عزيز ملا هذال
على عكس الانسان الثرثار الذي لا يترك فرصة للتحدث الا واستغلها يوجد ذلك الانسان الذي يفضل الصمت في اغلب الاوقات ولن يتكلم الا اذا كان لديه ما ينفع، ومثل هذا الشخص يفكر في ماذا سيقول طويلاً قبل التحدث لئلا يخرج منه ما يندم عليه، ورغم ان اصحاب هذه الشخصية يمتازون بصفة الحكمة كما يراها البعض الا ان البعض الآخر يتهمهم بالتكبر تارة وبضعف الشخصية تارة اخرى، لذا فضلنا في مقالنا هذا ان نقطع هذا النزاع بالتعرف على سمات هذه الشخصية ومزاياها.
مثال واقعي:
كان احد اقاربنا رحمه الله رجل كبير في السن ومثل ما هو معروف في المناطق الريفية تجتمع كل منطقة في مكان احد ابناء هذه المنطقة عند حدوث مشكلة يراد ايجاد حل لها، او اي تجمع عشائري او حتى عائلي اخر، هذا الرجل كان اخر من يتكلم ولا يتكلم الا اذا طلب منه ذلك رغم انه الاكبر سناً انذاك، كان ينتقده من لا يعرف للكياسة والرزانة معنى الا القلة التي كانت ترى فيه انسان ذو عقل راجح فهو لا يتحدث الا حين يجب ان وهذا الذي اراه واميل اليه شخصياً، فأنا اتبنى ان قلة الكلام تضفي هيبة للانسان وعكسها هو الصواب من دون شك.
يعتبر علم النفس ان الشخص الصامت أو الكتوم بصورة ملحوظة سواء في محفل عام او خاص هو شخص أكثر تركيزًا على الإنصات بدلًا من التحدث، ما يعطيه ميزة خاصة تتمثل في قراءة أفكار الأشخاص المحيطين به بعد فهم طرق تفكيرهم وربما تحديد سماتهم كافة ببراعة شديدة، علاوة على إمكانية إعطاء الرأي الصائب في الوقت المناسب بعد تفكير عميق وهنا تتكرس قمة الوعي الانسان التي بالتأكيد ستمنح صاحبها مكانة بين اولي الالباب من المجتمع وان كانوا نادرين.
تمتاز الشخصية الانسانية الصامتة بعدة سلوكيات لا تشببها فيها الشخصيات الاخرى اهمها انها حين تسأل عن امر ما تجيب بكلام مختصر وهو ما يعرف بالجواب المغلق فهو لا يفضل الاسهاب في الاجابة وان تطلب الامر توضحياً اكثر فهو يوضح بالقدر الذي يعتقد ان الكلام صار واضحاً غير مكترثاً لمن يتغابى حتى يتصيد بكلام الاخرين ليحكم عليهم كيفما يشاء.
ويتصف صاحب هذه الشخصية بكونة مستمع جيد لمن يتحدث معه وللحديث الذي يثار حوله، مما يمنحه فرصة اكبر لتحليل الكلام والاستنتاج منه للحكم على شخصية المتحدث معه وبالتالي قد يشترك معه في الحديث ان حصل توافق نفسي او انه لا يفسح مجال للحديث ان رأى في الاخر قلة عقل وتفكير طائش او غير منطقي او غير ناضج.
ومن صفات الانسان الصامت انه يحفظ الأسرار بشكل جيد، فالشخص الكتوم حذر كثيراً عندما يتكلم، وهذا يجعله يختار ما يقال وما لا يقال بعناية على عكس الذي يفضلون التحدث دائماً بعيداً عن كون كلامهم ذو اثر ومعنى ام فأنهم يحتاجون وقود ليتسمروا بالحديث مما يجعلهم عرض لفضح اسرار الناس وربما الى يذهبون بأتجاه الغيبة والبهتان ورمي اعراض الناس بالباطل.
كما ان الانسان الصامت يكون لنفسه رهبة في نفوس مجالسيه سواء اكانوا اعداء ام غير ذلك لكونه لا يفصح عما بجعبته، فكثرة الكلام غالباً ما تكشف عن الجوانب السيئة أو غير المرغوبة من شخصيته أو عن الآراء غير المرحب بها، والكتمان والصمت يجعل الآخرين يبنون انطباعاً جيداً إن لم تكن العلاقة شخصية، وكل هذه الامور هي مردودات ايجابية لصحاب الشخصية الصامتة لذا يمكن ان نفند ومن دون تردد ادعاء بعض الجهلة من الناس بقولهم ان الانسان الصامت مريض نفسياً او متعال او غيرها من الادعاءات الباطلة وغير المنطقية.
.
رابط المصدر: