يناقش ثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين التحديات والفرص التي ستواجه الإدارة الأمريكية القادمة في العام الثاني من حقبة ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.
“في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي بمشاركة دينس روس، ودانا سترول، وديفيد شينكر. وروس هو “زميل وليام ديفيدسون المتميز” في المعهد وشغل مناصب عليا تتعلق بالشرق الأوسط في أربع إدارات رئاسية أمريكية. ودانا سترول هي مديرة الأبحاث و”زميلة كاسين المتميزة” في المعهد، وشغلت سابقاً منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن. وديفيد شينكر، هو “زميل تاوب المتميز” في المعهد ومدير “برنامج روبين للسياسات العربية”، وشغل سابقاً منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترامب. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
دينس روس
في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت إدارة بايدن ترى دون شك أن الشرق الأوسط يقف على شفا تحوّل عميق نحو السلام والاستقرار. وكان اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل يبدو قريب المنال، كما رأى المسؤولون الأمريكيون في الهدوء النسبي في المنطقة فرصة لتغيير دائم.
ومع ذلك، فإن هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 كان له تأثير مروّع، حيث صدم المجتمع الإسرائيلي وأغرق الشرق الأوسط في حالة من الفوضى العنيفة. وفي أعقاب ذلك وقف الرئيس بايدن إلى جانب إسرائيل، ورغم ظهور خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الحرب التي تلت ذلك، إلّا أن الولايات المتحدة استمرت في دعم حليفتها بشكل قوي.
وبعد مرور عام، تم تقليص تهديد “حماس” ليصبح غير عسكري، وصمدت إسرائيل أمام هجومين مباشرين من إيران، كما تم تدمير القيادات الرئيسية في “حزب الله”. ومع ذلك، لا يزال خطر التصعيد قائماً، وإنهاء هذا الصراع لن يكون أمراً سهلاً. لكن تحقيق هذا الهدف من شأنه أن يجلب إمكانات جديدة لتحوّل إقليمي عميق، وأبرزها فرصة استعادة السيطرة على لبنان من “حزب الله” وتحقيق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، (إلى جانب معاهدة الدفاع التكميلية بين الولايات المتحدة والسعودية).
ومن أجل تحقيق هذه الفرص الدبلوماسية، يجب على المسؤولين الأمريكيين تشجيع إسرائيل على تحويل مكاسبها العسكرية التكتيكية والعملياتية إلى نجاح سياسي استراتيجي. كما يجب عليهم إقناع إيران بأن واشنطن مستعدة لفرض ثمن باهظ إذا استمر النظام ووكلاؤه في زرع الفوضى في المنطقة.
وبعد عام من الآن، عندما تحيي الدول الذكرى الثانية لهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يمكن أن تشهد المنطقة تحولاً جذرياً نحو الأفضل – ولكن فقط إذا استغلت الولايات المتحدة هذه اللحظة من خلال اتباع نهج منسق يشمل الحكومة بأكملها. ويتطلب ذلك التركيز على عدة أهداف: توسيع نطاق السلام العربي-الإسرائيلي، وتقليص التهديد الإيراني، وتحرير لبنان من هيمنة “حزب الله”، والتعامل بشكل هادف مع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. إن تحقيق هذه الخطوات في الشرق الأوسط من شأنه أن يعزز أيضاً مصداقية الولايات المتحدة على الساحة العالمية – وهو عنصر حاسم في المنافسة الفعّالة مع الصين على المدى الطويل. وفي المقابل، إذا فشلت الولايات المتحدة في اغتنام الفرص المتاحة خلال الأشهر المقبلة، فإنها تخاطر بأن يكون العام المقبل مليئاً بالمآسي التي لن تخدم سوى أولئك الذين يسعون إلى إدامة عدم الاستقرار.
دانا سترول
نجحت الولايات المتحدة في اتباع نهج يجمع بين الثبات والمرونة لمواجهة تحديات العام الماضي. فقد دعمت إدارة بايدن باستمرار حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وظلت ملتزمة بإيجاد حل دبلوماسي وتخفيف حدة التوترات. ووسط تطورات إقليمية متسارعة، استمرت الإدارة الأمريكية في السعي لتحقيق التكامل الإقليمي، سواء من خلال الحفاظ على مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، أو تعزيز الدفاع المتكامل بين إسرائيل وجيرانها العرب.
وفي الوقت نفسه، أظهرت الإدارة الأمريكية مرونة ملحوظة في استخدام القوة العسكرية الأمريكية. فقد أظهرت الجهود القوية على جبهات متعددة مدى النفوذ العالمي الحقيقي للولايات المتحدة، والتزامها بقدسية التحالفات، وقدرتها على التكيف في الدفاع عن النظام الدولي الليبرالي. على سبيل المثال، دعمت واشنطن – في الوقت نفسه – جيش الدفاع الإسرائيلي، واتخذت إجراءات أحادية الجانب ضد عناصر “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني في العراق وسوريا، وكونت تحالفاً لمواجهة الاضطرابات البحرية التي يرتكبها الحوثيون، وأجرت تعديلات كبيرة على نشر حاملات الطائرات، واستمرت في دعم أوكرانيا ضد روسيا، ومنعت العدوان الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في إظهار هذه المرونة في الأشهر المقبلة، ولكن يجب عليها أيضاً إعادة النظر في الافتراضات الخاطئة التي منعتها من التنبؤ بعدد من “البجعات السوداء” (“الأحداث غير المتوقعة”) التي شهدها العام الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، اتخذت الإدارة الأمريكية خطوات متكررة لمعالجة الأبعاد الإنسانية للصراع، مثل تعيين دبلوماسيين يتمتعون بقدرات عالية للتركيز على هذه القضية، وإسقاط المساعدات مباشرة في غزة، وبناء رصيف جديد لتسهيل عمليات التسليم، والسعي المستمر لفتح نقاط دخول إضافية للإمدادات الضرورية. وعلى الرغم من ضرورة القيام بمزيد من الجهود على هذه الجبهة، إلّا أن واشنطن حققت نجاحات مهمة على أرض الواقع بالتعاون مع شركائها، من منع المجاعة إلى إجراء حملة تطعيم ملحوظة ضد شلل الأطفال.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن للولايات المتحدة دوراً حيوياً في تحديد الشكل السياسي الذي قد تبدو عليه غزة ما بعد الحرب. إن النهج الإسرائيلي الحالي يخاطر بحصر النجاحات في الإنجازات العسكرية فقط، متجاهلاً المقاربة الإنسانية التي يجب أن تسود بعد انتهاء القتال. إن الإجابة عن هذه الأسئلة بعد الحرب سوف تحدد ما إذا كانت القدس ستنجح في النهاية في تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في منع غزة من أن تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل في المستقبل.
ديفيد شينكر
من الصعب المبالغة في مدى تأثير هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على تحويل الشرق الأوسط. فبالنسبة لإسرائيل، أدى هذا الهجوم إلى تغييرات عميقة. فقد اختفى التراخي الذي سمح بوقوع الهجوم، وتحوّلت الخدمات العسكرية والأمنية الإسرائيلية إلى نهج أكثر استباقية وهجومية. وفي مواجهة تهديدات وجودية حقيقية وملحة للغاية، أصبحت إسرائيل أكثر تحملاً للمخاطر في كيفية مواجهتها لهذه التهديدات، وأقل حساسية تجاه الانتقادات الدولية لتكتيكاتها.
وعلى الرغم من بعض التباين في المواقف بين القدس وواشنطن، إلا أن الولايات المتحدة ظلت منسجمة إلى حد كبير مع أقرب حليف لها في المنطقة، واستمرت في تقديم دعم قوي. ويتفق الحليفان أيضاً على مبدأ توجيهي لما بعد الحرب، وهو أنه: لا يمكن لـ “حماس” أن تحكم غزة بعد انتهاء الصراع. ومع ذلك، تبقى الإجابات عن الأسئلة الأخرى المتعلقة بما بعد الحرب أقل وضوحاً، باستثناء الإدراك العام بأن واشنطن سيكون لها دور قوي في المساعدة على تشكيل ما قد يحدث في غزة. وحالياً، يتعين على المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين أن يركزوا على كيفية تحويل الانتصارات العسكرية إلى مكاسب سياسية ملموسة تخدم الأهداف الاستراتيجية الرئيسية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد شهر واحد فقط، سوف تتحمل الإدارة الأمريكية القادمة العديد من الأعباء طويلة الأجل الناجمة عن التطورات الإقليمية الأخيرة. ومن بين الأسئلة الكبرى التي ستحتاج إلى إجابة: كيف ينبغي للولايات المتحدة أن تواجه تهديد إيران ووكلائها الإقليميين وبرنامجها النووي؟ وكيف ستتعامل مع التهديد المستمر الذي يشكله الحوثيون على حرية الملاحة في البحر الأحمر؟ وكيف يجب أن توزَّع الموارد والقوات في الشرق الأوسط مع الحفاظ على الأولوية للتهديد الاستراتيجي الذي تشكله الصين؟
ومع ذلك، سيكون أمام الرئيس الأمريكي المقبل أيضاً بعض الفرص الكبيرة. على سبيل المثال، يوفر قيام إسرائيل بتدمير قيادة “حزب الله” وبنيته العسكرية الأساسية فرصة لإعادة التوازن إلى السياسة اللبنانية. ومن خلال العمل مع فرنسا، والأهم من ذلك، مع شركاء لبنانيين شجعان ومخلصين، ينبغي على واشنطن أن تستغل هذه اللحظة لإعادة تأكيد سلطة الدولة اللبنانية.
وسوف تنشأ فرص أخرى من واقع أن الدول العربية بدأت تدرك فوائد التكامل الأكبر مع إسرائيل – وخاصة مزايا الدفاع المشترك ضد العدوان وزعزعة الاستقرار التي تفضلها إيران ووكلاؤها. ونأمل أن نرى بعد عام من الآن تحالفاً دفاعياً أكبر في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى توقيع دول جديدة على “اتفاقات إبراهيم”. وعلى الجانب الآخر، إذا تراجعت الإدارة الأمريكية القادمة، فقد يكون مسار المنطقة قاتماً.