السلام مع المملكة العربية السعودية يُحدث تحولاً ولكنه يتطلب توفّر الخيارات

دينس روس

 

تدرك الرياض أن إقامة دولة فلسطينية بصورة فورية ليس خياراً متاحاً، لكنها ما زالت بحاجة إلى خطوات تتخذها إسرائيل لتحسين الحياة اليومية في الضفة الغربية والحد من نمو المستوطنات بشكل واضح.

تكثر التكهنات حول وساطة إدارة بايدن في تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، وذلك لأسباب وجيهة. وقد أعرب الرئيس الأمريكي بايدن بوضوح عن رغبته في تحقيق ذلك، ويتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أمله في التطبيع، وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علناً إن الأمر يقترب بصورة أكثر.

ولا يخطئن أحد، بأن التطبيع السعودي مع إسرائيل سيمثل تحولاً جيوسياسياً في الشرق الأوسط وخارجه، لا سيما نظراً إلى ما سيلتزم به السعوديون والأمريكيون تجاه بعضهم البعض – وهي التزامات من شأنها أن تربط الأمن السعودي بالأمن الأمريكي، مع وضع حدود للعلاقة السعودية الصينية. وستظل العلاقة التجارية السعودية الصينية مهمة، إلا أنها ستكون محدودة عندما تنطوي على مجالات أمنية حساسة – وهذا ليس مفاجئاً في سياق العلاقة الأمنية التي يريد السعوديون إضفاء الطابع الرسمي عليها مع الولايات المتحدة.

وتعتبر إسرائيل أن التطبيع مع السعودية يخلّف آثاراً هائلة على تطبيع علاقاتها مع الدول ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة والعالم. ففي نهاية المطاف، سيعقد خادم الحرمين الشريفين السلام مع إسرائيل، وسيعتبر المسلمون السنّة بشكل خاص، الذين يشكلون نحو 85 في المائة من مجموع المسلمين، أن الزعيم المفترض للمسلمين السنّة سيتصالح مع إسرائيل، دولة الشعب اليهودي. ولا شك في أن ذلك سيحد بشكل كبير من الطابع الديني للنزاع التاريخي بين العرب واليهود، وليس هناك شك أيضاً في أن هذا الإنجاز يضطلع بأهمية كبرى من حيث الآفاق التي يتيحها لبناء تحالفات بين دول المنطقة التي تسعى إلى بناء مجتمعات حديثة ومرنة. وسوف تتحسن الآفاق المستقبلية لهذه الدول في تعاملها مع تغير المناخ والأوبئة والتكنولوجيات المعطلة، على عكس تلك الدول الفاشلة أو التي تفشل ولن تكون قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة في مجال الغذاء والماء والأمن الصحي، ولن تقدم لشعوبها سوى اليأس لأن “المقاومة” تظل سبب وجودها.

وعلى الرغم من الأهمية التي سيكتسيها على الأرجح هذا الإنجاز، فهو لن يحدث ببساطة بطبيعة الحال.

وتتولى إدارة بايدن التوسط في عملية التطبيع، وتُخلِّف جوانبه الثنائية – معاهدة الدفاع، والحصول على الأسلحة والشراكة النووية – تداعيات على إسرائيل ومن الضروري إدراجها ضمن النقاش الثنائي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن السعوديين وضعوا شرطاً آخر للتطبيع وهو ضرورة اتخاذ خطوات من أجل الفلسطينيين. ويريد السعوديون من وجهة نظرهم أن يثبتوا أن بإقدامهم على إبرام هذه الصفقة، ستحذو حذوهم دول أخرى مثل إندونيسيا وماليزيا. وتحقيقاً لهذه الغاية، يعتقد السعوديون أنه لا يمكنهم الاكتفاء بمنع حصول تطورات سلبية (على سبيل المثال، عدم ضم إسرائيل للأراضي) على غرار الإمارات العربية المتحدة، بل يجب أن يتمكنوا من إظهار أنهم حققوا نتيجة إيجابية وبنّاءة للفلسطينيين.

وتقاس جدية السعوديين في هذا الصدد بتركيزهم على الأمور العملية وليس المستحيلة. فهم لا يضغطون من أجل إقامة دولة الآن، إذ يدركون أنه لدى الضفة الغربية وقطاع غزة قيادتان مختلفتان، وأن قيام دولة فلسطينية الآن سينتج دولة فاشلة. وهم لا يتحدثون عن أبعاد الدولة الفلسطينية المستقبلية أو خصائصها، إذ يدركون أنه يجب التفاوض بشأنها وأن هذه المفاوضات غير ممكنة في الوقت الحالي.

ولكن لديهم شرطان: أولاً، أن تتحسن حياة الفلسطينيين بطريقة يمكن إثباتها ليلاحظوا فرقاً واضحاً بين ما بعد الصفقة وما قبلها. وثانياً، أن تُتخذ تدابير ملموسة على الأرض من شأنها الحفاظ على حل الدولتين كنتيجة مستقبلية. فهم لا يريدون عقد اتفاق يعزز واقع ونتيجة الدولة الواحدة. (أقول النتيجة وليس الحل لأن الدولة الواحدة سوف تؤدي إلى إدامة الصراع الذي لا نهاية له. والهوية الوطنية الفلسطينية لن تختفي ببساطة في دولة واحدة).

ماذا يعني ذلك من الناحية العملية؟ يعني تحسن حياة الفلسطينيين الاقتصادية وحركتهم. (وسيتطلب ذلك المزيد من الوصول الاقتصادي إلى المنطقة “ج”، والاستثمار في البنية التحتية للمياه والطرق، ونوع من التواصل الذي سيمكّن الفلسطينيين من السفر بشكل أكثر مباشرة بين نقاط مختلفة في الضفة الغربية، وبالتالي فإن المسافة التي ينبغي أن تستغرق 10 دقائق بالسيارة لم تعُد تستغرق 45 دقيقة). أما بالنسبة إلى التدابير الملموسة التي تحافظ على إمكانية قيام دولتين، فسيتطلب ذلك عدم توسع المستوطنات لكي تُترك أراضٍ لإقامة دولة فلسطينية، وزيادة نطاق مسؤولية السلطة الفلسطينية في الأراضي كوسيلة لتعزيز أساس قيام دولتين مع مرور الوقت. (بالنسبة للتدابير الأخيرة، فإن أي نقل للأراضي من هذا القبيل سيتطلب قيام السلطة الفلسطينية بمسؤولياتها الأمنية – وهو أمر أتوقع أن السعوديين يفهمونه.)

ويشكل جمع مختلف هذه الجوانب معاً، بما في ذلك ما سيطلبه السعوديون من أجل الفلسطينيين، عملية معقدة ومتشابكة. ومن اللافت أنهم لا يركزون على الشعارات أو الأفكار غير الواقعية، بل على الخطوات العملية. وصحيح أن هذه الخطوات من شأنها أن تشكل ضغوطاً شديدة على الحكومة الإسرائيلية، ولكن ما يمكن تحقيقه سيدخل التاريخ لما سيترتب عليه من آثار بالنسبة لإسرائيل (والولايات المتحدة). فالقيادة تتطلب إدراك اللحظات التاريخية والتحلي بالشجاعة والحكمة للاستفادة منها.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/alslam-m-almmlkt-alrbyt-alswdyt-yuhdth-thwlaan-wlknh-yttlb-twfwr-alkhyarat

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M