بعد مرور ثلاثة عقود على معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية، يستعرض كل من الرئيس الإسرائيلي السابق ووزير الخارجية الأردني السابق، إرث المعاهدة، بما في ذلك ارتباطها بالصراع الإقليمي الحالي.
في 22 تشرين الأول/أكتوبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي استضاف فيه رؤوفين ريفلين وجواد العناني، وأدار الجلسة روبرت ساتلوف. وقد شغل ريفلين منصب رئيس البرلمان الإسرائيلي لفترتين، كما كان الرئيس العاشر للبلاد. أما العناني، فقد تولى سابقًا منصب رئيس الديوان الملكي ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في المملكة الأردنية الهاشمية. يشغل ساتلوف حاليًا منصب المدير التنفيذي لـ “سيغال” في معهد واشنطن، ومدير كرسي هوارد پي. بيركويتز للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم.
روبرت ساتلوف
لا شك أن العام الماضي كان مليئًا بالتحديات لكل من العرب والإسرائيليين على حد سواء. ومع ذلك، وفى سياق مبدأ “كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ”، من الضروري أن ندرك أن بعض ركائز الاستقرار قد بقيت صامدة، ومن أبرزها اتفاقية السلام التاريخية التي أبرمتها إسرائيل والأردن قبل ثلاثين عامًا، والتي لم تساهم فقط في تطبيع العلاقات بين الجارتين، بل أسست أيضًا لشراكة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة. وفي هذا الصدد، ينبغي لنا أن نتوقف قليلاً لنتذكر شجاعة صانعي السلام الذين قاموا بصياغة هذا الاتفاق وهما، العاهل الأردني الملك حسين ورئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين، اللذان ساعدا بلديهما في التغلب على إرث طويل من الصراع لبناء سلام استمر لجيل كامل.
ومن المؤكد أن المعاهدة لم تحقق كل ما كانت تطمح إليه كل دولة، حيث بدأت بعض الفصائل في كلا البلدين مؤخرًا في التشكيك في الاتفاقية، بل ومعارضتها، معتبرة إياها عقبة أمام تحقيق تطلعاتهم الأيديولوجية. ومع ذلك، بقيت المعاهدة صامدة، وحققت فوائد ملموسة لكل من الأردنيين والإسرائيليين. وبالطبع، يذكرنا هذا بأن صانعي السلام ما زالوا موجودين على ضفتي نهر الأردن، في وقت تسعى فيه الأصوات المعارضة لإسكاتهم.
رؤوفين ريفلين
تُجسد معاهدة السلام تعاونًا عمليًا، حتى وإن تباينت الآراء حول مسار التسوية المستقبلية للقضايا العالقة. فالحدود الممتدة بين الأردن وإسرائيل، والتي يبلغ طولها 350 كيلومترًا، مفتوحة فعليًا من الناحية الأمنية نظرًا لقلة القوات المتمركزة هناك، إلا أنها بقيت آمنة بفضل التعاون الوثيق بين جيشي البلدين. وبالنسبة لإسرائيل، شكل هذا التعاون عنصرًا حاسمًا في تأمين “الجبهة الشرقية ” ضد الوكلاء المدعومين من إيران. كما أسهم التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والأردن في تحسين أوضاع الفلسطينيين عبر توفير فرص عمل وزيادة إمدادات المياه. وحتى في القدس – العاصمة التاريخية لإسرائيل – تعاون الحكومتان معًا، إذ تؤكد معاهدة السلام على الدور الخاص للهاشميين كأوصياء على المواقع الدينية الإسلامية من خلال دائرة الأوقاف.
على مدار العام الماضي، أظهر هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر والأحداث اللاحقة أن التطرف يشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. فالدولة تواجه حربًا متعددة الجبهات مع تهديدات على جميع الحدود، مما يستدعي تعزيز قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد كل من يسعى لتدميرها، وخاصة الإسلاميون المتطرفون في إيران و”تنظيم الدولة الإسلامية” و”حركة حماس” و”الإخوان المسلمين”. وقد أظهر العام الماضي أيضًا أن إسرائيل – وطن الشعب اليهودي – باقية كدولة مستقلة ذات سيادة. ويعيد هذا الواقع الى الأذهان رد القيادة الصهيونية في عام 1948 عندما اقترح الملك عبد الله الأول، الجد الأكبر للملك الحالي، منح اليهود حكمًا ذاتيًا ضمن المملكة الهاشمية. وكان الرد في ذلك الوقت، كما هو اليوم، “لا”، إذ يظل الهدف هو السيادة في دولة مستقلة.
فيما يتعلق بالفلسطينيين، أرى أن الحل الأمثل لهذه القضية العالقة هو تحقيق سلام دائم، بحيث يصبح جميع السكان القاطنون غرب نهر الأردن مواطنين يتمتعون بحقوق مدنية كاملة في دولة إسرائيل الديمقراطية. أدرك أن هناك مقترحات أخرى، تتراوح من حل “دولتين لشعبين” إلى أشكال مختلفة من الأنظمة الكونفدرالية. غير أنه يجب أن نجلس ونتفاوض للوصول إلى حل. في النهاية، فالعرب واليهود ليسوا ‘محكومين’ بالعيش معًا، بل هو قدرنا المشترك أن نعيش معًا، كما تشهد على ذلك تجربة ثلاثين عامًا من السلام بين الأردن وإسرائيل.
جواد العناني
قبل خمس سنوات فقط، حين اجتمعنا لمناقشة الذكرى الخامسة والعشرين لمعاهدة السلام، كان تقييم العلاقة الثنائية يستند إلى رصد ما تحقق من مبادرات وما لم يتحقق. أما الآن، وبعد مرور خمس سنوات إضافية، نتساءل عما إذا كان السلام ما زال قائمًا.
مع اشتعال الحرب في المنطقة، باتت حتى الدول غير المنخرطة بشكل مباشر في النزاع معرضة لـ “أضرار جانبية”، ولا يوجد منتصر واضح في الصراع الحالي، مما يستدعى تبنى نهج جديد ومبتكر لتغيير الوضع الراهن. إن تحقيق السلام الدائم يتطلب منا تجاوز العقلية الأمنية التي لا تزال مسيطرة، وتبنى مفاهيم التعايش وحقوق الإنسان والرخاء المشترك.
لقد كان الأردنُ ثابتاً في التزامه بالسلام ورفضه للتطرف، حيث نجح في مواجهة الدعواتِ المطالبة بإنهاء المعاهدة مع إسرائيل وأثبت مرونة كبيرة في التعامل مع العناصر المتطرفة. ورغم فوزِ جماعةِ “الإخوان المسلمين” في الانتخابات الأردنية الأخيرة نتيجةَ التعاطف الشعبي مع المتضررين في غزة، إلا أن هذا لا يعني أن الأردنَ يتغاضى عن الفظائع التي ارتُكبت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيث انضم إلى الدول العربية الأخرى في إدانتها بعد الهجوم مباشرةً. ومع تدفق اللاجئين الذي شهده الأردنُ نتيجةَ الصراعات المتعددة، فإن السلامَ يشكل قضيةً وجوديةً بالنسبة للمملكة.
يجب على كل من إسرائيل والأردن تهيئة الظروف للعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل دبلوماسي دائم للصراع الدائر؛ وربما تكون هناك حاجة إلى نهج “المسار المزدوج” قبل بدء المفاوضات الرسمية. ولكن علينا أولاً أن ندفع باتجاه وقف مؤقت لإطلاق النار يُفضى إلى وقف القتال وتحرير الرهائن، وبعد ذلك يمكن التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار. ومن ثم، لن نتمكن من إحراز أي تقدم في تحقيق سلام دائم إلا بعد معالجة الوضع الحالي.