رسالة ماجستير للطالب سلام عادل وهاب احمد التميمي
المشرف
الدكتور سيد محمد الغريفي
المقدمة :
تعد السياسة الخارجية البرنامج الذي يسعى لتحقيق افضل الظروف الممكنة للدولة بالطرق السلمية التي لا تصل إلى حد الحرب، ويمكـن دراسـة موضـوع السياسـة الخارجيــة العراقيـة مـن منطلـق البحـث عـن سـبل تحقيـق تلـك الأهــداف، إلا أن السياسـة العراقيــة عمومـاً ومـن ثــم السياســة الخارجيــة عانـت ومــاتزال مـن الكثيـر مـن القيــود فـي الوقـت الــراهن داخليـاً وخارجيـاً، وفـي الوقـت نفسـه أمامهـا الكثيـر مـن الفـرص أن هـي اسـتغلت الامكانيـات المتاحــة لعمل دبلوماسي فاعل.
اهمية البحث :
تبرز اهمية البحث في السياسة الخارجية أحد المصادر التي يعتمد عليها النظام السياسي لاكتساب تأييد ومساندة المواطنين، إلا أنها لا يمكن أن تكون مصدرا أساسيا للشرعية يعكس صفة الثبات والاستمرارية لفترة معينة، وإن كانت قرارات معينة يتخذها النظام لمواجهة مشكلات تنبع من بيئته الخارجية كفيلة بأن تخلق له تأييدا شعبيا غير عادى، فالسياسة الخارجية لا يمكن أن تنفصل عن السياسة الداخلية، بحيث تأتى الأولى كمحصلة أو كمخرج لمجموعة من المدخلات مثل طبية النظام السياسي، وخصائص القيادة السياسية، وقدرات الدولة وإمكانياتها وأهدافها، وطبيعة النظام الدولي، وطبيعة الموقف السياسي .
فرضية البحث :
أن فرضية البحث تظهر من فكرة مفادها أن العراق قد عانى من جملة تحديات كونها نابعة من معطيات البيئة الداخلية والخارجية، والتي وقع اثرها على عملية صنع السياسة الخارجية العراقية ونمط سلوكها وتوجهها.
اشكالية البحث :
إشكالية البحث تذهب الى التعرف على المتغيرات والتحديات والعوامل المؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية العراقية
هيكلية البحث :
المحور الاول : مفهوم نظرية القرار
المحور الثاني : السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003
المحور الثالث : صنع القرار في السياسة الخارجية العراقية
المبحث الأول
مفهوم نظرية القرار
نظرية القرار (بالإنجليزية: Decision theory) هي نظرية أولاً اقتصادية حيث تستخدم من قبل الشركات الاقتصادية لتقييم الخيارات المتاحة واتخاذ القرار الأفضل، ثانياً رياضية حيث تستخدم عدة دالات رياضية كدالة المنفعة، وإحصائية حيث إنها تعدّ أحد تطبيفات نظرية الاحتمال، وأخيراًً لها ارتباط في نظرية سلوك المستهلك حيث تتأثر في سلوك متخذ القرار ودرجة حبه للمخاطرة.[1][2][3]
تهتم نظرية القرار المعياري بتحديد القرارات المثلى، إذ تُحدد المثالية غالبًا من خلال التفكير في صانع القرار المثالي القادر على الاختيار بدقة مثالية وهو أمر منطقي تمامًا إلى حد ما. يُسمى التطبيق العملي لهذا النهج الإرشادي (كيف يجب أن يتخذ الناس القرارات) تحليل القرار ويهدف إلى إيجاد الأدوات والمنهجيات والبرامج (أنظمة دعم القرار) لمساعدة الناس على اتخاذ قرارات أفضل.[4] تهتم نظرية القرار الوصفي بوصف سلوك الملاحظة في أغلب الأحيان بافتراض أنَّ وكلاء صنع القرار يتصرفون بموجب بعض القواعد المتوافقة. قد تحتوي هذه القواعد على إطار إجرائي أو إطار بديهي (مثل بديهيات العبور العشوائية).[4]
اما أنواع القرارات
