السياسة الخارجية الروسية اتجاه القضية الفلسطينية خلال عهد الرئيس بوتين 2012-2021

اعداد : د. نهلة الخطيب – باحثة في الشؤون الدولية

 

المقدمة :

لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط أحد الأهداف الحيوية للدول الكبرى لا بل وأحدَ أهم أسباب نزاعاتها، ويعود ذلك لأهمية هذه المنطقة الجيوستراتيجية في حركة السياسات الدولية.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه عام1991  وانتهاء الحرب الباردة، على الصعيد الدولي تراجعت مكانة منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بالأخص في الاستراتيجية الروسية، وواجهت روسيا باعتبارها الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي متغيرات فرضتها تغيرات اقليمية ودولية في العالم بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً والتي تعيش دوامة الفوضى الخلاقة التي أنتجتها متغيرات داخلية وأخرى فرضت خارجيا، دفعتها إلى ضرورة التفكير في توجه جديد لسياستها الخارجية بشأن استعادة مكانتها كقوة عظمى[1].

وكان التحول الكبير بتسلم فلاديمير بوتين للسلطة عام2000 , الذي قدم مبادئ أساسية لسياسة روسيا الخارجية والتي تهدف في جوهرها إلى استعادة روسيا مكانتها الدولية والإقليمية، وإعادة تشكيل منظومة عالم متعدد الأقطاب وإنهاء الهيمنة الأمريكية.

أعيد انتخاب فلاديمير بوتين لفترة رئاسية ثالثة لجمهورية روسيا الاتحادية بتاريخ4\3\2012، وكان من أهم أهداف سياسته الخارجية وعلى نحو يتناسب أكثر واتجاهات العالم الجديد إعادة دور روسيا في آسيا والشرق الأوسط عن طريق تكوين تحالفات اقليمية ودولية جديدة تخدم مصالحها وتعيد مكانتها الريادية ودورها المركزي في النظام الدولي لتكون واحد من الفاعليين الدوليين[2].

وإيذاناً ببدء حقبة جديدة في السياسة الروسية اتجاه العالم ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص حاولت روسيا تعزيز مكانتها كفاعل أساسي في شؤون المنطقة عن طريق انخراطها في قضاياها الحساسة والشائكة جداً[3]، ولعل أبرز هذه القضايا وأكثرها تعقيدا “على مر العقود” الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فما كان لروسيا الا أن تقدم نفسها كلاعب دولي مستقل وتغدو شريكه للولايات المتحدة في رحلة البحث عن حلّ لتسوية الصّراع وإقرار السلام والاستقرار في المنطقة[4].

وبما أن الهدف النهائي والمستمر لسياسة أي دولة كانت هو تحقيق مصالحها الوطنية والسياسية والاقتصادية، فقد نجد تناقضاً داخل المواقف الروسية نفسها في هذا الصراع  حيث لا يمكن فهم و تحليل العلاقات الروسية_ الإسرائيلية_ الفلسطينية إلا عندما نأخذ بالحسبان أن هذا التناقض بين مصالح الدول وحقوق الشعوب المسلوبة أمر لا مفّر منه، وأنه ما من وجودٍ دائمٍ لانسجام أو توافق المصالح.

أعد بوتين منهجاً عملياً بحتاً لمصالح روسيا وأضفى عليه دينامية جديدة بتغيرات وبتقديرات براغماتية تعي جيداً المواقع الملائمة والأدوار التي على روسيا أن تؤديها على الساحة الدولية، فقد كان مستعداً للتعامل مع أي طرف في المنطقة سواء كانوا أصدقاء أو خصوماً طالما أن ذلك يصب في خدمة دولته، ونجح في ذلك بسبب الدعم القوي من شعبه وتميزت السياسة الخارجية الجديدة بالبراغماتية.

المشكلة البحثية :

تكمن مشكلة البحث في ظل المتغيرات التي نعيشها في العالم وصراع الدول العظمى على الساحة الدولية وتعاظم دور روسيا بعهد بوتين ونهجه سياسة خارجية جديدة بالشرق الأوسط  وصيغة هذه السياسة المتذبذبة اتجاه القضية الفلسطينية ومواقفها الداعمة لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، بنفس الوقت الذي تقيم فيه روسيا علاقات متينة مع الكيان الإسرائيلي وهي الأقوى باعتراف إسرائيل، وهنا يثار عدة تساؤلات:

    • -1 سبب اهتمام السياسة الخارجية الروسية بالمنطقة العربية وبالقضية الفلسطينية خاصة، وصيغة هذه السياسة بعهد الرئيس بوتين اتجاه الفلسطينيين واسرائيل.
    •  2_كيف يمكن للدبلوماسية الروسية أن تؤثر على العملية التفاوضية بين طرفي النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.

  •  3-هل كان لروسيا طروحات ورؤية خاصة بها لإحياء عملية السلام .

أهداف البحث

  • 1- تسليط الضوء على السياسة الخارجية الروسية بعهد الرئيس بوتين 2012-2021″”، اتجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل.
  • 2- التذبذب في موقف روسيا من الحل السلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والكيل بمكيالين.
  • 3- التعرف على الإمكانيات الفعلية المتاحة لروسيا للتأثير على سير عملية السلام.

أهمية البحث:

تكمن أهمية البحث في أنه يسلط الضوء على سياسة روسيا اتجاه القضية الفلسطينية بعهد الرئيس فلاديمير بوتين بفترته الرئاسية الثالثة، وتبني النظرية الواقعية كمفسر لسياسته التي تركز على أن الأمن القومي والمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.

أقسام البحث:

  • المبحث الأول: سياسة روسيا خلال عهد الرئيس فلاديمير بوتين اتجاه القضية الفلسطينية
  • المبحث الثاني: علاقة روسيا مع اسرائيل

المبحث الأول: سياسة روسيا خلال عهد الرئيس بوتين اتجاه القضية الفلسطينية

مرت القضية الفلسطينية في العقدين الأخيرين بفترة حرجة وذلك نتيجة الأحداث الكبيرة التي تعصف بالمنطقة العربية بما يسمى” بالربيع العربي”، وما آلت اليه هذه الأحداث من متغيرات داخلية وخارجية والتي بدأت منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والتي جعلت القضية الفلسطينية آخر الأولويات في اهتمامات الدول العربية.

 وفي ظل تعدد المبادرات التي تقدمها قوى إقليمية لحل الصراع العربي الإسرائيلي لوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي اتجاه الشعب الفلسطيني وإقامة دولتهم المستقلة ورفض الخطط الإسرائيلية الاستيطانية تبرز رغبة روسيا في تعزيز دورها في إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولطالما سعت من خلال مواقفها السياسية المعلنة وقف إراقة الدماء على الأراضي الفلسطينية ولطالما نادت بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وحقه الطبيعي في إقامة دولته المستقلة كما أنها تحترم نضاله المشرف لبلوغ هذا الهدف ولم يتغير هذا الموقف الروسي منذ إعلانه والذي يتمحور على المواقف السوفييتية المعلنة منذ وقت بعيد والمرتكزة على القرار 242[5]، بالرغم من توطيد العلاقات بين روسيا وإسرائيل حتى عندما شهدت روسيا تواجداً مكثفاً للوبي الصهيوني على أراضيها والذي حاول مراراً تغيير هذا الموقف أو زحزحته.

وتستند روسيا الاتحادية في بناء موقفها من تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى قاعدة حقوقية وهي قرارات مجلس الأمن التي تحمل الأرقام242 } ،338 ،1397 ،  { 1515على التوالي[6]، والمبادرة العربية للسلام التي أقرتها الجامعة العربية بالإجماع في بيروت عام2002 ، وخريطة الطريق عام2003  التي اقترحتها اللجنة الرباعية المؤلفة من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وانطلاقًا مما نصت عنه هذه الوثائق فإن روسيا تدعم الحل الذي يرى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل على حدود عام 1967 ورفض الاستمرار ببناء مستوطنات إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.

وكجزءٍ من انخراط روسيا الأعمق في الشرق الأوسط، والتي تزامنت مع تعافي روسيا ونهوضها ودخولها إلى المنطقة بقوة عن طريق سوريا، واهتمام بوتين بإحياء عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أخذت موسكو دورًا أكبر كدولة وسيطة عظمى واستمرت اللقاءات والاتصالات بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية روسية، وقد تتضح الجهود الروسية في دعم عملية السلام من خلال الزيارة التي قام بها شمعون بيريز إلى موسكو لمقابلة بوتين في نوفمبر2012، لمناقشة المستجدات حول المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بالوقت الذي التقى به وزير خارجية روسيا برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في القاهرة وعمان من أجل إحياء عملية السلام.

ولم تتوقف روسيا عن دعمها للعودة للمفاوضات بين الطرفين حتى بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية التي أسفرت عن تشكيل حكومة ائتلافية جديدة من تيارات دينية متشددة وأحزاب قومية وأصبح من الصعب تشكيل موقف إسرائيلي موحد اتجاه عملية السلام مع الجانب الفلسطيني، إيماناً منها أن لا سلام بالمنطقة دون حل عادل للقضية الفلسطينية.

وتم دعوة الفلسطينيين والإسرائيليين لإتمام عملية السلام تحت رعاية رسمية عبر عنه فلاديمير بوتين في مؤتمر انعقد في موسكو بتاريخ2\10\2013 ، وتمنى فيه استئناف الاتصالات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وإيجاد حل طويل الأمد للنزاع واعتبر هذا ممكناً لأن الطرفان يتلهفان لإيجاد حل وأبدى استعداد بلاده لضمان التوصل إليه قائلا ً: “يمكننا أن نساعد ونكون ضامنا”[7].

وقال بوتين في لقاءٍ جمعه بنتنياهو في موسكو في حزيران 2016 ” نناشد بتسويةٍ مطلقة وعادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني لإقامة دولة مستقلة وتضمن وجود إسرائيل ضمن حدودها المعترف فيها دولياً.

ومن خلال مشاركته في المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية سعى بوتين إلى الظهور بصورةٍ أكثر توازناً في نهجه من المقاربة التي تتبعها الولايات المتحدة، وإلى إظهار روسيا كبلدٍ سيحقق نجاحاً حين فشلت واشنطن.

وعلى الرغم من عدم تحقيق بوتين لهذا النجاح بعد إلّا أن روسيا اكتسبت أهميةً ملحوظة كجهة فاعلة رئيسية في الأحداث العالمية الحاسمة، وهي مكانة لطالما توقّاها بوتين.

حيث أنه وفي جميع تصريحات وزارة الخارجية الروسية عام2017 ، كان التأكيد على كون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وقد خلقت هذه التصريحات حالة من الغضب والاستياء في الأوساط السياسية العربية، وقد اعتبرها البعض مرفوضة تماماً مؤكدين أن القدس كاملة هي عاصمة  لفلسطين العربية.

على أي حال فإن هذا التصريح يتناغم مع تاريخ الموقف الروسي من القضية الفلسطينية فضلًا عن توافقه مع رؤية بعض الدول العربية التي تنادي بالالتزام بحل الدولتين وفقا لحدود1967  في سبيل تحقيق السلام وتحقيق التسوية الفلسطينية الإسرائيلية.

هذا وقد يرى الجانب الفلسطيني الموقف الروسي موقفًا يصبُ في صالح القضية وضامناً لحقوق الشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف، بما في ذلك حق تقرير المصير واستقلال دولة فلسطين  وعاصمتها القدس الشرقية وأنه يمثل مظلة دولية لحقوقهم[8].

وكان قد أدلى بوتين خلال مشاركته عبر تقنية الاتصال المرئي في اجتماع مع مديري أبرز وكالات الأنباء العالمية، وذلك على هامش أعمال منتدى “سانت بطرسبورغ” الاقتصادي الدولي SPIEF2021″” أنه لن يكون من الممكن تحقيق سلام دائم في المنطقة دون حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واستطرد قائلاً: ” عندما نضع نصب أعيننا أن القضية الفلسطينية حساسة ومهمة بالنسبة للعالم بأسره سيكون من المهم بمكان ألا يتم طرح الموضوعات المتعلقة بحل تلك القضية وتناولها على هامش السياسة الدولية أو في خلفيتها “، إلا أنه أكد في نفس اللقاء حرص روسيا على إبقاء علاقاتها وديةً مع إسرائيل[9].

العلاقة بين روسيا والفصائل الفلسطينية:

العلاقات بين روسيا والفصائل الفلسطينية جاءت امتداداً لعلاقات قوية بدأت بين الاتحاد السوفييتي ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد احتضنت موسكو لقاءات على أعلى المستويات لقادة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس، وتعطي هذه اللقاءات ذات المستوى الرسمي الدور الروسي زخماً سياسياً في القضية الفلسطينية الذي جعل موسكو في مقدمة العواصم ذات التأثير المركزي في الملف الفلسطيني.

وعلى عكس موقف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من حركة حماس والتي كانوا قد صنفوها ضمن “قوائم المنظمات الإرهابية”، قد تكون روسيا الدولة العظمى الوحيدة ذات العلاقة الإيجابية والحميمة مع حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام2006 ، أعقبتها زيارة بنفس العام وهي الأولى لقيادة حماس لموسكو برئاسة خالد مشعل، وفي عام2015  تم لقاء جمع الطرفين في قطر بحثا فيه تطورات القضية الفلسطينية وآفاق المصالحة الفلسطينية، هذه اللقاءات تتناغم وتصريحات بوتين المتكررة بأنه لم يعد بالإمكان تجاهل حماس سياسياً[10].

وعلى صعيد آخر فلطالما كانت روسيا على علاقة جيدة مع حركة فتح وأخر اتصال كان بين نائب الخارجية الروسي بوغدانوف وأحد قادة فتح حسين الشيخ بحثا فيه تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تتعاطى روسيا مع الفصائل الفلسطينية بالدرجة نفسها وتسعى لتقريب وجهات النظر لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة وطنية إذ أكد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي مع نظيره السعودي عادل الجبير بجدة بتاريخ10\9\2017 ، أن روسيا مع دول عربية على اتصال وثيق بحركتي فتح وحماس بغية اقناعهما بالعودة الى اتفاق المصالحة مؤكداً حرص روسيا على عمل الرباعية الدولية للسلام.

وعلى غير العادة وصفت روسيا الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون على الإسرائيليين بعد أشهر من اندلاع الانتفاضة في أوائل تشرين الأول من عام2015 ، بالهجمات الإرهابية وقد تكون المرة الأولى التي تقدم بها الديبلوماسية الروسية على هذا الوصف وهذا ما يعتبر تغييراً مفاجئاً ولا سيما أن ذلك يحصل مع التقارب الروسي مع إسرائيل وهو ما يثير مخاوف حول فقد الفلسطينيين الداعم الأساسي لهم على الساحة الدولية.

وهناك بعض التحليلات التي ترى أن روسيا بهذه المواقف، تسعى أن تكون لاعبًا دوليًا مستقلاً عن الرؤية الأمريكية وبعض التحليلات الأخرى ترى في هذا الموقف ما هو إلا مناورة روسية لخدمة مصالحها مع العالم الغربي وبشكل لا يخدم من الأساس المصلحة الفلسطينية .

المبحث الثاني: علاقة روسيا مع اسرائيل:

رغم اختلاف المصلحة الوطنية من دولة لأخرى إلا أن هناك حدًا أدنى من الاتفاق حول تعريف هذا المفهوم وهو حماية السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدولة[11]، أي المحافظة على البقاء وهو ما يرتبط عادةً بالأمن القومي للدولة وفي ضوء ذلك سيتم الاستفادة من مفهوم المصلحة الوطنية في تحديد المصالح القائمة عليها العلاقة بين روسيا وإسرائيل.

فقد حاول بوتين منذ توليه السلطة تحسين العلاقات مع إسرائيل، وتلخص صعود هذه العلاقات بنقاط أهمها تبادل اعتماد السفراء وافتتاح السفارة الروسية في تل أبيب، وبوتين كان أول قائد في الكرملين يزور إسرائيل في عام2005 ، حيث انتهج منهجاً براغماتياً سعى من خلاله لاستعادة المكانة الدولية لروسيا وحل المشكلات الداخلية التي تعانى منها وذلك في أعقاب الثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا وكسر العزلة الدولية وإفشال فاعلية العقوبات المفروضة عليها إثر حربها في شبه جزيرة القرم.

وتأتى التفاهمات بين روسيا وإسرائيل بشأن عدة قضايا نذكر منها:

أولاً: قضية مكافحة الإرهاب الناتج عن التطرف حيث يتشارك الطرفان في مخاوفهما من التطرف المتمثل لإسرائيل في حماس وبالنسبة لروسيا الشيشان ورغبتهم في الانفصال، هذا الصراع  يرجع بقدر كبير إلى سياسات موسكو الصارمة وانتهاكاتها الفاضحة لحقوق الإنسان وقد شبّه بوتين صراع روسيا ضد الإرهاب بصراع إسرائيل ضده[12].

ثانياً: رغبة بوتين في تطوير علاقات اقتصادية مع دول الشرق الأوسط سعى إلى إقامة علاقات تجارية مع إسرائيل، فزيارته الأخيرة حملت معها افتتاح مقر لشركة غاز بروم الروسية في تل أبيب ومنح امتيازات للتنقيب عن الغاز لها، كما أن العلاقات العسكرية بين البلدين في مجال التقنيات العسكرية المتقدمة وبخاصة مجال الطائرات بدون طيار تزداد رسوخا وتجارة التكنولوجيا العالية في مجالات تتضمن تقنية النانو أدى ذلك إلى نمو التجارة بين روسيا وإسرائيل لتصل إلى مليار دولار في عام 2005، وازدادت بأكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام2014 ، إلى ما يقرب من305  مليار دولار[13].

ثالثاً: توجب على بوتين الحرص على توازن السياسة الروسية اتجاه إسرائيل للحفاظ على مصالح الجالية الروسية فيها، وتجدر الإشارة إلى أن تطور العلاقات بين الجانبين أدى إلى سماح السلطات الروسية للآلاف من اليهود الروس الهجرة إلى إسرائيل والأراضي المحتلة وهو الأمر الذي أدى إلى اختلال التوازن والتركيبة الديمغرافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المناطق المحتلة فهناك أكثر من مليون مهاجر روسي في إسرائيل والذين يعتبرون إسرائيل موطنهم التاريخي[14]، وكثيراً ما يتحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن “مواطني ” روسيا في هذا البلد، فيما تدخل إحدى الاتفاقيات حيز التنفيذ والتي تقضي بالزام روسيا بدفع 83 مليون دولار، قيمة معاشات تقاعد إلى مواطني الاتحاد السوفييتي الذين يعيشون الآن في إسرائيل.

وكما ذكرنا سابقاً أنه في6\4\2017 ، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الروسية أنّ موسكو تعترف بشكل رسمي بالقدس الغربية كعاصمة لدولة إسرائيل وأعادت التأكيد على التزامها بمبادئ الأمم المتحدة حول تسوية نهائية إسرائيلية فلسطينية، وأشارت إلى أنها ترى القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية، وشدّدت على أنّه ” في هذا السياق يجب أن نعلن في الوقت نفسه أننا نرى القدس الغربية عاصمة لإسرائيل ” [15].

وبشكل عام سعى بوتين إلى الحد من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط والتعامل مع الجميع في المنطقة سواء كانوا أصدقاءَ تقليديين أم أعداء، وفي نظرته التعادلية للعالم ساهم تحسين الروابط مع دولة أخرى” إسرائيل” في المنطقة وحليفة مقرّبة من الولايات المتحدة في تحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى ذلك فإن تحسين العلاقات مع كافة الأطراف سوف يحمي الرئيس بوتين من الاتهامات بأنه يؤيد محوراَ دوناً عن الأخر.

وربما نتيجة هذه الخطوة التي قام بها بوتين، إسرائيل لم تنتقد بوتين على أعماله في الشيشان، في حين أدانت معظم الدول انتهاكات روسيا لحقوق الإنسان التي ساهمت في تحويل ما بدأ كنضالٍ انفصالي علماني إلى نضالٍ متطرف[16].

وفي سياق آخر تناقلت وسائل إعلام عالمية تقارير تشير إلى أن القوات الروسية في سوريا تبحث في مقبرة مخيم اليرموك الواقع جنوب العاصمة دمشق، عن رفات اثنين من الجنود الإسرائيليين  وهما يهودا كاتس وتسفي فيلدمان اللذان فقدا إثر معركة السلطان يعقوب التي جرت بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي عام 1982 إبان الحرب الأهلية اللبنانية[17]، وبحكم العلاقات القوية بين الجانبين يذكر أن روسيا سبق وأعادت رفات الجندي زخاي باومل التي تم العثور عليها في المقبرة السابقة عام 2019، مقابل الإفراج عن أسيرين سوريين من السجون الإسرائيلية.

نهايةً تدين إسرائيل بجزء من وجودها إلى الاتحاد السوفييتي وتصويتها بالوكالة خلال الحرب الباردة منذ سبعين عاماً  لدعم قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وقيام الدولة اليهودية، ولكن سيكون هناك دائماً حدود للعلاقة بين روسيا وإسرائيل، فقد ينظر بوتين إلى الدبلوماسية على أنها لعبة تعادُل إلّا أنّ القادة الإسرائيليين لن يُخفضوا مستوى علاقاتهم مع واشنطن من أجل استرضائه.

وفي سعيه إلى السلطة يبقى بوتين مرنًا ويهدف إلى إبقاء خياراته مفتوحة في الشرق الأوسط وقد لا يتعلق هدفه الحقيقي بإسرائيل بقدر ما هو متعلق بالولايات المتحدة ورغبة روسيا بعالمٍ ذي قطبين.[18]

ورغم أن أي فلسطيني يعرف حق المعرفة بأن ما جرى لهم طيلة العقود الماضية هو عاقبة مباشرة للتدمير الذي ألحقته إسرائيل بوطنهم في عام1948 ، نعم كانوا في عداد الضحية وتعرضت هويتهم للتهديد وتعرضوا للتهجير والمعاناة وأن هناك اتفاق مضمر بين الحكومات العربية والإسرائيلية والأمريكية على التخلص منهم كقوة سياسية ولكن أبعاد تجربتهم الفلسطينية زودتهم بالكثير من الانتباه والوعي الذاتي كجماعة تقف على حدة من الآخرين بحيث تعذر أن يكونوا مجموعة سكانية لها منافيها الصريحة والواضحة ورؤيتها المنهجية التامة، وفي الآن ذاته هم أكبر حجما وأكثر إثارة للمتاعب من أن يظلوا مجموعة من اللاجئين لا تثير سوى العطف[19].

الخاتمة:

السياسة الخارجية الروسية لا تخرج عن محاولة روسيا البقاء على الساحة الدولية، بما يضمن هيبة القيصر وبناء الإمبراطورية الروسية وعودتها إلى ما كانت عليه كقوة عظمى في نظام عالم متعدد الأقطاب وتكوين تحالفات إقليمية ودولية، بمعنى المصالح الخاصة كانت المحدد الأبرز لهذه السياسة، سعي روسيا لأن تكون لاعباً دولياً مستقلاً عن الرؤية الأمريكية ورغبة منها التقرب للعالم الغربي، هو السبب وراء اتخاذها مواقف وسياسات مذبذبة والكيل بمكيالين بحيث تظهر منحازة للجانب الفلسطيني تارة ومؤكدة على أن الموقف الروسي من المطالب الفلسطينية ثابتاً ومتماشياً مع الشرعية والقانون الدولي، وتارة أخرى منحازة للجانب الإسرائيلي متماشية مع سياسة التوازنات والمصالح الاقتصادية الروسية، بغض النظر عن أطراف الصراع ومصالحهم وبذلك لا يمكن اعتبار القضية الفلسطينية بمعطياتها وأطرافها أكثر من أداة لتحقيق الطموح الروسي العالمي.

يتطلع بعض الفلسطينيين إلى روسيا للعب دور في إعادة الحقوق إلى أصحابها ونصرة حركات التحرر الوطني الفلسطيني بالضغط على الكيان الصهيوني، ولكن مع غياب الرؤية لا يبدو روسيا تقف معهم ولا تملك رؤية خاصة بها لحل القضية الفلسطينية هي تؤيد الطرح الأمريكي للتسوية واكتفت بصفة مراقب في رعاية وعقد لقاءات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

القضايا الدولية الكبيرة لا تحل بالوكالة وليس أمام القيادات الفلسطينية إلا خيار المقاومة بالتزامن مع المفاوضات وذلك باستثمار الطموح الروسي بتعزيز دورها في المنطقة من خلال تقوية الدبلوماسية الفلسطينية وتأثيرها في السياسة الخارجية الروسية والعمل على استبدال الوسيط الأمريكي بالوسيط الروسي في عملية السلام لتقديم تسهيلات دبلوماسية ولوجستية.

الحق لا يطالب به وإنما ينتزع وليس أمام الفلسطينيين سوى مراكمة القوة لكي يكونوا رادعين لأعدائهم وإلا سيكون مصيرهم كمصير شعوب كثيرة انصهرت وتلاشت والتاريخ خير شاهد.

المراجع:

[1] سرور طالبي، أهم قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالقضية الفلسطينية، مركز جيل البحث العلمي، سلسلة المحاضرات العلمية، فبراير2022،  تاريخ الاطلاع: 13/2/2022 متاح على  http://jilrc.com/wp-content/uploads/2022/02/SC.PALESTINE.pdf[2] نورهان الشيخ، المـد والجـزر في العلاقات الروسية ــ الإسرائيلية، مجلة الشروق، تاريخ النشر: 13/10 /2017 ، تاريخ الاطلاع: 13/2/2022.[3]  محمد حامد، قصة الغرام الروسي الإسرائيلي: كيف دعم بوتين “الصهيوني” هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل، موقع ترك برس، 19/3/2016، تاريخ الاطلاع: 13/2/2022، متاح على: https://goo.gl/9VtCzd[4] الموقف الروسي من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، موقع مجلة “اليوم “السعودية، العدد 11037،3/9/2017، تاريخ الاطلاع:13/2/2022 متاح على: https://goo.gl/orwCM0[5] محددات السياسة الخارجية الروسية وموقفها من عملية السلام الفلسطيني – الاسرائيلي، المؤتمر العلمي الدولي الأول العلاقات الفلسطينية الروسية (واقع وآفاق).[6] أرشيف نشرة فلسطين اليوم: أيار2010: Palestine Today Newspaper Archive تاريخ الاطلاع13/2/2022 متاح على: https://books.google.fr/books?id=xQGJDwAAQBAJ&pg=RA1[7] الأجندة الإسرائيلية”.. لماذا اعترف بوتين بالقدس عاصمة لإسرائيل، فريق التحرير، الجزيرة، تاريخ النشر: 19/4/2017، تم الاطلاع عليه بتاريخ 13/2/2022، متاح على :

https://www.google.com/amp/s/www.aljazeera.net/amp/midan/reality/pol

] 8 [ روسيا الاورو اسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين ، وسيم خليل قلعجه ،الدار العربية للعلوم ناشرون

[9 ]  كتاب بعد السماء الأخيرة، ادوارد سعيد،1986

] [10 السياسة الخارجية المقارنة، خالد المصري،SIA

[11] المصلحة الوطنية، عبد الله جمعة الحاج، صحيفة الاتحاد، 18/4/2008 تم الاطلاع عليه بتاريخ13/2/2022متاح https://www.alittihad.ae/wejhatarticle/36108/%D8%A7%D9%84%D9%8[12] القضية الفلسطينية وحسابات روسيا تجاه إسرائيل | تحليلات | الجزيرة نت تاريخ النشر 3/6/2018 تم الاطلاع عليه بتاريخ: 13/2/2022 متاح على:

https://www.google.com/amp/s/www.aljazeera.net/amp/opinions/2018/6

[13] بو غدا نوف يبحث مع أحد قادة “فتح” تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، RT

متاح على https://arabic.rt.com/tags/fath/

[14]  بوتين يؤكد أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للعالم ويستبعد تحقيق السلام دون حل للصراع، الحياة الجديدة، ٥/٧/٢٠٢١ تم الاطلاع عليه بتاريخ :13/2/2022 متاح على

https://www.alhaya.ps/ar/Article/116375/%D8%A8%D9%88%D8%AA%

[15]  السياسة الخارجية الروسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين ،حسني عماد حسني العوضي ، المركز الديمقراطي العربي ، برلين ، المانيا2017.

[1] روسيا الأورو اسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين، وسيم خليل قلعجية، ص2، الدار العربية للعلوم ناشرون.

[2]خالد المصري، السياسة الخارجية المقارنة، الاكاديمية الدولية السورية، ص82.

[3]السياسة الخارجية الروسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين، حسني عماد حسني العوضي، ص30، المركز الديمقراطي العربي، برلين المانيا 2017.

[4]  الموقف الروسي من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، موقع مجلة “اليوم “السعودية، العدد 11037، 3/9/2017.

[5]سرور طالبي، أهم قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالقضية الفلسطينية، ص11، مركز جيل البحث العلمي، سلسلة المحاضرات العلمية، فبراير 2022.

[6] المرجع السابق، سرور طالبي، ص 1، ص10.

[7] مرجع سابق، حسني عماد حسني العوضي، ص35.

[8] نورهان الشيخ، المـد والجـزر في العلاقات الروسية ــ الإسرائيلية، مجلة الشروق، تاريخ النشر: 13/10 /2017.

[9] بوتين يؤكد أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للعالم ويستبعد تحقيق السلام دون حل للصراع، الحياة الجديدة، ٥/٧/٢٠٢١.

[10] أرشيف نشرة فلسطين اليوم: أيار 2010: Palestine Today Newspaper Archive.

[11] المصلحة الوطنية، عبد الله جمعة الحاج، صحيفة الاتحاد، 18/4/2008.

[12] القضية الفلسطينية وحسابات روسيا تجاه إسرائيل | تحليلات | الجزيرة نت.

[13] السياسة الخارجية المقارنة، د. خالد المصري، ص87 الناشر الاكاديمية الدولية السورية 2017.

[14] محمد حامد، قصة الغرام الروسي الإسرائيلي: كيف دعم بوتين “الصهيوني” هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل، موقع ترك برس، 19/3/2016،

[15]  الأجندة الإسرائيلية”.. لماذا اعترف بوتين بالقدس عاصمة لإسرائيل، فريق التحرير، الجزيرة.

[16] انظر: مرجع سابق، الجزيرة.

[17] المصدر : الجزيرة نت، تاريخ النشر 8\2\2021.

[18] محمد حامد، مرجع سابق.

[19] من مقدمة كتاب بعد السماء الاخيرة: حيوات فلسطينية، 1986، ادوارد سعيد.

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=85010

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M