مقدمة
أيقنت إسرائيل أن المنطقة العربية تمر بمرحلة انتقالية غير مستقرة قد تستمر سنوات عدة بفعل الثورات المستمرة، التي اندلعت في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، مما تطلب منها أن تجهز نفسها لكل تطور، مع تواصل التحذيرات من تداعيات سقوط أنظمة محيطة بها، لأن ذلك يعني عدم يقين بشأن وجود شريك غداً، ولم يتوقع أفضل خبراء الاستخبارات الإسرائيلية ووكالاتها ما حدث، وغير قادرين على القول كيف سينتهي هذا “الضجيج”، وإسرائيل لا تعرف ماذا سيحدث من الجهات المحيطة بها!
يركز تقدير الموقف الحالي على أبرز محاور السياسة الإسرائيلية تجاه الثورات العربية، من خلال إحيائها لمرور عشر سنوات على انطلاقها، وهي على النحو التالي:
أولا: الثورات المضادة
نظراً للتداعيات المباشرة وغير المباشرة للثورات العربية، خصوصاً المصرية، على الوضع الإسرائيلي، بدأت الدوائر السياسية، ومراكز البحث والتفكير فيها بالحديث عن ضرورة اعتماد استراتيجيات جديدة في مرحلة ما بعد الثورات، ولم تكتفِ إسرائيل بالوقوف متفرجة على الثورات العربية فقط، بل دأبت على إصدار تحذيرات متتالية من تبعاتها وتأثيراتها المتوقعة.
تمثل ذلك من خلال التئام المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية للاستماع لتقارير دورية حول مستجدات الثورات في بعض الدول العربية، وانعكاساتها على إسرائيل، كما أكد رافي يسرائيلي المحاضر في قضايا الشرق الأوسط بالجامعة العبرية .
جاءت التحذيرات الإسرائيلية من تبعات الثورات العربية على النحو التالي:
1. زعم المتحدث السابق باسم الخارجية الإسرائيلية أوفير جندلمان أن الإخوان المسلمين في مصر، وحماس جزء منهم، يريدون القضاء على إسرائيل، وحرقها، وإبادة شعبها.
2. حذر إيتان هابر الرئيس السابق لديوان إسحاق رابين، من انتشار الجو الإسلامي في المنطقة، لأنه يبعد الدول العربية عن إسرائيل، مع تراجع عدد الممثليات الإسرائيلية فيها، وقطع ما وصفها بـ”مسيرة تغريب” دول كثيرة، ليحل محلها “الجلابيب السوداء”، وعاد القرآن ليكون “كتاب الكتب” الذي يُسيّر كل شيء، لا سيما في ظلّ تحطم “المحور المعتدل” الموالي لأمريكا من البلدان العربية، كأحجار الدومينو.
3. قدّر مردخاي كيدار، الباحث الإسرائيلي في مركز بيغن- السادات للأبحاث الاستراتيجية، أن مصر ستعاني من دوامة المكائد السياسية وعدم الاستقرار، والأحداث التي ستشهدها ستوفر عناوين مقلقة للغاية على إسرائيل، وبالتالي عليها أن تكون في حالة تأهب ويقظة حيال التطورات القادمة، لأنها يمكنها أن تهدد قناة السويس، والسلام مع إسرائيل، والاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط .
وقد تداعت أوساط إسرائيلية في محاولة منها لبحث الخطوات الكفيلة بكبح جماح هذه الثورات، وعدم إحداثها مزيداً من الأضرار بحق مصالحها في المنطقة، ومن أهم هذه الخطوات:
1. الضغط على واشنطن لحملها على تغيير سياسة دعمها العسكري للجيش المصري، بما يضمن إضعاف قدرته على تهديد أمن إسرائيل، كما يرى مساعد رئيس هيئة الأركان السابق عوزي ديان.
2. تغيير النظرية الأمنية والدفاعية الإسرائيلية تجاه العلاقة مع مصر، والبحث في استراتيجية جديدة على الحدود معها ومع قطاع غزة، تعتمد على حمايتها من قبل الجيش بدلاً من الاعتماد على نظيره المصري، كما جرى منذ استلام مبارك للسلطة.
3. البحث عن مصادر بديلة للطاقة، وإعادة الاستثمار في آبار الغاز المائية في إسرائيل، تجنباً للخسائر الاقتصادية التي ستنتج عن وقف إمدادات الغاز المصري.
4. التقدم نحو السلام مع العرب، من خلال التوصل لاتفاق مناسب مع الفلسطينيين، و/أو تقديم صفقة حقيقية لسورية تضع حداً للصراع معها، وتنهي علاقتها بإيران وحزب الله مقابل الحصول على الجولان.
5. العمل بالتعاون مع الولايات المتحدة والدول الغربية لتعزيز ما تبقى من محور الاعتدال في المنطقة، ممثلاً بالأردن والسلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، لتخفيف عزلة إسرائيل في المنطقة.
6. تنفيذ إجراءات تسهل على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بتخفيف القيود والحواجز العسكرية، والقيام بخطوات جادة لتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في قطاع غزة، والامتناع عن تنفيذ إجراءات قد تتسبب في استفزاز الشعب الفلسطيني، خصوصاً في المسجد الأقصى ومدينة القدس .
ولعل ما عجّل في دعم إسرائيل للثورات المضادة في الدول العربية، طبيعة التغيرات الكارثية التي عصفت بها من حولها، على النحو التالي:
1. مصر: منذ سقوط نظام مبارك، أصبحت شبه جزيرة سيناء منطقة فوضى، يسهل للمسلحين العثور على ملاذ لهم فيها، مما يتطلب إجراءات أمنية إسرائيلية متزايدة على طول الحدود المصرية، وفي ظلّ ظروف معينة فإنها قد تضطر لاستعادة أجزاء من شبه جزيرة سيناء، وهي ظروف لم يطرأ عليها تغير كبير في مرحلة ما بعد مبارك، سواء مرحلة المجلس العسكري أو مرسي أو السيسي.
2. الأردن: واحدة من الدول العربية القليلة التي نجت من الاضطرابات الواسعة، والوضع الأمني للملك يبدو هشاً، وغالبية السكان هناك فلسطينيين يشعرون بالاستياء في ظلّ حكمه.
3. سوريا: تعيش في انتفاضة دامية، ولم تظهر أي علامات للهدوء بها، والأسد لا يمكن إزالته بسهولة.
4. السلطة الفلسطينية: ينظر لها الكثير من شعبها على أنها ضعيفة وغير شرعية، بعد أن خسرت انتخابات سنة 2006 أمام حماس، وتتعرض لضغوط متزايدة من قبل الشارع .
هذا الوضع الجيو-سياسي رسم صورة محزنة للحالة الأمنية في إسرائيل، لأنها ترفع من العزلة الإقليمية، فـهي تريد أن تكون دولة قوية، وتسعى للاندماج في المنطقة العربية، في حين أن البيئة الأمنية المتغيرة تدهورت، مما يضع علامات استفهام حول مدى قدرتها على مواجهة معظم التحديات بمفردها، مما يؤدي بالإسرائيليين للاعتراف بأن هذه “المنطقة الخشنة” لن تصبح أكثر عقلانية في المستقبل القريب.
وبات من الطبيعي ألا ينظر الخبراء والمسؤولون الإسرائيليون لكل الثورات العربية بالقدر ذاته من القلق، إذ بدا بعض القلق مما جرى في تونس، لكنه تحول لنوع من الخوف بعد نجاح الثورة في مصر، وذهب بعضهم للاعتقاد بأن تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها قد يتكرر مع إسرائيل إذا كان هناك ضغط على الولايات المتحدة، وعليها أن تصبح أكثر اعتماداً على ذاتها لأن هناك دليلاً متزايداً على أن بعض الأمريكيين يرونها “عبئاً وليس ذخراً”، كما عبّر الخبير الاستراتيجي الأمريكي أنتوني كوردسمان.
دفع ذلك ألوف بن المعلق السياسي الإسرائيلي للنظر في انتقال الثورة من بلد لآخر، بهذه السرعة، وبقدر من الإيقاع المتشابه، للاعتقاد أن فكرة العروبة بالمعنى الثقافي والأيديولوجي ما تزال حية، وأن انتقال نموذج التغيير الناجح لم ينتقل إلا للجوار العربي دون الإفريقي والآسيوي، مثل تشاد، والنيجر، ومالي، وإيران.
وأضاف أن “هناك قلقا إسرائيليا آخر يتمثل في احتمال استفادة الإسلاميين من التغيير الحاصل في المنطقة، لأنهم الأكثر تنظيماً وخبرة في العلاقة مع المجتمع بفعل ملكيتهم للجمعيات والمستشفيات والنوادي، وأغلب استطلاعات الرأي تعطيهم الوزن الأكبر قياساً بغيرهم”.
ثانياً: غياب التوازن الاستراتيجي
ما إن بدأ غبار الصراع في ميدان التحرير في القاهرة ينجلي تدريجياً، حتى بدأ الإسرائيليون يشيرون إلى أن غياب مبارك يعني فقدان “الرصيد الاستراتيجي” الذي شكل كابحاً لحماس، وقوة قادرة على التضييق على الديبلوماسية الإيرانية، بجانب دوره كوسيط بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، رغم أن حقبة السيسي الحالية لا تكاد تقارن مع فترة مبارك من حيث التنسيق الأمني والتعاون الاستخباري.
ربط الإسرائيليون بين الثورات العربية والخلل الاستراتيجي الذي أصاب المنطقة بعد ثورة إيران سنة 1979، ثم تنامي الحركات المسلحة، لاسيما حماس وحزب الله، ثم انتكاس العلاقات مع تركيا، والتململ الأوروبي من رعونة إسرائيل في التسوية السياسية.
تمحورت المناقشات الإسرائيلية حول الثورات العربية في عدة أبعاد أهمها البعد السياسي، وتعددت زواياه:
1. فمن جانب سعى بعض الإسرائيليين للتأكيد على أن اضطرابات العالم العربي تعزز فكرة أن القضية الفلسطينية ليست السبب في عدم استقرار الشرق الأوسط، بل الاستبداد والفقر، مما يستدعي أن تتوجه الديبلوماسية الإسرائيلية لتكريس هذه الفكرة، لأن القضية الفلسطينية لم تكن بارزة في شعارات الثورات.
2. من جانب آخر، طرحت الثورات العربية بعض الاحتمالات التي تاه الفكر الإسرائيلي في ملابساتها، واتضح ذلك بقدر كبير من عدم التوافق حولها مثل:
أ. تراكم الضغوط الديبلوماسية على إسرائيل للتعجيل بالتسوية مع سوريا والفلسطينيين، وهو رأي يتبناه العسكريون ودوائر الاستخبارات.
ب. الثورات العربية ستجعل الأنظمة السياسية العربية أقل خضوعاً للمطالب الإسرائيلية بفعل تنامي وزن الشارع العربي في القرار السياسي، وهو أمر قد يوجد حالة من الاضطراب الواسع في المنطقة.
ج. الثورات العربية سيخطفها الإسلاميون، مما يجعل إسرائيل أكثر حذراً في موضوعات التسوية، لأن المنطقة مقبلة على حالة من عدم الاستقرار، ويحتم عليها انتظار موجة “الدمقرطة” العربية كي تطال سوريا وإيران، مما يفتح مجالاً أوسع للديبلوماسية الإسرائيلية، ويجعل الضغط عليها أقل حدة .
كشفت المناقشات الإسرائيلية عن أعطاب أحاطت بدوائر البحث والتفكير الأمني الإسرائيلي، في معالجتها للثورات العربية تمثلت بالفشل الذريع بتوقع حدوثها، ومسارها، والارتباك الشديد في تقدير النتائج المترتبة عليها، رغم أن السمة العامة مالت أكثر للتشاؤم، مع اتفاق الدوائر الأمنية والعسكرية في تل أبيب على أن التطورات العربية دشنت عهداً جديداً سينعكس على الشرق الأوسط برمته، لأن ملامح هذا العهد لم تتضح بعد، فضلاً عن وجود احتمالات قوية بأن تؤجج ثورات أخرى في المنطقة تهدف لإحداث تغيير في أنظمة الحكم القائمة.
واصلت الجهات الأمنية الإسرائيلية متابعتها للتغيرات الحاصلة في المنطقة العربية، مع تزايد المواقف الرسمية المناهضة لإسرائيل الآخذة بالنفاذ لمستويات صنع القرار العربي، مما جعل الساحة الإسرائيلية تعيش حالة من الاستنفار والقلق المتزايد.
وتوقع آفي بريمور السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا، ومدير مركز الدراسات الأوروبية بجامعة آي دي سي الخاصة في هرتسليا، سنوات كئيبة لمستقبل العلاقات مع الفلسطينيين والدول العربية، دون استبعاد أن تضطر الأنظمة الجديدة للتعامل بشكل أكثر تسامحاً مع التيارات الإسلامية للحفاظ على وضع حكمها مستقراً، وبالتالي، فإن اندماج الإخوان المسلمين في المشهد السياسي القادم قد يسرّع وتيرة تدهور العلاقات مع إسرائيل، واعتبارها التهديد الرئيسي في خطط تدريباتهم.
بات من الطبيعي أن تصل الاهتزازات التي تشهدها المنطقة لإسرائيل، دون أن يعرف أحد كيف سيكون شكلها، مما استدعى منها العمل على إعداد خطط أمنية للتعامل مع تلك الاهتزازات، أو القيام بخطوات وقائية لمنع حدوثها، لاسيما وأن عدم وجود خطة إسرائيلية لمواجهة تبعات الثورات العربية سيسهم حتماً بإضعاف مكانتها في العالم، بعد أن منحتها عملية التسوية مع العرب هامش مناورة كبير للتحرك الدولي.
ثالثاً: الجهود الاستخبارية
في ضوء التطورات الدراماتيكية الحاصلة في المنطقة العربية، في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، وتعامل إسرائيل معها، فقد بذلت منظومتها الأمنية جهوداً كبيرة على صيغة “الثورة المضادة”، أملاً باختراق بعض التيارات العربية، ما يعكس خطورة الموقف الأمني برمته في المنطقة، ورصدت أنشطة التيارات العربية المعارضة منذ فترة طويلة، لمعرفة طبيعة نشاطها بالصورة التي أهلتها لإسقاط الحكم في بعض الدول، في ظلّ الاحتقان الشعبي العربي المتصاعد بصورة مذهلة.
ما زالت المنظومة الأمنية الاستخبارية الإسرائيلية بعد مرور كل هذه السنوات العشرة، مصابة بتبعات الفشل الاستخباري في توقع الثورات العربية، مما دفعها لإنشاء وحدة لمراقبة الإعلام العربي ومواقع التواصل لرصد توجهات العالم العربي من رسائل معادية نحو إسرائيل في أعقاب الثورات، وجمع المواد الإخبارية والتصريحات السياسية على مدار 24 ساعة، في المواقع الفلسطينية والصفحات الشخصية لمسؤولين فلسطينيين وعرب، وهي جزء من وحدة 8200 الاستخبارية، والعاملة في مجال التجسس الإلكتروني.
لا يتسع المجال لذكر جملة الخسائر التي منيت بها إسرائيل بفعل الثورات العربية، رغم مرور عقد كامل على اندلاعها، لكن الانتكاسات الأهم والأخطر التي ليس بالإمكان تجاوزها، أو القفز عنها، تلك المتعلقة بالعمل الأمني الاستخباري، ويمكن تركيزها في نقطتين أساسيتين:
1. مفاجأة مجتمع المخابرات الإسرائيلية باندلاع هذه الثورات، وعدم توقعها لها بهذه السرعة والديمومة.
2. خسارتها المدوية لأصدقاء وحلفاء أمنيين من الطراز الأول في محيطها العربي.
أظهرت الثورات العربية لدى صانع السياسة الأمنية الإسرائيلية “الميول القائمة” في بيئتها الاستراتيجية، التي يجب الاستعداد لها في العقد المقبل، وتشير أن بعض الظواهر العالمية والحراكات الإقليمية ستواصل تشكيل صورة العالم، وكشفت الثورات العربية عن إخفاقات استخبارية إسرائيلية كبيرة، ولم يكن السبب فيها إبداع عربي فقط، بقدر ما عملت خلالها الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية بتواز دون تنسيق تام بينها، يعزو البعض سببه للعلاقات الشخصية غير الودية بين رؤسائها، مما تطلب التركيز في قادم الأيام على ضرورة التنسيق بينها لأهمية وجوده، وخطورة انعدامه.
رابعاً: البيئة الإقليمية
أبرزت الثورات العربية أمام من يصوغ التوجهات الأمنية في إسرائيل، مواصلة منظومة القوى الدولية ميلها للانتقال من عالم أحادي، يملي فيه الغرب جدول الأعمال العالمي، إلى عالم متعدد الأقطاب، تتواجد فيه قوى عالمية قوية أخرى، مثل الصين وروسيا، الطامحتان لاستعادة دور اللاعب القائد، كما تجلى في الثورة السورية.
وفي حين شكل استمرار الثورات العربية، وبقاؤها ردحاً من الوقت، في أحد جوانبه “استراحة مقاتل” لصانع القرار الإسرائيلي، لأنها بقيت مدرجة على جدول صناع القرار الدولي والإقليمي، فيما تراجع الاهتمام نسبياً بالنزاع العربي – الإسرائيلي، لكن مراكز البحث الأمنية الإسرائيلية ركزت على ظاهرة “انعدام اليقين”، مطالبة الأخذ بعين الاعتبار تعزز التيارات الإسلامية، لأنها القوى الأكثر ربحاً وكسباً من سقوط الأنظمة الحليفة لإسرائيل.
يمكن تلمس الآثار العملانية لأخطار الثورات العربية على البيئة الاستراتيجية الإسرائيلية، بصورة تجعل رجال المخابرات مقلين في النوم في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة، وأكثر من المعتاد، وأشار إليه رؤساء أجهزة الموساد والشاباك وأمان، لأن بعض هذه الآثار على الاستخبارات الإسرائيلية تفرض القيام بهذه الإجراءات:
1. شنّ حرب سرية على جبهة واسعة في ضوء طابع الأعداء، وغياب المشروعية السياسية لاستخدام النار، فالعمل السري يسمح بتقليص مخاطر التصعيد، على الرغم من أن ذلك ليس مضموناً.
2. تنفيذ عمليات أمنية جراحية معقدة في مناطق بعيدة عن حدود إسرائيل.
3. تنفيذ عمليات إحباط واسعة ضدّ الأعمال السرية، والمهام الاستراتيجية على الصعيد الداخلي.
4. تطوير قدرات هجومية ودفاعية في “الشبكة العنكبوتية”، كموضع قتال جديد في عصر المعلومات.
5. توفير معلومات دقيقة، وبكمية عالية، لتجسيد القدرات الأمنية للمخابرات الإسرائيلية.
6. توفير معلومات لتحقيق مصالح أمنية، لردع الأعداء عن الحرب، وإحباط مشاريعهم، بكشف نواياهم، أو توفير معلومات استخبارية ضدّ من يعملون تحت ستار من السرية والخداع للأسرة الدولية.
7. المساعدة في الحرب على العقول، بكشف المعلومات التي تؤثر على شرائح مختلفة، بهدف المساعدة في تحقيق أهداف أمنية، قاصدة بذلك الخداع والحرب النفسية.
بعد مرور عشرة أعوام على الثورات العربية، بدأت تزيد جرعة التهديدات الاستراتيجية أمام إسرائيل، ويجعل مهمة مواجهتها غير سهلة على جهاز أمني واحد، بل يتطلب العمل معاً من قبل الأجهزة الاستخبارية، مع زيادة القوى الإسلامية في المنطقة، وتراجع دور الولايات المتحدة، مما دفع بمطالبة صناع القرار الإسرائيلي الاستعداد للتعامل المستقبلي مع حكومات عربية جديدة “غريبة” عليها، وإمكانية تكرار نموذجَي موريتانيا وتركيا، لأنها بعد هذه الانتفاضات سترفض الاستمرار في العلاقة مع إسرائيل، وتزيد تعاطفها مع الفلسطينيين.
تمثل أهم ما تخشاه تل أبيب أن تأتي الثورات بالإسلاميين إلى السلطة، لأنه يشكل تحدياً استراتيجياً كبيراً لها، فضلاً عن التخويف والتهويل من مخاطر إجراء انتخابات حرة، خشية تكرار نموذج فوز حماس، مما سيكون له تأثيرات سلبية بالغة الأهمية على وضعها الإقليمي، ومن الممكن على المدى البعيد أن تتعرض اتفاقيات السلام مع مصر والأردن للخطر، وهذا التحدي الأكبر الاستراتيجي بعد دعم الولايات المتحدة.