الاختيار في ظل عدم اليقين :
يمثل فضاء الاختيار في ظل عدم اليقين جوهر نظرية القرار. وهو معروف من القرن السابع عشر (استشهد به بليز باسكال في رهانه الشهير الموجود في كتابه الذي حمل عنوان أفكار عام 1670)، تقول القيمة المتوقعة أنه عند الاختيار من بين عدد من الإجراءات يمكن لكل منها أن يؤدي إلى أكثر من نتيجة محتملة مختلفة فإن السلوك العقلاني هو تحديد جميع النتائج المحتملة وتحديد قيمها (إيجابية أو سلبية) وتحديد الاحتمالات التي ستنتج عن كل مسار عمل، ودمج النتائج لإعطاء قيمة متوقعة أو متوسط توقعات النتيجة، يجب أن يكون الإجراء الذي سيقع عليه الاختيار هو الإجراء الذي يؤدي إلى أعلى قيمة إجمالية متوقعة. نشر دانييل برنولي في عام 1738 ورقة مؤثرة بعنوان نظرية جديدة عن قياس المخاطر حيث استخدم مفارقة سانت بطرسبرغ لإظهار أنَّ نظرية القيمة المتوقعة خاطئة من وجهة نظر معيارية.[4] أُعيدت دراسة الفائدة في القرن العشرين في أبحاث أبراهام والد 1939،[4] الذي أشار إلى أنَّ الإجراءين الأساسيين في النظرية الإحصائية القائمة على أخذ العينات وتوزيعها (وهما اختبار الفرضيات وتقدير العوامل) هما حالة خاصة من عملية اتخاذ القرار العام. جددت ورقة والد ونشرت العديد من مفاهيم النظرية الإحصائية بما في ذلك تابع الخسارة وتابع المخاطرة وقواعد القرار المقبول وإجراءات بايزي وإجراءات الحد الأدنى. استخدمت عبارة نظرية القرار نفسها في عام 1950 بواسطة إريك ليو ليمان.[4] أدّى إحياء نظرية الاحتمالية الموضوعية لفرانك رامزي وبرونو دي فينيتي وليونارد سافاج وآخرين إلى توسيع نطاق نظرية المنفعة المتوقعة لتشمل المواقف التي يمكن فيها استخدام الاحتمالات الذاتية. أثبتت نظرية فون نيومان ومورجنسترن حول المنفعة المتوقعة في ذلك الوقت أنَّ زيادة المنفعة المتوقعة[4] إلى الحد الأعظمي ينبع من الافتراضات الأساسية حول السلوك العقلاني.
أظهرت دراسة موريس آلياس ودانيال إلسبيرغ أنَّ سلوك الإنسان يشمل تغيرات منهجية مهمة أحيانًا لزيادة المنفعة المتوقعة إلى الحدود العظمى.[4] جددت نظرية الاحتمال لدانيال كانمان وعاموس تفيرسكي الدراسة التجريبية للسلوك الاقتصادي مع التركيز بشكل أقلّ على الافتراضات المسبقة عن العقلانية. وصفت النظرية طريقة يتخذ الناس من خلالها القرارات عندما تحمل جميع النتائج خطرًا محتملًا.[4]
الاختيار الزمني
يتعلق الاختيار الزمني بنوع الاختيار الذي يؤدي إلى نتائج تتحقق في مراحل مختلفة بمرور الوقت.[4] يوصف أيضًا بأنه عملية اتخاذ القرار من حيث التكلفة والفائدة لأنها تتضمن الخيارات بين المكافآت التي تختلف وفقًا لحجمها ووقت وصولها.[4] إذا حصل شخص ما على ربح مقداره عدة آلاف من الدولارات يمكنه إنفاقها في عطلة باهظة الثمن مما يمنحه متعة فورية، أو يمكنه استثمارها لمعاشات التقاعد، مما يمنحه دخلًا في وقت ما في المستقبل. ما هو أفضل خيار تتخذه؟ تعتمد الإجابة جزئيًا على عوامل مثل معدلات الفائدة والتضخم المتوقعة، والعمر المتوقع للشخص، ومدى ثقته في المعاشات. ولكن يمكن مع أخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار أن يختلف السلوك البشري مرة أخرى كثيرًا عن تنبؤات نظرية القرار الإلزامي.
حالات اتخاذ القرار :
عملية اتخاذ القرار تعتمد على استعراض القرارات المتاحة وحالات الطبيعة الخاصة بكل قرار التي سيحصل عليها متخذ القرار بعد تطبيق القرار.
القرار تحت مبدأ الأمان
يقصد بالقرار تحت مبدأ الأمان أن متخذ القرار واثق تماماً من تغير حالة الطبيعية المحيطة بشكل معروف له في حال تم اتخاذ قرار معين.
القرار تحت مبدأ عدم الأمان
ويقسم مبتكروا هذه النظرية مبدأ عدم الأمان إلى مفهومين وهما المخاطرة وعدم اليقين. تستخدم مجموعة من القواعد الرياضية التي تدعى قواعد اتخاذ القرار التقليدية.
القرار تحت مبدأ المخاطرة
هذا النوع من القرارات يملك فيها متخذ القرار حالات الطبيعية التي يمكن أن تظهر نتيجة اتخاذ أحد القرارات المتاحة، وإضاقة لذلك يملك احتمالات ظهور كل حالة على حدة. هناك مجموعة من القواعذ الرياضية الإحصائية التي يمكن أن تستخدم للمساعدة في اتخاذ القرارات تحت مبدأ المخاطرة:
نظرية القيمة المتوقعة لاتخاذ القرار.
قواعد اتخاذ القرار الحديثة.
القرار تحت مبدأ عدم اليقين
اتخاذ القرار تحت مبدأ عدم اليقبن يعني أن متخذ القرار لايملك أي معلومات عن احتمالات ظهور تغيرات في حالة الطبيعة المحيطة التي ترافق اتخاذ أحد القرارات (4)
المبحث الثاني
السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003
على الرغم من عدم وجود تحديد مفهوم واضح للسياسة الخارجية وذلك بسبب عدم وجود نظرية محددة يتفق عليها الأكاديميون للسياسة الخارجية، فمنذ ظهور الدول القومية والعالم في تغير كبير في ميزان القوى بسبب هذهِ الدول، وفي كل فترة يتغير مفهوم السياسة الخارجية بحسب خارطة القوى في العالم([5])، فالسياسة الخارجية لا تعرف كموضوع مجرد بل تتحدد من خلال مجموعة مكونات وعناصر تتدخل في تركيبها وتؤثر فيها بشكل مباشر، لذا يميل بعض الدراسين الى المرادفة بين السياسة الخارجية وبعض أجزاء تلك السياسة كالاهداف والسلوكيات([6])، إلا أن هذهِ الأسباب لم تمنع من وجود تعاريف عدة لمفهوم السياسة الخارجية، فقد عرف الدكتور فاضل زكي محمد السياسة الخارجية على أنها الخطة التي ترسم العلاقات الخارجية لدولة مع غيرها من الدول([7]). ان السياسة الخارجية هي السلوك السياسي الخارجي الهادف والمؤثر لصانع القرار؛ وبهذا فأن مفهوم السياسة الخارجية يشمل ابعاد عدة نذكر منها([7]):-
هي تلك السياسة التي يصوغها الممثلون الرسميون للوحدة الدولية أي الأشخاص المخولون رسمياً باتخاذ القرارات الملزمة.
تتميز بعنصر الاختيار، بمعنى يتم اختيارها من قبل صانعي القرار.
تسعى لتحقيق اهداف إزاء وحدات خارجية.
السياسة الخارجية ليست مجرد رد فعل آلي للبيئة الخارجية، ولكنها عملية واعية تنطوي على محاولة التأثير على تلك البيئة، أو التأقلم معها.
أن استراتيجية التحرك الخارجي للعراق قبل عام 2003 كانت موجهة بنزعة الزعامة للقومية العربية وتبني النموذج الاشتراكي في إدارة الاقتصاد ومحاولة الميل باتجاه عدم الانحياز، فقد كان الحال في العراق يقتصر على حصر صلاحيات اتخاذ القرار برئيس الجمهورية وقيادة حزب البعث الحاكم ولا يسمح بتعدد مراكز القوى سواءً الحزبية، أو النخبوية، إذ جاء احتلال الكويت في 2/8/1990 من قبل القوات العسكرية العراقية من دون معرفة مسبقة من القادة العسكريين، أو المسؤولين السياسيين في العراق ولم يكن احتلال الكويت ضمن الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية العراقية فهو في الحقيقة تناقض مع مواد دستور الدولة العراقية لعام 1970 ولمواد الإعلان القومي لعام 1980، إذ اعتمدت الدولة العراقية في رسم سياستها الخارجية ما جاء على دستور عام 1970 الذي يحدد استراتيجيتها الخارجية في الباب الثاني المادة (12) التي نصت “تتولى الدولة تخطيط وتوجيه وقيادة الاقتصاد الوطني لهدف” ([8]):
إقامة النظام الاشتراكي على أسس علمية وثورية.
تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية.
وانطلاقاً من كل تلك المعطيات يمكن القول أن السياسة الخارجية العراقية قبل عام 2003 تتفرد بواقع أكثر تعقيداً وتأزماً فمنذ الحرب العراقية- الإيرانية في عام 1980 والعراق على حافة التدويل في مجمل شؤونه إلى أن جاءت الضربة القاصمة بعد احتلال الكويت ، إذ كان القرار السياسي الخارجي يخضع كلياً لرؤية الحاكم الفرد رئيس الجمهورية، والاداء الدبلوماسي العراقي لم يكن يرتكز على خطط وصياغات استراتيجية للأهداف والوسائل، كما لم تحسب القدرات الحقيقية للعراق في صراعه مع القوى الإقليمية والدولية مما جعل حروب العراق تمثل انتكاسة للسياسة الخارجية العراقية اما بعد عام 2003 قد تشكلت السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003 ، في ظل مرحلة مصيرية صعبة عاشها العراق بعد مخاض الحرب التي عصفت به، وإعادة تشكيل ورسم ملامح الدولة العراقية من جديد، فقد تكونت السياسة الخارجية العراقية من مزيج مركب من تضارب المصالح للقوى السياسية الداخلية العراقية والمدفوعة بمحركات خارجية ترغب بأن تستحصل لها على موطئ قدم داخل العراق ، وبالتالي هذهِ الحالة المركبة ولدت أداء سياسياً عراقياً خارجياً غير متوازن ولا يستند على أسس المصالح المشتركة بقدر ما يستند على حجم محركات مصالح القوى السياسية الداخلية وتعميق علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية المغذية لها([9])، لذلك فأن تغيير النظام السياسي العراقي في عام 2003 إدى إلى تحلل السياسة الخارجية العراقية من دائرة المركزية والتفرد بالسلطة وتم إعادة هيكلة الدولة العراقية بمؤسساتها السياسية، لهذا وجدت الدولة العراقية نفسها بمواجهة العديد من التحديات في نطاق البيئة الداخلية، والإقليمية ،أو الخارجية
و ايضا من التحديات التي تواجه عمل السياسة الخارجية العراقية على صعيد العلاقات مع دول الجوار والمنطقة العربية، نجد تاريخ طويل من الخلافات والاشكاليات الأمنية التي تحد من التعاون مع بعض الدول، ومن بين القيود في التعامل مع دول الجوار يمكن رصد قضايا كثيرة فمثلاً مع تركيا مشكلة الاكراد والتركمان والحدود والمياه، فضلاً عن وجود القوات التركية على الأراضي العراقية، لاسيّما بعد دخول داعش وتصاعد التصريحات السلبية بين طرفي الحكومتين كذلك العلاقات العراقية- السعودية الغير مستقرة فضلاً عن السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت لم تتغير بعد العام 2003 تغيراً كبيراً عما قبل الاحتلال ، فبعد القطيعة الطويلة بين البلدين والمشاكل العالقة فيما بينهم فيما يخص ملف التعويضات التي يقدمها العراق للكويت منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990 وحتى الآن، ومشاكل ترسيم الحدود التي ما زالت ملفات معلقة بين البلدين تثير الشكوك حول إمكانية تحسين السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت، سرعان ما تغيرت الرؤية الكويتية للعراق بعد سقوط النظام السابق كونها اعتبرت وجود نظام صدام حسين تهديد مباشر لها، إلا انه على العموم يمكن اعتبارها مرحلة جديدة في أطار تحسين السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت، لاسيّما بعد أن تم اخراج العراق من احكام البند السابع بعد أن اوفى بجميع التزاماته الدولية بشكل تقريبي وما زال يعمل على ما تبقى منها فيما يخص التعويضات والممتلكات الكويتية وما زالت المحاولات مستمرة للاتفاق حول ترسيم الحدود بين البلدين([7]). ومن هذا المنطلق فأن الأداء الدبلوماسي العراقي وفق معطى البيئة الإقليمية يكون له تأثير على صانع القرار السياسي سواء كان هذا التحرك باتجاه الإدارة ام الوساطة لأن كليهما يستفاد منهم صانع القرار في التعامل مع البيئة الداخلية او الخارجية (10)
المبحث الثالث
صنع القرار في السياسة الخارجية العراقية
تعد عملية صنع القرار السياسي محل اهتمام علمي في البحوث السياسية بمجالاتها وفروعها المختلفة، كما أن بحث هذه العملية تُعد مدخلاً مهماً لفهم طبيعة السياسة الخارجية في دول العالم جميعاً (11). لذلك نبحث في هذا البحث عن عملية صنع القرار السياسي في الديمقراطيات التوافقية، بشكل عام، آخذين الأنموذج العراقي دراسةً حالة؛ نظراً لأهمية صنع القرار وتأثيره على مصالح وحياة المكونات في المجتمع التعددي، لذلك أوجبت الديمقراطية التوافقية، أن يكون لكل مكون من مكونات المجتمع التعددي، نصيبه في حكم الدولة، بالتوافق السياسي فيما بينها، بغض النظر عما إذا كان أفراد تلك الطائفة أو المكون، أغلبية أم أقلية، إذ أن الديمقراطية التقليدية تتخذ القرارات السياسية باتباع قاعدة الأغلبية المطلقة، أي اتخاذ القرار بصيغة (النصف+1) من الأصوات ، من دون أن يكون هناك تأثير معطل للآخرين المتأثرين بالقرار، وهذه الصيغة لا تتلاءم كثيرا والمجتمعات المتنوعة قومياً أو اثنياً أو مذهبياً ، الحديثة العهد بالديمقراطية(12). لذلك فالديمقراطية التوافقية تقوم على أساس الحفاظ على حقوق الأقليات بغض النظر عن نسبتها العددية، واتخاذ القرار السياسي المهم بالتوافق بين كل المكونات، وإعطاء الأقليات حق إيقاف أو تعطيل تشريع القانون عن طريق الفيتو المتبادل للحفاظ على مصالحها وشؤونها الخاصة(13). إن إشراك جميع المكونات المجتمعية، الأغلبية منها والأقلية، في عملية صنع القرار السياسي المهم، يُـعَـدُّ ضمانة وقيداً يحول دون التفرد بالسلطة ، عن طريق منح القوى السياسية التي تعبر عن مصالح الطوائف المكونة للمجتمع ، حق الفيتو المتبادل في تعطيل قرارات القوى السياسية للمكونات الأخرى، عند محاولة إقرار جهات سياسية قرارات قد تضر بمصالح جهات أخرى، بغض النظر عن حجم الكتلة الداعمة للقرار في مواجهة الأخرى المعطلة له، وذلك مع افتراض وجود انقسام وصراع مجتمعي خطير لا يمكن احتوائه إلا عبر هذه الصيغة ، إذ أن الخطر الأكبر فيها، يكمن في نزعة المكونات المجتمعية إلى الاستقلال الذاتي الذي تشكل الفيدرالية أو تقسيم الدولة الواحدة إلى دويلات مستقلة أبرز أشكاله(14). وجاء هذا البحث محاوَلة لفهم طبيعة صنع القرار السياسي في الديمقراطيات التوافقية بصفة عامة، وفي العراق أنموذجاً، من خلال بحث خطوات صنع القرار السياسي وآلياته في الديمقراطيات التوافقية بصفة عامة، ومن ثًم بحث هياكل وآليات صنع القرار السياسي في العراق مع عرض لأهم المعوقات التي تؤثر في صنع القرار السياسي. تواجه السياسة الخارجية العراقية لمرحلة ما بعد ۲۰۰۳ تغييرين جذرين في مجال العلاقات الدوليـة والأوضاع الداخلية وحيث أن الإستراتيجية التي تتبعها الدولة غير ثابتة أو مستقرة وهي متغيرة في عالم متغير فأن التفكير بوضع إستراتيجية للعمل السياسي الخارجي مختلفة عما جرى العمل بموجبه قبل عام ٢٠٠٣ وباتجاه تحديد الأهداف والمصالح العليا للوطن وانتقاء وعقلانية الوسائل والأدوات اللازمة مع استثمار مكثف للقدرة المالية العراقية (واردات النفط) مـن أجـل دعـم وتفعيل السياسة الخارجية العراقية، ليس للقيـام بـدور قيـادي أو مبشر بعالم جديد ولكن لتكون موجهة أولاً لتنمية القدرة البشرية والاقتصادية والبيئية للعراق حيث أن انعكاس السياسة والأوضاع الداخلية مؤثر فاعل على عمل قنـوات السياسة الخارجية(15). ويعتمـد فـهـم التغيير التـوجهي لأهداف السياسة الخارجية والبحث عن أدوات ما يسمى “القوة الناعمة” مما يبعد العراق من الدخول في علاقات صراعية مسلحة قد تدمر قدرات وثروات العراق كما شهدها مرحلة الحروب السابقة الإقليمية أو العالمية لدولة العراق.
والسياسة الخارجية معنية برسم إستراتيجية للتحرك الخارجي في زمن السلم والحرب وحيث أن السياسة الخارجية أعقد من باقي الحقول لأنها تتعامل مع أطراف خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية وبعيدة بشكل معقـد عـن معرفة دقيقة بقدرات وتوجهات الآخرين فأن اعتماد إستراتيجية علمية واقعية هو السبيل لإنجاح مساعي السياسة الخارجية للبلد، والعراق بعد التغيير الجذري الذي طرأ على موقعه الجيوبوليتيكي في النظام الدولي ورؤية القوى العظمى وتحركها العسكري وتغير النظام السياسي الداخلي نحو حكم ديمقراطي ذي قاعدة واسعة من المؤثرين على صنع القرار السياسي فأن إستراتيجية باتجاه تغيير توجهي تتبنى أهداف متطورة ووسائل سلمية لإدارة العلاقات وأمثل لطاقات وإمكانيات العراق البشرية والمالية ستسهم حتماً في نقله نوعيـة لقـوة ورفاهية المجتمع والدولة العراقية.
وإستراتيجية التغيير التوجهي تعمد اليها الدول عند المنعطفات التاريخية لمسيرتها- وحتى أمريكا تبحث في التغيير التـوجهي لإستراتيجية عملها الخارجي كما صرح بذلك الرئيس الأمريكي أوباما بقوله “ستستهل البحث في مصالحنا ثم نقـرر مـا هـي الغايات التي نريد تحقيقهـا وكيفية القيام بذلك ثم نناقش أخيرا المـوارد اللازمة..)([30])
وعليه يتقرر بأن مفهوم الإستراتيجية يعير عن عقلنة وعلمية اتخاذ القرار بحيث يستلزم تحديد الأهداف والغايات أولا وانتخاب أو اختيار الوسائل والأدوات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف مع استيعاب كامل لقدرات الدولة المادية والمعنوية والقدرة على تطويع تلك القدرات والإمكانيات لخدمة تحقيق تلك الأهداف والغايات.
الاستنتاجات :
السياسة الخارجية العراقية لا زالت تعاني من خلل في البيئة الداخلية التي تعد عنصراً رئيساً لأي سياسة خارجية فعالة.
افرز التغير الجديد بعد عام 2003 عدم تبلور سياسة ثابتة ومحددة.
ان الأداء الدبلوماسي العراقي تؤثر فيه العديد من متغيرات البيئة الداخلية والإقليمية والدولية والأزمات التي واجهها العراق.
السلوك السياسي الخارجي العراقي تغلب عليه القرار الفردي، والسيطرة على المؤسسات صنع وتنفيذ السياسة الخارجية العراقية
الخاتمة :
من خلال ما سبق يمكن القول أن السياسة الخارجية العراقية تبقى مضطربة فقد عانت من عدم وضوح الرؤية والتوجه، ولعل الفاعلون في السياسة الداخلية ليسوا هم وحدهم السبب بذلك، بقدر ما ساهم المحيط الإقليمي واضطراباته، وسياسة المحاور الدولية في جعل السياسة العراقية تفتقر لرؤية واضحة ومتماسكة .
الفهرس
الاية (2) ص
المقدمة (3) ص
اهمية البحث (4) ص
فرضية البحث (5) ص
اشكالية البحث (6) ص
هيكلية البحث (7) ص
المبحث الاول (8) ص
المبحث الثاني (13) ص
المبحث الثالث (18) ص
الاستنتاجات (22) ص
الخاتمة (23) ص
الفهرس (24) ص
المصادر (25) ص
المصادر
القران الكريم
1_”معلومات عن نظرية القرار على موقع vocabularies.unesco.org”. vocabularies.unesco.org. مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2019.
2_”معلومات عن نظرية القرار على موقع jstor.org”. jstor.org. مؤرشف من الأصل في 10 يناير 2020.
3_ “معلومات عن نظرية القرار على موقع d-nb.info”. d-nb.info. مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2019.
4_
https://ar.m.wikipedia.org › wiki › ن…
نظرية القرار – ويكيبيديا
5_ د. احمد نور النعيمي , السياسة الخارجية , الدار الجامعية للطباعة والنشر , بغداد / العراق , 2009
6_ محمد السيد سليم , تحليل السياسة الخارجية , مركز البحوث والدراسات السياسية , جامعة القاهرة , مصر , 1989
7_ د. فاضل زكي محمد , السياسة الخارجية وابعادها في السياسة الدولية , مطبعة شفيق , بغداد / العراق , 1975
8_ د. صباح نعاس شنافة , استراتيجية السياسة الخارجية العراقية لما بعد عام 2003 دراسات دولية , مركز الدراسات الدولية , جامعة بغداد , العدد 51, كانون الثاني 2012.
9_ علي بشار اغوان , السياسة الخارجية العراقية بين النظرية والتطبيق دراسة حالة العلاقات العراقية / السعودية حتى عام 2014 وافاقها المستقبلية .
10_ https://dergipark.org.tr/en/download/article-file/355600
11_
12- سليمان الدباغ واخرون , الاستراتيجية الامريكية في العراق والمنطقة , مطبعة البينة , ندوة بيروت / لبنان , 2008.
13_ مجموعة باحثين , السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014 , المركز الديمقراطي العربي , برلين / المانيا , 2018 .
14_ د. كوثر عباس الربيعي , سياسة العراق الخارجية بين القيود والفرص , مجلة دراسات دولية , مركز الدراسات الدولية , جامعة بغداد , العدد 44 , نيسان 2010
15_ علي زياد العلي , مسالك السياسة الخارجية في دائرة التفاعلات الاقليمية , بحث منشور , مركز البيان للدراسات والتخطيط , بغداد / العراق , 2018
.
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز