اعداد الباحث : نبيل خالد مخلف – المركز الديمقراطي العربي
منذ أن تولى ” محمد شياع السوداني ” رئاسة السلطة داخل العراق وبعد أن أصبح الجميع على دراية تامة ببرنامجه الحكومي الساعي الى ضرورة اتباع سياسة خارجية متزنة ومتكيفة مع ظروف البيئة الاقليمي ادراكا من ضرورة هذا الفعل الذي يعود عليه بالتأييد الدولي والاقليمي لحكومته الجديدة , وانطلاقا من ان العراق قد وقع اسير الكثير من الازمات السياسية التي ضيقت من دائرة تحركاته الخارجية والتي لابد من تلافي هذه الازمات من اجل انجاح المشروع السياسي القائم حاليا وعلى هذا الاساس , عملت حكومة السوداني الى اثبات البرنامج السياسي الساعي الى الانفتاح على الخارج اذ شارك العراق في القمة العربية ( 32 ) التي عقدت في الرياض , وتأتي هذه القمة في ظل المتغيرات الحاصلة في المنطقة ومبادرة قادة الدول الى تصفير المشاكل وتصحيح المسارات وتقوية الروابط والعلاقات وحل الازمات الداخلية مثل ( القضية الفلسطينية , الازمة السورية , الازمة السودانية , وباقي الملفات الاخرى كاليمن وليبيا ولبنان ) وطلب السوداني ايضا أن تكون القمة العربية القادمة في بغداد وهي اشارة الى مساعي السياسة العراقية في تصيح المسارات الخاطئة وتقوية العلاقات مع الدول المجاورة من اجل استمرار العلاقات بين الدائرة الاقليمية , أذ لم تقف المساعي العراقية عند هذا الحد فهي تسعى إلى إرساء مبدأ التوازن الإقليمي بحسب البيان الصادر عن السوداني أذ قال ، ” يعتمد العراق على مبدأ التوازن في علاقاته الدبلوماسية لتعزيز استقرار الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بشكل مشترك ضمانا لتحقيق المصالح وأمن المنطقة العربية ” وهذا يدل على أن الحكومة العراقية تريد توسيع نطاق التعاون الجماعي مع دول المنطقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والامنية , كما أكد رئيس الجمهورية ” عبد اللطيف جمال رشيد ” أن سياسة العراق الخارجية قائمة على أساس متبادل احترام وتبني الحوار البناء لتقوية العلاقات وتوسيع الآفاق القائمة على المصالح المشتركة ومصالح الشعوب العربية . وانطلاقا من هذا فأن العمل المشترك يحقق نتائج متوازنة تصب في المصلحة العامة للشعوب والحقيقة أن هذا التكيف مع الدول المحيطة بالعراق يعمل على أتباع السياسات المرنة من أجل التغلب على الإخفاقات السابقة واستثمار النجاحات لتعزيز مكانة البلاد الدولية في المنطقة ، سواء داخل البيئة أو داخل المجتمع الدولي ولفترة طويلة جدا ، أقيمت علاقات العراق الخارجية بطريقة غير منطقية ، وعاملت الدول العراق كدولة هامشية ، ألا أن السوداني ومن خلال تحركاته الخارجية يسعى إلى استبدال هذا الأسلوب على أساس مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة , وهذا ما يمكن اثباته من خلال القول بأن زيارة قادة الدول الى بغداد تعني بداية الطريق الصحيح الى اقامة العلاقات المشتركة التي تشكل عامود التعاون السياسي بين الدول الاقليمية ثم مرورا بالمجالات الاخرى , وأن زيارة أمير قطر الشيخ ” تميم بن حمد آل ثاني ” إلى العراق هي الأولى لزعيم عربي منذ تشكيل الحكومة الجديدة ، والتي بحث خلالها مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لمناقشة العلاقة بين البلدين ، واستعرض السوداني ضرورية مجالات التعاون والقضايا المشتركة ، كما وشهدت الزيارة توقيع اتفاقيات متعددة بين البلدين في مجالات البنية التحتية وغيرها بهدف توسيع التعاون الاستثماري والتجاري بين البلدين وأكد الشيخ تميم عن عزم دولة قطر لاستثمار خمسة مليارات دولار في مختلف المجالات في العراق في السنوات القليلة المقبلة . من ناحية أخرى ، فإن جهود الحكومة الجديدة لتطوير قدراتها وقدرة سلطة الدولة على تبرير مكانة البلاد وأنشطة الحكومة الحالية الساعية لتبرير نفسها تتعارض مع سياسات الحكومة السابقة بداية من السعي وراء سياسات شرعية ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الدافع ليس الدافع الوحيد الذي يوجه عمل الحكومة ، ولكن خبرة وقدرة صانع القرار السياسي من أهم الدوافع الإيجابية لاتخاذ القرارات التي يتم اتخاذها بشكل صحيح دون أي ضغوط خارجية وهو ذات الامر الذي من شأنه تحقيق النجاحات على المستوى السياسي ومن أجل الحصول على السلطة المطلقة في جميع الأمور المتعلقة للنهوض بواقع السياسة الخارجية وإثبات أن موقف الحكومة الحالية خالية من الضغط والسيطرة الخارجية ، فمن الضروري الحفاظ على الحد الأدنى من القوة والخبرة والكفاءة لصانعي القرار لتمكين الدولة من الحفاظ على كياناتها السياسية والوطنية ، وبناء العلاقات والعمل مع دول الجوار بشكل مشترك , وبالتالي ، فإن إدراك الدولة أو إدراكها لحقائق قوتها النسبية يحدد أهداف سياستها الخارجية ويضعها في إطار أولويات بقدر ما تسمح به إمكانياتها وقدراتها . وانطلاقا من ذلك يحاول السوداني تبني برنامج العلاقات السياسية المفتوحة على المستوى السياسي والاقتصادي والاستثماري من خلال اللقاءات العامة والزيارات المتبادلة من أجل جذب أكبر عدد من المستثمرين للبلاد ودفع الاقتصاد العراقي وتنشيط دور المؤسسات بشكل يبين مدى الاختلاف الذي من شانه تحقيق الانجازات الحكومية وهذا لا يمكن أن يحدث بشكل أساسي ما لم تكن هناك كفاءة وخبرة عالية لدى صانعي القرار السياسي القادرون على تغيير ميزان العمل السياسي ، من خلال سياسة خارجية مرنة وقابلة للتكيف مع ظروف البيئة الاقليمية المحيطة بالعراق فكلما كانت خبرة وكفاءة صانعي القرار السياسي عالية كلما حققت السياسة الخارجية العراقية نجاحات كبيرة على المستوى الاقليمي والدولي لذلك يجب التركيز على كيفية اتخاذ القرارات والتنبؤ بالمصير المستقبلي الساعي الى تحقيق مصالح الدولة في كافة المجالات ومن هنا تبرز أهمية صانع القرار لأنه المحرك الأول للسياسة العراقية الهادفة الى تقوية العلاقات وتحقيق اهداف المصلحة الوطنية من خلال قرارات صانعي السياسة . وفي نهاية الحديث عن السياسة الخارجية العراقية يمكن الانتهاء بكتابة بعض التوصيات :
اولا : ضرورة الاتفاق بين الأطراف السياسية داخل الدولة بشكل كامل فيما يتعلق بأهمية العمل نحو تحقيق الأهداف الأساسية والسعي في نفس الوقت للتوصل إلى اتفاق شامل على مستوى صانعي القرار حول القرارات والإجراءات المستخدمة في السياسة الخارجية بالإضافة إلى ذلك ، انه من الضروري تجنب أي رموز أو شعارات مريبة قد تعيق المبادرات الخارجية .
ثانيا : من الضروري أن تبقى وزارة الخارجية مستقلة تمامًا وخالية من أي نفوذ أو حصص لأي طرف سياسي وهذا أمر ضروري للعراق ليكون بالمكانة الجيدة في المحافل الدولية مع ضرورة التفكير بعناية في اختيار الأفراد الذين سيقودون الجهود الدبلوماسية للعراق ، مع إعطاء الأولوية لمؤهلاتهم وولائهم لبلدهم .
ثالثا : أنه من الضروري جداً الاستعانة بمراكز البحث العلمي من أجل وضع دراسات توضح آليات العمل السياسي للحصول على أكبر قدر من المعلومات حول عمل السياسات الخارجية وردود الفعل للوصول الى الاهداف القومية بشكل سليم ، مع تأكيد الخصوصية العراقية في العمل السياسي الخارجي .
رابعا : ضرورة ادراك العراق الى أهمية إقامة تحالفات مع جيرانه وحلفائه في الدائرة الاقليمية والدولية ، حيث ما زالت تواجه السياسة العراقية العديد من التحديات التي لا يمكن التغلب عليها دون مساعدة علاوة على ذلك ، تمتد قائمة المساعي الضرورية إلى ما هو أبعد من المنعطف الحالي .
خامسا : من الضروري جداً وجود صانع قرار سياسي على درجة عالية من الكفاءة والخبرة لخدمة عمل السياسة الخارجية الهادفة إلى تعزيز مكانة الدولة وبناء العلاقات الدولية ، وكسب المزيد من الأصدقاء من خلال فن الأداء المناسب ، فأنه ولا يزال نجاح العمل السياسي يعتمد على قدرة صانعي القرار على استخدام القدرات والإمكانيات الموجودة وتوظيفها بالشكل الصحيح في ظل وجود إرادة وطنية لاستخدام وتعزيز عناصر القوة لخلق فرص للتعاون مع الجميع حيث يمكن أن تكون إمكانات العراق الاقتصادية وثروته الهائلة أدوات جذابة للدبلوماسية من خلال اتفاقيات الاستثمار والتجارة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية الواعدة في العراق ، قبل كل شيء ، يتطلب توازن السياسة الخارجية تعزيزًا داخلياً وسد الفجوات والعوامل السلبية التي تحول دون نجاح السياسة الخارجية .
.
رابط المصدر: