عبد الفتاح الجبالي
من المعروف ان اتخاذ القرارات الاستثمارية من جانب المستثمرين يتم وفقا للقراءة الحالية والمستقبلية للأوضاع الاقتصادية للدولة والمؤشرات المالية للشركات. ناهيك عما يرتبط بها من توقعات بشأن الظروف المحيطة بالاستثمار وجميع الامور المرتبطة به والمتعلقة بالمناخ الاقتصادي والتشريعي في الدولة ككل. فالقرار الاستثماري الجاد يستند في الأساس إلى زيادة قدرة المستثمرين على تقدير العوائد والمخاطر الاقتصادية المتوقعة، ويقوم على اساس المعلومة الصحيحة وفقا للظروف والاحداث التي من شأنها التأثير ايجابا أو سلبا على حركة النشاط والتعاملات في الاقتصاد القومي، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع المصرفية والنقدية وكذلك في تعاملات البورصة وغيرهما.كل هذه الأمور تضمن كفاءة عمل آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التي تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطار حقيقي مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع، وذلك بالشكل الذى يمكن الجميع من إجراء دراسات الجدوى السليمة والصحيحة. من هذا المنطلق تأتى خطورة نشر وتداول أي بيانات او معلومات غير صحيحة عن الأوضاع الاقتصادية بالبلاد. اذ إن الحديث الدائم والمستمر ببيانات ومعلومات خاطئة يخلق جوا من عدم الثقة وانعدام اليقين في اي إجراءات او سياسات او مؤشرات يمكن ان يعتمد عليها الأفراد، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى إفساد المناخ العام مادامت الأمور ضبابية وغير واضحة، حيث يؤدى ذلك الى التأثير السلبي على النشاط الاقتصادي ويسهم فى فقدان الثقة فى اساسيات التعامل فى الاسواق، خاصة فى القطاعات التي تلعب فيها العوامل النفسية والشائعات دورا كبيرا مثل القطاع المصرفي وسوق المال. فنشر اخبار كاذبة وغير صحيحة عن شركة ما، يؤدى الى تقلبات فجائية فى اسعار الاسهم، ومن ثم تهبط الاسهم بصورة كبيرة، دون اسباب جوهرية او أحداث حقيقية، وهو الخطر الحقيقي الذي يؤدى الى إفلاس الشركات، نظرا لما يخلقه من انطباعات غير صحيحة عن الاحوال العامة للشركة، مماقد يدفع الافراد الى التخلص من أسهم الشركة التى في حوزتهم، وكذلك يؤدى الى المزيد من التردد من جانب الافراد ووقوفهم وقفة المترقب لما سيؤول اليه الحال فيما بعد. وقد أصبحت السيطرة على الشائعات وتحجيمها أكثر تعقيدا وصعوبة، خاصة مع الصعود الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي في الحياة العامة، والتطورات التكنولوجية المتسارعة في شتي المجالات وانتشار الهواتف الذكية وغيرها من أجهزة المحمول ومع تزايد استخدام المزيد من الافراد منصات التواصل الاجتماعي، بحيث اصبحت هذه الوسائل هي المصدر الرئيسي للحصول على المعلومة. بل وأصبحت هذه الوسائل أكثر قدرة على التأثير في صنع القرار السياسي والرسمي، والاهم من هذا وذاك انها أصبحت مصدرا للمعلومات للعديد من المؤسسات الدولية العاملة في المجالات المختلفة، بغض النظر عن صحتها من عدمه وتزداد خطورة هذه المسألة في ظل غياب جودة المعلومات ونشر الادعاءات والشائعات دون أي سند من الحقيقة او المنطق ودون أي عائق قانوني مثلما يحدث في الإعلام والصحف وانتشار الأخبار الزائفة الخ. ولذلك فقد حرصت جميع القوانين المنظمة لعمل اسواق المال، فى جميع البلدان، على تجريم نشر بيانات او معلومات غير صحيحة عن الشركات المقيدة لديها. وذلك انطلاقا من كون النشر غير الصحيح للبيانات والمعلومات يؤدى الى أضرار سلبية شديدة للشركات المقيدة بالبورصة. وسيادة انطباعات خاطئة عن الاحوال العامة للشركة ومستقبلها مما يدفع بأسهمها الى التراجع، خاصة فى ضوء ما هو معروف عما يسمى فى الاسواق المالية من سياسة القطيع، حيث يقوم الافراد بالتخلص من أسهم الشركات التي تنشر عنها اخبار او معلومات، بغض النظر عن صحتها من عدمه، او بعبارة اخرى فان حاملي الاسهم لا ينتظرون للتأكد من صحة الخبر ولكنهم يسيرون وراء من سبقوهم فى عمليات البيع، وهو ما يحدث فى معظم الاسواق المالية، ويزداد بشدة فى السوق المصرية نظرا لغلبة التعامل الفردي عن التعامل المؤسسي.
لكل ما سبق فان توفير المعلومات والبيانات ذات الجودة العالية لم يعد ضرورة فقط، وإنما أضحى أمرا تلقائيا فى ظل ما تفرضه المستجدات على الساحتين الإقليمية والعالمية، وهو ماحرص عليه الدستور المصري فجاءت المادة 68 معبرة عن ذلك تماما، من هذا المنطلق تأتى أهمية الدور الذي يقوم به المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بقيادة د. نعايم سعد زغلول في مواجهة الشائعات وتوضيح الحقائق. وقد أشار في آخر تقرير له إلى أن عام 2021 جاء في الصدارة من حيث انتشار الشائعات بنسبة تبلغ 23.5%، وذلك مقارنة 1.7% عام 2014. وقد استعرض التقرير ترتيب القطاعات طبقاً لنسبة استهدافها بالشائعات خلال عام 2021، حيث جاء قطاع التعليم في الصدارة بنسبة 25.8%، تلاه قطاع الاقتصاد 22.6%، ثم الصحة 12.2%، والتموين 10%، والزراعة 5.4%، والكهرباء والوقود 5%، والتضامن الاجتماعي 4.7%، ثم كل من الإسكان والسياحة والآثار بنسبة 4.3%، والإصلاح الإداري 3.6%، فيما استحوذت القطاعات الأخرى على 2.1% من إجمالي الشائعات. وعلى الرغم من أهمية الدور الذي يقوم به المركز الإعلامي الا اننا نرى ضرورة ان تتم تقوية المكاتب الإعلامية بالوزارات واختيار متحدث اعلامي ملم تماما بأعمال الوزارة المعنية وعلى دراية كاملة وواسعة بالأحداث والتطورات داخل الوزارة وخارجها، وامتلاكه أدوات التواصل الاجتماعي والسياسي مع جميع الاطراف وكذلك الإسراع بإصدار قانون حرية تداول المعلومات بما يضمن القضاء على العديد من المشكلات الراهنة ويحد كثيرا من الشائعات والأمور الأخرى التي تضر بالعملية التنموية. فالمعلومات هي اكسجين الديمقراطية حيث يشكل تدفقها اساسا قويا لسياسات صحيحة وصنع قرار سليم ونزاهة الاعمال العامة والخاصة على السواء.
نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 2 فبراير 2022
.
رابط المصدر: