علي حسين عبيد
كما توجد ثقافة سياسية واجتماعية ودينية وغيرها، توجد أيضا ثقافة اقتصادية تمنح من يحملها أو يتمتع بها وعيّا اقتصاديا، يساعده على التحكّم الجيد بموارده، ويمكنه استثمار موارده المادية والفكرية والمعنوية، بما يحقق لهُ استقرارا ماديّا ونفسياً ومعنويا أيضا.
الاقتصاد بحسب مختصين هو النشاط البشري الذي يشمل إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات. ولغوياً يعني مصطلح الاقتصاد التوسّط بين الإسراف والتقتير، فقد جاء في كتاب مختار الصحاح: “القَصْدُ بين الإسراف والتقتير يُقال فلان مُقْتَصدٌ في النفقة”، أي أنه يعتمد الوسطية في الإنفاق بين البخل والتبذير.
كما أن الاقتصاد هو مصطلح يشمل مفاهيم كثيرة، منها أنَّهُ المفهوم الذي تدرسه العلوم الاقتصادية (الاقتصاد)، وهذا الأخير يرتكز على النظريات الاقتصادية والإدارية لتنفيذها. وأحيانا يمكن اعتبار مصطلح اقتصاد بديلاً عن “الاقتصاد السياسي”.
ويشير المصطلح عن الاقتصاد بالمعنى الواسع أو الحالة الاقتصادية لبلد أو منطقة ما، وهذا يعني وضعها الاقتصادي، أي ما يتعلق بالدورة الاقتصادية للدولة أو وضعها الهيكلي، ويتَّضح ضمن هذا المعنى، أن مصطلح الاقتصاد هو مرادف لكل من الأسلوب – النهج- أو النظام الاقتصادي، ونستخدم بصفة عامة في اللغة العربية، مصطلح الاقتصاد كمرادف للادِّخار أو لخفض الإنفاق، وقد يكون الاقتصاد في الواقع نتيجة لزيادة كفاءة التنظيم الداخلي لشركة ما أو على المستوى الفردي، وحتى الأسري في حدود أفراد الأسرة وإدارة اقتصادها.
ما هي درجة اهتمام الشباب بالاقتصاد، وهل تعنيهم الثقافة الاقتصادية، وهل أنهم مطالبون بالتسلّح بالوعي الاقتصادي؟، وقبل الإجابة لابد من المرور بتعريف أو تفسير جملة (الثقافة الاقتصادية)، وهل تدخل في إطار المعنى العام للثقافة؟، سبق أن عرفنا بأن فهم الاقتصاد جيدا، يعني تعاملا وتنظيما جيداً للموارد، وهذا يدل على أن الثقافة الاقتصادية تمنح الفرد والأسرة والدولة قدرة على الاستثمار الجيد لمواردها وثرواتها بمختلف مسمياتها.
حرمان الشباب من كسب المهارات
هذا يعني أيضا أن جميع الفئات العمرية للمجتمع، لابد أن تتحلى بالوعي الاقتصادي، ولكن في مرحلة الشباب سوف تكون نتائج الوعي الاقتصادي مهمة ومؤثرة، فالإنسان عادة يبدأ في بناء حياتهِ ونفسهِ ماديا في مرحلة الشباب، والبناء المادي يقوم في أهم خطواته على البناء الاقتصادي وتميّز الشاب بهذا النوع من الوعي، علماً أن البناء المادي لن يتناقض مع البناء الروحي، فكلاهما دعامتان لبناء الإنسان، لذلك يجب أن يتحلى الشاب بالوعي الاقتصادي حتى تكون نقطة انطلاقهِ للبناء المادي جيدة ومتميزة.
ومن الّلافت للنظر، أن شبابنا في العراق، لم يُمنحوا فرصةً كافية للحصول على الوعي الثقافي بشكل عام، ومنه الوعي الاقتصادي لأسباب كثيرة يأتي في المقدمة منها ذلك الإهمال المتعمَّد وكذلك غير المقصود لهذه الشريحة المهمة والمؤثرة، فلا تطوير للمهارات، ولا فرص كافية ومتكافئة للعمل، ولا خطط عملية أو تدريبية لتطوير وعي الشباب الاقتصادي، ولهذا بات من المهم جدا أن يهتم الشباب بأنفسهم في تحصيل الثقافة الاقتصادية وتطبيقها ضمن الأهداف المهمة التي تسعى لتطوير حياتهم والارتقاء بها.
وقد لا نغالي إذا قلنا بأن موجةً جديدة من الاقتصادي بدأت علاماتها تظهر بجلاء في الواقع العراقي، ولكن ظهورها يتجسَّد في شريحة الشباب على نحو أشد وضوحا من الشرائح الأخرى، وكلّنا تابعنا حملات إعادة الروح للمنتَج الوطني، وكيف شاركت الشريحة الشبابية في دعم هذا المنتج، وروَّجت له ودعت عبر مختلف وسائل الإعلام ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، إلى دعم المنتج الوطني وتوفير الحماية له أمام إغراق الأسواق بالسلع المستورَد’
وبدأت موجة الوعي الاقتصادي الشبابي وتطورت مع تطور الرؤية الشبابية والدعوات المترادفة لتحسين ظروف الشباب، وخلق الفرص الكافية لهم، وهناك دعوات كبيرة تخص أهمية استثمار الشاب نفسه للفرص المتاحة له في تطوير نفسه اقتصاديا، وتعامله المتطور في تدبير شؤونه الحياتية المختلفة، وقد بدا واضحا تصاعد اهتمام الشباب بالوضع الاقتصادي الفردي والجمعي، وجل هذه الدعوات تصب في مجال تطوير القطاع الخاص وتقديم الدعم اللازم للشباب ليس بربطهم بالدولة من خلال التعيين الحكومي، وإنما من خلال استيعاب القطاع الخاص للطاقات الشبابية الهائلة.
خطوات اقتصادية شبابية سليمة
هذا يعني فيما يعنيه، توافر الوعي الاقتصادي المطلوب للشباب بشكل فردي وجمعي، فالشاب المثقف اقتصاديا سوف ينجح في تأسيس عائلة يضع لها أسس التدبير الجيد والمتطور من حيث إدارة الموارد المتاحة لها، وتتم إدارة البيت بشكل علمي مدروس ودقيق، بحيث يتم التخطيط لميزانية الأسرة بأسلوب اقتصادي علمي يضمن توفير احتياجات الأسرة بما يتوافق والموارد المادية التي تدخلها.
وعبر الادِّخار أيضا يستطيع الشاب أن يوفر الأموال المتراكمة مع الوقت، ويستثمرها في مشاريع خاصة، بعد اكتساب الدورات التي تضمن له زيادة في المهارة وتعدّد في الخيارات، وتضمن له ثقافة اقتصادية تحميه من العشوائية في الإدارة، وتساعده على عدم الوقوع في أخطاء غير محسوبة، والأسرة كما هو الحال تشكل لبنة المجتمع الأكبر، وإذا أسهم الشباب في بناء نفسه وأسرته في إطار اقتصادي سليم، فإن محصّلة هذه الجهود الشبابية سوف تصب في صناعة مجتمع يتمتع بثقافة اقتصادية ووعي اقتصادي ينعكس على الأفراد والعائلات والدولة.
بالطبع لا يصحّ الاعتماد الكلي على الجهات الرسمية كوزارة الشباب مثلا في مجال تطوير الوعي الاقتصادي وتوفير المشاريع الصغيرة كونها تبقى مرتبطة بما يسمى بعبودية الدولة، لأننا كعراقيين نعرف مدى إمكانيات الجهات الرسمية ونواياها في تطوير الشباب اقتصاديا، في جانب الوعي والثقافة، أو في جانب تطوير المهارات، لذلك مطلوب أن يبادر الشباب بأنفسهم ويطوّروا وعيهم وثقافتهم الاقتصادية، وعليهم التركيز على الخطوات الاقتصادية السليمة التي تضمن لهم حياة متميزة.
من هذه الخطوات:
– الادّخار.. وقد سبق التطرق إليه في أعلاه.
– التحلي بروح المغامرة التي تبتعد عن التهوّر.
– دراسة المشاريع بصورة علمية والتخطيط لها واقعيا بما يتناسب مع القدرات المادية والعلمية المناسبة.
– توظيف العوامل المساعِدة للتطوير الاقتصادي، كالحملات الإعلامية وسواها.
– مواصلة حثّ الشباب لأنفسهم على إقامة المشاريع الصغيرة الناجحة والمحسوبة، وعدم التردد في الدخول بقوة في القطاع الخاص وتنشيطه.
– ولابد أن تكون هناك مشاركة مشهودة للأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال لدعم الشباب وتطوير مهاراتهم.
– كذلك على المصارف بنوعيها الأهلي والحكومي تقديم قروض صغيرة ميسَّرة قليلة الفائدة أو بدونها، كي تشجع الشباب على الدخول في النشاط الخاص.
بالنتيجة سوف نحصل على شريحة شبابية متنورة اقتصاديا وحياتيا، ولابد من التركيز على جانب تطوير المهارات الشبابية، من الجهات الحكومية والمدنية، وكذلك هناك حاجة مستمرة لجعل الوعي والثقافة الاقتصادية متاحة على نحو واسع للشباب، ولعموم المجتمع، ضمن خطط تضعها جهات أو مؤسسات مختصة بتطوير الفهم والوعي الاقتصادي للشباب قبل غيرهم!.