تباينت ردود فعل دول المغرب العربي الخمس رسميا وشعبيا حول نتائج فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بين مبتهج ومتحفظ وحتى متوجس. لكنها جميعا بادرت إلى تهنئة الرئيس الجديد- القديم الذي فاز بغالبية ساحقة، وقد تكون له حسابات مع من كانوا يراهنون على سقوطه، وربما إدانته بسبب خلافات سياسية مع الشخص والمنصب.
ويعتقد أن الإدارة الأميركية الجديدة قد لا تمنح الحظوة نفسها للدول المغارببة، على الرغم من حاجتها إلى مواصلة التعاون الأمني معها، بسبب موقعها الجغرافي الجيو-استراتيجي بين أوروبا والشرق الأدنى وأفريقيا.
تعتبر واشنطن نفسها قريبة من المغرب، صديقها وحليفها التاريخي والتقليدي في شمال أفريقيا. في المقابل، هناك بعض الحذر من زيادة التقارب مع الجزائر “الممانعة” إقليميا، التي تتسلح من روسيا وتتحالف مع إيران، وتعادي سياسة حلف شمال الأطلسي في المنطقة.
على الرغم من عدم معرفة ترمب بتفاصيل نزاعات المنطقة وقدراتها الاقتصادية والاستراتيجية، فهو يميز بين حليف موثوق به والمصالح الموقتة
ولا تبدو الإدارة الجديدة مهتمة بتونس، المتخاصمة مع صندوق النقد الدولي، والرافضة إملاءاته وخياراته الاقتصادية، وهي أيضا غير مستعدة لتعميق التعاون مع ليبيا المنقسمة بين الشرق والغرب حول السلطة والنفط طالما بقي النزاع قائما. لكنها قد تدعم موريتانيا أمنيا واقتصاديا في وجه أي توتر أمني أو عسكري في دول الساحل وغرب أفريقيا، لوقف أي تقدم لقوات “فاغنر” نحو المحيط الأطلسي. وتراهن الإدارة الجديدة مستقبلا على إدراج نواكشوط ضمن قائمة المطبّعين المحتملين مع إسرائيل في شمال أفريقيا.
جهل بالتفاصيل وتمسك بالمصالح
على الرغم من عدم معرفة ترمب بتفاصيل نزاعات المنطقة وقدراتها الاقتصادية والاستراتيجية، فهو يميز بين حليف موثوق به والمصالح الموقتة. وقد يستخدم اتفاقات أبراهام كأحد مفاتيح لعبة التحالفات المستقبلية لبناء شرق أوسط وشمال أفريقيا جديدين، يقومان على مصالح وشراكات اقتصادية، يكون لإسرائيل دور وحضور فيها، وتكون واشنطن عرابة ووسيطا، بصيغة رابح-رابح، من خلال إحياء مشروع “السلام الاقتصادي”، أي “الرفاه الذي يصنع السلام والتعايش بين الشعوب”.
لكن واشنطن تدرك في المقابل، أن دولا أخرى قد لا تنخرط في مشروع التطبيع الاقتصادي حتى بعد إنهاء الحروب وإسكات البنادق، من ضمنها الجزائر، التي لن تقدم على هذه الخطوة بضغط من إيران أو بتحالف معها، وفق مجلة “جون أفريك” الصادرة في باريس، التي أوردت أن “نقاط الالتقاء قليلة أو منعدمة في هذا الاتجاه بين أميركا والجزائر، وهي تكاد تقتصر على علاقات التعاون الأمني، ومن المرجح أن يفضل الرئيس الأميركي الرباط خلال فترة ولايته الثانية ضمن خياراته الإقليمية”.
واشنطن لا تريد أن يكون المغرب منصة صناعية لإفشال خطة العقوبات التجارية الأميركية المخطط لها ضد بكين
مجلة “جون أفريك”
في المقابل، تقول المصادر نفسها “إن واشنطن لا تريد أن يكون المغرب منصة صناعية لإفشال خطة العقوبات التجارية الأميركية المخطط لها ضد بكين”، والتي قد تستخدم اتفاقية المنطقة التجارية الحرة لتصدير سيارات كهربائية صنعت في المغرب نحو الأسواق الأميركية. ويرى محللون أن “المغرب أصبح وجهة استراتيجية للمصنّعين الصينيين، خصوصا في مجال السيارات الكهربائية، وأن دونالد ترمب، الحليف المؤيد المعلن لحرب اقتصادية شاملة ضد بكين، من المستبعد أن يرى ذلك بشكل إيجابي للغاية”.
ميناء طنجة أكبر ميناء في أفريقيا، عند مضيق جبل طارق
وكانت الصين أطلقت استثمارات بنحو 10 مليارات دولار في صناعة السيارات والبطاريات الكهربائية في المغرب، لتصديرها إلى الاتحاد الأوروبي والقارة الأميركية، بالاستفادة من الاتفاقات التجارية بين الرباط وهذه الأسواق. وبدأت شركات صينية في بناء مصانع لها على البحر الأبيض المتوسط في “مدينة طنجة هاي تيك الصناعية”، ستكون من الأضخم في المتوسط إلى جانب مشاريع مماثلة في تركيا.
تقليص العجز التجاري
وأعلنت مجموعة “غوشن هاي تيك” من جهتها بناء منصة صناعية في القنيطرة شمال الرباط على المحيط الأطلسي بتكلفة 6,5 مليارات دولار، منها 1,6 مليار دولار ستستثمر عام 2025، لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية الصينية، مستفيدة من تحفيزات استثمارية مع الحكومة المغربية.
يصدّر المغرب إلى الولايات المتحدة الأسمدة الفوسفاتية، وشرائح أشباه الموصلات، والآليات الميكانيكية والسيارات، وأجزاء الطائرات، ومنتجات زراعية وملابس
تُقدَّر المبادلات التجارية البينية للرباط مع بكين وواشنطن مجتمعة بنحو 14 مليار دولار، تنقسم 7 مليارات دولار لكل طرف، مما يجعل المملكة في حاجة إلى القوتين الاقتصاديتين معا. فقد تجاوزت المبادلات مع الصين 7 مليارات دولار العام المنصرم، وبلغت 6,8 مليارات دولار مع الولايات المتحدة، منها 4,5 مليارات دولار صادرات أميركية نحو المغرب، التي صدّرت بدورها ما قيمته 2,3 مليار دولار. وحققت واشنطن فائضا تجاريا مع المغرب بلغ 2,1 مليار دولار عام 2022. وقدرت المبادلات السلعية بين البلدين بـ5,5 مليارات دولار عام 2023.
وكانت التجارة البينية لا تتجاوز 1,3 مليار دولار عام 2006، تاريخ تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب والولايات المتحدة (MAFTA).
ترمب يعترف بمغربية الصحراء… والجزائر تتوجس
ويُصدّر المغرب إلى الولايات المتحدة الأسمدة الفوسفاتية، وشرائح أشباه الموصلات، والآليات الميكانيكية والسيارات، وأجزاء الطائرات، ومنتجات زراعية وملابس. ويستورد من أميركا مواد الطاقة، وتوربينات الغاز، والطائرات المدنية والحربية، والتكنولوجيا الرقمية، ومواد زراعية وطبية. وبلغت الاستثمارات الأميركية في المغرب 379 مليون دولار في 2022، بانخفاض 1 في المئة عن عام 2021. لكنها تظل أقل بثلاثة أضعاف مثيلاتها في الجزائر التي تستقطب استثمارات أميركية في مجال الطاقات الأحفورية.
يلاحظ المراقبون أن التجارة والاستثمارات الأميركية مع المغرب تتطور أكثر مع الجمهوريين منه مع الديمقراطيين، وهو سبب ترحيب المغاربة رسميا وشعبيا بفوز ترمب
يلاحظ المراقبون أن التجارة والاستثمارات الأميركية مع المغرب تتطور أكثر مع الجمهوريين منه مع الديمقراطيين، وهو سبب ترحيب المغاربة رسميا وشعبيا بفوز الرئيس دونالد ترمب، الذي سبق له الاعتراف بمغربية الصحراء عام 2020، وإعلان نيته فتح قنصلية اقتصادية في مدينة الداخلة جنوب البلاد خلال ولايته الأولى.
النفط الجزائري والإنتاج الأميركي
نتيجة دعم ترمب السابق للمغرب في قضية الصحراء، تتوجس الجزائر من أية خطوة إضافية من الرئيس الجديد القديم حيال غريمها في الغرب، خصوصا في ما يتعلق بتنفيذ وعود الاستثمار في الصحراء الغربية، التي بدأتها إسبانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة ودول من الخليج العربي. في المقابل، لا تنظر واشنطن بعين الرضا إلى أي تعاون عسكري جزائري مع إيران في المنطقة المغاربية، أو إلى أي تشويش على سياسة التطبيع المرتقبة.
مغربيون يحتفلون خارج مقر مجلس النواب بعد اعتراف الأدارة الأميركية بسيادة المغرب على المنطقة الصحراوية، الرباط 13 ديسمبر 2020
ولا تبدو العلاقات الاقتصادية الأميركية الجزائرية قوية مثل المغرب، بسبب القوانين الاشتراكية التي ظلت تتبناها الجزائر في مجال التجارة والاستثمارات الخارجية على مدى عقود من الزمن.
نتيجة دعم ترمب السابق للمغرب في قضية الصحراء، تتوجس الجزائر من أية خطوة إضافية من الرئيس الجديد القديم حيال غريمها في الغرب، خصوصا في ما يتعلق بتنفيذ وعود الاستثمار في الصحراء الغربية
كانت الولايات المتحدة تُعتبَر ضمن أهم عملاء النفط الجزائري حتى عام 2013، وحصلت على استثمارات من الشركات الأميركية قاربت المليار دولار مثل “شيفرون” و”إكسون موبيل” وغيرهما.
لكن توسع الولايات المتحدة في اكتشاف الطاقة وإنتاجها محليا خلال العقد الأخير، قلص الاعتماد الخارجي على النفط والغاز. وصدّرت الجزائر ما قيمته 3 مليارات دولار من النفط إلى الولايات المتحدة عام 2023، بانخفاض 37 في المئة عن حجم هذه الصادرات قبل عشر سنوات، بسبب اكتشافات النفط والغاز الصخري واستغلالهما. ولم تتجاوز الصادرات الأميركية نحو الأسواق الجزائرية 1,2 مليار دولار، أي ربع الصادرات الأميركية نحو المغرب، وفقا لبيانات وزارة التجارة الأميركية.
وقال محللون إن دونالد ترمب قد يتخلى عن أسواق عدة في مجال توريد الطاقة مع سعيه إلى تطوير صادراته من النفط والغاز، بتشجيع الإنتاج من الصخور النفطية، وأيضا تقليص العجز التجاري مع الدول المصدرة. وتوقع البنك الدولي في تقرير نهاية أكتوبر/تشرين الأول، “انخفاض أسعار السلع الأولية على المستوى العالمي في عام 2025 إلى أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات، بسبب وفرة غير مسبوقة في إمدادات النفط بمعدل 1,2 مليون برميل يوميا”. وتعتبر هذه الأخبار غير جيدة للجزائر التي تحتاج إلى سعر برميل يفوق 120 دولارا لمعالجة عجز الموازنة، المتوقع أن يفوق 60 مليار دولار عام 2025.
راهنت الجزائر بعد فوز الرئيس جو بايدن عام 2020، على إحداث تغير في موقف واشنطن في خصوص سيادة المغرب على الصحراء، إلا أن إدارة بايدن لم تُقدم على أي تغييرات جوهرية
الاقتصاد محرك العلاقات بين الدول
وكانت الجزائر قد استبشرت بفوز الرئيس الحالي جو بايدن على ترمب عام 2020، وراهنت على إحداث تغير في موقف واشنطن في خصوص سيادة المغرب على الصحراء، إلا أن إدارة بايدن لم تُقدم على أي تغييرات جوهرية.
وبعودة ترمب إلى البيت الأبيض، فقدت الأمل في حدوث أي تغيير أميركي في العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والمغرب. وقالت السفارة الأميركية في الرباط “إن النمو في الاقتصاد المغربي ظل قويا، واستطاع أن ينقل حجم الناتج المحلي الإجمالي من 63 مليار دولار عام 2006 إلى 131 مليار دولار عام 2022، وحقق المغرب تقدما في البنى التحية والتنمية الاقتصادية في مجالات عدة”.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يلقي كلمة خلف حاجز زجاجي مضاد للرصاص، في مدينة جاستونيا، ولاية نورث كارولينا، 2 نوفمبر 2024
ومن المتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي 200 مليار دولار في أفق 2030، بعد الانتهاء من مشاريع ضخمة في البنى التحتية والسكك الحديد والطاقات المتجددة والسياحة، استعدادا لاحتضان نهائيات كأس العالم، وفق صندوق النقد الدولي.
سيكون الاقتصاد محركا حاسما لسياسة الولايات المتحدة مع دول المغرب العربي غير المتجانسة اقتصاديا، التي تُضَيّع نحو 3 في المئة من النمو سنويا بسبب إغلاق الحدود ومنع حرية تنقل الأفراد ورؤوس الأموال والخلافات السياسية
ويعتقد مراقبون أن الاقتصاد سيكون محركا حاسما لسياسة الولايات المتحدة مع بقية العالم في الشهور والسنوات المقبلة، ومنها دول المغرب العربي غير المتجانسة اقتصاديا، والتي تُضَيّع نحو 3 في المئة من النمو سنويا بسبب إغلاق الحدود ومنع حرية تنقل الأفراد ورؤوس الأموال والخلافات السياسية.
وعود الرئيس… و”أميركا أولا”
سيطبّق الرئيس ترمب وعده بجعل أميركا عظيمة من جديد بالاعتماد على الاقتصاد، وسيضع هذا الاقتصاد في المرتبة الأولى لتحديد العلاقات والتعاملات والصداقات. وهو قد يبادر إلى تقليص العجز التجاري مع الدول التي تحقق فائضا دون أن تشتري من أميركا.
وفي الحالة المغاربية، ارتفع الفائض التجاري الأميركي مع المغرب 33 في المئة بين عامي 2023/2022 ليتجاوز ملياري دولار. وهو مرشح لأن يتضاعف في السنوات القليلة المقبلة بزيادة مشتريات الرباط من الطائرات التجارية، والعسكرية، والمعدات الصناعية والدفاعية. في المقابل، تسجل التجارة الأميركية مع الجزائر عجزا متواصلا بقيمة 1,8 مليار دولار، لأن الأخيرة لا تشتري سلعا من الولايات المتحدة وتفضل عليها سلعا صينية وتركية.