسين وإنهاء المناطق المتخلفة ) ، ومنذ ذلك الوقت في نظر بعضهم بدأت تظهر الدراسات والبحوث الخاصة بالتنمية وتطويرها ([2]) .
أم السبق القرآني في التطبيق العلمي لمفهوم التنمية وإدارة المورد البشري فقصة خلق أدم منذ اللحظة الأولى والتي سطرت في هذا الكتاب المعجز بسورة البقرة ، والله تعالى ينمو هذا المخلوق الموكل بخلافة الله تعالى في أرضه يقول تعالى ﴿إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ﴾ [ص ٧١] فهو عالم بطبيعة ما خلق وعالم بمعدن مادتها ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة ٣٠] ومن خلال هذا العلم بطبيعة ما خلق تعالى “أدم” فقد هداه إلى سبل الحياة القويمة وعلمه من علمه تعالى ﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾ [البقرة ٣١]
إن اهتمام البشر بالتطوير الدائم في سبل الحياة دفعهم إلى السعى نحو تنمية مواردهم وأعظم تلك الموارد هو الفرد نفسه ذاك الذي عناه الله تعالى سابقا وذكره ونماه فأول تلقي للتنمية لهذا الفرد كانت عن طريق الله تعالى في بداية خلق البشر ولم تستقر التنمية عند الخلق والتسوية بدأت معالم إدارة هذا المورد فكان تعليم الله وتدريبه لآدم عليه السلام ولما احتاج أدم إلى إرشادات المطعم والمشرب أعطاه تعالى إرشادا وتوجيها تاما جيدا ونماه في ذلك وأداره في حاجاته الفسيلوجية بالجنة فقال له تعالى ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِیهَا وَلَا تَعۡرَىٰ ١١٨ وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُا۟ فِیهَا وَلَا تَضۡحَىٰ ١١٩ فَوَسۡوَسَ إِلَیۡهِ ٱلشَّیۡطَـٰنُ قَالَ یَـٰۤـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكࣲ لَّا یَبۡلَىٰ ١٢٠﴾ [طه ١١٨-١٢٠] فلم يتركه تعالى للسؤال أو للحيرة بل أرشده لذلك وأعطاه خريطة الحياة بالجنة وكتيب الإرشادات التام فقال لا عطش ولا جوع ولا إصابة بالبرد والحر فضمان ذلك من الله وهي قمة الإدارة والتنمية والتأثير لهذا المورد البشري الفريد والذي ستكون على يديه عمارة الأرض يقول الطبري في تفسيره حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله ﴿وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى﴾ يقول: لا يصيبك فيها عطش ولا حرّ. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى﴾ يقول: لا يصيبك حرّ ولا أذى ( ) . ويقول بن كثير ﴿إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى﴾ إِنَّمَا قَرَنَ بَيْنَ الْجُوعِ والعُرْي؛ لِأَنَّ الْجُوعَ ذُلّ الْبَاطِنِ، وَالْعُرْيَ ذُلّ الظَّاهِرِ.
﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى﴾ وَهَذَانَ أَيْضًا مُتَقَابِلَانِ، فَالظَّمَأُ: حَرُّ الْبَاطِنِ، وَهُوَ الْعَطَشُ. وَالضُّحَى: حَرُّ
ففي تفسير الطبري لنفس الأيات حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَلا تَضْحَى﴾ قال: لا تصيبك الشمس، ولكن أتى الإضلاع والاضمحلال والإقلال من جهة الشيطان يقول تعالى ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾ يقول: فألقى إلى آدم الشيطان وحدّثه ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ يقول: قال له: هل أدلك على شجرة إن أكلت منها خلدت فلم تمت، وملكت ملكا لا ينقضي فيبلى.وبالتالي سعى الشيطان من أول لحظة لأدم أن يقلل من التنمية والادارة لهذا المخلوق الجديد على الكون
واما ما يخص فوارق تنمية الله وإدارته للإنسان عند خلقته ،فقد علمه أسماء كل شيء لما أختبر به عقل أدم في التفكير والحفظ فكان جديرا بكسب المعلومة وحفظها واستدعائها وقت الحاجة ، وذلك عندما عرضت الأشياء على الملائكة فعجزوا عن ذكر أسمائها ،فقال تعالى لأدم ﴿قَالَ یَـٰۤـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَاۤىِٕهِمۡۖ فَلَمَّاۤ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَاۤىِٕهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ غَیۡبَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ﴾ [البقرة ٣٣] وفي هذا عظيم التقدير لأدم وبيان قدراته وجدارته بالخلافة الموكلة إليه وقمة التحفيز له من الله تعالى على رؤوس الأشهاد من الملائكة المقربين .
إن تنمية الموارد البشرية تعني “العملية التي تضمن استثمار المورد البشري وتنمية قدراته وإمكاناته لتطوير المنظومة التي يرتبط بها المورد لتحسين مستوى الأداء والإنتاج وإتاحة المنفعة المرجوة من خلال تنمية قدراته البدنية والمعرفية والنفسية والفنية والاجتماعية ([3]) لذا نستطيع القول بأن ما تم مع أدم عليه السلام عند بدء خلقته حتى نزوله غلى الأرض إنما كان إهتماما بتنميته تنمية خالصة ومن ثم إدارته إدارة قويمة كونه موردا أصيلا ستقوم عليه أعباء عظام في خلافته القادمة على الأرض .
ومن هنا نجد أن الفارق الزمني بعيد جدا بين مفهوم التنمية لدى المعاصرين وبين السبق القرآني؛ فالتنمية منذ خلق أدم قائمة ﴿ وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِیۤ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِیرࣲ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِیلࣰا﴾ [الإسراء ٧٠] فقد وردت إلينا آلياتها مع نزول القرآن الكريم وذكر قواعد التنمية الإلهية لأدم عليه السلام ، والذي يتلى إلى يومنا هذا لينبيء عن دورنا تجاه هذا القران العظيم في قوله تعالى ﴿كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ مُبَـٰرَكࣱ لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَـٰتِهِۦ وَلِیَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [ص ٢٩] ويقول تعالى ﴿وَمَا مِن دَاۤبَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰۤىِٕرࣲ یَطِیرُ بِجَنَاحَیۡهِ إِلَّاۤ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مِن شَیۡءࣲۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ یُحۡشَرُونَ﴾ [الأنعام ٣٨].
المبحث الثاني :أهدف تنمية الموارد البشرية:
- تنمية الموارد البشرية لدى علماء الإدارة :
إن هدف التنمية للموارد البشرية في ثوبها العصري هدف قاصر عن النظرة الشمولية التي أرادها الله تعالى لآدم ،ففضلا عن حداثة المفهوم لديهم والذي لم يمر عليه اكثرمن ثمانين سنة، أيضا فقد جاء مفهومهم ليتسم بالمادية البحتة ، فكل من حاول تعريف تلك التنمية نظر إلى الجانب الاقتصادي واعتبر زيادة الدخل هو قمة التنمية أو نقل الشخص والمجتمع من دائرة التخلف إلى دائرة التقدم والرقي على حد تعبير نظرية الدفعة القوية ( ليروز شین ) عام ۱۹۵۹ م هو قمة التنمية ، ومن التعاريف المؤكدة على قصر المفهوم للتنمية ما جاء في التقرير الانمائي للأمم المتحدة عام 1993 ان الانسان هو محور الاهتمام وهو الهدف من التنمية فعرفت التنمية بأنها “تنمية الناس من أجل الناس بواسطة الناس” وهذه المفاهيم هدفها هو سعة خيارات الانسان المشروعة وتطوير امكانياته ([4]) . ليتطلع بدوره المادي في التصنيع والانتاج والنمو الاقتصادي وتحقيق وتعظيم عوائد الربحية في قالب اقتصادي مادي خالص .
وعلى هذا فإن هدف التنمية وادارتها لدى المعاصرين والذين يعتبروا أنفسهم سبقوا الكل إلا أن هدفهم تمحور حول إسعاد الإنسان بما يحويه هذا الإنسان من مادية وفقط ولذا كان هدف التنمية لديهم قاصرا .فلو كانت تنميتهم هذه هي قمة التنمية إذا فقد ضلوا سبيل ذلك ،كونهم أغفلوا جانبا مهما وهو جانب التنمية الروحية وتركوها للفرد نفسه دون أن يعملوا لها خططا ويقعدوا لها نظريات شأنها شأن تنميتهم المادية ؛ لكنهم سكتوا عن هذا الجانب تماما والسبب في ذلك واضحا إذ لو أنهم اعتبروا التنمية الروحية تنمية مطلوبة كالتنمية المعروفة لديهم لكانوا أهتدوا إلى الله تعالى وهم لا يريدوا ذلك ولسان حالهم “فلتسقط التنمية الشاملة وأهلا بتنمية جزئية لا دين فيها ولا أخلاق ولذلك نجدهم رغم مدنيتهم وتنميتهم تلك فهم أكثر الناس معدلا في الجريمة وفي الانتحار ذلك كونهم ركزوا على التنمية القاصرة وهي المادية الخالصة دون النظر للتنمية الشاملة بما تحتويها من زكاة الروح والقلب وما يتعبه من آثار طيبة على الجوارح.
فيقول البروفسور دون فان ايتن . أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا . : لا شك في أن عقيدة الرأسمالية بلا خلق ولا دین ، هكذا هي منذ أن ولدت حتى يومنا هذا ، ويقول لي آتووتر ، وهو أحد الرموز البارزة في إدارة الرئيس ريغان . في عدد فبراير عام ۱۹۹۱ م من مجلة life : لقد ساعدني مرضي على أن أدرك أن ما كان مفقودا في المجتمع كان مفقودا في داخلي أنا أيضا ، قليل من الحب والمودة وقليل من الأخوة .. لا أعلم من سيقودنا في عقد التسعينيات ، ولكن ينبغي عليه أن يتحدث صراحة عن هذا الخواء الروحي في قلب المجتمع الأميركي ، إنه ورم خبيث ينتشر في أرواحنا؛ ويقول الصحفي الأمريكي المشهور غونتر في كتابه داخل اوروبا :((إن الانجليز يعبدون بنك انجلترا ستة أيام بالأسبوع ثم في اليوم السابع يتوجهون إلى الكنيسة)([5]) وعلى هذا نجد أن مفهوم التنمية لديهم صنفا واحدا وهو العنصر المادي مع خواء الروح والقلب فكانت عاقبتهم أنهم في المادية غارقون .
- هدف تنمية الموارد البشرية في القرآن الكريم
أما هدف تنمية الموارد البشرية في القرآن الكريم لم تقتصر على عنصر واحد ، فقد جمعت بين حظي الدنيا من مادية تامة وحظ الآخرة من نقاء القلب والسريرة والتعرف على الله تعالى فترقى الروح كما يرقى الجسد ولقد جمعها الله تعالى في قانون للتنمية شامل إذ يقول تعالى ﴿وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ [القصص ٧٧] فقال المفسون في ذلك ومنهم راي عيسى الجُرَشِيّ، عن مجاهد: ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ قال: أن تعمل في دنياك لآخرتك. ولأن مكونات الإنسان جسد وعقل وروح نجد أن الإسلام قد عني بالثلاثة ورتب توازنا دقيقا للاهتمام بهم وجعل من التربية الإسلامية فلسفة خاصة بها ، قائمة على التوازن بين المكونات الثلاث
لقد تضمن التراث التربوي الإسلامي مادة غنية جدا عن النفس الإنسانية ، رتب الكثير منها في ظلال الآيات القرآنية الكريمة التي تحدثت عن هذه النفس ، فكان منها آیات بینت أنواع النفس وحالاتها وأمراضها ، وجمعت بعض كتب التراث ما ورد من هدي نبوي ، ومن آثار السلف الصالح عن النفس ، فقد ذكر تعالى ﴿وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا﴾ [الشمس ٧] وفي الحديث عن عبدالله بن عباس: كان النبيُّ ﷺ إذا تَلا هذِهِ الآيَةَ ونَفْسٍ وَما سَوّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها وقف ثم قال اللهمَّ آتِ نَفْسِي تَقْواها أنتَ وليُّها وخيرُ من زكّاها([6]) فالنفس ملهمة بالفجور والتقوى ولها أن تختار وكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إرشادا لنا كيف لنا أن نختار التقوى على الفجور وبعد ذلك يذكر تعالى ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا﴾ [الشمس ٩] ثم ﴿وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾ [الشمس ١٠] فهذه هي أهداف التنمية للموارد البشرية بالقرآن الكريم فهي تنمية شاملة مدروسة جمعت بين خيري الدنيا والأخرة ورسمت سبيل النجاة و الفوز ، فشتان بين تنمية مادية تدفع للقنوط واليأس تارة أو الجنون والانتقام تارة أخرى وبين تنمية قويمة تتماشى مع طبيعة الصنعة الإلهية “أدم” في روحه وعقله وجسده وقد أظهر القرآن الكريم التنمية الحقيقية المعتمدة على الروح فكانت معالم تلك التربية في شكل روحي خالص كطمأنينة القلب والتي ذكرت في قول الله تعالى ﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾ [الرعد ٢٨] في حين أن التنمية عند الغرب كان هدفها مادي خالص ، لم تقترب من الروح ولما تحدثت عن تنمية العقل كان أيضا في قالب مادي خلاف تنمية القرآن الشاملة تلك كانت مجمل التنمية وسبق القرآن الكريم لها كمفهوم وأهداف
وفي اليحث القادم سيكون دلائل السبق في إدارة الموارد البشرية بمفهومها العصري وفهم وظائقها في ظل القرآن الكريم
النتائج :
- بعد هذا العرض لمباحث الدراسة يتضح منها عدة نتائج:
- سبق القرآن الكريم لمفهوم التنمية البشرية .
- نقاء نظرية التربية في الإسلام وجمال أهدافها ورقي رسالتها
- قصة خلق أدم تعتبر نموذجا فريدا في تنمية الموارد البشرية .
- أهداف تنمية الموارد البشرية في القرآن الكريم شملت تنمية شاملة للجسد والعقل والروح
- التنمية عند الغرب حديثة مفهوما وقاصرة أهدافا
التوصيات :
- العمل على إبراز التنمية بمفهومها العصري وفق النظرية التربوية في الإسلام
- على علماء التفسير وعلم القرآن توضيح مقاصد القرآن الكريم في التنمية والتطوير للمورد البشري
- تركيز علماء الادارة من المسلمين على إبراز جوانب التميز في النظرية الإدارية الإسلامية وسبقها لنظريات الادارة المعاصرة .
- تجميع قواعد التنمية وأصولها بالقران الكريم والسنة المطهرة وعرضها بشكل علمي متسلسل في كتب ودوريات على المهتمين بالتنمية للموارد وخاصة هيئة الأمم المتحدة وفروعها .
خاتمة:
إن أصول التنمية في الإسلام قد سطرت معان عظيمة قائمة على نظرية تربوية راشدة مبعثها كتاب حكيم يقول تعالى ﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ [إبراهيم ١] فالقرآن الكريم أنما هدفه إخراج الناس من الظلمات إلى النور وفق مراد الله تعالى ووفق تطبيق أوامره الكاملة والساعية إلى إسعاد الإنسان من خلال تنمية شاملة لينال حظي الدنيا والآخرة .
مراجع:
([1])مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،أبو الحسن الهيثمي ،المحقق: حسام الدين القدسي ،ج7/138 رقم الحديث 11495 مكتبة القدسي، القاهرة،1994 [اسناده صحيح]
(2) التسامح الغربي ، حفيظ الله الاعظمي ،مجلة الفيصل ، ص 32،العدد 366
3) المنظور الإسلامي للتنمية البشرية،اسامة العاني ،ص 15
4)التنمية البشرية في القرآن الكريم ، طلال فائق الكمالي ،ص75 ، مرجع سابق
5) دلائل الإعجاز في القران الكريم ،ا مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، العدد 17 ،موقع الجامعة على الإنترنت ج6/343
6) التنمية البشرية في القرآن الكريم ، طلال فائق الكمالي ،ص123،2014
([1])دلائل الإعجاز في القران الكريم ،ا مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، العدد 17 ،موقع الجامعة على الإنترنت ج6/343
([2])التنمية البشرية في القرآن الكريم ، طلال فائق الكمالي ،ص123،2014
([3])التنمية البشرية في القرآن الكريم ، طلال فائق الكمالي ،ص75 ، مرجع سابق
([4]) المنظور الإسلامي للتنمية البشرية،اسامة العاني ،ص 15
([5]) التسامح الغربي ، حفيظ الله الاعظمي ،مجلة الفيصل ، ص 32،العدد 366
([6])مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،أبو الحسن الهيثمي ،المحقق: حسام الدين القدسي ،ج7/138 رقم الحديث 11495 مكتبة القدسي، القاهرة،1994 [اسناده صحيح]