بلال وهاب
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 25 يناير 2023، حُكماً باتاً ومُلزِماً يقضي بإلغاء كل القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان. والمؤكد أن هذا الحكم، إلى جانب الحكم الآخر الصادر عن محكمة التحكيم الدولية بخصوص تصدير نفط إقليم كردستان عبر تركيا، سيُعززان موقف بغداد الساعي للسيطرة على قطاع الطاقة في إقليم كردستان العراق. ومع أن بإمكان الحكومة الاتحادية العراقية أن تستمتع حالياً بمثل هذه الانتصارات القانونية، لكنْ إن لم تُدِر بغداد هذه المسألة بذكاء فإنّ من المرجح أن تؤدي هذه الانتصارات إلى مزيد من التعقيد للمآزق السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الكثيرة التي تواجهها الحكومة مع تركيا، وحكومة إقليم كردستان.
دولة واحدة وسياستان في مجال الطاقة
تتوزع إدارة قطاع الطاقة العراقية منذ عام 2014 بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان. ينص الدستور العراقي على المسؤولية المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على قطاع النفط والغاز، إلّا أنّ هذه النصوص يشوبها الغموض، وتتبنى كل من بغداد وأربيل تفسيرات متباينة لها. كما أنّ البرلمان العراقي لم يتمكن لغاية الآن من التصديق على قانون النفط والغاز الاتحادي الذي يُفترض أن يُحدد هذه الحقوق والمسؤوليات في شكلٍ واضحٍ. وقد هيمنت الصفقات السياسية وفرض الأمر الواقع على الوضع في غياب مثل هذا القانون، حيث بدأ كل طرف بتشكيل الحقائق على الأرض استناداً إلى تفسيره الخاص للدستور. وانتهى المطاف بالعراق بمجموعتين مختلفتين من السياسات الخاصة بإدارة قطاع الطاقة، ونماذج العقود، وشركات النفط الدولية، والمشترين.
في غضون ذلك، سعت الحكومة العراقية إلى إعادة قطاع الطاقة في إقليم كردستان إلى السيادة العراقية باستخدام عناصر قوتها السياسية والقانونية والمالية والعسكرية، لكنَّ حكومة إقليم كردستان قاومت تلك المساعي. وقد استنفد هذا التنافس الكثير من الطاقة والموارد، وفرض سطوته على المسارات التشريعية والاقتصادية في شكل حرم البلد من الفوائد طويلة الأمد التي تترتب على تنظيم قطاع الطاقة، والوصول إلى اتفاق مستدام بين الطرفين. ونتيجة لذلك، أخفق العراق في تعظيم عوائده من مبيعات النفط، أو التحدث بصوت واحد مع شركات النفط الدولية، أو في منظمة “أوبك”. وتفوقت رغبات السيطرة السياسية على الشفافية والحوكمة الرشيدة. وعلى عكس الهدف الذي كان يُبتغى عند إنشاء الفيدرالية النفطية العراقية، لم تتحول هذه الفيدرالية إلى علاج لواقع العراق كبلد ريعي شديد الاعتماد على النفط بوصفه مصدر دخله الأساسي.
مشكلات محلية تنطوي على تداعيات دولية
عمد برلمان إقليم كردستان العراق إلى سن قانون خاص به عندما أدّى الخلاف بين بغداد وإقليم كردستان إلى تعطيل المصادقة على مشروع قانون النفط والغاز عام 2007. وبدأت وزارة الموارد الطبيعية المشكلة حديثاً في الإقليم بتوقيع اتفاقيات للإنتاج المشترك مع شركات النفط الدولية معتمدة نموذج للتعاقد يستهدف تحويل مخاطر الاستثمار إلى الشركات، لكنَّه في المقابل كافأ هذه الشركات بشكلٍ مُجزٍ في حال اكتشافها النفط. وبينما حظيت مثل هذه الشراكات مع الشركات الأجنبية بالقبول لدى حكومة إقليم كردستان التي تَدين بوجودها وبقائها للدعم الغربي، فإنّ الحكومة العراقية رفضت هذا النوع من التعاقدات التي تجعل الشركات الأجنبية شريكة في ملكية الحقول، ووجدت فيها تخلياً عن الحقوق الوطنية بأن تكون ملكية حقول النفط من قبل الدولة العراقية (حيث تعتمد وزارة النفط الاتحادية على نموذج عقود الخدمة بدلاً من عقود الشراكة). وواصلت الحكومة العراقية في غياب قانون جديد للنفط إدارة قطاع الطاقة حسب القوانين التي كانت سائدة قبل عام 2003، وتطغى عليها النزعة القومية والاشتراكية.
بعد ذلك جاء النزاع على صادرات النفط، عندما أخذت حكومة إقليم كردستان بالبحث عن منفذ للتصدير حالما بدأت حقولها النفطية بالإنتاج، فوقّعت على اتفاق طويل الأمد مع تركيا وأقامت خط أنابيب محلي يرتبط بخط الأنابيب العراقي-التركي. وبحلول مايو 2014 بدأ نفط إقليم كردستان العراق بالتدفق إلى الأسواق الدولية عبر ميناء جيهان التركي. عندها سارعت الحكومة العراقية إلى رفع قضية ضد أنقرة في محكمة التحكيم الدولية بسبب سماحها بتصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر أنبوب النفط المشترك ودون موافقة بغداد. وبعد تأخير متكرر بسبب جائحة كورونا، ووفاة بعض المحكمين، وطلب الحكومتين التركية والكردية من بغداد وقف الإجراءات القانونية، صدرت مسودة حكم عن محكمة التحكيم الدولية في يناير 2023. وبالرغم من عدم نشر تفاصيل الحكم بصورته النهائية، غير أنّه من المتوقع أن يكون لصالح العراق الذي يطالب بتعويضات بقيمة 36 مليار دولار. ومع أن تركيا هي الطرف المعني بالقضية وليس حكومة إقليم كردستان العراق، غير أن الأخيرة ستكون أكبر الخاسرين.
ويُعَدُّ قرار التحكيم آخر حلقة في حملة الضغط التي تشنّها بغداد ضد حكومة إقليم كردستان العراق؛ إلى جانب ذلك، قلَّصت الحكومة الاتحادية حصة الإقليم من تخصيصات الميزانية الاتحادية، ما تسبب بأزمة مالية لم تتعاف منها حكومة إقليم كردستان العراق على الإطلاق. منذ ذلك الحين، توصل الطرفان للعديد من الاتفاقات الظرفية التي لم تدم طويلاً حول الميزانية، اعتماداً على أسعار النفط وميزان القوى بين أربيل وبغداد. وبدأت الحكومة العراقية على سبيل المثال – بعد صدّ تنظيم “داعش” وسيطرة قوات البيشمركة على كركوك وحقول النفط عام 2014 – بالاعتماد على خط أنابيب النفط في إقليم كردستان العراق لتصدير النفط من كركوك. لكنَّ بغداد استأنفت ضغوطها على حكومة إقليم كردستان العراق بعدما استعادت القوات العراقية سيطرتها على كركوك في أعقاب الاستفتاء على الاستقلال في إقليم كردستان العراق عام 2017.
وأدّت الأحكام التي صدرت عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق إلى ممارسة مزيدٍ من الضغوط على حكومة إقليم كردستان العراق، إلى جانب الضغوط السياسية والمالية. فأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في فبراير 2022 حُكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، واعتبار عقود وصادرات النفط التي وقعتها حكومة الإقليم غير قانونية. ولعل ما زاد من الصعوبات المالية لحكومة الإقليم الحكم الذي صدر عن المحكمة ذاتها في يناير 2023 الذي قضى بعدم قانونية التحويلات المالية الاتحادية إلى الإقليم . وأدّى هذا الحكم إلى تقييد قدرة رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، على الوصول لتسوية مع حكومة الإقليم. ويشير المسؤولون في حكومة إقليم كردستان العراق إلى بصمة إيران في الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا العراقية، خاصة أن هذه الأحكام تزامنت مع الهجمات التي شنّتها طهران بشكل مباشر وغير مباشر ضد البنى التحتية في قطاع الطاقة في الإقليم، حيث شنّت إيران هجمات صاروخية على مكان إقامة أحد رجال الأعمال الكرد الذين يعملون في مجال النفط والغاز، إلى جانب سقوط صواريخ يُعتقد أن الميليشيات المقربة من إيران تقف ورائها على حقول الغاز الرئيسة في الإقليم.
الأهداف الخاصة والسباق نحو الهاوية
تسبّب النزاع بين بغداد وأربيل على مدى عقد من الزمان بخسارة للطرفين، حيث أدّت عملية ليّ الذراع من جانب بغداد وأساليب المراوغة من جانب أربيل إلى تقويض إمكانية ربط صناعة الطاقة لدى الطرفين، وتعظيم عوائد الخزينة لكل منهما. وكانت بغداد قد قررت في وقت مبكر وضْع أي شركة تعمل في إقليم كردستان العراق على القائمة السوداء، ما أدّى إلى تعطيل نشاط بعض الشركات، وحرمان البلد من فرص لزيادة الإنتاج، وتطوير صناعة الطاقة.
ومن جانبه، اعتاد إقليم كردستان العراق على بيع نفطه بأسعار مخفضة للغاية، بما يقل بنحو 15-18 عن سعر خام برنت بهدف تسهيل صادراته وتأمين الدعم الخارجي. وبسبب رفض حكومة الإقليم الرضوخ لبغداد، فإنها اضطرت للاعتماد على تركيا وشركات النفط الدولية وتجار النفط، الأمر الذي تسبب بخسارتها للكثير من العوائد وإرهاق خزينتها بديون بلغت مليارات الدولارات. لذلك فإن دخل حكومة الإقليم غير مُستدام حتى عند ارتفاع أسعار النفط، حيث جرى استخدام 60% من إجمالي عوائد النفط لعام 2022 لخدمة الديون. كما يستهلك القطاع العام المتضخم في إقليم كردستان العراق نحو 800 مليون دولار شهرياً تُدفع على شكل رواتب ولضمان ولاء السكان المحليين. ويقود مثل هذا النزاع القانوني والسياسة قصيرة النظر إلى تفاقُم الفساد المستشري أصلاً، وإلى تغلغل المليشيات ونفور المستثمرين. فبالرغم من التطمينات العراقية، تشعر شركتا “إكسون” و”شل” بالقلق إزاء آفاق استثماراتهما في العراق. وفي نفس الوقت، يواصل العراق شراء الغاز والكهرباء من إيران بسعر مرتفع للغاية لسد ثلث احتياجاته في الوقت الذي يحرق فيه نصف إنتاجه من الغاز الطبيعي.
وعندما أصبحت الحكومة الاتحادية في بغداد أكثر صرامة مع حكومة الإقليم بعد أزمة استفتاء الاستقلال عام2017، ابتعدت الأحزاب الكردية عن الساحة السياسة العراقية، ووثّق “الحزب الديمقراطي الكردستاني” المهيمن على حكومة الإقليم علاقاته بأنقرة وبتجّار النفط، لكن من موقع ضعيف في الغالب. ورغم نجاح حكومة الإقليم – بدعم تركي – من تأخير صدور حكم من قبل محكمة التحكيم الدولية، إلّا أنّها فشلت في استغلال الوقت الذي كسبته للدفع باتجاه سن قانون نفط اتحادي مواتٍ لها في بغداد. ومن بين الفرص التي أضاعتها الأحزاب الكردية استغلال النفوذ الذي توفر لها بعد كل موسم انتخابي بسبب الحاجة لأصواتها في عمليات تشكيل الحكومات المتعاقبة. وبدلاً من ذلك، أهدرت ذلك النفوذ على الصراع على السلطة والوظائف الحكومية العليا. وعلى الرغم من تشكيكها اليوم في دستورية المحكمة العُليا الاتحادية العراقية ونزاهتها، صوتت أحزاب إقليم كردستان العراق لصالح تأسيسها وأصبح لها مُمثّلين في تلك المحكمة.
استفادت بغداد ايضاً من ضعف التماسك الداخلي في الإقليم، وبشكل خاص بفعل التنافس بين الحزبي الكبيرين، “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، اللذين تعمّق الخلاف بينهما حول إدارة قطاع الطاقة وإيراداته، خصوصاً بعد تحوّل ميزان القوة لصالح “الحزب الديمقراطي الكردستاني” منذ وفاة زعيم “الاتحاد الوطني الكردستاني”، جلال طالباني. وقد اتّبع نيجرفان بارزاني، رئيس وزراء الإقليم السابق ومُهندس قطاع النفط والغاز في كردستان العراق منذ عام 1999 إلى أن أصبح رئيساً للإقليم في عام 2019، نهجاّ تصالحياً في إدارة الخلاف بين الحزبين من أجل حماية صناعة الطاقة من الانقسام وفق الخطوط الحزبية (وما يترتب عليه من انقسام داخل البيشمركة الكردية).
لكن ابن عمه، رئيس الوزراء الحالي، مسرور بارزاني يتبنى نهجاً أكثر تشدداً، ويبدو عازماً على إجبار “الاتحاد الوطني الكردستاني” على أن يكون بمنزلة الشريك الأصغر بهذا الخصوص؛ فبالرغم من أن “الاتحاد الوطني الكردستاني” في موضع أضعف اليوم إلاّ أنه لايزال قادراً على لعب دور المعطّل أو المربك. فعندما روّج رئيس الوزراء بارزاني في منتصف عام 2022 لإمكانية تزويد الأوروبيين بالغاز نتيجة للأزمة التي أحدثتها الحرب الروسية-الاوكرانية، لم يُظهر المستثمرون اهتماماً كبيراً بهذا الشأن، إذ يقع الجزء الأكبر من حقول الغاز الطبيعي في كردستان العراق في المناطق التي يُسيطر عليها “الاتحاد الوطني الكردستاني”، والتي لا يُمكن لمسرور بارزاني التحدّث بشأنها. ومنذ أكتوبر 2022، قاطع ممثلو “الاتحاد الوطني الكردستاني” اجتماعات مجلس وزراء إقليم كردستان. وبالتالي، تتزايد الضغوط على حكومة إقليم كردستان، وقد ينأى “الاتحاد الوطني الكردستاني” بنفسه عن سياسة الطاقة الموحّدة في الإقليم من الآن فصاعداً، ويتّبع سياسة خاصة به. كما أن التأخّر الدائم للمدفوعات المالية والصدامات الشخصية أثّرت بشكل سلبي في علاقة مسرور بارزاني مع شركات النفط الدولية والتي يحتاج لها الإقليم الآن أكثر من أي وقت مضى، وأدّت مشكلة بهذا الصدد إلى خروج شركة “ترافيغورا” لتجارة النفط من الإقليم.
هل تستمر الأزمة من دون حل؟
يُمثِّل توحيد المواقف في إقليم كردستان حجر الأساس للمضي قُدُماً نحو تشكيل قطاع الطاقة العراقي على أُسس قانونية صلبة، وفي شكلٍ يُسهم في أمن الطاقة واستقلالها في العراق. ومع ذلك، ستُرحب بغداد بأية فرصة لعقد صفقات مُنفصلة مع كل من الحزبين الرئيسين بدلاً من التعامل مع إقليم كردستان العراق بوصفه كياناً موحّداً. ومثل هذه السياسة ستتسبب بتأخير تمرير التشريعات الضرورية، والتي من شأنها تنظيم القطاع الوطني للطاقة. وفي ظل غياب الوحدة في إقليم كردستان، يُمكن للبرلمان العراقي أن يُمرّر قانون نفط وطني يتجاهل آراء الإقليم ووجهة نظره. وقد لجأ كلا الجانبين في الماضي إلى أحكام قصيرة الأجل في قانون الميزانية السنوية فقط لكسر دائرة الشك وانعدام الثقة. كما أن هناك أضراراً ناتجة عن النهج الشعبوي في التعامل مع الموضوع من كلا الجانبين.
إن حلّ النزاع بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان العراق لا تعوزه الأفكار والمُقترحات. فقد عُقد العديد من جولات التفاوض بين الجانبين حول الحقوق التعاقدية والتصدير، فضلاً عن المشورة التي تُقدّمها الوكالات الدولية بهذا الخصوص؛ المشكلة هي أنّ الجانبين يفتقران إلى الثقة المتبادلة والإرادة السياسية، ونظراً لأن سيادة القانون تضمن المساءلة، فإن أول إجراء ينبغي اتخاذه هو إنشاء محكمة اتحادية عليا جديدة بحسب المُتطلّبات الدستورية.
فضلاً عن ذلك، من المُحتمل أن يتحوّل انتصار العراق القانوني في محكمة التحكيم إلى خسارة سياسية في حال عدم التوصّل إلى اتفاق بين إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية؛ فالشعبويون في بغداد بحاجة لتحقيق انتصار دولي، لكن الفاعلون الأكثر حكمة يعرفون بشكل أفضل أن تركيا لن تدفع مليارات الدولارات تعويضات للعراق، ولن تتخلّي عن صفقتها المُربحة مع إقليم كردستان العراق. وحتى لو غيّرت تركيا موقفها، فإنها ستُحمّل إقليم كردستان العراق خسائرها، وستطالب بإبرام صفقة غاز أكثر مُلاءمة مع الإقليم. وعلاوة على ذلك، فإن التوقيت مُهم الآن، إذ إن تركيا تعاني آثار الزلزال المُدمّر الأخير في الوقت الذي ينشغل ساستها بالانتخابات الحاسمة المنوي عقدها في مايو المقبل؛ فالضغط على الرئيس التركي -المتوتّر حالياً- يُمكن أن يأتي بنتائج عكسية على الصعيد الدبلوماسي. لقد بلغت قيمة الصادرات التركية إلى العراق 13.7 مليار دولار في عام 2022، كما أنّ تركيا هي بوابة العراق إلى أوروبا. وكبديل أفضل، يُمكن للعراق أن يتوصّل إلى صفقة كبيرة مع تركيا بشأن تدفّقات المياه من أراضيها وأمن الحدود وصادرات الطاقة في حال شُكِّلت المحكمة الاتحادية العليا المُلائمة، وسُنَّت التشريعات الضرورية في قطاع النفط والغاز. زد على ذلك، فإن الدول العربية المُجاورة للعراق تُراقب تصرّفات بغداد عن كثب، خاصةً في ظل سعيها لربط اقتصاداتها باقتصاد العراق.
يمتد تأثير النزاعات الداخلية بين الأحزاب الكردية الحاكمة من جهة، وبين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية من جهة أخرى إلى علاقات العراق مع إيران، وإلى أبعد من ذلك. فإيران لا يُسرّها أن ترى العراق يحقق المزيد من الاستقلالية في قطاعي الكهرباء والغاز. وقد استهدفت الميليشيات العراقية ذات العلاقة الوثيقة بإيران نشاط شركات النفط الدولية التي تعمل في العراق، وفي إقليم كردستان العراق، مثل حقل خور مور للغاز. وتُراقب الولايات المتحدة هذه المسألة أيضاً. فقد أصدرت واشنطن إعفاءات متتالية من العقوبات تسمح للعراق باستيراد الغاز والكهرباء من إيران بشرط أن تعد بغداد باتخاذ خطوات لتحقيق استقلاليتها في مجال الطاقة في المُستقبل. ومع ذلك، لا يزال العراق يعتمد بشكل كبير على مصادر الكهرباء والغاز من إيران، ولم يتحقق تقدم كبير على هذا الصعيد. علاوة على ذلك، نظراً للنقص في إمدادات الطاقة في أوروبا نتيجة حرب روسيا في أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة تدفع العراق وإقليم كردستان لزيادة إنتاج الغاز بهدف تصديره إلى الخارج.
وفي سياق متصل، أبرم إقليم كردستان العراق عقداً دائماً مع شركة روسنفت الروسية لبناء خط أنابيب لتصدير الغاز، على الرغم من أن تنامي دور روسيا في قطاع الطاقة في إقليم كردستان في المدى القريب لا يزال موضع شك. إن النزاع بين بغداد وأربيل بشأن الطاقة يتطلّب وساطة، ولكن المرة الأخيرة التي انخرطت فيها واشنطن بجديّة في هذا المجال كانت في عام 2008. وعلى الرغم من أن الطرفين لم يطلبا من واشنطن التوسّط بهذا الموضوع، فإن وزارة الطاقة الأمريكية أعدّت تقريراً خاصاً عن المُستقبل الواعد لقطاع الغاز في إقليم كردستان للمُساعدة في تشجيع مثل هذه المفاوضات وتسويغها. وعلى الجانب الآخر، يمكن أن تفقد أسواق النفط بسرعة 400,000 برميل من النفط، وهي مقدار صادرات إقليم كردستان الحالية إذا لم يتم التعامل مع الأزمة الحالية بحكمة.
.
رابط المصدر: