اعداد : م.م تمارا كاظم الاسدي – باحثة متخصصة في الشؤون الدولية – العراق
المحتويات
الموضوع | الصفحة |
المقدمة | 1-3 |
المبحث الأول: السياسة المائية التركية | 4- 12 |
المطلب الأول: الموارد المائية التركية | 5 |
المطلب الثاني: حقيقة احتياج تركيا للمياه | 6-9 |
المطلب الثالث: اهداف السياسة المائية التركية | 9-12 |
المبحث الثاني: تأثير السياسة المائية التركية على موارد المياه في العراق ما بين (2000-2020) | 13-23 |
المطلب الأول: المشكلات التي تواجه الموارد المائية في العراق | 14-18 |
المطلب الثاني: التأثير على التنمية الزراعية في العراق | 19-23 |
الخاتمة | 24 |
المصادر | 25-27 |
المقدمة:
تشكل المياه أهمية كبيرة في حياة الأمم وتؤكد العديد من المعطيات بأن الحروب القادمة ستكون حروباً من أجل المياه، واذا كان القرن العشرين هو قرن النفط فأن القرن الحادي والعشرين هو قرن المياه، اذ يواجه العراق تحديات كبيرة بسبب أزمة المياه، إذ عانى العراق خلال العقود الأخيرة من القرن المنصرم صعوبات كبيرة تتعلق بالمياه، لاسيّما أن العراق هو بلد زراعي واطلق عليه تاريخياً (بأرض السواد) وتقف وراء هذهِ الازمة دولة المنبع (تركيا) التي سعت خلال المدة الاخيرة الى بناء السدود والخزانات بغية الضغط على العراق، وتعد كل من دجلة والفرات أنهاراً دولية وفقاً لاحكام القانون الدولي ، إذ ان حوضيهما يمر في اقاليم دول مختلفة وفي هذهِ الحالة فأن كل دولة تباشر سيادتها على ما يمر في اقليمها من النهر ،ومن ثم فان لأي دولة لا يجوز أن تقوم بتنفيذ أي مشروع على النهر يكون من شأنه المساس بحقوق الدول الاخرى في المياه وهذا مخالف للواقع المائي في المنطقة.
مما تقدم يمكن القول أن ملامح الصراع بين تركيا والعراق بدأت عندما بادرت تركيا الى أقامة مشاريع مائية على مياه نهري دجلة والفرات غير آخذة بالحسبان التداعيات السلبية والحقوق التاريخية لكل من العراق وسوريا في مياه النهرين، كونها مياهاً عابرة للحدود وليست مياهاً دولية وفق الرؤية التركية، مما يمثل تهديد للمنطقة ،وهذا ما سيجعلها في المستقبل القريب ضمن ميزان القوى الاقتصادية الكبرى بحكم تحكمها بمصادر المياه الغربية.
فرضية البحث:
يحاول البحث التحقق من صحة الفرضية التي مفادها أن الازمات المقبلة في العراق ستكون بسبب المياه نتيجة للتوسع الكبير في استغلال مياه نهري دجلة والفرات من قبل الجانب التركي مما يكون له تأثير واضح على خطط التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن الغذائي.
أهمية البحث:
تأتي أهمية البحث من أهمية المياه كمورد اقتصادي لا يمكن الاستغناء عنه ،باعتباره احد مرتكزات التنمية الزراعية والمصدر الرئيس لتطور الزراعة وتضيق الفجوة الغذائية ،ونظراً لما تشكله السياسة المائية التركية من عوامل تحد الموارد المائية وتؤثر على نوعيتها، لأن تأثير السياسة المائية التركية ليس فقط على كمية المورد السنوي لنهري دجلة والفرات ، وأنما على نوعية هذا الوارد الذي أخذ يسوء نتيجة لأرتفاع نسبة الاملاح فيه بسبب عمليات الخزن التي تقوم بها تركيا من خلال مشاريعها المستمرة ضمن ما يسمى بمشروع الكَاب (GAP) وسد (اليسو) ، ومحاولة استخدام المياه كورقة ضغط سياسية تستخدمها ضد العراق لتحقيق اهداف سياسية تخدم الاستراتيجيات الغربية، لذلك يحاول البحث الوقوف على حقيقة المخاطر والمشكلات الناجمة عن السياسة المائية التركية ولاسيّما تجاه العراق.
منهجية البحث:
تم توظيف عدة مناهج بحسب الحاجة اليها للتعامل مع طبيعة هذهِ الأزمة، فتم اعتماد المنهج الوصفي الذي يساعد على وصف السياسة المائية التركية والتعرف على اهدافها ، كذلك تم الاعتماد على المنهج التحليلي الذي يساعد على معرفة أهم المشكلات التي تواجهها موارد المياه في العراق.
هيكلية البحث:-
قد تم تقسيم الدراسة الى مبحثين فضلاً عن مقدمة وخاتمة ، فالمبحث الاول تناول السياسة المائية التركية وبدوره ينقسم الى ثلاث مطالب رئيسة، المطلب الأول يوضح الموارد المائية التركية ، والمطلب الثاني يبين حقيقة احتياج تركيا للمياه ، في حين يتضمن المطلب الثالث اهداف السياسة المائية التركية، أما المبحث الثاني فتناول تأثير السياسة المائية التركية على موارد المياه في العراق من خلال مطلبين ، المطلب الأول يبحث المشكلات التي تواجه الموارد المائية في العراق ، إما المطلب الثاني فقد خصص لتناول التأثير على التنمية الزراعية في العراق.
المبحث الاول – السياسة المائية التركية
إن تركيا التي تقع في مصب الأنهار وفي منبع مصادر المياه تعد لنفسها سلطة مطلقة على المياه النابعة من أراضيها، وترفض مطالبات جيرانها في رعاية حقّ الماء ، وتعلن بأن مصادر المياه هي كمصادر البترول، وتكون مصادر البترول من حق تلك الدولة التي تقع فيها هذه المصادر ، وعليه فأن مصادر المياه التي تنبع من تركيا هي ملك لتركيا، مما جعل السياسة المائية التركية رامية للسيطرة على منابع دجلة والفرات وإدارتها واستثمارهم عبر مشاريع عملاقة لإنشاء السدود التي تنفذها تركيا، في حين أن كلا من العراق وسوريا تعتقدان بأن نظام توزيع المياه في النهرين الدوليين دجلة والفرات هو نظام عضوي حيوَي.
وبناءً على هذا يتضح عدم اعتماد السياسة المائية التركية على مبدأ التعاون المشترك لاستفادة منصفة من مصادر المياه، بل تتبع نزعة برغماتية ونهج الواقعية السياسية ، وهذا ما سيتم توضيحه في هذا المبحث عبر ثلاث مطالب رئيسة ، المطلب الأول يكشف عن الموارد المائية التركية، في حين يتناول المطلب الثاني حقيقة احتياج تركيا للمياه، وأخيراً يبين المطلب الثالث أهداف السياسة المائية التركية.
المطلب الأول – الموارد المائية التركية
تعد تركيا من الدول الغنية بالموارد المائية حتى انها توصف بكونها دولة ذات تخمة مائية، إذ تقدر مواردها المائية ما يقارب الـ( 203) مليار م3 تستخدم منها (15,6) مليار م3 فقط، كما تمثل تركيا الخزان الطبيعي للمياه في منطقة الشرق الاوسط نظراً لارتفاع كمية الهطول المطري والثلجي فيها ، وتبلغ حصة الفرد التركي من المياه اكثر من( 3000م) فرد سنوياً ، في حين نجد أن تركيا تدعي بأنها لا تملك فائضاً مائياً بالرغم من أن واردها السنوي يفوق احتياجاتها الحالية وفي المستقبل، هذا فضلاً عن وجود مياه جوفية تقدر بما يقارب الـ(9,5) مليار م3 ، ومياه ينابيع تماثل هذهِ الكمية، الامر الذي يكون هناك نحو(18) مليار م3 من المياه الجوفية والينابيع تكفي لأرواء ما يقارب الـ(12) مليون دونم ([1]) .
إما الموارد المائية التركية من نهري دجلة والفرات فيقدر واردها السنوي بما يقارب الـ(440,2) مليار م2، وتستطيع تركيا من خلالها التحكم بمعظم مياه الفرات وبنحو(50%) من مياه دجلة في الوقت الذي لا تساهم بمستوى( 28%) من حوض الفرات وتساهم بحوض دجلة برافدين فقط من روافده وهي نهر الخابور وبنسبة (59%) من مساحة حوضه و(34,8%) من حوض الزاب الكبير([2]) .
المطلب الثاني- حقيقة احتياج تركيا للمياه
تتمثل احتياجات تركيا من مياه نهري دجلة والفرات في الدرجة الرئيس لتوليد الطاقة الكهربائية، إذ يصل ما يولد من طاقة على نهر الفرات ما يقارب الـ(30,88%) من مجموع الطاقة المولدة في تركيا، أما على نهر دجلة فيبلغ الطاقة المولدة بنسبة(11%) ، أي أن مجموع ما يولد على نهري دجلة والفرات يقارب نسبة ( 42%) من مجموع الطاقة الكهربائية المولدة في تركيا ([3]).
أما احتياجاتها للمياه لأغراض الزراعة فهي اقل من احتياج العراق نظراً لقلة المساحة المزروعة حالياً على حوضي دجلة والفرات ، إذ لا تتجاوز( 505) هكتار على نهر الفرات ونحو( 0,7) الف هكتار على نهر دجلة، وأن ما تحتاجه من مياه لأرواء هذهِ الاراضي الزراعية لا يتجاوز( 5,75) مليار/ م3 نظراً لاعتماد أغلب المناطق الزراعية على مياه الأمطار ، إذ أن معدلات هطول الامطار في حوض دجلة والفرات في تركيا تجاوز( 400) ملم سنوياً وهذهِ النسبة كافية لأقامة زراعة ديمية ،وتستهلك تركيا من مجموع مواردها المائية البالغة اكثر من(200) مليار م3 فقط (15,6) مليار م3 سنوياً يشغل( 58%) منها بالزراعة ([4]) .
وأن قيام تركيا باستغلال هذهِ الكمية من المياه مستقبلاً لتوسيع الأراضي الزراعية سيؤدي الى اضرار كبيرة بالزراعة العراقية ، ولاسيّما في حوض الفرات الذي يكون مورده في العراق معتمداً بشكل كلي على ما يرده من خارج البلد فكل مليار م3 ينقص من الوارد السنوي نهر الفرات سيؤدي الى خروج نحو( 260) الف دونم من الأراضي المزروعة ،وبذلك يتوقع أن تؤدي سياسة تركيا المائية الى خروج(40%) من الأراضي الزراعية من حوض نهر الفرات في العراق من الأستثمار الزراعي ([5]) .
وأن سياسة تركيا المائية تقوم على استثمار مياه نهري دجلة والفرات من خلال انشاء مجموعة كبيرة من السدود والخزانات تقدر بحوالي(24) مشروعاً اروائياً وخزنياً بهدف تطوير منطقة شرقي الأناضول، ولعل المحاولات التركية الأولى لتطوير حوض نهر الفرات تعود الى عام 1930 بعد تأسيس مؤسسة الكهرباء التركية (ETE)، إذ بدأت الدراسات عام 1937 بأنشاء سد كيان جنوب ملتقى (فرات صو ومراد صو) لأنتاج الطاقة الكهربائية ([6]) .
وقد افتتح سد كيان عام 1974 بحجة تنظيم مياه النهر والحماية من الفيضان وتوليد الطاقة الكهربائية ، الأمر الذي أثر على وارد نهر الفرات عام 1974 عندما تم ملء بحيرة السد المذكور ولينخفض هذا الوارد الى اقل من( 9 ) مليار م3، وفي بداية الثمانينات عزمت تركيا على تنفيذ مشروعها المسمى (جنوب شرق الأناضول) الذي عرف باسم (GAP) الكَاب وهو اكبر واوسع المشاريع في المنطقة ويغطي مساحة(73,863) الف كم2 ، وهي تمثل(9,5%) من مساحة تركيا ، ويغطي المشروع ست محافظات وهو مشروع متعدد الجوانب والاغراض، إذ يتضمن إقامة(22) سداً منها(11) سداً على نهر الفرات و(4) سدود عل نهر دجلة و(19) محطة للطاقة الكهربائية ،وقدرت كلفة المشروع عام 1984 بنحو( 21 ) مليار دولار، لذلك يعد المشروع مشروعاً اقتصادياً واجتماعياً متكاملاً لأنه يوفر(250) الف فرصة عمل ، كما يوفر مياه لري مساحات جديدة تقدر بنحو مليون هكتار على نهر الفرات و(558) الف هكتار على نهر دجلة([7]) .
أما أهم المشروعات التي يضمها مشروع ((GAP فهي كالأتي([8]):-
أولاً:- سد كيان: ويقع على نهر الفرات ويكون بحيرة مساحتها(681,8) كم2 بطاقة تخزينية تقدر بنحو(31) مليار م3 ، وقد اكتمل انشاؤه عام 1974.
ثانياً:- سد قرقايا: وهو ثاني مشروع بعد كيان وأقامة مؤسسة الكهرباء التركية وهو يبعد عن كيان (6) كم ،وقد اكتمل السد عام 1988 ويتضمن خمس محطات مولدة للطاقة الكهربائية تنتج نحو( 7,35) مليار كيلو واط/ ساعة.
ثالثاً:- سد اتاتورك: ويعد أهم المشاريع الرئيسة في مشروع جنوب شرقي الأناضول والذي تم البدء بخزن الماء فيه عام 1990 ، إذ تم خزن ما يقارب(20) مليار م3، وهي تمثل نصف طاقة بحيرته الخزنية البالغة مساحتها(877) كم2 وتقدر طاقتها الخزنية بنحو(48,7) مليار م3 ،ويتضمن السد ثماني محطات كهربائية، ويعد هذا السد ثامن السدود في العالم من حيث الارتفاع الذي يصل الى(180)م ، والخامس عشر من حيث الحجم ، والسابع عشر من حيث انتاج الطاقة الكهربائية ويروي مساحة تقدر بنحو(692) الف هكتار من أراضي الهول أورقه وحران وماردين وجيلان من خلال نقل مياه السد عن طريق قناة طولها( 26,4) كم تمتد تحت الاراضي([9]) .
وعلى هذا الأساس يتبين أن تركيا من خلال سياستها المائية تسعى لإرواء مساحة (6,052) مليون دونم على نهر الفرات و(2,328) مليون دونم على نهر دجلة ؛ وعليه فأن احتياجات تركيا من المياه لإرواء هذهِ المساحة تقدر(24,208)مليار م3 من نهر الفرات ونحو(9,312) مليار م3 من نهر دجلة، أي نسبة( 70%) من مياه نهري دجلة والفرات، واذا اضيفت الى احتياجاتها المذكورة (6) مليارات للاستخدامات الاخرى غير الزراعية ، فيكون مجموع ما تحتاجه(39,5)مليار م3 ([10]) .
المطلب الثالث – أهداف السياسة المائية التركية
ترمي تركيا من وراء أقامة مشاريعها المائية الى تحقيق جملة اهداف اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية ومن اهمها ما يأتي:-
أولاً:- الأهداف الاقتصادية.
تسعى تركيا لتحقيق حلمها بجعل تركيا سلة الغذاء في منطقة الشرق الاوسط، مما يضعها بين الدول العشر الكبرى المنتجة للغذاء بالعالم وذلك من خلال ما تؤمنه هذهِ المشاريع من زيادة المساحة المزروعة في حوض الفرات من نحو( 2,5) مليون دونم الى نحو (6,05) مليون دونم ، وبذلك تستحوذ على(24,2) مليار م3 من مياه الفرات وفي حوض دجلة من(80) الف دونم الى( 2,318) مليون دونم الذي يتطلب لارواءها ما يقدر بـ( 9,312) مليار م3 ، مما ينعكس سلباً على الوارد المائي السنوي لهذين النهرين([11]) .
كذلك تسعى تركيا في برامجها المائية كهدف اقتصادي رئيس لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال انشاء(17) محطة كهربائية على نهري دجلة والفرات، ويعد توليد الطاقة الكهرومائية ذو اهمية واولوية ، لاسيّما بعد تراجع انتاج النفط كمورد للطاقة في تركيا من( 3,5) مليون طن سنوياً الى( 2,5) مليون طن سنوياً ، وبعد اكتمال مشروع (الكَاب) أصبح لدى تركيا فائض من الطاقة الكهربائية تحاول بيعها للعرب ، ومن الأهداف الاقتصادية الأخرى هي محاولة تركيا الاستحواذ على أكبر كمية من مياه دجلة والفرات ومقايضتها بالنفط العربي، وهذا ما تم اعلانه اكثر من مرة على لسان المسؤولين الاتراك بمبادلة المياه بالنفط العربي ([12]) .
ثانياً:- الأهداف السياسية.
تحاول تركيا من خلال سياستها المائية الحصول على موقع فاعل ومؤثر في ما يسمى بـ(النظام العالمي الجديد)، أو في ترتيبات المنطقة السياسية عن طريق ما يسمى بـ (الدبلوماسية المائية) باستخدام ورقة المياه في العلاقات الخارجية مع كل من سوريا والعراق لأضعاف قدراتهما الاقتصادية، وهذا ما أقدمت عليه تركيا ضمن تحالفها الاطلسي عندما قامت بتخفيض تصريف الفرات منذ عام 2000 الى مستويات متدنية وصلت الى(170) م3 في الثانية كجزء من توسيع نطاق الحظر الاقتصادي المفروض على العراق ، هذا فضلاً عن أن تركيا اتخذت ذلك الاجراء لمعاقبة سوريا على مساندتها لحركات التمرد المسلحة المعارضة لحكومة انقرة ، ولاسيّما حركة الاكراد والأرمن ،وقد بررت تركيا ذلك بأنه يعود لأسباب فنية([13]) .
وتبعاً لهذا فأن مشروع (الغاب) يمكن تركيا من السيطرة الكاملة على مياه نهري دجلة والفرات ، وبالتالي استخدام المياه كورقة ضغط سياسي واقتصادي ضد سوريا والعراق وتهديدهما بهذهِ الورقة التي باتت تقلق الجميع نظراً لما يمكن أن تتحكم به تركيا بتصاريف دجلة والفرات لتحقيق أهداف سياسية.
ثالثاً:- الأهداف العسكرية والأمنية.
تكمن ابرز الاهداف العسكرية والأمنية لسياسة تركيا المائية فيما يأتي:-
- لا يستبعد استخدام تركيا لمخزونها المائي المتستر خلف سدودها العملاقة كسلاح عسكري مباشر في حالة حدوث نزاع مسلح ضد العراق من خلال اطلاق تصاريف عالية جداً تفوق استيعاب احواض الخزن في العراق.
- قد تثير السدود والمشاريع التركية، وبالتحديد على حوض نهر دجلة قرب الحدود العراقية وخصوصاً سدي (جزرة واليسو) مشكلات أمنية فيها، إذ ستخلق واقعاً زراعياً جديداً قرب الحدود وستكون هناك مدن وقرى وحضور سكاني مما قد يثير مشكلات أمنية فيها([14]).
- وتتمثل اهم اهداف مشروع (الغاب) من الناحية الأمنية في سعي تركيا لأحداث تغيرات ديموغرافية في المنطقة التي تقطنها غالبية كردية (12) مليون نسمة تقريباً من خلال تحويلها الى منطقة جذب سكاني تتوفر فيها كل المستلزمات الحياتية وفرص العمل بغية توطين ما يقارب الـ(6) مليون تركي سعياً لتمويل الاكراد إلى اقلية في المنطقة المعنية([15]) .
- ايجاد فاصل طبيعي بين المناطق التي يعيش فيها الاكراد والقواعد الخلفية لمتمردي حزب العمال الكردستاني الـ (PKK) الموجودين في اغلب الاحيان في الجانب الاخر من الحدود الفاصلة بين تركيا والعراق، وذلك بنقل الاكراد بالرضا، أو بالاجبار بعيداً عن الحدود ([16]).
ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الغاية التي تترقبها تركيا من مشاريعها المائية قد لا تتحقق بالسهولة التي تتصورها تركيا، فهناك من يعتقد بأن مشاريعها من الناحية الاستراتيجية شديد الهشاشة بسبب التركيب السكاني للمنطقة التي بينت فيها سدود المشاريع، فهي من الناحية الجغرافية معرضة للتخريب، لذا فأن ما يضمن نجاح أهدافها هو سعي تركيا لإقناع العراق من خلال اتفاقيات حقوقية وسياسية واقتصادية وإنمائية تعاونية مشتركة .
المبحث الثاني – تأثير السياسة المائية التركية على موارد المياه في العراق ما بين (2000-2020)
لقد تسببت تركيا المائية المخالفة لبروتوكولات والاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها مع العراق لضمان حقوقهما المائية في نهري دجلة والفرات مشكلات كثيرة على الموارد المائية في العراق ، وعلى خطط وبرامج التنمية الزراعية فيها، وبما أن العراق دولة مصب فأنه سيكون الاكثر تضرراً من هذهِ السياسات اذا لم يضمن حقه من قبل دولة المنبع وهي تركيا ، إلا أن هذهِ الحقوق لم تحترمها تركيا ، بالرغم من وجود أكثر من(13) معاهدة وبيان مشترك موقعه من قبل تركيا لضمان حقوق العراق.
وبناء على هذا سيتم في هذا المبحث توضيح تأثير السياسة المائية التركية على موارد المياه في العراق منذ عام 2000 حتى يومنا هذا عبر مطلبين، المطلب الأول يوضح المشكلات التي تواجه الموارد المائية في العراق، في حين خصص المطلب الثاني لتناول مدى التأثير على التنمية الزراعية في العراق.
المطلب الأول – المشكلات التي تواجه الموارد المائية في العراق
من أهم المشكلات التي تواجه الموارد المائية في العراق الناجمة عن ما قامت به تركيا من مشاريع سدود وخزانات على نهري دجلة والفرات هي كالآتي:-
أولاً:- مشكلة العجز المائي.
يواجه العراق اليوم اخطاراً حقيقية كونه يعتمد على مياه مصادرها بالكامل تقريباً تقع خارج حدوده ، فالعراق يعتمد في حاجاته الى المياه على نهري دجلة والفرات وهذان النهران شكلا أهمية كبرى في تاريخه والذي سمي ببلاد ما بين النهرين وبلاد الرافدين ، وكما كانت مصادر ومنابع هذين النهرين تقع خارج حدود العراق الاقليمية ، فهذا يعني عدم استطاعته التحكم بمنابعها ومصادرهما وبالمشاريع المقامة عليهما خارج حدوده، وتنحصر مشكلة مياه نهر الفرات في طريقة توزيع المياه غير العادلة بين كل من تركيا وسوريا والعراق ، فالعراق يستغل منذ عام 2000 ما يقارب الـ(33,4%) من مياه هذا النهر ، أي ما يعادل(8,6) مليار م3 ،على الرغم من أن النهر الذي يبلغ طوله( 2330) كم يجري اطول مسافة على اراضي العراق وهي (12113) كم مقابل (675) كم في الأراضي السورية و(442) كم في الأراضي التركية ،كما أن مساحة حوضه في العراق هي الاكبر (4603% من مساحة الحوض الكلية البالغة 444 كم2) ،وتبلغ حاجة العراق وحقه المشروع من مياه الفرات (13) مليار م3 وتمثل (380%) من مجمل موارد العراق المائية، علماً بأن العراق تاريخياً كان يصله من نهر الفرات ما يقارب(30) مليار م3 في العام من المياه ومن نهر دجلة ما يقارب (20) مليار م3 ، يضاف الى ذلك مياه الروافد التي تصب في نهر دجلة داخل العراق كالزاب الكبير والصغير ونهر ديالى لتصل حصة نهر دجلة من المياه إلى (40) مليار م3 ، إلا أنه خلال العشرين سنة الاخيرة قلت هذه الكميات بشكل كبير ، وبألاخص في نهر الفرات الذي انخفض منسوبه إلى أكثر من(60%)، إذ وصل إلى (9) مليارات م3 فقط ([17]) .
ثانياً:- مشكلة تحكم تركيا بمياه نهري دجلة والفرات.
أن مشروعات تركيا المائية التي نفذتها على نهري دجلة والفرات تتيح لها التحكم بتصاريف هذين النهرين ، وذلك بأطلاق وانشاء من المياه من خزاناتها المقامة على النهرين ، مما يؤدي الى تذبذب في الوارد المائي الى العراق وهذا بدوره يؤدي الى تعثر تنفيذ الخطط الزراعية ، إذ تشير الدراسات التي اعدتها وزارة الخارجية التركية منذ عام 2000 إلى ان التحكم المطلق في المياه التي تتدفق من محطات القوى المائية الخاصة بتلك السدود يكون على وفق الحاجة إلى الطاقة الكهربائية التي يتم تشغيل وحدات التوليد فيها فعند زيادة الحاجة الى الكهرباء يتم تشغيل كامل الوحدات المقامة على سد أتاتورك مثلاً البالغ عددها (8) وحدات ، وفي حالة عدم الحاجة يتم الاكتفاء بتشغيل واحدة أو اثنين من هذه الوحدات ،وهو ما يعني أن التصريف المطلق لن يكون ثابتاً وبمعدلاته الطبيعية كما تدعي تركيا ان الهدف من اقامة سدودها هو تنظيم جريان مياه دجلة والفرات بأن تتراوح ما بين (200-2000) م3/ثا للطلب على الطاقة، أما اذا كان التدفق قليلاً فتستنتج عن ذلك كلفة مترتبة على شراء اعداد من المضخات الصغيرة أو اتخاذ اجراءات اخرى لمواجهة النقص أو التخفيف من الاضرار المتوقع حدوثها، كما أن تحقيق الهدف التركي بتشغيل الوحدات يحتاج إلى تكرار قطع المياه مرات عدة ([18]) .
فضلاً عن تركيا سوف تتمكن في حالة الأزمات وعلى ضوء الطاقة التخزينية التي تتوفر لديها من إلحاق اضرار بالعراق ، ومن ذلك امكانية احداث فيضانات في النهر بأطلاق تصاريف عالية جداً تفوق استيعاب حوضه ، كما أن انهيار السدود في اعالي النهر لأي سبب كان يعني انطلاق الخزين المائي كاملاً وبصورة غير مسيطر عليها وخلال مدة قصيرة ، وهو ما يؤدي إلى تدمير ما يعترضها من منشأت أو مدن أو قرى وغيرها، كما أن تحكم دولة المنبع بتصاريف المياه من الممكن أن يؤثر في وضع ميزانيات خاطئة بسبب المعلومات غير الدقيقة ، وذلك كون العملية بالمياه المتشعبة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية ([19]).
ثالثاً:- مشكلة رداءة نوعية المياه.
لقد أدت مشكلة انخفاض الوارد السنوي لمياه نهري دجلة والفرات الى رداءة نوعية المياه فقد ازدادت الاملاح الذائبة فيها وكذلك المواد الصلبة الاخرى ويعود ذلك لأسباب كثيرة منها([20]):-
- زيادة تركيز الاملاح نتيجة لأنخفاض التصاريف عن معدلاتها الطبيعية، اذ نجد أن تركيز الاملاح المذابة في مياه الفرات تحد الحدود العراقية لم يتجاوز(450) جزء بالمليون قبل عام 2000 ، إلا انه اليوم ازداد إلى (1375) جزء بالمليون، أما نوعية المياه فمياه دجلة ازداد تركيزها من (250) جزء بالمليون إلى (375) جزءاً بالمليون ، وهذه المياه التي تحتوي على تركيز ملوحة عالية لا تصلح للري بل أنها تكون مصدر لملوحة التربة ، وانخفاض الانتاجية الزراعية.
- ضعف الاجراءات المتخذة لحماية البيئة من التلوث الصناعي ونفايات الزراعة، فالفلاحين عانوا من الزراعة بسبب رداءة نوعية المياه بوسائل مختلفة كالمواد الكيمياوية الناتجة عن الاسمدة والمبيدات المستخدمة في الزراعة أو الملوثات السامة كالنفايات السائلة ومخلفات الوقود، فضلاً عن الانشطة الانسانية الصحية (المجاري) المتمثلة بالنفايات الصلبة والسائلة، إذ ازدادت نسبة المواد الصلبة بمقدار(17%) في مياه نهر الفرات بعد قيام تركيا بتنفيذ برامج سياساتها المائية .
- ارتفاع درجات الاحترار المائي نتيجة تبريد محطات الطاقة الكهربائية ومن ثم التأثير على الكائنات الحية الموجودة في الحياة مما يهدد الثروة السمكية، كما ان هذهِ المحطات تؤدي الى تلوث المياه لما تطرحه من فضلات الوقود والزيوت.
- كما أن انخفاض مناسيب المياه السطحية وصعوبة تصفية مياه الشرب إدت إلى انتشار الامراض الوبائية .
رابعاً:- مشكلة التأثير على ادارة الموارد المائية.
أن التحكم التركي بتصاريف مياه نهري دجلة والفرات يؤثر على ادارة الموارد المائية في العراق وتعرف ادارة الموارد المائية بأنها (مجموعة من الاعمال والتدابير التي تحقق بمجموعها الاستخدام الامثل للموارد المائية وتمثل هذهِ المجموعة كلاً من التخطيط المائي والتشريع المائي والبحوث المائية والتدريب والتوثيق ونظم المعلومات) ولو توافرت الكميات المطلوبة من الموارد المائية في الوقت المناسب لما كان هناك سبب لحاجة الانسان إلى ادارة الموارد المائية، وتكمن المهام الرئيسة لادارة المياه في الآتي([21]):-
- تحقيق الموازنة المائية وهذهِ تعتمد على توقعات عرض المياه المتاحة والطلب عليها.
- درء الاخطار الناجمة عن المياه الفائضة اثناء السنوات الرطبة وتخزينها للاستفادة منها اثناء السنوات الجافة.
- المحافظة على نوعية المياه من التدهور والتلوث.
وقد شهدت الالفية الجديدة حتى يومنا هذا تحولاً كبيراً في التوجه العراقي نحو ادارة الموارد المائية ، وقد تجسد هذا التوجه في انشاء عدد من المشاريع الاروائية واعادة ترميم المشاريع القديمة وصيانتها من أجل تحقيق افضل استثمار ممكن لمياه دجلة والفرات، ولغرض تأمين احتياجات العراق المائية فقد اقام العراق العديد من السدود والمشاريع المائية تأتي في مقدمتها سدود الهندية والقادسية والرمادي ومشروع الحبانية وقناة الثرثار وسد الموصل التي تزود نهر الفرات بـ(6) مليارات م3 من مياه نهر دجلة بعد انخفاض منسوبة في فصل الجفاف ([22]) .
المطلب الثاني – التأثير على التنمية الزراعية في العراق
من المعروف أن الهدف المتوقع من تنمية الأراضي الزراعية المروية في العراق هي ايجاد احسن السبل لزيادة الرقعة الزراعية لأنتاج ما يحتاجه افراد المجتمع من الغذاء ، لاسيّما أن مناخ العراق الشبه الجاف لا يسمح بزيادة الرقعة الديمية؛ بسبب اعتماد ذلك على الهطول المطري في المنطقة المضمونة والامطار التي تشكل نسبة محدودة من مساحة العراق الكلية، وأن تطوير الاراضي المرورية يصطدم بثلاث مشكلات في مقدمتها توفر المياه اللازمة ، وطبيعة الارض ، ومشكلة تفاقم الملوحة فيها الناجمة عن ارتفاع الملوحة في المياه بسبب انخفاض تصاريف الانهار والتحكم بها من قبل الجاني التركي ، إذ أن تمركز الاملاح في التربة تسبب عن ثلاثة عوامل هي:-
أولاً:- مقدار الماء المضاف من كل ريه وتركيز الاملاح فيها.
ثانياً:- عمق الماء في الارض وتركز الاملاح.
ثالثاً:- مقدار المطر المتساقط.
لذلك فأن مشكلة التملح وتفاقمها ناجم بالدرجة الرئيسة عن زيادة الملوحة في المياه التي تروي منها الترب ، وتعد هذهِ اهم مصدر للتملح ، وتشير الدراسات أن بضع سنوات من الري بالمياه ذات الملوحة المرتفعة تؤدي إلى تملح الارض وجعلها غير صالحة للزراعة اذا لم يتوفر البزل الملائم لها ([23]) .
وأن ما يترسب من املاح بسبب مياه الفرات في كل متر من الأرضي التي تروى بمياهه بنحو(155غم/م2) سنوياً وان ما يترسب من خلال(78) سنة يحولها الى تربة عميقة مالحة لا تصلح للزراعة مطلقاً دون استصلاحها، وأن استصلاح هذهِ الأراضي يتطلب اعداد خطة لاستصلاح نحو(250) الف دونم سنوياً ، ولاسّيما اذا علمنا أن الاملاح الفائضة عن حاجة النبات تصل(3) مليار طن متري ينبغي ازاحتها وتقدر الأراضي التي تعاني من مشكلة الملوحة (12) مليون دونم ، مما يتطلب عزلها وبزله ، إذ أن نقص مياه الفرات والتعويض عن هذا النقص من مياه بحيرة الثرثار قد يؤدي إلى خروج نحو(40%) من المساحة المروية في حوض الفرات نظراً لأرتفاع الاملاح الذائبة في مياه بحيرة الثرثار التي تجاوز(1500) جزء بالمليون جزء ، ومن جانب آخر فأن السياسة المائية ومن خلال تأثيرها على اعدادات المياه وانخفاض الوارد المائي لنهري دجلة والفرات يقلل من فرص تنفيذ خطط وبرامج استصلاح ما يقارب الـ(22) مليون دونم ويتطلب بشكل كلي أو جزئي استصلاحها كمساحة اجمالية وكمساحة هامة تقدر بنحو (18) مليون دونم وذلك لما تحتاجه من مياه اضافية لأغراض عمليات الغسل والبزل للتخلص من الملوحة ([24]) .
وهذا ما يوضح حقيقة أن الفرات يملك موارد واسعة من الأراضي القابلة للزراعة ، وأن المحدد الرئيس للتنمية الزراعية هو توفر المياه الصالحة وليس الأراضي، لذلك تعد عملية توفير الموارد المائية من أهم العوامل الطبيعية التي تواجه سياسات التنمية الزراعية شرط أن تكون هذهِ الموارد النوعية والكمية المطلوبة، مما سيكون هناك تحدي كبير يواجه الزراعة العربية نتيجة للسياسات التي تنتهجها دولة المنبع تركيا التي تؤثر على الموارد المائية العربية، وبالتالي سيكون هناك ضرر للأمن القومي العربي وتأثير سلبي على برامج التنمية الزراعية في العراق التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي الوطني ، إذ ستقل المساحات المزروعة الى حدود النصف مما ينعكس على تقليل كميات الانتاج الزراعية للمحاصيل الغذائية الرئيسة كالحبوب والمحاصيل الصناعية التي تحتاج مساحات اكبر لزراعتها ([25]) .
وفي خطوة لافته عقدت اللجنة الفنية المشتركة بين العراق وتركيا اجتماعها الاول نهاية شهر نيسان 2007 وهو الاول منذ عام 1989 لبحث مختلف القضايا المائية الاستراتيجية بين الطرفين، لاسيّما مشروع سد (اليسو) (*) الذي تأثيراته السلبية في العراق تكون الأكبر، إذ أن كميات المياه الواردة اليه عبر دجلة تتأثر بشكل كبير فهو يتحكم في تحديد حصة العراق من المياه وتردي نوعيتها، ويعد مشروع سد (اليسو) على الحوض الرئيس لنهر دجلة من أخطر المشاريع المائية التركية على العراق لأنه يعمل على تخفيض منسوب نهر دجلة من(20) مليار م3/ سنة الى(9) مليارات م3/ سنة مما يجعله يشكل خطراً كبيراً يهدد مستقبل العراق الزراعي كون انتاجه الزراعي وحصانة آمنه الغذائي تعتمد بشكل كبير على موارد الأرض والمياه التي تؤمن القاعدة الرصينة للتنمية الزراعية فيه حاضراً ومستقبلاً، كما أن هذا المشروع الذي نفذته تركيا على نهر دجلة يعمل على تحويل ما يقرب من ثلاثة ملايين دونم من الأراضي الزراعية في وسط العراق وجنوبه الى جزء من الصحراء ، مما يقلص مساحة الأراضي الزراعية في العراق بنسبة الثلث أي أن المساحة المذكورة تعادل ربع الأراضي الزراعية في العراق البالغة(12) مليون دونم من أصل المساحة الكلية التي توصف بأنها ملائمة للزراعة مستقبلاً والبالغة(22) مليون دونم، وأن ذلك يخلق وضعاً صعباً للغاية سواء في تأمين المياه الكافية لأرواء المساحات الزراعية المتبقية، أو المياه الكافية للشرب والغسيل والصناعة والثروة السمكية وادامة الغابات ، مما يجبر العراق الى اعادة النظر في جميع المشاريع الخاصة بالاستصلاح والارواء، فضلاً عن خططه المستقبلية كونها ستصبح بلا فائدة لأن الاراضي الزراعية تتحول الى جزء من الصحراء الغربية خلال الـ(25) سنة التالية لبناء السد ([26]) .
وفضلاً عما ذكر فأن قيام فنبدء تركيا بملء بحيرة سد إليسو في عام 2018 ، إدى إلى قطع كامل مياه النهر عن العراق وبعد مساعي حكومية حثيثة أجلت تركيا قطع المياه لمدة محدودة، وبالتالي إدى ذلك إلى خلق أزمة سياسية في العراق تمثلت بأندلاع شرارة تظاهرات حاشدة في محافظة البصرة في عام 2018 بسبب انقطاع المياه، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء العراقي السابق (حيدر العبادي) إلى الإعلان بأن حكومته تقف مع مطالب المتظاهرين، وقد شكلت خلية أزمة لتلبيتها ، وبعد لقائه مع العديد من شيوخ ووجهاء محافظة البصرة والناصرية اتخذت الحكومة العراقية العديد من القرارات العملية كمشاريع قصيرة المدى آنية لتحسين الماء ، فضلاً عن حزمة أصلاحات مالية تقدر بـ(5) تريليونات دينار عراقي منها (3) تريليونات ونص التريليون تخصص للبصرة والأخرى المتبقية للمثنى وذي قار والنجف ، التي تعد عبارة عن إكمال مشاريع متوقفة منذ عام 2014 تتعلق بالماء([27]).
لذلك فإن لبناء السدود التركية انعكاسات خطيرة على العراق في مجالات الزراعة ومياه الشرب وتوليد الطاقة، فضلاً عن زيادة مساحة التصحر، إذ أن حجب السدود للمياه يؤثر كماً ونوعاً على المياه العراقية فقلة واردات المياه من شأنها رفع تركيز الملوحة في مجرى النهر ، ومن ثم سيؤثر ذلك سلباً على نوعية الأراضي بعد ان يزداد تملحها ، مما يؤدي بالمزارعين الى هجرتها نتيجة لعدم انتفاعهم فيها بسبب تردي منتجها ، وكل ذلك من عوامل التصحر الكثيرة التي يمكنها ان تفعل فعلها في العراق كونه يقع ضمن مناطق جافة ينخفض فيها معدل الامطار السنوي عن(250) ملم ، وهذهِ مشكلة طبيعية تؤثر على نمو الغطاء النباتي، فضلاً عن سوء ادارة الموارد المائية وانتشار ظاهرة الكثبان الرملية وحصول تغيرات في الطقس، كما ان تدهور الارض نتيجة انخفاض واردات المياه تؤدي الى تردي الواقع الاقتصادي وزيادة الحاجة إلى الاستيراد بدل الاكتفاء الذاتي، فضلاً عن تردي الثروة الحيوانية (ابقار، جاموس، اغنام، وغيرها) ، ثم انخفاض فرص العمل وزيادة البطالة في مراكز المدن بسبب هجرة المزارعين اليها، هذا الوضع يتطلب من الجهات ذات العلاقة أن تتحرك لمراقبة الوضع المائي الذي ستؤول اليه الاوضاع في العراق وتدرسه بغية وضع الحلول وبما تقدم من رؤية جلية يعتمدها العراق في تعاملاته مع تركيا التي تستفيد من مشاريعها الخزنية سواء تلك التي اقيمت وتقام على نهر الفرات ضمن مشروع (الغاب) وأدت الى تقليل وارداته المائية أو من خلال مشروع سد (اليسو) والذي يعمل على تقليل وارداته المائية السنوية ايضاً فضلاً عن تردي نوعيتها، مما ستكون له انعكاسات سلبية وخطيرة على مستقبل الزراعة في العراق ([28]) .
الخاتمة:
أن السياسة المائية التركية أدت الى تذبذب الوارد المائي السنوي لنهري دجلة والفرات ، بسبب المشروعات التركية على النهرين والتي تهدف تركيا من ورائها تحقيق العديد من الاهداف لغرض ابتزاز العراق والضغط عليه لتحقيق معادلة المياه مقابل النفط ، لذا فهي ترفض مبدأ القسمة العادلة لتوزيع المياه بينها وبين سوريا والعراق وتسوية المشكلة وفق مبادئ القانون الدولي ومواصلة مشروعها الكبير (الغاب) على نهري دجلة والفرات دون الاهتمام بأثاره السلبية حاضراً ومستقبلاً على العراق، وعليه ينبغي لغرض مواجهة وتجنب ازمة مائية قد تكون شديدة الخطورة في المستقبل لابد للعراق أن يعمل على صياغة سياسة مائية شاملة تأخذ بعين الاعتبار حاجات العراق إلى المياه في المستقبل، وتستند الى بناء المزيد من الخزانات والسدود، واستغلال مياه الامطار الجوفية، وترشيد الاستهلاك المائي بأنواعه الزراعي والصناعي والمنزلي.
المصادر:
- ايمن عبد الحميد البهلول، الاطماع الخارجية في المياه العراقية- الحروب القادمة، دار السوسن للنشر، سوريا، 2000.
- تمارا كاظم الاسدي، أزمة التظاهرات في العراق وتداعياتها المستقبلية، دراسة منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 10 أيلول 2018، على الموقع الالكتروني:
https://democraticac.de/?p=56211
- ثامر محي الدين الصالحي، الطاقة في تركيا، رسالة ماجستير، معهد الدراسات الاسيوية والافريقية، الجامعة المستنصرية، 1989.
- جريدة الصباح، العدد 1071 في 22 اذار 2007.
- جمال داوود سلمان، ازمة المياه وانعكاساتها على الامن العربي، المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية، كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية، المجلد الاول، العدد الاول، 2002.
- حامد عبيد حداد، دور تركيا في أزمة المياه في الشرق الاوسط العراق انموذجاً، سلسلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد 117، تشرين الاول 2011.
- حيدر الخفاجي، مشروع سد اليسو سيؤدي إلى حرب مياه أخرى، مركز البيان للدراسات والتخطيط، مقال منشور ، 21/10/2019، على الموقع الالكتروني:
http://www.bayancenter.org/2019/10/5495/
- خليل ابراهيم السامرائي، التطورات المعاصرة في العلاقات العربية المعاصرة، مطبعة الراية، بغداد، 1990.
- د. جلال عبدالله معوض، تركيا والامن القومي العربي، السياسة المائية الاقليات، مجلة المستقبل العربي، بيروت- لبنان، العدد(160)، 1992.
- د. نصيف جاسم المطلبي، السياسة المائية والحالية والمستقبلية لدول اعالي الفرات واثرها على العراق، مركز الدراسات التركية، ندوة الموارد المائية لدول حوض دجلة والفرات، جامعة الموصل، 1993.
- ساطع محمود الراوي، بعض الجوانب البيئية لمشاريع تنمية الموارد المائية في تركيا وانعكاساتها السلبية على العراق، ندوة مركز الدراسات التركية، جامعة الموصل، 1993.
- سالم الياس سليمان، الموارد المائية من حوض دجلة والفرات في تركيا دراسة جغرافية، رسالة ماجستير، معهد الدراسات الاسيوية والأفريقية، الجامعة المستنصرية، 1988.
- عايدة العلي سر الدين، العرب والفرات بين تركيا واسرائيل، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1997.
- عبد الستار سلمان حسن، مشروع جنوب شرق الاناضول (الغاب) الجوانب الفنية، مجلة دراسات اجتماعية، بيت الحكمة، العدد 7، 2000.
- عبد العزيز شحادة المنصور، المسألة المائية في السياسة السورية تجاه تركيا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، كانون الثاني/ يناير 2000.
- علي عبد الهادي، المجال الحيوي التركي، اطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1996.
- عمر كامل حسن، النظام الشرق أوسطي وتأثيره على الامن المائي العربي، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، ط1، 2008.
- غدير محمد سجاد عبدالله العبيدي، الامن المائي العربي والتحديات الاقتصادية والسياسية دراسة مستقبلية لحوضي دجلة والفرات، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2002.
- مجذاب بدر العناد، واحمد عمر الراوي، السياسة المائية التركية وتأثيراتها على الموارد المائية والامن الغذائي في العراق، مجلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد الثامن، 2000.
- محمد بديوي الثمري، التعطيش السياسي تفصيل في مسألة المياه في العراق، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2001.
- محمد جواد المبارك، اثر المياه في العلاقات الدولية دراسة من مكان الصراع او التعاون، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1994.
- منذر خدام، الامن المائي العربي الواقع والتحديات، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، شباط 2001.
- منى رحمة، السياسات الزراعية في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، تشرين الاول 2000.
([1]) علي عبد الهادي، المجال الحيوي التركي، اطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1996، ص14.
([2]) ثامر محي الدين الصالحي، الطاقة في تركيا، رسالة ماجستير، معهد الدراسات الاسيوية والافريقية، الجامعة المستنصرية، 1989، ص79.
([4]) سالم الياس سليمان، الموارد المائية من حوض دجلة والفرات في تركيا دراسة جغرافية، رسالة ماجستير، معهد الدراسات الاسيوية والأفريقية، الجامعة المستنصرية، 1988، ص26.
([5]) ساطع محمود الراوي، بعض الجوانب البيئية لمشاريع تنمية الموارد المائية في تركيا وانعكاساتها السلبية على العراق، ندوة مركز الدراسات التركية، جامعة الموصل، 1993، ص40.
([6]) د. نصيف جاسم المطلبي، السياسة المائية والحالية والمستقبلية لدول اعالي الفرات واثرها على العراق، مركز الدراسات التركية، ندوة الموارد المائية لدول حوض دجلة والفرات، جامعة الموصل، 1993، ص110.
([7]) د. جلال عبدالله معوض، تركيا والامن القومي العربي، السياسة المائية الاقليات، مجلة المستقبل العربي، بيروت –لبنان، العدد( 160)، 1992، ص92.
([8]) خليل ابراهيم السامرائي، التطورات المعاصرة في العلاقات العربية المعاصرة، مطبعة الراية، بغداد، 1990، ص35.
([9]) محمد جواد المبارك، اثر المياه في العلاقات الدولية دراسة من مكان الصراع او التعاون، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1994، ص333.
([10]) علي عبد الهادي، مصدر سبق ذكره، ص232.
([11]) عبد العزيز شحادة المنصور، المسألة المائية في السياسة السورية تجاه تركيا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، كانون الثاني/ يناير 2000، ص165.
([12]) عمر كامل حسن، النظام الشرق أوسطي وتأثيره على الامن المائي العربي، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق- سوريا، ط1، 2008، ص455.
([13]) غدير محمد سجاد عبدالله العبيدي، الامن المائي العربي والتحديات الاقتصادية والسياسية دراسة مستقبلية لحوضي دجلة والفرات، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2002، ص71.
([14]) عمر كامل حسن، مصدر سبق ذكره، ص457.
([15]) غدير محمد سجاد عبدالله عليوي، مصدر سبق ذكره، ص69.
([16])عبد العزيز شحادة المنصور، مصدر سبق ذكره، ص194-195.
([17]) منى رحمة، السياسات الزراعية في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، تشرين الاول 2000، ص152-153.
([18]) مجذاب بدر العناد، واحمد عمر الراوي، السياسة المائية التركية وتأثيراتها على الموارد المائية والامن الغذائي في العراق، مجلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد (8)، 2000، ص16.
([19]) عبد الستار سلمان حسين، مشروع جنوب شرق الاناضول (الغاب) الجوانب الفنية، مجلة دراسات اجتماعية، بيت الحكمة، العدد(7)، 2000، ص24.
([20]) ايمن عبد الحميد البهلول، الاطماع الخارجية في المياه العراقية- الحروب القادمة، دار السوسن للنشر، سوريا، 2000، ص172.
([21]) محمد بديوي الثمري، التعطيش السياسي تفصيل في مسألة المياه في العراق، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2001، ص92-95.
([22]) جمال داوود سلمان، ازمة المياه وانعكاساتها على الامن العربي، المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية، كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية، ، المجلد الاول، العدد (1)، 2002، ص 64.
([23]) مجذاب بدر العناد، واحمد عمر الراوي، مصدر سبق ذكره، ص20.
([24]) منذر خدام ، الامن المائي العربي الواقع والتحديات، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، شباط 2001، ص16.
([25]) مجذاب بدر العناد، واحمد عمر الراوي، مصدر سبق ذكره، ص21.
(*) سد اليسو: يعد الاكبر بين السدود التركية على نهر دجلة ، وهو حلقة ضمن سلسلة متواصلة تهدف الى انشاء عدد من السدود على نهري دجلة والفرات تهدف إلى تخزين اكبر كمية من المياه في أراضي تركيا على حساب سوريا والعراق، وكان محط جدال كبير منذ طرح فكرته الاولى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ثم قررت تركيا في عام 2006 بناء سد إليسو ، وعلى الرغم من تزايد الاحتجاجات من الجانب العراقي، وبعض الدول الإقليمية الأخرى ضد بناء سد إليسو عام 2017 ، كونه يؤدي الى ازالة مواقع تاريخية مهمة آشورية ورومانية وعثمانية ، إلا أن الأوان قد فات فلم تكن دبلوماسية المياه من الجانب العراقي قوية ولا فعالة في التوصّل إلى قرار، وافتتح في حزيران 2018 . للمزيد ينظر: حيدر الخفاجي، مشروع سد اليسو سيؤدي إلى حرب مياه أخرى، مركز البيان للدراسات والتخطيط، مقال منشور ، 21/10/2019، على الموقع الالكتروني:
http://www.bayancenter.org/2019/10/5495/
([26]) جريدة الصباح، العدد 1071 في 22 اذار 2007.
([27]) تمارا كاظم الاسدي، أزمة التظاهرات في العراق وتداعياتها المستقبلية، دراسة منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 10 أيلول 2018، على الموقع الالكتروني:
https://democraticac.de/?p=56211
([28]) حامد عبيد حداد، دور تركيا في أزمة المياه في الشرق الاوسط العراق انموذجاً، سلسلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد(117)، تشرين الاول 2011، ص55.
.
رابط المصدر: