السمات والتوجهات المستقبلية: ماذا تعني التشكيلة الوزارية الجديدة في إيران؟

وافق البرلمان الإيراني يوم 21 أغسطس 2024، وبعد 9 جلسات، على جميع الأسماء الوزارية الـ 19 التي قدّمها الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، له قبل أيام، لتتشكل بذلك الحكومة الـ 14 في تاريخ الجمهورية الإسلامية منذ تولي رجال الدين الحكم في البلاد في فبراير 1979.

وبالبحث في الأسماء وتوجهاتها وعدد الأصوات التي حصل عليها كل وزير في البرلمان الإيراني، سنجد أن حكومة بزشكيان على الرغم من كونه إصلاحيًا، إلا أنها تختلف بعض الشيء عن سابقاتها من الحكومات الإصلاحية مثل حكومة محمد خاتمي (1997 – 2005)، وحكومة حسن روحاني (2013 – 2021)، سواء من حيث التكوين أو التوجهات المحتملة.

أولًا- سمات التشكيل الوزاري الجديد

حاول الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان مراعاة توجهات وأوامر المرشد الأعلى، علي خامنئي، في اختيار الوزراء المحتملين، كما سعى في الوقت نفسه إلى عدم إغضاب الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد عند اختياره لوزرائه، وهي توجهات أكد عليها علنًا بزشكيان، وذلك في سابقة غير معهودة لدى الحكومات الإصلاحية السابقة في إيران، والتي اعتاد رؤساؤها التصادم “بعض الشيء” مع المرشد الأعلى والصراع المحتدم مع الأصوليين في الوقت نفسه.

فقد دعا المرشد خامنئي في أكثر من مناسبة إلى عدم اختيار وزراء “يرون الحل في التقارب مع الولايات المتحدة”، ما يعني عدم شمول التشكيل الوزاري على أشخاص “إصلاحيين بنسبة 100%” مثل وزير الخارجية الأسبق ونائب الرئيس الجديد للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، الذي استقال من منصبه في 13 أغسطس الجاري، ما شكّل على أي حال أول مؤشر اختلاف مع توقعات قطاع عريض من الشباب الإيراني فيما يخص الحكومة الجديدة، هذا فضلًا عن مؤشر آخر تمثل في تأكيد بزشكيان على ولائه التام للمرشد والأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها الأصوليون.

وعليه، تبلورت التشكيلة الوزارية الجديدة في إيران برئاسة مسعود بزشكيان، وتمثلت أبرز سماتها فيما يلي:

  1. صعود كبير وواضح للشخصيات الأصولية:

تتسم قائمة وزراء حكومة بزشكيان الجديدة في إيران بضمها عددًا غير قليل من الشخصيات الأصولية بها، سواء من المنتمين للتيار الأصولي أو الحرس الثوري، وهو ما مثل تحولًا غير متوقع من جانب المواطنين الذين انتخبوا بزشكيان، وحتى من جانب بعض السياسيين الإصلاحيين مثل وزير الخارجية الأسبق جواد ظريف الذي شكل هذا التحول إحدى دوافعه للاستقالة.

ومع ذلك، يمكن تفسير ضم أصوليين ضمن هذه القائمة بأنه مسعى من جانب الرئيس الجديد لاسترضاء المرشد علي خامنئي والأجهزة الأمنية في طهران.

وعلى سبيل المثال، تضمنت قائمة التشكيلة الوزارية الجديدة العضو السابق في الحرس الثوري عباس عراقجي وزيرًا للخارجية، والسياسي الأصولي أمين حسين رحيمي وزيرًا للعدل، والمهندسة المقربة من التيار الأصولي فرزانه صادق مالواجرد وزيرة للطرق، والعسكري العضو السابق في الحرس الثوري عباس علي آبادي وزيرًا للطاقة.

  • مراعاة ميول المرشد والأجهزة الأمنية:

 بتعيينها عددًا غير قليل من المنتمين للأصوليين والعسكريين في إيران، تكون حكومة مسعود بزشكيان قد راعت ميول وأوامر المرشد علي خامنئي في اختيار الوزراء، كما تكون قد سعت لعدم الاصطدام بشكل رسمي ومن البداية مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد. وقد أكد بزشكيان في أكثر من مناسبة على امتثاله لهذه الأوامر “الإرشادية” وعلى سعيه كذلك لعدم إغضاب تلك الأجهزة عند اختيار الوزراء.

  • عدد غير قليل من السياسيين المستقلين:

ضمت قائمة التشكيلة الوزارية الجديدة في إيران عددًا غير قليل من السياسيين أو المتخصصين المستقلين غير المنتمين للتيارات السياسية سواء الإصلاحية أو الأصولية. ويُعد هذا التوجه بارزًا في هذه التشكيلة الوزارية بحكومة بزشكيان على النقيض من الحكومات الأخرى مثل حكومة إبراهيم رئيسي الأصولية (2021 – 2024)، أو حكومة حسن روحاني الإصلاحية (2013 – 2021).

وجاءت أبرز الوجوه المستقلة في الحكومة الجديدة بطهران ممثلة في وزير الرياضة أحمد دنيا مالي، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ستار هاشمي.

  • ضم أصحاب الخبرات العملية والكفاءات:

على الرغم من بلورة الرئيس الجديد بزشكيان لقائمة الوزراء للتوافق مع توجهات المرشد الأصولية والأجهزة الأمنية، إلا أن ذلك لا يعني عدم اختياره لأصحاب الكفاءات وزراءً في حكومته.

فقد اختار بزشكيان عددًا كبيرًا في الحقيقة من أصحاب السوابق العلمية والخبرات الإدارية الواسعة. حيث يغلب عند البحث عن السير الذاتية للوزراء الجدد في إيران أن نجد كلمة “المدير التنفيذي” لهيئة كذا أو مؤسسة كذا، وذلك مثل وزير الاتصالات ستار هاشمي الذي تولى العديد من المناصب التنفيذية في المجال العلمي خلال السنوات الماضية من بينها نائب مدير هيئة الوثائق والأملاك الوطنية ورئاسة مؤسسة “شركة خدمات الاتصالات” (إيرانسل) وعميد كلية التعليم الإلكتروني في جامعة شيراز، وأيضًا وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي الذي تولى إدارة البنك المركزي الإيراني خلال السنوات (2018 – 2021).

  • عدم رضاء برلماني واضح عن الشخصيات الإصلاحية في الوزارة:    

عند النظر في عدد الأصوات البرلمانية التي حصل عليها جميع الوزراء في إيران في التشكيلة الجديدة، سنجد أن أقل الأصوات قد ذهبت للوزراء المنتمين للتيار الإصلاحي، وذلك على النقيض من منتسبي التيار الأصولي والأجهزة العسكرية والمستقلين، وهو ما يشير صراحة إلى عدم تمتعهم برضا عدد كبير من النواب الأصوليين في البرلمان الذي يسيطر عليه التيار الأصولي بالأساس.

وفي ضوء ذلك، نجد أن أقل الأصوات التأييدية في البرلمان كانت من نصيب وزير الصحة الإصلاحي محمد رضا ظفرقندي الذي حصل على 163 صوتًا وكان يشغل عضوية “اتحاد المجتمع الإسلامي الطبي” في إيران، ووزير الثقافة السياسي المعتدل سيد رضا صالحي أميري، المنتمي لـ “حزب الاعتدال والتنمية” والذي حصل على 168 صوتًا من إجمالي 288 نائبًا حضروا جلسات التصويت.

  • عدم توافق التشكيلة الوزارية مع آمال كثيرين ممن انتخبوا بزشكيان: 

على هذا النحو المُشار إليه آنفًا، جاءت التشكيلة الوزارية لحكومة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان غير متوافقة مع آمال قطاعات من الشعب الإيراني، خاصة ممن انتخبوا بزشكيان، والذين كانوا قد شعروا بانفراجة محتملة مع الإعلان عن فوزه بالرئاسة في البداية، إلا أنهم رأوا أن هذه الاختيارات لا تلبي مطالبهم مع تولي عدد غير قليل من المنتمين للتيار الأصولي بوجه عام حقائب وزارية.

وفي الوقت نفسه، رأى البعض في إيران أن توجه بزشكيان للتأكيد على ولائه التام للمرشد والأجهزة الأمنية في البلاد يعني سلوكه نفس سياسات التيار الأصولي على الرغم من انتخاب كثيرين له لكونه “إصلاحيًا قد يحقق بعضًا من مطالبهم التي يُعْهَدُ كثير منها على الأغلب للتيار الإصلاحي في إيران”.

ثانيًا- التوجهات المحتملة داخليًا وخارجيًا للحكومة الجديدة في إيران:

في ضوء انتماءات أعضاء الحكومة الجديدة في إيران واستنادًا إلى التأكيدات المتتالية من جانب الرئيس بزشكيان على ولائه لتعليمات وأوامر المرشد والأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد، يمكن القول إن التوجهات المستقبلية لحكومة بزشكيان ستتمثل فيما يلي:

  1. اتباع سياسات داخلية غير مرنة:

إن تشديد الرئيس بزشكيان على ولائه لأوامر وتوجيهات المرشد الأعلى، علي خامنئي، وبقية الأجهزة الأمنية في إيران يشير قطعًا إلى احتمالية تطبيقه سياسات داخلية مشابهة لتلك التي سلكتها الحكومة الأصولية السابقة بزعامة إبراهيم رئيسي، وهو أمر قد أشار إليه بزشكيان بالأساس وعلانيةً في أكثر من مناسبة.

وفضلًا عن تشديدات بزشكيان، فإن اشتمال التشكيلة الوزارية على عدد غير قليل من الأصوليين أو العسكريين، علاوة على الضغوط الشديدة المتوقعة من جانب الأصوليين في الشارع وفي المؤسسات الرسمية في إيران والتي قد بدأت بالفعل حتى قبل تنصيب بزشكيان في أواخر شهر يوليو الماضي، يعني أن السياسات الداخلية المستقبلية المتوقعة من جانب حكومة الرئيس الجديد في طهران لن تكون مرنة ولن تستطيع أن تكون مرنة في الوقت نفسه.

وتأتي أبرز ملفات السياسات الداخلية التي سيتعرض لها الرئيس الجديد في إيران ممثلة في ملفات الحريات السياسية والحجاب الإجباري والقيود المفروضة على الإنترنت وتحقيق تنمية اقتصادية عبر عدة طرق من بينها رفع العقوبات الخارجية.

ومع ذلك، قد يتمكن بزشكيان وحكومته، في ظل الضغط الشعبي، من تحقيق بعض المطالب الداخلية في إيران مثل تخفيف شدة لوائح قوانين الحجاب الإجباري أو رفع بعض القيود عن شبكة الإنترنت، وهو ما سينعكس بدوره على الحالة الاقتصادية في إيران؛ نظرًا لاعتماد عدد كبير من المواطنين هناك على الإنترنت كمصدر للدخل.

  • بعض التغييرات المحسوبة والمدروسة في السياسات الخارجية مع ثبات الأسس:

على الرغم من احتمالية عدم إقدام رئيسي على إجراء تغييرات جدية في السياسات الداخلية لإيران، إلا أنه اتضح خلال الأيام القليلة الماضية وفي ضوء التشكيلة الوزارية الجديدة في طهران، أن بعض التغييرات المحسوبة والمدروسة في السياسات الخارجية لطهران قد تجريها الحكومة الجديدة، وذلك في ظل ثبات الأسس والقواعد الرئيسة التي تقوم عليها السياسة الخارجية الإيرانية منذ عقود. أي أن حكومة رئيسي قد تُجري بعض التغييرات مع بقاء وعدم تمكنها من إحداث أي تحول في أسس العلاقات والسياسات الخارجية الإيرانية.

وستكون مثل هذه التغييرات محسوبة ومدروسة ومقبولة بالأساس من جانب المرشد الأعلى خامنئي ومجتمع العسكريين والاستخبارات في إيران.

ولعل من أبرز تلك التغييرات المحتملة:

  • “إدارة التوترات” مع واشنطن واستعادة العلاقات مع أوروبا:

كان من أبرز تصريحات وزير الخارجية الإيراني الجديد، عباس عراقجي، يوم 22 أغسطس 2024 هو مصطلح “إدارة التوترات” مع الغرب وليس إنهائها. ويشير ذلك إلى أن حكومة بزشكيان، التي حصلت على موافقة المرشد وتتطلع لاسترضائه، لن تسعى لإحداث انقلاب أو توترات شديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة، بما يتضمنه ذلك من عدم التصعيد في الملفات الشائكة المشتركة، وذلك في ظل استعدادها لتقوية علاقاتها مع الدول الأوروبية.

ويجيء ذلك على النقيض من مسار السياسات الخارجية للحكومة الأصولية السابقة بزعامة إبراهيم رئيسي التي وصلت التوترات بينها وبين الغرب إلى حد التهديد أكثر من مرة بتنفيذ هجمات عسكرية ضد إيران.

وقد أوضح عراقجي أن الهدف من ذلك المسار الجديد هو رفع الدول الغربية العقوبات الاقتصادية عن إيران، والتمكن بالتالي من تحقيق استقرار اقتصادي وسياسي أيضًا في الداخل الإيراني.

  • مساعٍ جدية لإبرام اتفاق نووي مع الغرب:

عبّر الرئيس الإيراني الجديد بزشكيان مراتٍ عديدة عن استعداد حكومته المستقبلية (آنذاك) للتوصل إلى اتفاق نووي مع الدول الغربية، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الإيراني الجديد عراقجي. وفي الواقع، سيقود سعي الحكومة في طهران للتخلص من العقوبات إلى سلوكها المسار الدبلوماسي في فيينا لإبرام اتفاق نووي، حتى لو ظل التصعيد قائمًا في ملفات أخرى بين الطرفين.

كما أنه في الوقت نفسه، تريد طهران تحقيق حالة ومستوى جيدين من الاستقرار السياسي الداخلي في المرحلة المقبلة التي تشهد ترتيب البيت الداخلي لمرحلة ما بعد المرشد الحالي علي خامنئي وفي ظل التوترات والتصعيدات الحالية التي تشهدها البلاد. وسيتحقق مثل هذا الاستقرار السياسي عن طريق التنمية الاقتصادية ورفع العقوبات الخارجية، وهما أمران يُتوقع أن يضمنهما التوصل إلى اتفاق نووي، سواء عن طريق إحياء اتفاق 2015، وهو أمر غير وارد، أو التوصل إلى صفقة جديدة ببنود مختلفة.

ج- استمرار التحسن في العلاقات الإيرانية مع دول إقليم الشرق الأوسط:

أصبح من المتعارف عليه توجه الحكومة الجديدة في إيران لمواصلة نهج الحكومة السابقة في تحسين وتطوير العلاقات مع دول إقليم الشرق الأوسط، حيث أقدمت طهران على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع بعض دول المنطقة خلال الأشهر الماضية وتسعى لتكرار الأمر ذاته مع دول أخرى في الإقليم في المستقبل القريب.

د- مواصلة نهج دعم الجماعات الوكيلة في المنطقة:

إن نهج دعم إيران للجماعات الوكيلة في إقليم الشرق الأوسط أصبح أمرًا ثابتًا في السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة مع توسع النفوذ الإيراني في المنطقة مع اندلاع الاحتجاجات أو أحداث الفوضى في عدد من دول الإقليم بدءًا من عام 2011. وعليه، أكدت الحكومة الإيرانية الجديدة وبزشكيان على مواصلة هذا النهج وتلك السياسات التي تُدار بالأساس من قِبل المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/82261/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M