في السياق ذاته، كان للثورات العربية عواقب غير متوقعة على الصعيد الإسرائيلي، لأن نتائجها ليست جيدة ولا نقية مطلقاً، في ظلّ الاضطرابات التي عمّت المنطقة، مما تطلب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التكيّف معها، ولذلك باتت تعمل وحداتها في الشبكات الاجتماعية على تعلمها وقراءتها، وستشكل الثورات منذ ذلك الوقت التحدي الصاعد للاستخبارات العسكرية.
هذا التحول في بعض الدول العربية جعل بعضها تحدث انقلاباً في مواقفها: من أنظمة حليفة وحريصة على المصلحة الإسرائيلية، إلى معادية لها في حدها الأقصى، أو غير محايدة في حدها الأدنى، مما يلقي بظلال ثقيلة على تل أبيب وقراراتها، لأنها ستكون مضطرة لإدخال العامل العربي وردّ فعله في حساباتها لدى اتخاذ قراراتها تجاه ساحات المواجهة الأخرى، في لبنان أو سورية أو غزة، وصولاً لإيران.
ولذلك وصف عيران ليرمان مدير اللجنة اليهودية – الأمريكية والضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الربيع العربي بأنه “زلزال” يهدد بإسقاط الأنظمة التي حكمت على مدى عقود، ولئن بدأت الاضطرابات في العالم العربي باسم الحداثة والديموقراطية، لكنها سرعان ما تصاعدت إلى انتفاضات واسعة النطاق تزعزع الاستقرار في المنطقة، وبشكل متزايد، وأدت نهاية الأمر لتمكين الأنظمة الإسلامية.
فرض الربيع العربي على إسرائيل وضعاً صعباً للغاية على المستويات الأمنية والسياسية والعسكرية، التي خشيت بدء انهيار نظرية الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة العربية، لأن قراءة الساسة والعسكر أوصلتهم لنتيجة مفادها أن إفرازات الثورات العربية ستكون وبالاً عليهم.
خامساً: سيناريوهات محتملة
تعلقت دراسة واقع الثورات العربية وأثرها على المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بأخذ “كرة الثلج” هذه، ورؤيتها تتعاظم رويداً رويداً، بحيث إذا ما تغيرت الأنظمة العربية المقربة من الغرب، وبالضرورة إسرائيل، فإن الموقف سيتغير على نحو جذري، ولن يكون بوسع تلك الأنظمة تجاهل مشاعر جماهيرها فيما يتصل بالعلاقة مع تل أبيب، وحتى الدول التي قد لا تتغير أنظمتها بالكامل لاعتبارات معينة، فإنها ستضطر لتغيير موقفها إيجابياً من القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي.
قدمت بعض المحافل القريبة من دوائر صنع القرار الإسرائيلي، أن هناك سيناريوهات يمكن اللجوء إليها للتعامل مع التبعات المتوقعة نتيجة الثورات العربية، في ضوء طرح جهات بحثية ودراسية عدة أسباب وعوامل تجعل منها ليست إيجابية لإسرائيل، على النحو التالي:
1. على صعيد مصر، ما زال السؤال ذاته يطرح نفسه في الأوساط والدوائر الإسرائيلية حول حجم الضرر في العلاقات الإسرائيلية المصرية، وشكل النظام القادم، وهل سيكون براغماتياً يحافظ على اتفاق السلام الموقع بينهما، أو أن العلاقات ستشهد انتكاسة جديدة، حتى جاء نظام السيسي، الذي انقلب على الرئيس الراحل محمد مرسي، مما منح إسرائيل “استراحة محارب” على الجبهة المصرية، والتفرغ لجبهات أخرى، في ضوء الحرب التي تشنها مصر على سيناء والجماعات المسلحة هناك.
2. بالنسبة للأردن، تجزم محافل مقربة من أروقة صنع القرار الإسرائيلي أن قوة النظام الأردني تراجعت بصورة ليست كبيرة، وأصبح للمرة الأولى نقاش حول صلاحيات الملك، وضرورة توزيعها بين البرلمان والقصر، بالإضافة إلى قوانين الانتخابات القائمة.
3. الساحة الفلسطينية، رغم الهدوء النسبي، الذي تراه أجهزة الأمن الإسرائيلية، إلا أنها تشير لوجود تحركات تحت الأرض تؤكد وجود خطر كبير من انتقال موجة التطورات العربية إلى الساحة الفلسطينية، داعية القيادة السياسية في تل أبيب للقيام بخطوات وقائية لمنع اندلاع انتفاضة جديدة، كما أن الأحداث التي تشهدها المنطقة تؤثر على اعتبارات إسرائيل ومخططاتها العسكرية تجاه الفلسطينيين.
شكلت الحروب الأخيرة على غزة محطة اختبار أمام إسرائيل، بعد ظهور الثورات المضادة في بعض البلدان العربية، لاسيما مصر، ووقوفها موقفاً شجع الجيش الإسرائيلي على الاستمرار في المذبحة الحاصلة ضد الفلسطينيين لمدة تزيد عن خمسين يوماً.
4. مع دخول الثورة في سورية عامها العاشر، ما زال القلق الإسرائيلي يتزايد حول إمكانية أن تنجح القوى السنية في إسقاط الأقلية العلوية عن الحكم، والنظام الجديد قد لا يلتزم باتفاقيات سابقة.
الخلاصة:
شكلت الثورات العربية شكلت في معظمها محط قلق لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية، على النحو التالي:
1. اعتبرت الثورات العربية مفاجأة من العيار الثقيل لما يعرف بـ”مجتمع المخابرات الإسرائيلية” الذي رسم لنفسه صورة نمطية بأنه يعرف تفاصيل التفاصيل في الدول العربية، ولديه القدرة على التنبؤ بما قد تحمله تطورات أي بلد عربي على حدة.
2. حملت الثورة المصرية لوحدها ثقلاً استخبارياً وأمنياً لم تستطع إسرائيل إخفاؤه، في ضوء المخاوف التي لم تتوقف حتى كتابة هذه السطور، من تعرض اتفاقية كامب ديفيد للخطر، ودخول الحدود مع مصر لقائمة التهديدات الأمنية، ولذلك جاء الموقف الإسرائيلي متفقاً عليه في رفض الثورة، رغم أن السيسي منحها “بوليصة تأمين” من أي أخطار قادمة.
3. جاءت الثورة السورية في المرتبة الثانية من درجة الاهتمام الأمني الإسرائيلي، على اعتبار أن العلاقة العلنية التي حكمت تل أبيب ودمشق كانت الحرب، فيما احتفظ الطرفان بهدوء شبه كامل على الحدود المشتركة، ولذلك تباينت التقييمات الإسرائيلية في رؤيتها للثورة السورية في ضوء مفاضلاتها الدقيقة.
4. لم تبذل إسرائيل جهوداً حثيثة لإخفاء تدخلها في الثورات العربية، سواء بصورة مباشرة من خلال التغطية الإعلامية المنحازة لطرف دون آخر، أم غير مباشرة عبر ضغوطها على الثورات العربية عبر التنسيق الكامل مع المنظومة الغربية، مما يفسر ترحيبها بالإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ومباركتها لانقلاب السيسي، وتريثها في الموافقة على الإطاحة السريعة بالنظام السوري.
5. تبدو المنظومة الأمنية الإسرائيلية في حالة مراجعة للذات، وإعادة رسم تقييماتها لتبعات الثورات العربية، بعد نجاح بعضها، وإخفاق أخرى بفعل الثورات المضادة، ولم تكن أياديها بعيدة عن التخطيط والدعم لإجهاض الثورات العربية.
لهذه الأسباب وغيرها، ترى إسرائيل نفسها عبر منظومتها الأمنية، تذهب نحو التعامل بحذر مع التطورات الحالية في المنطقة، عبر عدم المبادرة لخطوات خطيرة، مع تفضيل خيار الانتظار، ومراقبة ما سيحدث، لأنه حتى الآن (حتى كتابة هذه السطور) لم تتشكل بصورة نهائية الصورة الإقليمية، وسيكون لها تأثيرات كبيرة عند اكتمال تشكلها، ما يعني بصورة أو بأخرى أن إسرائيل تضررّت من ثورات العالم العربي، وهناك مخاوف إسرائيلية أن تكون هناك موجة أخرى لهذه الثورات على المديين المتوسط والبعيد.
رابط المصدر: